على غرار جملة تأكيد الوجود الشهيرة "نحن هنا"، أصدر المسبار "فيلة"، المستقر حالياً على مذنب "67 بي تشوريوموف جيراسيمنكو"، الموجود في النظام الشمسي البعيد، اهتزازات استمرت على مدى ثانيتن سجلتها وكالة الفضاء الألمانية، ووصفتها بأنها "صوت ارتطام قصير لكنه مهم"، وأن الصوت بدا وكأنه صدى ضربة كرة تنس تمت بالحركة البطيئة. وصدور هذه الاهتزازات جاء نتيجة اصطدام أرجل المسبار المعدنية الثلاث بالمذنب ورغم عدم وجود هواء عليه لنقل الصوت، إلا أنها أرسلت مرة أخرى إلى الأرض في رسالة يؤكد خلالها أنه لم يدخل بعد في سبات عميق كما فعل منذ عشر سنوات حينما تم إطلاق "روزيتا" مركبة الفضاء التي حملته عام 2004 إلى الفضاء في أطول مهمة عرفها التاريخ البشري حتى الآن، حيث ستستمر حتى عام 2016، وفقاً لما ورد بوكالة "أنباء الشرق الأوسط". وهي رحلة فضائية أنفقت أوروبا عليها مليار يورو، وتقودها وكالة الفضاء الألمانية "إيسا" بمشاركة كل من (النمسا، وفنلندا، وفرنسا، والمجر، وأيرلندا، وإيطاليا، والمملكة المتحدة)، ومهمتها كما شرح الدكتور أشرف لطيف تادرس رئيس قسم الفلك بالمعهد القومي للبحوث الفليكة والجيوفيزيقية هي إجراء أبحاث على مادة وخواص المذنب فحواها هو التأكد من النظرية التي تقول إن المياه على الأرض مصدرها المذنبات. ولأهمية هذا الموضوع للإنسان فقد مثلته "إيسا" بتلك الأهمية التي كانت لفك رموز الكتابة المصرية القديمة، فأطلقت على المسبار اسم "معبد فيلة" بأسوان واسم حجر رشيد "روزيتا" على المركبة التي تم حمله على متنها على أمل أن يستطيع العلماء فك رموز هذا المذنب والتعرف على الكثير من أسرار المهمة الموكلة إليه، كما نجح العلماء من قبل في فك رموز اللغة الهيروغليفية. والمسبار "فيلة" هو مسبار هبوط غير متحرك أطلق في الفضاء الخارجي ممتطياً ظهر المركبة الفضائية "روزيتا" على متن الصاروخ "أريان 5" في مارس عام 2004، وتم الهبوط على سطح المذنب في 12 نوفمبر الحالي بعد رحلة استغرقت حوالي عشر سنوات على ظهر المركبة الحاملة. وتم تصميم المسبار "فيلة" للهبوط على المذنب باستخدام ثلاثة أرجل تفتح بمجرد الوصول إليه بأوامر من "روزيتا"، والأرجل مصممة بحيث تخفف من مقدار الارتطام بسطح المذنب مع قدرتها على تعديل وضع المسبار "فيلة" أثناء عملية الهبوط والتثبيت لمنعه من الانفصال عن المذنب نتيجة جاذبيته الضعيفة. ويحمل المسبار "فيلة" على متنه عدداً من الأجهزة العلمية الدقيقة منها جهاز قادر على الحفر فوق سطح المذنب لجمع عينة ترابية ومن ثم نقلها إلى داخل المسبار لغرض تحليلها بجهاز آخر يستخدم في تحليل تربة المذنب مطياف للكتلة يقوم بتحليل مكونات العينات المأخوذة من السطح والمواد المتطايرة من المذنب ويستكشف الجزيئات العضوية فيها، جهاز يتكون من ست كاميرات صغيرة تعمل على تكوين صورة بانوراما لسطح المذنب، وجهاز لدراسة التركيب الداخلي لنواة المذنب من خلال قياس الأمواج الكهرومغناطيسية المتولدة صناعياً بواسطة المسبار، وجهاز للكشف عن النظائر المشعة، ومجموعة من المجسات تركب على جسم المذنب لتحديد درجة الحرارة والكثافة والخواص الميكانيكية الخارجية للسطح، وجهاز لقياس المغناطيسية والبلازما وتفاعل الرياح الشمسية مع جسم المذنب، وجهاز يدرس الطبقة الخارجية للمذنب من خلال انتقال الموجات الصوتية والخصائص الكهربية للمذنب. وذكر تادرس أن أوروبا أنفقت على هذه المهمة مليار يورو، حيث أطلقت المركبة "روزيتا" إلى الفضاء على بعد 500 مليون كيلو متر من سطح الأرض، واستخدمت "روزيتا" جاذبية المريخ للوصول إلى مسافات شاسعة في الفضاء، ومرت في رحلتها بكويكبات عديدة منها كويكب "تاينز" الذي يشبه الماسة، وكويكب "توتيشا" العملاق الذي يبلغ حجمه 100 كيلو متر طولاً، و100 كيلو متر عرضاً. وأشار إلى أنه تم تصوير هذه الكويكبات وإرسال صورها إلى الأرض، وأنه عندما كانت المركبة على مسافة كبيرة جداً من الشمس لم تتمكن من شحن بطارياتها التي تعمل بالطاقة الشمسية فدخلت في سبات عميق لمدة سنتين و7 أشهر و12 يوماً، مضيفاً أنه تم إفاقة "روزيتا" بعد ذلك للقيام بمهمة إرسال المجس الفضائي "فيلة" الذي يبلغ وزنه حوالي 100 كيلو جرامات، ليهبط على سطح المذنب الثلجي الأملس "تشوري شوريموف" في 12 نوفمبر الحالي، والذي يبلغ حجمه 4 كيلو مترات عرضاً، و10 كيلو مترات طولاً ووزنه حوالي 10 مليارات طن من الغبار والمياه المجمدة. وأوضح أن المركبة "روزيتا" دارت حول المذنب عدة مرات ليتم تحديد نقطة هبوط المسبار "فيلة"، وعندما تمت عملية الإنزال على سطح المذنب لم تتمكن أرجل المسبار العنكبوتية الثلاثة الخاصة من تثبيت المجس بطريقة سليمة لشدة نعومه سطحه الثلجي مما أدى إلى انحرافه عن النقطة المحدد لهبوطه لأكثر من كيلو متر تقريباً ليستقر أخيراً في منطقه قليلة الإضاءة حيث حصل "فيلة" على ساعة ونصف فقط من ضوء الشمس وهذا المقدار لا يعد كافياً لشحن بطاريته الثانوية والتي تعتمد في شحنها على الطاقة الشمسية. وأشار تادرس إلى أنه مما زاد الأمر سوءاً أن المسبار وقع في ظل صخرة كبيرة أثرت بدورها سلباً على عملية الشحن، حيث استطاع العمل على سطح المذنب لثلاثة أيام معتمداً على بطاريته الرئيسية، وكانت درجة الحرارة على سطح المذنب (135 درجة)، ثم بدأ المجس بتثبيت نفسه بالطبقة تحت السطحية للمذنب، لكنه لم يكن قادراً على التعمق أكثر من بضعة ميلي مترات، نظراً لصلابة الجليد، فيما بدأ نفاذ مخزون الطاقة الكهربية للمجس لبعد الألواح الشمسية التي تنتج الطاقة الكهربائية عن ضوء الشمس. ويستخدم المسبار "فيلة" المركبة "روزيتا" كمحطة بث بينه وبين الأرض، وذلك لتقليل الطاقة الكهربائية اللازمة لنقل الإشارات اللاسلكية وسيعمل المسبار على سطح المذنب لمدة أسبوع على الأقل مع إمكانية تمديد الفترة إلى عدة أسابيع في حالة عمل الألواح الشمسية كما هو مخطط لها. واستطاع "فيلة" أن يرسل للأرض صوراً ثلاثية الأبعاد (بانوراما) للمذنب في اليوم التالي، وخلال تلك اللحظات اكتشفت مركبة "فيلة" بعد هبوطها على سطح المذنب "67 بي" جزيئات عضوية تعد اللبنات الأكثر بدائية لوجود الحياة، وفقاً لما ذكرته للوكالة الفضائية الألمانية المشاركة في بعثة "فيلة". والمركب العضوي بشكل عام هو الذي يحتوي بين جزيئاته على ذرات الكربون، أساس الحياة على كوكب الأرض، واكتشفت هذه الجزيئات أداة موجودة على متن مركبة الهبوط "فيلة" بعد "استنشاق" جو المذنب بمجرد هبوطها عليه "المركبة". ويتوقع الدكتور تادرس وجود احتمالية بإمكان إعادة الاتصال مرة آخرى مع مركبة الفضاء "روزيتا" خلال شهر أغسطس القادم عندما يقترب المذنب الحامل للمسبار "فيلة" من الشمس، مما يعني زيادة الضوء الساقط على ألواحه الشمسية، وبالتالي شحن بطارياته المسئولة عن الإرسال. ويسعى الفريق العلمي المشارك في هبوط المسبار "فيلة" على سطح المذنب "67 بي"، وبينهم علماء مصريين يسعى الآن لتحديد موقع المركبة من خلال الصور التي التقطتها لسطح المذنب، خاصة بعد سقوطها في غير المكان المحدد لها أسفل نتوء صخري منع وصول الشمس إليها لشحن بطاريتها الفارغة.