شعرت بنضج أدواتي في "برلين 69"..والرواية تسكنني منذ 40 عاماً كلنا مهوسون جنسياً..والمجتمع يجعلنا نخفي وجوهنا خجلاً هاجس الثورة موجود دائماً لأنه لا عدالة مطلقة أو كاملة قال الروائي صنع الله إبراهيم أن هوس السفر والحلم بالهجرة إلى الخارج لا يزال مسيطراً على الشباب في مصر، مثلما كان حلماً في الستينيات، بل يمكن القول أن الهوس ازداد خاصة مع صعوبة الحياة وفقرها، وعدم استطاعة الشباب العمل والزواج وممارسة الحياة الطبيعية. وأضاف صنع الله إبراهيم في تصريحات ل"محيط" أن روايته "برلين 69" لا تعبر عن الوضع الحالي في مصر رغم أن الرواية مسكونة بهاجس الثورة التي هي مستمرة دوماً، فقد كانت مصر عام 1969 في وضع مختلف عنها الآن، لم تكن الرأسمالية الطفيلية قد توحشت كما هي الآن، أيضاً كان هناك احتلال إسرائيلي وقضية وطنية مثارة تشغل الجميع، ورغبة في التغلب على الوحش الصهيوني، إلى أن سقط هذا الهيكل عام 1973. جاء ذلك خلال الأمسية النقدية التي نظمتها مساء أمس الأربعاء الجمعية المصرية للأدب المقارن والحلقة المصرية لدراسات النوع والشعريات المقارنة، لمناقشة رواية "برلين 69" للروائي الكبير صنع الله إبراهيم، الصادرة عن دار الثقافة الجديدة، والتي تتناول واقع الحياة في ألمانيا خلال فترة الانقسام عام 1969. في كلمته بالأمسية النقدية، أعرب صنع الله إبراهيم عن سعادته لوجوده في مكتبة مصر العامة خاصة بعد تغيير اسمها - كان اسمها مكتبة مبارك في الماضي - ولفت إلى أن روايته "برلين 69" لم تأخذ حظها من الاهتمام والمناقشة النقدية نظراً لصدورها في ظروف تنشغل الناس فيها بالسياسة. الرواية التي خرجت إلى النور في مايو الماضي، ظل هاجسها يراود مؤلفها كما يشير منذ 40 عاماً، حتى حانت لحظة كتابتها، يقول: لحظة شعرت فيها بالنضج ككاتب وإنسان، بالإضافة إلى نضج أدواتي وثقافتي، فقررت الكتابة. استخدمت لغة ساخرة في الرواية – يواصل صنع الله – استطعت الوصول إلى درجة نضج واضحة للتعامل مع موضوع مصير تجربة الدولة الاشتراكية، أسبابه وعوامله والظروف المحيطة به. وكانت القضية المطروحة وراء الرواية هي فكرة الثورة، مؤكداً أن فكرة الثورة دائماً قائمة لأنه لا وجود للعدالة الكاملة، سيظل دائماَ موجود هاجس الثورة والانقلاب على الوضع القائم، فهناك دائماً متناقضات تحتاج إلى ثورة لتعديلها، لذلك شعار "الثورة مستمرة" شعار صحيح. من جانبه ثمّن الناقد والشاعر د.علاء عبدالهادي مواقف صنع الله إبراهيم، خاصة رفضه لجائزة المجلس الأعلى للثقافة عام 2003، رافضاً محاولة النظام السابق استيعاب أكبر عدد من النخبة في مجالس ولجان، فرفض الجائزة لأنه لم يؤمن بشرعيتها، وحين رفضها لم يكن موقفاً فردياً لكنه كان ينطق عن الجماعة المثقفة. ولفت إلى أن المتأمل لعناوين أعمال صنع الله إبراهيم مثل "اللجنة، العمامة والقبعة، نجمة أغسطس، أمريكانلي، التلصص، وغيرها" يجد أن أعماله لها دلالات عامة، ولا تمنح نفسها لقارئها إلا بعد الاشتباك مع النص. قالت د.أمينة رشيد أستاذ الأدب المقارن في كلية الآداب بجامعة القاهرة، أن السخرية جزء من الرواية، صاحبتنا في الرواية منذ بدء الرحلة ثم تستمر لوصف كل شئ، فمثلاً في وكالة الأنباء من يترجمون من الألمانية والإنجليزية إلى العربية لا يعرفون العربية! وكان "صادق الحلواني" بطل الرواية مهمته مراجعة تلك الترجمات. وتحكي الرواية عن فكرة الثقافة حينها لدى الشبان، وهي العثور على الفتاة الأجنبية المناسبة. كذلك الرواية تزخر بتفاصيل الحياة اليومية مثل الأعمال المنزلية، والطهي وطرقه المختلفة، بالإضافة إلى سلوك الشعب في الشارع والمواصلات، وتصرفات النادل، كذلك وصف للعطلات الإسبوعية والرحلات والحفلات، فالرواية تصف طبيعة ألمانيا وجمال البحيرات والحدائق. أيضاً الفن كما تشير رشيد موجود في الرواية التي تحكي أيضاً عن معسكرات التعذيب هناك والتي تشبه معسكرات عبدالناصر في مصر. تحت عنوان "برلين 69 تجربة إنسانية خارج إطار الجاذبية الأرضية" تحدثت الناقدة د.رشا صالح عن الرواية مؤكدة أن الانطباع الأول الذي يخرج به قارئ الرواية قريب من الانبهار والاعجاب والفائدة. ولفتت إلى أن عام 1969 عتبة مؤثرة، فقد احتفلت ألمانيا بمرور 40 عاما على إنشائها، وكانت مصر تعاني من آثار هزيمة 1967، الأمر الذي يسمح للفنان أن يشكل أحداث السنة وفقاً لرؤيته الفنية الخاصة. تتشكل الرواية بحسب الناقدة من مدخل وخمسة فصول، يدور الحديث في المدخل على لسان الراوي العليم ليتحدث عن نمط أحلام الشباب المصري عام 1969 ورغبتهم في الهجرة، ويختار "صادق الحلواني" ليس كبطل للرواية لكنه أكثر الأسماء تردداً فيها. "صادق الحلواني" هذا يعمل محرراً في وكالة أنباء ألمانية تعبر خلالها المعلومات من الألمانية إلى العربية، لتصبح برلين 69 تجربة إنسانية تثير كثر من التساؤلات النقدية. من جانبها وصفت الناقدة د.عبير عبدالحافظ أن الكتابة لدى صنع الله إبراهيم تهدف إلى "تحيير" القارئ، فالمتلقي دائماً ما يجد نفسه في حيرة لاكتشاف ما يقصده النص. وتحت عنوان "وجوه صنع الله إبراهيم..القناع والعباءة" جاءت مقاربتها، لتشير إلى أن الرواية تهدف لهدم حلم الاشتركية وتحطيم جنتها، كذلك يتابع صنع الله إبراهيم في هذه الرواية فكرة الكتابة التوثيقية الذاتية الخاصة بحياته، لتصبح الرواية هي الوجه الآخر لروايته "الجليد" التي صدرت منذ عامين، وتناقش أيضاً إشكالية مقابلة الشرق والغرب. فرواية "برلين 69" اكتشاف للغرب وتوثيق تأريخي له، مشيرة إلى أن إنسان الطبقة المتوسطة وتحديداً الرجل هو بطل رواياته، فلا طبقات مهمشة عند صنع الله إبراهيم مثل محمد البساطي أو خيري شلبي، كذلك لا نجد لديه شخصيات تنتمي إلى الطبقة البرجوازية. كذلك هناك هوس جنسي متسلط على شخصية البطل، ونحن لا نعرف هل البطل هنا يمثل نفسه، أم هو المصري أو العربي، أو المسلم أو القبطي أو العلماني، تساؤلات غير مجاب عنها. ولفتت عبد الحافظ إلى أن صنع الله إبراهيم كتب الرواية بعد عام 2010 استناداً إلى تجربة المصريين الغرقى الذين يحلمون بلقمة عيش في مكان آخر. قد بدأت الرواية بهذا المقطع: "ليس من الصعب معرفة ما كان يدور في أذهان الشباب المصريين الذين ابتلعتهم مياه البحر الأبيض المتوسط طوال سنوات التسعينات من القرن الماضي و العشر الأول من القرن الجديد، اثناء محاوله التسلل إلى البلاد الاخري . فلن يتعدي الحلم بالعمل والسكن والحياة الكريمة، لكن الأمر لم يكن كذلك في عام 1969 رغم الآثار التي تركها العدوان الاسرائيلي قبل عامين". كذلك تميل الرواية إلى الكتابة الهندسية، وهذا يؤكد التأثر السينمائي في صناعة المشهد الروائي. وتعليقاً على الهوس الجنسي عند بطل الرواية، قال صنع الله إبراهيم "كلنا مهوسون" لافتاً إلى أن تيمة "الجنس" في رواياته ينقلها كما هي موجودة في الواقع، فهذا الاهتمام الجنسي موجود عند كل الشعوب، لكن ما يخلق المشكلة لدينا هو طبيعة المجتمع الذي يجعلنا نخفي وجوهنا خجلاً، ونعتبر أن أي مناقشة لهذا الأمر هو مشكلة وجريمة، على حد قوله. وأشار إلى أن نظريات الاشتراكية رائعة، لكن حين التطبيق تحدث المشكلات، فليس هناك وضع مثالي، بل هناك دوماً صراعات وتناقضات.