جلست لأتابع أحوال أم الدنيا مثلما أفعل كل مساء مثلي مثل ملايين المواطنين المصريين الذين صارت متابعة التوك شو ووسائل الإعلام عموماً مهمة يومية لابد منها لمعرفة مختلف الأحداث، وبتحويل المحطات وجدت الأخبار كالآتي: "اقتحام الطلاب للجامعات .. إغتصاب طفل من خلال 3 من زملائه في المدرسة .. ضرب رئيس نادي الزمالك على قفاه وإلقاء كيس بول عليه .. رئيس نادي هيئة تدريس جامعة الأزهر: عندي طلبة جواسيس بيجيبوا لي المعلومات طازة". اطفأت التليفزيون وأنا مذهولة من هذه الأخبار، ووجدت نفسي أفكر "هل هذه مصر حقاً؟ وما السبب وراء كل هذه الممارسات؟" .. وبعد تفكير قصير وجدت أن السبب وراء كل هذا هو أننا نعاني من أزمة في التربية .. نعم! إننا أمام أزمة تربية ومجتمعنا اليوم بحاجة إلى إعادة النظر في القيم المجتمعية والثقافية به. فالمظاهر التي نراها اليوم من شغب في الجامعات وفي المدرجات، والمشاجرات اليومية بسبب المرور ومشاكله التي صار السباب والضرب وقلة الأدب هو المعتاد والعادي فيها، وظواهر كالتحرش والغش الجماعي وغيرها من المظاهر السلبية في المجتمع يعد أهم أسبابها ببساطة هو غياب أو قصور التربية. التربية كلمة تحمل الكثير من المعاني التي صرنا في هذه الأيام نعاني من فقدانها، وهي بالتأكيد مهمة صعبة، بل قد تكون الأصعب على الإطلاق، خاصةً وأننا لم نعد كأمهات وآباء الطرف الأهم لتربية أبنائنا، ففي الماضي كانت مسئولية التربية تقع على عاتق الأسرة والمدرسة فقط، لكن الآن صار هناك دور للإعلام والانترنت والمجتمع في تربية الأجيال الجديدة. ولكننا عندما ننظر للواقع نجد أن أغلبنا لا يراعي ضميره فيما يخص هذا الأمر، فأغلب أولياء الأمور صار شغلهم الشاغل هو توفير سبل العيش فقط دون الاهتمام بواجبهم الديني والدنيوي في التربية الصالحة، فصارت بيننا وبين أبنائنا فجوة واسعة نزيدها كل يوم اتساعاً من خلال تركهم يجلسون بالساعات أمام التليفزيون وأجهزة الآيباد والتاب وغيرها دون رقابة أو ملاحظة. وإلى جانب الأسرة كانت المدرسة هي الطرف الأهم في التربية، وكنا نطلق على المعلم أنه "مربّي الأجيال" ، وعندما أطلق اسم وزارة (التربية والتعليم) لم يكن إطلاق الاسم بهذا الترتيب من قبيل الصدفة، بل لأن التربية فعلاً مقدمة على التعليم لأنها الأساسي الذي يجب أن يشب ويشيب عليه الإنسان في حياته. ودائماً يعد دور المدرسة مكمل لدور الأسرة، فهي تعمل على تأكيد المفاهيم السليمة التي تربى عليها الطفل من خلال أسرته، فدور المدرسة أكبر من مجرد التعليم فقط. ولكننا للأسف وجدنا أنه منذ سنين عديدة مضت بدأ كثير من المدرسين في إغفال فهم رسالتهم الهامة في تربية أبنائنا على القيم والأخلاق، وصار بعضهم يعتقد أن رسالته تنحصر في حشو رأس الطالب بالمنهج الدراسي فقط، بل ونجد بعض المدرسين يصرخ ويشتم خلال شرحه في الفصل، ويمرر للأطفال الصغار أفكار منحرفة كنت قد رصدتها في مقالات سابقة وبيانات سابقة، فتارة نجد مدرس يقول للطلبة أن المسيحيين كفرة، وفي مرة أخرى نجد مدرسة تقص شعر الفتيات الغير محجبات، ومدرسة ثالثة تسخر من طلبة أصحاب بشرة سمراء وتقول عليهم أنهم قردة!! .. هل هذه هي القيم التي يتربى عليها أبنائنا؟ .. الاضطهاد وإزدراء الأديان والعنصرية، هل هذا هو ما نود حقاً أن تتربى عليه الأجيال الجديدة؟ وهذه الأيام صار أبنائنا يتعرضون بكثرة للإعلام واللغة البذيئة التي صارت منتشرة في كافة القنوات، حتى في قنوات الأطفال. وصرنا نُجلس أبنائنا أمام برامج التوك شو وما تتضمنه من جذب وشد ولغة خطاب تتنافى مع الأخلاق في كثير من الأحيان، والتي تصدر أحياناً من الإعلاميين أنفسهم للأسف،وليس فقط من الضيوف. وحتى في قنوات الأطفال وجدت أكثر من مرة أنها تبث السم في العسل لأطفالنا بأفلام ومسلسلات الكارتون التي تذيعها، فتعبيء رؤوس أطفالنا بأفكار سيئة أو تنشر ألفاظ على لسان أبطالهم الذين يحبونهم ويرددون كلامهم بلا تفكير! وحتى عندما نحوّل المحطة نجد في البرامج والقنوات الرياضية أن حتى الرياضيين عندما يندلع ما بينهم خلاف على الشاشات يقومون بسب بعضهم البعض بالأم والأب أحياناً، بل ويصل الأمر في بعض المرات إلى النيل من عرض الطرف الثاني والتشهير به وبسمعته!! .. أي مثال هذا الذي يقدمه هؤلاء الرياضيون؟ .. على ما أذكر أنه في الماضي كنا نطلق على من لديه أدب وأخلاق وتسامح إنه صاحب "روح رياضية" .. فهل تلك الروح التي يبثها بعض الرياضيين هذه الأيام هي المثال للروح الرياضية الآن؟!! الحل يا سادة هو في التربية .. فمواجهة التحرش أساسها التربية وليس الفصل بين الذكور والإناث في المدارس والجامعات، ومواجهة الشغب في الجامعات أساسها التربية وليس إلغاء العام الدراسي أو زرع الجواسيس فقط ..وهكذا الأمر في بقية الممارسات الخاطئة. وهنا أنا لا أقول إن التربية وحدها هي الكافية لإنهاء الممارسات والمظاهر السلبية في مجتمعنا المصري الأصيل، ولكنني أقول أنها أمر جوهري وحيوي ومسألة أمن قومي. فعندما نربي أبنائنا مثلاً على الإنتماء وغنى النفس والوعي فقد يساهم ذلك في منعهم من أن يتحولوا لمرتزقة يخربون المنشآت والجامعات والمدرجات والشوارع ويؤذون الآخرين. لإننا الآن للأسف وصلنا إلى مرحلة تجعلنا نقول على من يفعل الصواب أنه شخص "أهبل" ، فمنذ يومين رأيت على الفيسبوك صورة لمواطن وجد 2,7 مليون جنيه مسروقة من وزارة الكهرباء فسلمها للشرطة، وشاهدت التعليقات وكنت أعتقد أنها ستشيد بالمواطن وما فعله، ولكنني فوجئت أنهم بدلاً من أن يقولوا عليه "أمين" أنهم يقولون عليه "أهبل" ، ما الذي أدى إلى هذه النظرة وهذا التفكير من هؤلاء سوى التربية؟ وفي النهاية أوجه نداء إلى كل شخص يشترك في تربية الجيل الجديد إلى مراعاة أهمية دوره لنهوض الوطن.. فيا أمهات وآباء مصر دعوني أذكركم بأنكم الأساس في تربية الأجيال الجديدة التي ستبني مصر الجديدة، فلا تنسوا أن هذه المهمة -وإن كانت شاقة- إلا أنها واجب ديني ودنيوي أنتم منوطين به برعاية هؤلاء النشء، ولا تنسوا أن الله قال في كتابه العزيز: "ربِ ارحمهما كما (ربياني) صغيرا" ، فالرحمة بكم مقرونة بحسن تربيتكم لأبنائكم، فبرّوهم بتربيتكم الحسنة لهم حتى يبروكم عندما يكبروا. وهذه التربية هي التي سترتقي بهم وتسمو بأخلاقهم وتجعلهم بناة صالحين لوطنهم .. وتذكروا أن "هكذا كل شجرة جيّدة تصنع أثمارا جيدة وأما الشجرة الرَدِيَّة فتصنع أثمارا رَدِيَّة". وإلى المعلم أقول: إعلم أن لك دور تربوي هام بخلاف دورك التعليمي، وسلوكك محسوب عليك أمام طلابك حتى وإن كان خارج المدرسة، فراعي أنك قدوة لهؤلاء الأطفال والمراهقين الصغار، ولا تنسى أنك رسول تحمل رسالة، فلتوصلها بأمانة ونزاهة وأن لم تستطع هذا فأنصحك ألا تعمل في هذا المجال من أساسه. وإلى الإعلامي، والرياضي، والمواطن العادي لا تنسوا أن جميعكم لكم دور في تربية أبنائنا، ففكروا قبل كل كلمة تقولونها وقبل أي فعل يصدر عنكم، فإنكم راع وكلكم مسئول عن رعيته. رئيسة مجلس إدارة جمعية نهوض وتنمية المرأة وخبيرة دولية في السياسة الاجتماعية وقضايا المرأة والتنمية