بدايه أود ان أذكر بأننى يشغلنى هم كبير تجاه أمر هذه الأمة والتى أشرف بأننى فرد منها ولدت فيها وتربيت على حبها وتعلمت فى مدارسها وجامعاتها ورزقت من خيراتها وما يشغلنى هنا هو ذلك التدهور السريع الذى نمر به خاصة فى الناحية الأخلاقية فالملاحظات المرئية فى يومياتنا وأدبياتنا اليوميه تدعونا الى التفكير والتوقف عند ظاهرة لم تكن موجودة منذ القدم ولكنها تنامت واستفحلت فى الفترة القريبة الماضية حتى أصبحت ظاهرة عامة تنتشر فى كل مكان وفى كل وقت وعلى جميع المستويات، برغم أننا استعدنا أيام ثورة 25 يناير كل الأخلاق الجميلة والصفات الطيبة فى مصر وان استمرت بعد ذلك فترة قصيرة ولكن سرعان ما بدأت الأمور بعد ذلك تعود تدريجيا الى سابق عهدها. هذه الظاهرة التى أود الحديث عنها هى حرية النقاش أو قل حرية التعبير وان شئنا الدقة قل حرية ابداء الرأى والرأى الأخر وهنا لا أتحدث عن الرأى السياسى وان كان جزءاً من القضية، فالقضية كبيرة ومتشعبة ولها جذور تاريخية قديمة وحديثة وفى اعتقادى أن لها علاقة بالتركيب النفسى للشخصية العربية، تتمثل هذة الظاهرة فى الانصياع والانقياد التام للأغلبية العامة الى القائد أو الزعيم أو المدير أو حتى الى الأب على مستوى الأسرة دونما تفكير أو مناقشة أو حتى إبداء رأى وان كان هذا مردود الى أن الأغلبية دائما ما تكون مسلوبة الارادة والعجيب أنها توافق طواعية على سلب حقوقها، يتواجد ذلك على مستوى الأسرة ومستوى الجامعة والوحدة المحلية والمركز والقسم والادارة الأعلى ثم الأعلى حتى تصل الى أكبر ادارة فى البلاد وهى رأس الدولة. سنبدأ بالمنزل ونحاول فهم التركيب النفسى للمجتمع بعيداً عن الموروثات والأديان ذلك لأن الكثير منا يفهم هذه الأمور كل على هواه (إلا من رحم ربى) وتلاحظ أننا نبدو علماء بارزون فى تفسير كل شيْ شريطة أن يتفق هذا مع المصلحة الخاصة أولاً ولتذهب المصلحة العامة للجحيم. فلو بدأنا على مستوى المنزل وهو الوطن الصغير الذى يحتوى القائد المتمثل فى الأب ومديرة المنزل المتمثلة فى الأم والغالبية العظمى الأولاد تجد العلاقة فى الغالب قائمة على محاولة كل طرف السيطرة على حقوق الطرف الآخر معتمداً كل الاساليب فى تحقيق ذلك وحتى لا أبتعد بكم كثيراً عن السياق فأنا هنا التزم الخط فى الحديث عن حرية النقاش فقط وأهميته فى حياتنا وهو بالمناسبة غير مكلف، فمثلا هل أبدى القائد المتمثل فى الأب مرونة كافية للسماع الى رأى الأم الذى قد يكون صحيحاً، هل طلب أى أب من الآباء من أحد أبناؤه أن يناقشة فى مسألة ما أو أمر من الأمور التى تخص الأسرة، هل استمع الأب هل فكر بعد ذلك فى ما اذا كان رأى الإبن أو البنت هو الصحيح أو أن رأى الأم هو الأرجح، كم من أربعمائة مليون مواطن عربى يفعل هذا الأمر، سيقول الكثير منا أن هذا ترف وان هذا ليس له مكان ولا مجال فى حياتنا اليومية التى أنهكتها قسوة الحياه فى البحث عن متطلبات الحياه الضرورية وسيقول البعض الآخر أن الأبناء محبطون وتافهون وليس لهم آراء صحيحة وكل همهم اشباع رغباتهم الشخصية فقط ولا يفكرون كيف يعانى الأب والأم لتحقيق عيشة معقولة لهم وتوفير التعليم والمسكن والغذاء وسيقول الكثير منا ليس هناك وقت حتى للتفكير فيما تطرحة، كل هذا صحيح وأكثر من ذلك وأزيد علية بأن القهر الذى يعانية أفراد المجتمع المتمثل فى الأب و الأم فى الشارع وفى مكان العمل وتحت وطأة الغلاء وفى ضيق الرزق أو قلة الدخل جعل القاعدة تنقلب على رأسها سلوكاً ولا مبالاة، نعم الاولاد محبطون فى جزء من المشهد ولكنهم مبدعون وسبقوا أباؤهم بأكثر من ثلاثين عاما لينهوا أسطورة القهر والفساد وهذا يؤكد ما بدأت به بأنه يوجد فجوة عميقة بين المجتمع واداراته وهؤلاء الشباب، وبالمناسبة كثير من الأباء يتركون لأولادهم حرية فعل كل شئ وأى ِشئ وهذا ليس حرية بل التسيب والافساد بعينه. وبرغم أننا لا نستطيع الاستغناء عنهم لأن الزوجة طلباتها كثيرة فى بعض الأحيان وبرغم ذلك يبذل كل من الأب والأم الغالى والنفيس من أجل الحصول على طفل ولتعرفوا قيمة ذلك اسألوا شخصاً تزوج و لم ينجب أو تأخر انجابه ولكن من جعلهم محبطون يائسون فى حياتهم، بالتأكيد هو المجتمع والنظام الذى لم يستطع فهم قدراتهم وتوظيفها وأقصد كل من له علاقه بتربية الاولاد فالبيت لم يُرب التربية الصحيحة كما هى معروفة فى كل الاديان والقوانين والدساتير والمدرسة أصبحت تفسد أكثر مما تربى ولا أدرى ماذا حدث لمدارسنا وتعليمنا ويحضرنى هنا المدرس الذى صور وهو يضرب الأطفال بعصى قاسية لأنهم لم يؤدوا الواجب صحيح أن هؤلاء الأطفال لم يؤدوا الواجب كما يريد المدرس ولكنهم أدوا ما لم يلاحظه المدرس ولا أسر هؤلاء الأطفال الأبرياء، فلم يكلف المدرس نفسه وانا أحكم هنا من مشاهدة مقطع الفيديو وقد يكون الحكم غير دقيق ولكنى أنظر اليه من منظور تخصصى فى الجامعة، المدرس لم يرى ما كتبه الأطفال من شخابيط بدت فى نظره تقصير يوجب العقاب لم يسأل أحدا منهم ماذا كتب فى الواجب ولماذا كتبه وما اذا كان هذا صحيحا أو خطأ، لم يحاور أحدهم ولكنه فضل الحل الخطا وهو العقاب الجماعى وشاركه فى ذلك الأباء والأمهات والاعلام فالاعلام يقدم كم من برامج الأطفال المسلية والمفسدة فى نفس الوقت أفلام الكرتون على قنوات عديدة تجعل الطفل لا يستطيع ترك مكانه أمام التليفزيون حتى ينام أمام الشاشة من الارهاق، والأباء لا يؤدون واجبهم فى توجيه وتنبيه الأطفال الى الاهتمام بالواجبات لأنهم مشغولون طول الوقت اما بالعمل أو شغل البيت من جانب الأم ولتجنب طلبات الأطفال التى تبدو كثيرة، قد يكون أسر الأطفال الأبرياء اتفقوا مع المدرسة على السماح بضرب أبناؤهم بهذا الشكل بحجة ان هذا لن يؤزيهم وبهذه الطريقة سيتعلمون وبالتالى تركوهم فى البيت الى التلفاز يشكل عقولهم وللحضانة بدلا من أن تربيهم فى هذا السن الصغير على الفضيلة والابداع وحب العلم والأخلاق بدت تقهرهم وتمحو شخصيتهم من البداية. ثم يأتى دور الشارع، تخاف أن تترك طفلك يمشى فيه وحيداً مهماً كان سنه والصحف ووسائل الاعلام جميعها مقرؤة أو مسموعة أو مرئية ليس لها أى علاقة بالتربية وزرع القيم والأخلاق الا فى حدود ضيقة فما تقدمة قناة واحدة من فضيلة طوال الشهر يمحوه سيل من القنوات الهابطة فى كل شيئ، اللغة السوقية، المادة المقدمة، الابتذال الهابط، الاخلاق المتدنية والنماذج السيئة التى تعتبر قدوة، الاشخاص المملين المنافقين الذين أصبحوا مقررات شبة يومية فى كثير من القنوات، كل هذا يضيع الجهود القليلة من بعض الآباء والامهات وبعض المدرسون الافاضل فى المدارس والنتيجة أصبحت كما نرى ونسمع الآن، الكل يتهم الكل بالتقصير والكل يتهرب من المسؤليه الملقاه على عاتقه فى تربية النشئ وفى محاولة ايجاد قنوات للحوار مع الاطفال حتى يكبر هؤلاء الأولاد وهم تعودوا على لغة الحوار ولغة ابداء الرأى وسماع الرأى الآخر وعندما يشب هؤلاء ستجد منهم الأب والأم الذين يعتمدون لغة الحوار والتفاهم مع أبناؤهم وبالتالى ستجد منهم المدرس الذى يناقش تلاميذة فيما بعد والمدير الذى يرعى مرؤسيه ويناقشهم ويتفهم لآراؤهم والقاضى الذى يحكم بالعدل ويطبق القانون تطبيقاً صحيحاً وضابط الشرطة الذى يحسن معاملة الناس ويطبق القانون بكل قوه وحزم لانه هكذا تربى والطبيب الذى يحسن رعاية مرضاه ويعتنى بهم وأستاذ الجامعة القدوه الذى يحسن معاملة طلابة ولا يفرق بينهم ويميز أحدهم على الآخر وستجد الوزير القدوه والقائد النزيه ووقتها فقط ستسود القيم الجميله من محبة وإخاء وتكافل ومودة بين أفراد المجتمع كله وعندها فقط سيكون كل العرب حريصون على مصلحتهم ومصلحة أوطانهم ودينهم وسترجع للعربى مكانته فى كل الأرض ولذلك يجب أن نفيق ونبدأ من الآن ولدينا جيل كامل لم يتلوث بعد وهو يمثل نسبة كبيرة جداً من تعداد الشعب العربى هذا الجيل حتى سن الخامسة عشرة ما زال يمكننا عمل شيئ جميل له وهو إعادة تأهيله قبل أن يفوته القطار وإعادة تعليمه قبل أن يُجهل، وإعادة تربيته قبل أن يلحق به الفساد والانحلال، وإعادة بناؤه حتى نستطيع به أن نعيد المجد العربى كما كان أيام صحابة رسول الله صلى الله علية وسلم وصدقونى سترون النتيجة بعد عشر سنوات أو أقل عندما يتخرج هذا الجيل ويكون قد أدرك الثانية والعشرين من العمر ستجدون رجالاً و نساءاً زو همم عالية وقمم سامقة وسنقضى على كل الظواهر السلبية فى مجتمعنا سنحقق تنمية فى شتى المجالات سنتخلص من كل الأخطاء السابقة، سنعيد صياغة التاريخ العربى من جديد وهذا الكلام مرجعه الرسول الأكرم وصحابته الخالدين ولنا فى حياتهم الأسوة والقدوة، وحديثا يمكننا أن نحذو حذو التجربتين اليابانية والالمانية نموذجاً وفى المقال القادم ساحاول القاء الضوء على هاتين التجربتين لأنى عشتهما واقعاً وكيف تقدمت هاتين الدولتين ووصلوا الى ما هم علية الآن ويحضرنى هنا قول الشاعر "انما الامم الأخلاق ما بقيت • فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا" و لندعوا جميعاً و نبتهل إلى الله أن يرزق أمتنا طريق الهداية و الصلاح. [email protected]