يأتي انعقاد المؤتمر العام الرابع لحزب المؤتمر الوطني، الحاكم في السودان، الذي سينطلق في وقت لاحق اليوم الخميس ويستمر حتى يوم الأحد المقبل، في وقت يشهد متغيرات كثيرة تحيط بالسودان على المستويات الدولية والإقليمية والمحلية بالإضافة إلى الوضع الداخلي. وبحسب إبراهيم غندور نائب رئيس المؤتمر الوطني ومساعد الرئيس السوداني، فإن ضيوف شرف المؤتمر هم، "وينتر كامبا" رئيس مجلس الأحزاب الإفريقية (تابع للاتحاد الأفريقي) و"مايكل ساتا" رئيس حزب الجبهة الشعبية الحاكم في زامبيا، والسيد البدوي رئيس حزب "الوفد" المصري (ليبرالي)، بالإضافة إلى مشاركة أكثر من 150 شخصية من الأحزاب والقوى السياسية العالمية في مقدمتهم رؤساء وقادة الأحزاب الحاكمة بدول أفريقية، وممثلين من حركتي فتح وحماس الفلسطينيتين ورؤساء برلمانات بدول عربية، إلى جانب ممثلين عن دول بأمريكا اللاتينية. ويأتي انعقاد مؤتمر الحزب الحاكم بالسودان، الذي سيشكل الملامح السياسية لرؤية المؤتمر الوطني للمرحلة القادمة وترتيب بيته الداخلي لمواجهة الاستحقاقات الدستورية والقانونية بعد أكثر من عقدين من الزمان، منذ أن تسلمت مقاليد الحكم بالسودان حركة الإخوان المسلمين عبر انقلاب عسكري قاده الرائد (انذاك) عمر حسن البشير يوم 30 يونيو/حزيران 1989 و15 من قادة الجيش السوداني لثورة الانقاذ الوطني. وقد مرت تحت الجسر كثير من المياه فرضتها ظروف داخلية وإقليمية ودولية، صمدت أمامها ثورة الإنقاذ الوطني كمنطلق أساسي والمؤتمر الوطني كمسمى تنظيمي مر بعدة مراحل، أثبت من خلالها قدرته على التطور وامكانياته لمواجهة كل التحديات على المستويين الداخلي والخارجي خاصة بعد الانشقاق عام 1999 وما سمي وقتها بصراع القصر والمنشية، في إشارة إلى حسن الترابي عراب النظام وقتها، والرئيس البشير. وينعقد المؤتمر في ظل تطورات ثورات الربيع العربي في الدول المجاورة للسودان مثل مصر وليبيا؛ بالإضافة إلى الأزمات في جنوب السودان وأفريقيا الوسطى. ويأتي انعقاد المؤتمر الرابع للحزب الحاكم في وقت يشهد فيه السودان تحديات متمثلة في الحصار الاقتصادي الذي تضاعف بعد انفصال جنوب السودان والمواجهة السياسية مع المحكمة الجنائية الدولية التي استهدفت البشير ومسؤولين كبار بالحزب الحاكم، بتهم ارتكاب جرئم "إبادة جماعية" في إقليم دارفور (غربي البلاد). وكثيرا ما اعتبر الحزب وقياداته أنهم نجحوا في الاستمرار رغم الحصار الاقتصادي، كما نجحوا في تحييد الكثير من الدول الغربية أمام قرارات المحكمة الجنائية الدولية، الأمر الذي جعل الاتحاد الأفريقي يتبنى هذه القضية، حيث اعتبر قادة الاتحاد الأفريقي أن قرارات المحكمة "مسيسة" وأنها ضد القادة الأفارقة. كما يعتبر الحزب أن موقف السودان من أزمة جنوب السودان ولعب دور الوسيط غير الكثير من المفاهيم لدى الدول الغربية وأمريكا. ويعتبر السودان أهم الدول الداعمة لحل الأزمة من خلال مشاركته الفاعلة في وساطة الهيئة الحكومية لتنمية دول شرق أفريقيا "إيغاد"، وجهوده الواضحة مع طرفي النزاع، فيما يواجه اتهامات من وقت لآخر بوقوفه إلى جانب أحد طرفي الصراع. وينطبق ذات الأمر على أفريقيا الوسطى التي تمثل الأقوى والأخطر من خلال صراع طائفي، الذي يعصف بأركان الدولة في أفريقيا الوسطى، حيث وقف السودان حيالها ملتزما بالحيادية بصورة قوية غير متوقعة حيث كانت تتوقع كثير من الجهات الاقليمية وربما الدولية أن يتورط السودان في هذا الصراع بحكم خلفيته الإسلامية وانتمائه للإخوان المسلمين. ويدخل حزب المؤتمر الوطني الحاكم بالسودان مؤتمره الرابع وهو في وضع "مريح سياسياً" بعد زيارة البشير إلى كل من السعودية ومصر لينجح في خلط أوراق اللعبة في الإقليم بعد إغلاق المركز الثقافي الإيراني، وبعث برسائل متعددة تتضمن محاصرة التمدد الشيعي الذي أكمل الطوق على الحزام السني بعد أن تمكن الحوثيين من السيطرة على مناطق واسعة في اليمن وتوغلوا إلى مدينة الحديدة (غرب) القريبة من مضيق باب المندب. وظهر السودان كلاعب مهم في البحر الأحمر لمواجهة النفوذ الشيعي لإعادة التحالف مع دول الخليج ومصر أو على الأقل أنه بعث برسائل تطمينية إلى دول الخليج، التي تواجه الإخوان المسلمين والتمدد الشيعي، بحسب مراقبين. ويستند المراقبون إلى تصريحات مبعوثين دوليين مؤخرا دعوا خلالها المجتمع الدولي للكف عن توجيه أي انتقادات للسودان، والقيام بدعمه ومساندته في الدور الإنساني الضخم الذي يقوم به تجاه مئات الآلاف من اللاجئين دون أن يغلق أمامهم الحدود، كما فتح الشعب بيوته مرحبا باللاجئين. وأطلق مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية عبد الله المعتوق، والمفوض السامي لشؤون اللاجئين أنطونيو غوتيريس، تعهدات قوية بأنهما لن يلتزمان الصمت، وسيقودان حملة في مختلف المنابر والمنتديات الدولية للتعريف بالدور الإنساني للسودان ولجلب المزيد من الدعم له. وزار المعتوق وغوتيريس، أمس الأول الثلاثاء، معسكرات الوافدين من دولة جنوب السودان بمحلية الجبلين بولاية النيل الأبيض، كما عقد اجتماعاً مطولاً مع أعضاء حكومة الولاية بحث أوضاع اللاجئين واحتياجات مناطق الإيواء. ودعا المعتوق دول العالم لدعم السودان ومساندته في استضافته لأكثر من 180 ألف لاجئ من دولة الجنوب وغيرهم، لافتاً إلى أن السودان يتحمل عبئاً هائلاً في الجوانب الأمنية والصحية ومختلف الخدمات بسبب العدد الكبير من اللاجئين الذين يجدون كامل الترحاب على أراضيه ووسط شعبه، وفق قوله. كما يرى الحزب الحاكم في السودان أن طرحه لفكرة الحوار الوطني، التي تقدم بها البشير، منتصف العام الجاري، نجحت في إغلاق بعض منافذ المعارضة خاصة الجبهة الثورية، في إشارة منهم إلى الاشادة التي وجدتها المبادرة من قبل رئيس الآلية الأفريقية رفيعة المستوى، ثامبو امبيكي، وتقرير مجلس الأمن والسلم الأفريقي الذي جاء داعما لجهود الحوار الوطني السوداني، رغم أن الانسحابات المتتالية لكثير من الأحزاب من الحوار. الأمر نفسه بالنسبة للتغييرات التي أحدثها البشير في كبار المناصب والتي كانت بمثابة محاولة التقارب مع المعارضة حيث أطاحت تلك التعديلات بمن كانوا يوصفون ب"الصقور" في الإدارة وبينهم علي عثمان طه النائب السابق للرئيس؛ ونافع على نافع مساعد الرئيس السابق، وجاء الدفع بقيادات شابة ومقبولة محليا لنزاهتها، ودوليا باعتبارها غير محسوبة على الإخوان وبينهم النائب الأول للرئيس بكري حسن صالح. وذات الأمر، ينسحب على إبراهيم غندور، الذي نجح في بناء علاقات ثقة ما بين الحكومة وأحزاب معارضة من جهة وبين قادة الاتحاد الأفريقي ورؤساء أفارقة من جهة أخرى. غير أن الحزب وحكومة البشير واجهت كذلك حالة من السخط الشعبي خلال الأعوام الماضية، تمثلت في سلسة من الاحتجاجات، تلت انفصال الجنوب كان أقواها الاحتجاجات التي اندلعت في سبتمبر/أيلول 2013 وخلّفت عشرات القتلى وكانت سببًا آخر في زيادة التوتر مع الغرب. وخلال هذه الاحتجاجات، أعلن البشير أكثر من مرة أنه لن يترشح لولاية جديدة لكن معارضيه كانوا يعتبرون قوله "التفافا" لليحلولة دون انتقال ثورات الربيع العربي لبلاده حيث كانت في صدارة قائمة الدول المرشحة لحدوث ثورات شعبية. ويعتقد على نطاق واسع أن احتجاجات سبتمبر/أيلول كانت دافع البشير لطرح خطة إصلاحية قال إنها شاملة، ودعا بموجبها كل فصائل المعارضة المدنية والمسلحة للحوار في يناير/كانون الثاني الماضي.