أزمة تلاحق الفراخ البيضاء بعد انهيارها في الأسواق    محافظ البنك المركزي يوقع مذكرة تفاهم مع نظيره الصيني لتعزيز التعاون    روبيو يصف الاجتماع مع نظيره الصيني بأنه كان «بناء وإيجابيا»    أحمد عبد الوهاب يكتب: غزة ضحية شروط حماس وقمع الاحتلال    الأرصاد تكشف مفاجأة يحملها طقس الأيام المقبلة    أين قدرى؟    "الوشم مش حرام!".. داعية يرد على مراكز التجميل    تربية الكوادر الحزبية.. الأساس لبناء أحزاب فاعلة    بيت الشعر العربي يستعيد فدوى طوقان في صالون حجازي    تنسيق الجامعات 2025، القوائم المحدثة لمؤسسات التعليم العالي لتجنب الكيانات الوهمية    حديد عز ب39 ألف جنيه.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 11-7-2025    وزير الإسكان يتابع إجراءات تشغيل منطقة الأعمال المركزية بالعاصمة الإدارية الجديدة    جدول زيادة الحد الأدنى للأجور 2025 وموعد صرف مرتبات يوليو وأغسطس وسبتمبر 2025 للمعلمين    البنك الأهلي المصري: ماكينات الصراف الآلي تعمل بكامل طاقتها لخدمة العملاء    الأوقاف تفتتح اليوم 8 مساجد ضمن خطتها لإعمار بيوت الله    استعدادا لتنسيق الجامعات 2025.. التعليم العالي تعلن قوائم المؤسسات المعتمدة في مصر    10 شهداء فلسطينيين وأكثر من 60 مصابًا آخرين من منتظري المساعدات في رفح    إسرائيل تطلب من الولايات المتحدة استئناف الضربات الجوية على الحوثيين    الأمم المتحدة تنتقد معاقبة مبعوثتها بسبب انتقاد إسرائيل: إجراءات واشنطن غير مقبولة    سفير إيران فى روسيا: إسرائيل دفعت الوضع فى الشرق الأوسط إلى نقطة حرجة    مقتل قائد فرقة فى لواء جولاني بجيش الاحتلال الإسرائيلى بمعارك قطاع غزة    ليفربول يستهدف ضم هوجو إيكيتي.. والرحيل المحتمل لداروين نونيز مفتاح الصفقة    مودريتش يودع ريال مدريد بكلمات مؤثرة    كواليس طلب إمام عاشور تعديل عقده مع الأهلي    خريج «هندسة المنصورة» يحصد جائزة دولية من المنظمة العالمية للموارد المائية    فتح باب التقدم لمدارس التكنولوجيا والتعليم المزدوج ومراكز التميز    العثور على جثة الضحية الثانية بعد غرق سيارة في النيل بقنا    "أنا شهاب من عند الجمعية".. كيف سقط سائق "التوك توك" فى قبضة الداخلية    مصرع سائق في انقلاب «تريلا» على طريق سفاجا بالبحر الأحمر    أمن القاهرة يضبط 37 متهما بحوزتهم أسلحة ومخدرات    مصرع طالب هندسة تحت عجلات سيارة أثناء التجهيز لزفاف صديقه بالفيوم    الداخلية تضبط لصوص الهواتف فى المقطم    وزير الري: أي خطأ إثيوبي قد يدمر سد الروصيرص السوداني.. ولن نتنازل عن حقوقنا بمياه النيل    «الزراعة» تعلن ارتفاع الصادرات الزراعية إلى 5.8 مليون طن حتى الآن    بعد اعتماد وزير الثقافة له.. تشكيل اللجنة العليا للدورة ال"27" من بينالي الإسكندرية    نجل سامي العدل عن سامح عبدالعزيز: «كان صاحب أبويا وبيضحكنا في أصعب موقف»    بعد منع شيرين من دخول مخيمه.. فضل شاكر: «ظُلِمتُ أكثر من 13 سنة»    إيرادات الخميس.. «أحمد وأحمد» في المركز الأول و«المشروع x» الثاني    سعر الريال القطرى اليوم الجمعة 11 -7-2025 فى البنوك الرئيسية    عالم أزهري يوضح أعظم دروس الهجرة النبوية    «السبكي» يعرض التجربة المصرية في الحوكمة والتمويل الذاتي باجتماع UHC2030    شفاء واحتفال.. طبيب بني سويف الجامعي يهزم الأزمة الصحية ويحتفل وسط أحبائه بالمستشفى    ولادة نادرة لتوأم ملتصق بمستشفى الفيوم العام.. و«الصحة»: الحالة تحت التقييم الجراحي    ما هي أعراض التهاب الملتحمة البكتيري؟    ممدوح عباس: "الفوضى خلصت.. ومصطفى محمد مش راجع من أوروبا"    وائل القباني ينصح نجم الزمالك بالرحيل    وزير المالية في لقائه بالمدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية: نتطلع إلى آليات مبتكرة لتمويل النظام الصحي في مصر    محمد مجدى أفشة يؤدي مناسك العمرة وكهربا يعلق    موقف يثير الشكوك.. برج العقرب اليوم 11 يوليو    «مش عايزين نقول الأهلي اللي عملك».. تعليق ناري من طارق يحيى بشأن أزمة وسام أبوعلي    تردد قناة MBC Action hd الناقلة لمباراة نهائي كأس العالم للأندية 2025    "كمل في طريقك مترجعش".. نجم الأهلي يوجه رسالة إلى مصطفى محمد بعد أنباء التفاوض معه    إعلام إسرائيلي: مقتل جندي ثان متأثرًا بجراحه إثر تفجير مبنى مفخخ في خان يونس    «الوطنية للصحافة»: بدل التدريب والتكنولوجيا عن شهر يولية 2025 الاثنين المقبل    لماذا حرم الله الربا؟.. أمين الفتوى يجيب    "بيان حسم".. محاولة بث الحياة في تنظيم ميت    ما حكم إفشاء الأسرار الزوجية؟.. أمين الفتوى يجيب (فيديو)    أمين الفتوى يحذر من الزواج العرفي: خطر جسيم على المرأة (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملاحظات كيسنجر والحرب على «داعش»
نشر في محيط يوم 19 - 10 - 2014

في كتابه الذي صدر أخيراً، يقدم هنري كيسنجر رؤيته وخبرته السياسية بعد أن اقترب من ال90 عاماً. عنوان الكتاب: «النظام العالمي أو World Order 2014»، يعبّر عن الإشكالية المركزية التي يتمحور حولها. في الكتاب فصل عن الولايات المتحدة وإيران، يقدم ملاحظات ومعلومات عن رؤية الجمهورية الإسلامية للنظام العالمي، وموقع ملفها النووي ضمن هذه الرؤية وعن مفاوضات هذا الملف التي أكملت عامها العاشر. تقدم هذه الملاحظات بمجموعها خلفية سياسية لموقف إدارة أوباما تجاه هذا الموضوع، واستتباعاً تلقي ضوءاً مهماً على الحرب على تنظيم «الدولة الإسلامية».
يلاحظ أن انتشار السلاح النووي خارج نطاق الدول الكبرى يهدّد النظام الدولي. ومن السبل التي قد يتسبب فيها ذلك أن انتشار هذا السلاح يمكن أن يستخدم كدرع ضد الانتقام من أعمال قتالية لجماعات (ميليشيات) خارجة على الدولة non-state actor groups. وبما أن هذه الجماعات خارجة على الدولة، فهي تقع خارج النظام الدولي، وبالتالي تتحرك خارج نطاق قواعد هذا النظام وتقاليده. وعلى رغم أنه لا يعطي اسماً معيناً لدولة بعينها ولا للجماعات المرتبطة بها والتي يشير إلى أنها خارجة على الدولة، إلا أن من الواضح أن إشارته تتجه إلى إيران وبرنامجها النووي وإلى الجماعات الخارجة على الدولة، التي تتبناها مثل «حزب الله» في لبنان، والميليشيات في العراق، وجماعة الحوثي في اليمن. بعبارة أخرى، ما يقوله وزير الخارجية الأميركي السابق هنا أن أحد أهداف البرنامج النووي الإيراني قد يكون توفير مظلة لحماية هذه الجماعات، وحماية الدور الذي تقوم به في إطار السياسة الإقليمية لإيران في المنطقة. (ص 160)
إشارة كيسنجر إلى العلاقة التكاملية بين البرنامج النووي الإيراني، وتبني إيران ميليشيات أو جماعات عابرة للدول في سياستها الإقليمية لا يتفقان، بل قد يتناقضان مع رؤية إدارة الرئيس باراك أوباما الى الدور الإيراني، وموقع تلك الجماعات في هذا الدور. ولعل الحرب على تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) مثال جلي على ذلك. يقال إن هذه الحرب جزء من الحرب على الإرهاب. فهي حرب على جماعة أو ميليشيا خارجة على الدولة تهدد بمواقفها وسلوكياتها أمن دول الإقليم، وبالتالي أمن النظام الدولي. من هذه الزاوية هي حرب مشروعة، لكن يكمن الإشكال في ما يبدو أن مصطلح «الإرهاب» يقتصر، حتى الآن، على التنظيمات السنّية. وهذا واضح في أن واشنطن تحركت عسكرياً، وجيشت تحالفاً إقليمياً ودولياً لمحاربة «داعش» بعد استيلائه على الموصل العراقية. في المقابل، التزمت الصمت بعد سقوط العاصمة اليمنية (صنعاء) وبعدها مدينة الحديدة في يد ميليشيا الحوثيين.
ولا تزال تلتزم الصمت إزاء دخول ميليشيات شيعية الحرب في سورية إلى جانب النظام، وإزاء الدور البارز للميليشيات نفسها في العراق. سيقال إن التنظيمات السنّية تستهدف دول المنطقة، ومصالح الدول الغربية، على العكس من التنظيمات الشيعية. ومن حيث أن التنظيمات الأخيرة تتلقى الدعم المالي، والتدريب العسكري، والغطاء السياسي من إيران، فإنها في هذه الحال تخضع لمرجعية سياسية وأيديولوجية واحدة هي إيران. أما التنظيمات السنّية، على الناحية الأخرى، فتبدو منفلتة ليس لها مجتمعة، ولا لأية واحدة منها مرجعية سياسية واحدة.
على العكس، جميعها تقريباً في حال صدام مع دول المنطقة السنّية ومع إيران والغرب. بل إن هذه التنظيمات في حال خلاف وصدام في ما بينها كما يحصل في سورية وليبيا. هنا تبدو التنظيمات السنّية خارج السياق، فهي ضد النظامين الإقليمي والدولي، وضد مفهوم الدولة الوطنية التي يستند إليها هذان النظامان، وتهدف بدلاً من ذلك الى العودة إلى الخلافة، أو نظام سياسي إسلامي عفا عليه الزمن. من هذه الزاوية تمثل التنظيمات أو الميليشيات السنّية مصدراً يهدد بالفوضى الإقليمية، وربما الدولية.
هذا توصيف صحيح ودقيق، لكن ما يستنتج منه مقارنة مع التنظيمات الشيعية يتسم بالاستعجال، ويعبّر عن خطل سطحي في النظر إلى الموضوع. فإيران باعتبارها مرجعية التنظيمات الشيعية هي دولة دينية ترتكز إلى مفهوم «ولاية الفقيه». و «ولاية الفقيه» هذه هي المفهوم الشيعي للخلافة. ومن ثم تهدف الجمهورية الإسلامية من تبني هذا المفهوم (ومسمى الجمهورية هنا ينطوي بالمناسبة على تناقض عميق في داخله) الى العودة بإيران والمنطقة الى تطبيق «ولاية الفقيه» التي لم يتسنّ تطبيقها من قبل كما حصل للخلافة السنّية. بهذا المعنى تكون إيران مناهضة في العمق، وبعنف واضح للنظام الإقليمي، وضمناً للنظام الدولي. وقد لاحظ هذا المنحى في السياسة الإيرانية هنري كيسنجر في كتابه المشار إليه، مستنداً في ذلك إلى خطابات المرشد الإيراني علي خامنئي (ص 149 - 151). وكان من الطبيعي في هذا السياق أن تتبنى إيران آلية الميليشيات الشيعية العربية كأداة مركزية في سياستها الإقليمية.
لماذا؟ قبل الإجابة لاحظ أن إيران لا تسمح بوجود أي ميليشيا - عربية أو إيرانية - على أراضيها، ولا أي تنظيم عسكري خارج الإطار الرسمي لقواتها المسلحة. في المقابل، تتمسك إيران بمبدأ اقتصار وجود ودور الميليشيات العابرة للدول داخل حدود الدول العربية.
نعود للإجابة عن السؤال. في ظل النظام الإقليمي القائم تفتقد إيران عمقاً استراتيجياً في المنطقة يمكّنها من الاتكاء عليه لتحقيق طموحاتها الإقليمية، وتطلعاتها الأيديولوجية. العمق الوحيد الذي يمكن أن يوفر لها مثل هذا الطموح هو المخزون البشري للأقليات الشيعية في الدول العربية المجاورة لها، أو التي تقع في المجال الحيوي لمصالحها، مثل سورية ولبنان واليمن.
وتحقق آلية الميليشيات لإيران هدفين أساسيين يعوضان فقدانها العمق الاستراتيجي، الهدف الأول أنها توفر لها نفوذاً قوياً داخل الدول التي توجد فيها هذه الأقليات. وهذا واضح الآن في لبنان والعراق، والنظام السياسي السوري بانتمائه العلوي. ثانياً أن وجود ميليشيات أو أحزاب على أساس شيعي أو أقلوي داخل هذه الدولة العربية أو تلك يبقي على انقسام النظام السياسي، وبالتالي على ضعف هذا النظام، الأمر الذي يحمي قناة النفوذ الإيراني على النظام السياسي. ولعل حال «حزب الله» في لبنان ونفوذه الكبير هناك، وحال حزب «الدعوة» في العراق بعد الاحتلال الأميركي، وتحديداً فرض نوري المالكي كرئيس للحكومة لفترتين متتاليتين، ثم حيدر العبادي من الحزب نفسه، وأخيراً تعاظم دور جماعة الحوثي في اليمن، كل تلك أمثلة عملية وواضحة على مدى فائدة أو فاعلية هذه القناة بالنسبة الى الدولة الفارسية. وقد ساهمت آلية الميليشيات الشيعية في تقويض الدولة في العراق أولاً، ثم في سورية.
ولعل من المفارقة أن النظام السوري الذي كان يوماً مظلة حماية لميليشيا «حزب الله» في لبنان بات يعتمد على هذه الميليشيا وغيرها للبقاء ومقاومة السقوط. والآن تهدد ميليشيا الحوثيين بسقوط الدولة في اليمن. انطلاقاً من ذلك، فإن القول إن الميليشيات السنية هي المصدر الوحيد الذي يهدد مفهوم الدولة في المنطقة، وبالتالي يهدد النظامين الإقليمي والدولي هو استنتاج مبتسر، إما بتعمد مقصود (من إيران وحلفائها)، أو بتسرع سياسي غير مبرر (من واشنطن وحلفائها). ما تؤكده ظاهرة الميليشيات العابرة للدول، السنّية منها والشيعية، هو أن ما يهدد مفهوم الدولة والنظام الإقليمي هو الطائفية، وليس هذه الميليشيا أو تلك. الميليشيا تعبير عن حال أوسع وأخطر، وليست الحال ذاتها. ولا أظن أن هذا يخفى على أحد. الانشغال ب «داعش»، أو ما يبدو أنه كذلك، يعبر من ناحية عن رؤية سياسية آنية وضيقة في حال واشنطن ودول التحالف، ويعزز من ناحية أخرى رؤية طائفية متأصلة في حال إيران وحلفائها. ويكمن الخطر في التناقض العميق لمنطلقات الرؤيتين، وأن التقاءهما في لحظة سياسية حرجة ينبئ إما بأنهما تسيران في خط صدام قادم، أو بأن هناك ميلاً أميركياً للاعتراف بمجال حيوي لإيران في المنطقة، انطلاقاً من أن الطائفية قدر لهذه المنطقة حتى إشعار آخر.
نقلا عن " الحياة" اللندنية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.