تمكّنت بوركينا فاسو من تحقيق نقلة نوعية في قطاع القطن، أهّلتها لنيل صدارة الترتيب على الصعيد القاري (الإفريقي)، في العام 2005، لتصبح بذلك المزوّد رقم 3 للصين، بعد الولاياتالمتحدة وأوزباكستان. نقلة مثّلت محطّة فاصلة في اقتصاد البلاد، بالنظر إلى جملة الصعوبات والاضطرابات التي شهدها قطاع القطن في مراحل متفرّقة، وأثّرت بشكل سلبي على مساهمته في الناتج الإجمالي الخام والمحلّي لبوركينا فاسو. خارطة توزيع القطن البوركيني على مختلف دول العالم تشمل عملاءها التقليديين، حيث تحظى دول جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط بنصيب الأسد من صادرات بوركينا فاسو من القطن، وذلك بنسبة 62 %، وأوروبا ب 17 %، أمريكا (القارة) ب 13.7 %، فدول افريقيا والمحيط الهندي بنسبة 7.1 %.، وفقاً لوكالة الأناضول. ويعتبر القطن، منذ العام 2009، ثاني منتج تصديري بعد الذهب في بوركينا فاسو، حيث يحقّق رقم معاملات إجمالي يقدّر ب 240 مليار فرنك افريقي (أي ما يعادل 489 مليون دولار)، ويساهم بنسبة 35٪ من إجمالي الناتج المحلي الخام، ويعيل نحو 4 ملايين شخص في البلاد، من مجموع سكان قدره 16.5 مليون نسمة، بحسب معطيات البنك الدولي. في سبتمبر/ أيلول من عام 2004، وضعت السلطات البوركينية بروتوكول اتفاق، وهو عبارة عن مذكّرة تنطبق بنودها على الناشطين في مجال القطن، وتغطّي الفترة الفاصلة بين سنتي 2013 و2025. وتضبط المذكّرة الأسس التنظيمية القانونية للقطاع، بالإضافة إلى أحكام وشروط تدخّل الناشطين في قطاع القطن في بوركينا فاسو. رحلة الانهيار التي شهدها قطاع القطن في بوركينا فاسو انطلقت في حدود سنة 2008، حين تراجع انتاجه إلى حوالي النصف. ولإنقاذ القطاع من موت محقّق، ارتأت السلطات إيداع ضمان مالي بقيمة 50 مليار فرنك افريقي (102 مليون دولار) لدى البنوك، لتمكين شركة "سوفيتاكس"، شركة القطن الرئيسية في البلاد، من الحصول على الموارد اللازمة لتمويل نشاطها، خصوصا وأنّ القطاع بدأ يعاني، في تلك الفترة، من قلّة المنتجين على مدار موسمين متتاليين. فمع انخفاض ثمن القطن، تخلّى بعض المزارعين عن انتاجه، مفضّلين التوجّه نحو زراعة الحبوب، فيما اكتفى البعض الآخر بتقليص المساحات المخصّصة للقطن. وأمام التراجع المخيف الذي أطبق لسنوات على قطاع القطن في بوركينا فاسو، كان على الفاعلين صلبه التحرّك باتّجاه إيجاد حلول جذرية، وبدائل قادرة على انتشال مصدر رزقهم من الانهيار التام، فكان أن قام منتجو القطن، المنخرطين ضمن "الاتحاد الوطني"، بتوزيع مبلغ بقيمة 113 مليار فرنك افريقي (230 مليون دولار)، على بعضهم البعض، وذلك بعنوان إيرادات للموسم 2011/2012، ومبلغ 300 مليار فرنك افريقي (612 مليون دولار) بالنسبة لمداخيل الفترة الفاصلة بين 2011 و2014. وتعدّ بوركينا فاسو أولى الدول في منطقة غرب افريقيا التي أطلقت، العام 2003، تجربة زراعة القطن المعدّل جينيا، وذلك رغم معارضة المجتمع المدني وعدد من الجامعين مبدأ إجراء تعديل مماثل. معارضة لم تلق آذانا صاغية، نظرا للسياق الصعب الذي يعيشه قطاع القطن في البلاد، غير أنّ المغامرة بتجربة تقنية التعديل الجيني على زراعة القطن، أثمرت نتائج إيجابية للغاية. فبعد زراعة 8 آلاف و500 هكتار من القطن المعدّل جينيا سنة 2008، ثم 115 ألف هكتار سنة 2009، أي ما يعادل ربع المساحة المخصصة للقطن في البلاد، بدا أنّ بوركينا فاسو في طريقها نحو التأسيس لمرحلة جديدة في هذا المجال. فانطلاقا من 2010، عمّمت السلطات زراعة القطن، بالتعاون مع الشركة الأمريكية "مونسانتو"، والأوروبية " سينجينتا". وأثبتت الاختبارات المطبّقة على 3 أصناف من البذور البوركينية نجاعتها، حيث رفّعت من مردرودية الهكتار بنسبة 30 إلى 40 % ، ومكّنت المزارعين من اقتصاد كميات الأسمدة ومبيدات الحشرات المستعملة لحماية المحاصيل، وفقا للسلطات البوركينية. وبحسب توقّعات "المنظمة المهنية للقطن في بوركينا فاسو" (مستقلة)، فإنه من المنتظر أن يبلغ انتاج القطن 800 ألف طن خلال موسم 2014/2015. وبانتاج يقدر بحوالي 750 ألف طن خلال موسم 2013/ 2014، تتصدّر بوركينا فاسو طليعة ترتيب الدول المنتجة للقطن في القارة الافريقية. وفي تصريح للأناضول، قال رئيس المنظمة "كريم تراوري" "موسم القطن القادم سيحلّ في سياق يتسم بانخفاض مطرد في أسعار القطن في السوق العالمية، والقطاع سيحصل على منحة بقيمة حوالي 9 مليارات فرنك أفريقي (أي حوالي 19 مليون دولار). وستؤدّي هذه المنحة إلى انخفاض أسعار بيع المنتج رغم ارتفاع كلفة شرائه في الأسواق العالمية". وتبقى معالجة القطن من أجل خلق صناعة نسيج ذات توجّه دولي، من الأولويات التي تستقطب اهتمام السلطات البوركينية، وهو أيضا ما يدفعها إلى تكوين شراكات واعدة، لعلّ أبرزها تلك التي خاضتها مع مجموعة الصناعات الهندية "ألوك"، هذه المؤسّسة العملاقة في مجال النسيج، والتي تتطلّع إلى غزو غرب افريقيا، انطلاقا من بوركينا فاسو، وذلك عبر إطلاق وحدة للغزل في مدينة "بوبو- ديولاسو"، العاصمة الاقتصادية للبلاد. و"ستمكن هذه الوحدة، التي من المنتظر أن تدخل حيّز الاستغلال في عام 2015، من تحويل 6 % من الألياف المنتجة محلّيا، وهو ما سيقود إلى إحداث تأثير هيكلي على مختلف القطاعات الاقتصادية، من خلال الآثار الاجتماعية والاقتصادية والمالية المترتّبة عن إطلاق هذه الوحدة"، وهو ما سيمكّن، في مرحلة موالية، من تحويل أكثر من 12 ألف طن من ألياف القطن سنويا، بحسب وزارة التجارة البوركينية.