"ما أحسب أن شعبا بذل من الدم والعرق في إنشاء قناة كما بذل الشعب المصري في حفر قناة السويس، فمن أجلها توسعت الحكومة في فرض نظام السخرة بشكل لم تشهد له البلاد من قبل مثيلا، ورُبط المصريون بعضهم إلي بعض بالحبال في أيديهم ليقطعوا الصحراء من الزقازيق إلي القناة سيرا علي الأقدام كما سيقوا إلي ساحات الحفر زمرا ليتلقفهم الموت من الجوع أو العطش أو الإعياء أو الأوبئة" . هكذا لخص الدكتور عبد العزيز الشناوي المؤرخ الراحل في دراسته "السخرة في حفر قناة السويس" معاناة الشعب المصري في حفر قناة السويس التي شهدت دم وعرق في حفرها ودم وعرق في تحريرها من أيدي الأعداء. وقد أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ أيام عن البدء في مشروع "قناة السويس الجديدة" والذي يعتبر من أهم المشاريع التي طُرحت في هذه الفترة، فهل سيعاني الشعب المصري نفس المعاناة التي عاناها في حفر القناة القديمة وهل سيشهد تضحيات يقدمها كما قدم من قبل. مشروع قومي في هذا الصدد أكد اللواء طلعت أبو مسلم الخبير الاستراتيجي، على أن التضحيات التي قُدمت في حفر قناة السويس القديمة جاءت نتيجة لنظام السخرة الذي استخدمته الحكومة وقتها، وأشرف عليه الأجانب، فكان نتيجة ذلك عدد كبير من الوفيات وسط العمال وانتشار الأمراض والأوبئة . وأضاف مسلم أن الأمر يختلف حاليا في المشروع الجديد الذي أعلن عنه الرئيس السيسي، لأن الوضع يختلف، فالمشروع هذه المرة قومي لا بتدخلات خارجية، كما تنتشر الوسائل المتطورة في الحفر مما يحقق السلامة للعمال وستكون التضحيات قليلة بل ومنعدمة لأن المشروع يخضع لدراسات كثيرة محكمة ونوه علي أن الأُسر المتضررة من الحفر سيتم تعويضها. قناة السويس القديمة في حفلٍ أُسطوري دعا الخديوي إسماعيل أباطرة وملوك العالم لحضور افتتاح قناة السويس في 16 نوفمبر 1869، وكان قد بدأ انشاءها سابقه الخديوي سعيد. وقد بدء العمل في حفر قناة السويس في 25 أبريل 1859 في عهد الخديوي سعيد وقد أقيم حفل بسيط بهذه المناسبة وضرب "مسيو دي لسبس" بيده فأس في الأرض لإعلان البدء في حفر القناة وكان معه 100 عامل حضروا من دمياط. ولم تستمر أعمال الحفر طويلا بسبب معارضة إنجلترا والسلطان العثماني للمشروع، واستكمل العمل مرة أخري في 30 نوفمبر بعد موافقة السلطان العثماني، ووصل عدد العمال المصريين إلى 330 والأجانب 80 عامل. مشاكل تواجه المشروع في أوائل 1860 بلغ عدد العمال 1700، عامل ولم يكن هذا العدد كافيا على الإطلاق فقامت الشركة بتشكيل لجنة لجمع العمال من منطقة بحيرة المنزلة وواجهت مشكلة في مياه الشرب فقامت باستيراد 3 مكثفات لتحلية مياه البحر. وقام الخديوي سعيد بزيارة الميناء الذي حمل اسمه فيما بعد في 12 أبريل 1861 وتم رفع عدد العمال بعد تلك الزيارة. ثم أرسلت الشركة 3000 عامل لحفر ترعة المياه العذبة بدءا من القصاصين إلى قرية "نفيشة" بالقرب من بحيرة التمساح ووصلت المياه إليها في 23 يناير 1863 وطلب بعدها "دي لسبس" زيادة عدد العمال إلى 25000 عامل شهريا للوفاء باحتياجات الحفر وكان العمال لم يتقاضوا مقابل مادى مناسب. السخرة والقتل كان العمال المصريون يعاملون أسوء معاملة من ضرب وإهانة، ويتم ربط بعضهم ببعض بالحبال، كما جاء في دراسة الدكتور عبد العزيز الشناوي، وبجانب أهوال أزمة مياه الشرب والسخرة والإرهاق والضرب بالكرباج والزج بهم في السجون، جاءت الأوبئة لتعصف بالعمال المصريين دون هوادة أو شفقة، وكان من أخطر هذه الأوبئة التيفود والتيفوس والجدري والكوليرا والحمى الراجعة، وانتشرت في باقي أرجاء البلاد. ومع المعاملة السيئة وكثرة العمال وعدم وجود الرعاية الصحية الكافية انتشرت الأمراض بشكل كبير والأوبئة، وكثرت الوفيات وسط العمال إلى أن خرجت القناة إلى النور بدم وعرق شعبها. مشاكل عمال المشروع الجديد بدء العمل بحفر قناة السويس الجديدة بحوالي 7500 عامل، ليزيد العدد تدريجيا حتى يصل العدد لنحو 15 ألف عامل كما صرح اللواء كامل الوزيري رئيس أركان الهيئة الهندسية للقوات المسلحة والمشرف على مشروع "قناة السويس الجديدة". وذلك حتي يتم انتهاء المشروع في الفترة المحددة من قبل الرئيس عبد الفتاح السيسي. ويواجه العمال أيضاً في المشروع الجديد العديد من المشاكل مثل توفير الطعام والمياه لهم نظرا لطبيعة المكان الصحراوي بجانب بعدهم عن الأماكن الحيوية واضطرارهم للانتقال إلى مكان آخر أو إلى أقرب محطة وقود لشراء المياه المعبأة. كما لا يوجد مكان مخصص للنوم حيث قام العمال بتجهيز خيام من الخوص للنوم فيها بساعات الراحة مع بعضهم البعض، كما أن الحمامات في أماكن الخلاء مما يعرض العمال للمخاطر خاصة وأن المكان صحراوي.