في مدينة "مان" عاصمة المنطقة الجبلية في كوت ديفوار، الواقعة على بعد 582 كم غرب أبيدجان، لا شيء يلوّن أيام الحرفيين والنساجين هناك سوى بوادر أمل خافتة بتحسّن قطاع السياحة في هذه المنطقة التي كانت إلى وقت غير بعيد، قبلة سياحية عالمية، فتعج بالسياح الذين يتوافدون لزيارة حديقة الحيوانات بها وغيرها من المعالم، غير أنّ أحداث التمرّد التي عصفت بهذه المنطقة، عام 2002، والأزمة السياسية والعسكرية التي أعقبتها إثر انتخابات 2010، أطاحت بمؤشرات هذا القطاع الواعد، وخلّفت جملة من العقبات التي لا تزال لليوم تحجب بوادر انتعاش قريب، بحسب شهادات متفرقة للناشطين في المجال بكوت ديفوار. حين سرت شائعة مفادها أنّ وزير السياحة الإيفواري سيزور "مان" خلال الأيام القادمة، اجتاحت حرفيي المدينة فرحة عارمة، انبثقت عن تطلّع هؤلاء إلى مقابلة المسؤول السامي عن القطاع الذي يقتاتون منه.. فبالنسبة لهم، تعدّ زيارة مماثلة فرصة ذهبية، لمطالبته ب "بذل ما في وسعه من أجل إنعاش السياحة، لأننا نعمل مع السياح"، بحسب ما صرح به للأناضول أحد النحاتين، ويدعى "كونيه إبراهيم"، بالحي التجاري في مدينة "مان". وأضاف "قبيل أزمة 2002، كانت أرباحنا تتراوح بين 25 ألف (55.5 دولار) و200 ألف فرنك افريقي (444 دولار)، أما اليوم، فتمرّ علينا أشهر دون أن نتمكّن من تحقيق 5 آلاف فرنك افريقي (10 دولارات)". وتابع بأسى ظاهر "في السابق، كان لديّ 10 معاونين، أما اليوم، فيحدث أن أعمل بمساعدة واحد منهم فقط"، مضيفا أنه "لم يعد هناك سواح بيض، ولا مغربي واحد"، رغم أنّه يتعيّن عليه دفع مبلغ 25 ألف فرنك افريقي (55 دولار) لابتياع جذع خشب من نوع "آلوا" (خشب أحمر طبيعيا)، لاستخدامه في نحت تماثيل الفيلة أو مجموعة متنوعة من تماثيل الحيوانات الأخرى. "كوني" عاد بذاكرته إلى سنوات خلت، مشيرا إلى أنّه تعلّم هذه الحرفة منذ العام 1984، ثم، وخلال الأزمة، "أقام الجيش الفرنسي سوقا في المدينة، كنّا نحاول تدبّر أمورنا من خلال التجارة في بضعة تماثيل، كنا نقوم ببيعها للجنود الفرنسيين، حتى مغادرتهم البلاد سنة 2007". وبسؤاله عن مكامن الجمال في المدينة، قال "كوني" أنه "ينبغي زيارة قرية زاديبلي الواقعة خارج المدينة، هناك حيث يوجد شلاّل مان الطبيعي". صبيحة كلّ يوم، منذ سنوات بعيدة خلت، يحصل "سيليستين ديون ساهي"، وهو دليل سياحي إيفواري، على إيرادات يومية تكفي لإعالته، بيد أنّه وجد نفسه، منذ حلول الأزمة ضمن قائمة طويلة لطالبي الشغل في البلاد. فمع امتناع السياح "البيض" عن المجيء، أضحى بلا عمل، وتشابهت أيامه، حتى غدت مكسوّة بالروتين القاتل.. تراجع السياحة في البلاد، منح السلطات فر صة لإعادة تأهيل بعض معالمها الطبيعية، من ذلك الشلال الطبيعي.. حظيرة أشغال تغطّي المساحات المحيطة به في الجانبين، استعدادا لبناء بوّابة لبيع تذاكر الدخول. في الانتظار، يحصل القرويون على أذون الدخول، عبر اقتطاعهم لتذكرة يبتاعونها بثمن 200 فرنك افريقي (0.44 دولار) للشخص الواحد. والشلال الطبيعي هو عبارة عن فسيفساء طبيعية خلابة، تجمع بين الغابات والجبال، وعلى جانبها، يتدفّق الماء من أعلى المرتفع، وصولا إلى الحوض السفلي. وغير بعيد من هذا المشهد الطبيعي الأخاذ، انتصبت أعمدة فقدت أسقفها، بدا من الواضح أنها كانت تستخدم نقاطا لبيع المشروبات والمأكولات لزوار المكان، قبل أن تتحوّل إلى أماكن خارج الاستخدام، بسبب عزوف السياح عن زيارة الموقع والبلاد عموما. كيف تسير الأمور عقب الأزمة؟ كان هذا السؤال الذي لم يتطلّب من الدليل السياحي الكثير من العناء للإجابة عنه، فمن فمه، تدفّقت الكلمات دون عناء، ليقول للأناضول "لم نستعد أنشطتنا بعد، ونحن نعاني جرّاء ذلك.. نحن نقوم ببيع الأغراض في أبيدجان لمواجهة أعبائنا، ومع تجديد غرفة الحرف الإقليمية، يراودنا الأمل من جديد في تحسّن الوضع". "سوماهورو موريا" كان هو الآخر يشتغل دليلا سياحيا، قبل أن تجبره الأزمة على تغيير مجال نشاطه إلى توزيع بطاقات شحن الهواتف، بسبب تراجع الأنشطة السياحية. "موريا"، قال، في تصريح للأناضول "في السابق، كنا نقوم بزيارة ورشات الحرفيين في المدينة رفقة السياح لمرتين إلى 3 مرات في الأسبوع". ومن جانبه، أعرب "بامبا داودا"، ذو ال 30 عاما، وهو رئيس ل 32 من النسّاجين الشباب، في إحدى الفنادق المحيطة بالشلال، عن أسفه للوضع الذي أضحت عليه السياحة بعد الأزمة، قائلا "في السابق، كان السياح يأتون لابتياع منتوجاتنا المتنوعة، والتي تتضمّن السترات والفساتين والمآزر، والحلي الصغيرة التي تسمى" تيكن جاه "( فنان يغني الريغي في كوت ديفوار)". وأضاف "رغم عودة السلام، لم تتمكّن الأمور من العودة إلى نصابها"، مشيرا إلى أنّ "الإشكال الذي يواجهه الحرفيون، في الوقت الراهن، يكمن في ارتفاع أسعار ابتياع الألياف من 2250 (5 دولارات) إلى 3250 فرنك افريقي (7.22 دولار) (والتي تستعمل في معظم الحرف اليدوية).