كيان شيطاني.. تتار جدد.. أعداء الإسلام.. خوارج العصر.. صنيعة المخابرات... هذه مجمل الأوصاف التي خلعتها المؤسسات الدينية الإسلامية على تنظيم "الدولة الإسلامية" (المعروف إعلاميًا بداعش) في بياناتها التي استنكرت أفعال هذا التنظيم وأفكاره. الأزهر ودار الإفتاء المصرية، والطرق الصوفية، والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين (غير حكومي)، ورابطة العالم الإسلامي (غير حكومية)، وبعض المرجعيات الشيعية، وجمعية علماء المسلمين في باكستان (غير حكومية)، واتحاد علماء المسلمين في إقليم شمال العراق (غير حكومية)، والتيار السلفي في لبنان... كلها وغيرها أصدرت بيانات أدانت فيها "ما يقوم به تنظيم الدولة الإسلامية". لكن السؤال الذي يطرحه باحثون ومهتمون بالشأن الديني هو: هل ينبغي أن يتوقف دور تلك المؤسسات عند حد إصدار البيانات، أم أنها يمكن أن تضطلع بدور أكبر؟ ويرى البعض أن الدور الأكبر الذي يمكن لتلك المؤسسات القيام به هو المناقشات الفكرية ولقاءات الوساطة لمناقشة الأفكار واجتذاب شباب تلك التنظيمات داعش.. التكفير على الانتماء و"داعش" هي الاختصار المعروف إعلاميًا لما يسمى بتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" حيث تحمل الحروف الأولى من كلمات الاسم، والتي تحمل معها دلالات أكثر من أن تحتويها تلك الحروف. مثار استنكار المؤسسات والمنظمات الدينية يأتي مما أسماه بعض الباحثين "حمى التكفير الداعشي" والتي جاوزت أدبيات الفكر التكفيري السابق عليها، ونقلت التكفير من الأفعال إلى الانتماء، حسبما يؤكد عبد العزيز الجمال الباحث المصري في الحركات الإسلامية. الجمال قال للأناضول إن "الاختلاف في فكر داعش ينبع من جعلها الانتماء محورًا للعقيدة"، موضحًا أنها تتعامل مع كل من سواها على أنه "كافر مهدر دمه"، وبالتالي "تستبيح كل ما يمكنها استباحته". وأرجع الجمال هذا التوجه إلى ما أسماه البيئة الحاضنة، حيث شكل الوضع العراقي بكل تعقيداته محضنا هادئا لنمو تلك الفكرة. وأشار إلى ما أسماه تطور فكر القاعدة، وقال إن "داعش هي التطور الطبيعي لهذا الفكر الذي يعتبر بالنسبة لها من المرونة بمكان، لقبوله التعامل مع كيانات مختلفة ربما لم ترتبط به على مستوى التنظيم يومًا". واستشهد الجمال بما حدث من خلاف بين أبو محمد الجولاني زعيم جبهة "النصرة" في سوريا (التابعة لتنظيم القاعدة) وبين "داعش" بسبب عدم قبوله الارتباط العضوي والانتماء للتنظيم. وقال الجمال إن "خطورة هذا الفكر تكمن في أنه لا يرى إلا ذاته، وبالتالي فإنه يعتبر كل من عداه عدوا ينبغي الإجهاز عليه". وأضاف أن "الانتماء هو محور التكفير.. فهي (داعش) تعادي الجميع بالضرورة، سنة وشيعة ومسيحيين وأناسا عاديين ربما لا يفرقون بينها وبين شيخ المسجد الذي يصلون فيه". الأزهر والتتار الجدد من جانبه، تفاعل الأزهر مع الأحداث في العراق والتي كان "داعش" بطلها، وأصدر العديد من البيانات التي أعرب فيها عن قلقه مما يحدث في العراق، داعيًا جميع الأطراف العراقية إلى إحياء مفهوم التوافق بين فئات المجتمع الوطنى. وفي تصريحات له، وصف وكيل الأزهر، عباس شومان، تنظيم داعش بأنهم "التتار الجدد"، مؤكدًا أن الإسلام بريء منهم ومن كل من يحمل فكرًا يستبيح من خلاله دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم. وعلى المستوى الرسمي في مصر أيضًا كانت دار الإفتاء المصرية (حكومية) من أكثر المتفاعلين مع الأحداث في العراق، وأصدرت عدة بيانات استنكرت فيها ما أسمته القتل والتدمير الذي أحدثه هذا التنظيم بدولة العراق. وقالت دار الإفتاء، في بياناتها، إن تنظيم داعش "ضلَّل الكثير من الشباب بفكره المتطرف بعد أن غرَّر بهم تحت اسم الدين واسم الدولة الإسلامية التي يزعم داعش سعيه لتأسيسها، بينما هي في الحقيقة محاولة لتشويه الدين وتدمير البلاد وسفك دم العباد". واتهمت الدار "داعش" بما قالت إنه "لي عنق النصوص لكى يبرّروا مواقفهم وأفعالهم الدموية المتطرفة"، مؤكدة أن "داعش وغيرها من الجماعات والتنظيمات المتطرفة قد ضلوا في استنباط الأدلّة الشرعية، وانحرفوا في فهمهم للآيات القرآنية والأحاديث النبوية". وعلى المستوى الصوفي، طالب مجمع آل البيت واتحاد الطرق الصوفية في مصر (غير حكوميين) ، الأزهر الشريف وكافة المؤسسات الدينية بالدول الإسلامية باعتبار داعش "خوارج هذا العصر". وعلى ألسنة بعض علماء الأزهر، خرجت تصريحات كثيرة تدين أفعال "داعش" وتصفها بأوصاف مختلفة.. فمن جانبه، وصف علوي أمين، الأستاذ بجامعة الأزهر، التنظيم بأنه "صنيعة المخابرات الأمريكية وذراع أمريكا المسلح في العراق"، كما وصفه محمد نصر، أحد علماء الأزهر، بأنه "تنظيم إرهابي ممول من دول الاستعمار القديم لضمان السيطرة على المقدرات الإسلامية.." حسب وصفه. "علماء المسلمين": قتلى داعش في جهنم أما الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي يرأسه الدكتور يوسف القرضاوي، فأصدر بيانات أدان فيها ما يقوم به "داعش"، واصفًا إياه بأنه "تنظيم متطرف أكثر خطرًا وضررًا من الأعداء على المسلمين بصفة عامة والمسلمين السنة بوجه خاص". وقال الأمين العام للاتحاد، علي القره داغي، في بيان سابق له، "قد يكون أعضاء داعش عملاء أو حمقى، لكنهم يضرون أهل السُّنّة بما يعجز أعداء السُّنّة عن فعله"، مذكرًا بما أسماه "دور الدواعش الخبيث في الثورة السورية وكيف فتتوها وقتلوا خيرة قادتها؟!" وأضاف القره داغي: "قتلى داعش مصيرهم جهنم لاحتلالهم المدن والأراضي واستباحتهم لدماء المواطنين الأبرياء"، مؤكدا أن "كل من يقاتلهم دفاعا عن وطنه وأرضه وحرماته فهو شهيد". رابطة العالم الإسلامي أما رابطة العالم الإسلامي فقد تفاعلت هي الأخرى عن طريق بيانات شجب واستنكار لما تقوم به ما أسمتهم ب "التنظيمات المتطرفة" من قتل وتدمير يتنافى ومبادئ الشريعة الإسلامية. وقال الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي (منظمة إسلامية شعبية عالمية مقرها مكةالمكرمة)، عبدالله التركي، إن "مثل تلك الاعتداءات يصنفها الشرع الحنيف في خانة جرائم الحرابة، التي وصفها الله بأنها فساد في الأرض لعموم ضررها وخطورته، ومن ثَم أوجب فيها أغلظ العقوبات". وفي معرض استنكار الرابطة لحادث "إرهابي" داخل السعودية، قال التركي: إن "هناك بيانات عدة أصدرتها رابطة العالم الإسلامي من خلال أمانتها العامة، ومجمعها الفقهي، وهيئاتها المستقلة في مناسبات سابقة من مؤتمرات وحوادث مشابهة، حصلت في داخل المملكة وخارجها، بيّنت فيها موقف الإسلام من هذه الفئة المنحرفة في فكرها انحرافاً خطراً، لكونها تسعى إلى تقويض الأمن والاستقرار في المنطقة، والمجتمعات المسلمة باسم الإسلام والجهاد والشعارات الخادعة، وحذّرت من الانتساب إليها، ودعمها بأي شكل من الأشكال". السيستاني يتحدث وعلى غير عادة، أصدر المرجع الشيعي الأكبر في العراق، علي السيستاني، فتوى حرّم فيها ما أسماه أعمال القتل والإرهاب التي يقوم بها تنظيم "داعش" في العراق، مؤكدًا كذلك على حرمة تمويل هؤلاء والتعاون معهم. ودعا السيستاني، الذي يعرف بقلة ظهوره الإعلامي، القيادات السياسية إلى ضرورة توحيد كلمتها وتعزيز جهودها في سبيل الوقوف بوجه الإرهابيين وتوفير الأمن للمواطنين من شرورهم. وقد توالى صدور البيانات والتصريحات عن مكتب المرجع الشيعي والتي تظهر تفاعله ونشاطه خاصة بعد تمكن تنظيم "داعش" من السيطرة على محافظة نينوى العراقية (شمال) والمناطق المجاورة لها. وقد دعت بعض القيادات الشيعية بعد هذه الفتوى شيخ الأزهر أحمد الطيب إلى إصدار فتوى مماثلة تحرم تلك الأفعال. ودعا القيادي الشيعي بالعراق، طاهر الهاشمي، شيخ الأزهر إلى ضرورة التدخل لرفض وتجريم العنف والإرهاب وذبح المسلمين، وتحريم تمويل الإرهاب، قائلا: "ننتظر فتوى مماثلة لفتوى المرجعية العراقية السيد على السيستاني.. إدانة باكستانية من جانبها، أدانت جمعية علماء أهل السنة في باكستان (منظمة إسلامية مستقلة) ما تقوم به "داعش"، مؤكدة أن هذه الأفعال لا ينبغي أن تصنف على أنها ردة فعل أهل السنة تجاه الشيعة، معللين بأن المسلمين جميعًا على اختلاف مذاهبهم يرفضون هذا النوع من الاقتتال. وفي إشارة إلى ما تعتقد الجمعية أنه دور أمريكي فيما يحدث قالت "على الولاياتالمتحدة أن تتعظ من حرب فيتنام، وأن العراق لا يمكن أن يتحمل الافكار المتطرفة العدائية". وطالب علماء أهل السنة في باكستان (منظمة إسلامية) بضرورة الحفاظ على الأماكن المقدسة في العراق بما في ذلك مقام الإمام علي، ومقام العباس، ومقام أبوحنيفة، ومقام الشيخ عبدالقادر الجيلاني، وجنيد البغدادي، بحسب بيان سابق لها، معتبرين ذلك "واجباً دينياً". وفي السياق ذاته، دعا اتحاد علماء الدين الإسلامي في إقليم شمال العراق، جميع الشخصيات والعلماء في العالم الإسلامي لتنديد وشجب هذه العمليات الإجرامية، التي طالت المسلمين قبل المسيحين وغيرهم، لتبرئة الذمة أمام الله تعالى. ويعم الاضطراب مناطق شمالي وغربي العراق بعد سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" المعروف إعلامياً ب"داعش"، ومسلحون سنة متحالفون معه، على أجزاء واسعة من محافظة نينوى (شمال) في العاشر من يونيو/حزيران الماضي، بعد انسحاب قوات الجيش العراقي منها بدون مقاومة تاركين كميات كبيرة من الأسلحة والعتاد. وتكرر الأمر في مدن بمحافظة صلاح الدين (شمال) ومدينة كركوك في محافظة كركوك أو التأميم (شمال) وقبلها بأشهر مدن محافظة الأنبار غربي العراق. فيما تمكنت القوات العراقية مدعومة بميليشيات مسلحة موالية لها، وكذلك قوات البيشمركة (جيش إقليم شمال العراق) من طرد المسلحين وإعادة سيطرتها على عدد من المدن والبلدات بعد معارك عنيفة خلال الأسابيع القليلة المنصرمة. تأثير منعدم ومن جانبه، يرى منير جمعة عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن اكتفاء المؤسسات الدينية بمجرد البيانات في مواجهة تلك التنظيمات جعل تأثيرها شبه منعدم في تغيير أفكارها وبالتالي في السيطرة على نواتج هذه الافكار. وقال جمعة في تصريحات للأناضول: "إن الأزهر والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين على وجه التحديد كان يجب أن يتعدى دورهما مجرد البيانات إلى فعل يغير الواقع، نظرا لما يحملانه من ثقل معنوي ومرجعيات علمية مؤثرة على مستوى المنضويين تحت تلك التنظيمات، مهما قيل عن اعتقاداتهم بتكفير هؤلاء او تفسيقهم او تبديعهم. وأشار جمعة إلى ما كان ينبغي ان تقوم به تلك التنظيمات قائلا: "هناك وسائل كثيرة كان يجب الإعداد لها مثل المناظرات الفكرية، والوساطات السياسية التي تكون فيها تلك المؤسسات طرفا أصيلا، وأيضا الرسائل العلمية التي تناقش الحجة بالحجة فتحقق أهدافها في خلخلة تلك الافكار على الأقل بين شباب تلك التنظيمات".