غضب من سلبية الحكام العرب تجاه غزة الربيع العربي ابتلى بصعود المنتفعين والفلول دمقرطة السلطة وعدالة الثروة .. أبواب الأمل بخطاب العرش العربية الفصحى لغة رسمية غير محكية في المغرب ! مخاوف وصول داعش للمغرب توريطها شبابه بتخريب وقتل استياء من حكومة بنكيران بعد الفشل بمواجهة الفساد والغلاء والتعذيب عزلة نسبية للمثقفين .. وتواصل جدل الفرانكفونية والإسلام المثقفون يدعون لقراءة منفتحة للدين واجتهاداته الملك يصون إرادة الشعب .. هكذا كانت أول وثيقة مغربية 1908 منذ دولة المرابطين وبناء الأندلس العريقة، وروافد الصوفية ومقاومة الاستعمار الأجنبي ، وحتى عهد الملك محمد السادس، يعيش المغاربة على وقع إنجازات ملموسة عربيا وعالميا، امتزجت فيها الأصالة بالمعاصرة، في نسج بديع قلما يتكرر .. تذكرك العمارة المغربية بطابعها المميز، بالأعمال التراثية التي نقرأها عن المدينة العربية الأصيلة، بوابات عالية وأسوار، نسق عربي يزين البنايات في الدار البيضاء وطنجة وفاس، وانتشار كبير للحرف التراثية . ويعد المغرب أحد أشهر معاقل الفلسفة والفكر والفن والثقافة العربية بشكل عام. لكن السطور التالية تحاول التركيز على أهم ما يشغل بال المثقفين المغاربة، كجزء نابض وأصيل في خريطة الوعي والتنوير العربي ، وستلحظ أنها لا تختلف أبدا عن هموم المثقف في أي بقعة عربية . ستكون غزة ومآسيها هي البداية، وعلاقة المغاربة بالقدس الشريف طويلة منذ الحملات الصليبية، التي كان لهم دورا هاما بدحرها وتحرير الأقصى ، وهناك قول مأثور عن صلاح الدين الأيوبي يقول : أسكنت منيفتكون بالبحر، ويفتكون في البر ، أسكنتالمغاربةلا أستأمن أضعف نقطة فيبيت المقدس إلا أهلالمغرب منأجل ذلك فقد أقطعصلاحالدينالأيوبيالذي عاشرالمغاربةجزءا من أرضالقدس عقارات و أوقافا من بينها 135 عقار ومسجد ومدرسة كانيدرس فيهاالمذهب المالكيالأفضليةومقبرة وطريقا و حائطا . واليوم لم يكن المثقف المغربي راضٍ – عبر المقالات والأنشطة والمسيرات – عن تعامل الحكام العرب مع الأزمة الإنسانية الحادة التي أودت بحياة ألف فلسطيني وعشرة آلاف جريح خلال 30 يوما، نسبة كبيرة منهم أطفال ونساء وعجائز، ناهيك عن هدر البنية التحتية والمنازل والمساجد والمستشفيات ونحوها ، فقد اعتبرت نسبة كبيرة من هؤلاء المثقفين أن الجامعة العربية والأنظمة تحتها لا تحظى بأي إرادة مستقلة ولن تقوى على تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك بغير رضا أمريكا ، وهو ما يستحيل عمليا باعتبار أن أمريكا لا تزال تمد إسرائيل بأسباب بقائها وقوتها. وشملت أحزان المثقفين المغاربة تلك المباراة الصفرية بين فتح وحماس وفشل المصالحة، ويميل أغلب المغاربة لرفض دعاوى بعض المثقفين العرب مع الأسف لإجهاض مشروع المقاومة الفلسطينية المتمثلة في حركة حماس أو فتح أو غيرهما ونزع أسلحتها، وبالتالي تفريغها من أدواتها لترويع العدو الصهيوني، ولو بالقدر اليسير. أما المفكر محمد السوسي فسيؤكد بمقاله أن "الحكام العرب وثرواتهم التي حالوا دون انتفاع الشعوب منهايخدمون المخطط الصهيوني في ضرب الفلسطينيين في غزة وغيرها، وضرب آمالالشعوب في النهضة والتحرر والديمقراطية والعدالة الاجتماعية". أخيرا، اعتبر وزير الثقافة الأسبق ، محمد الأشعري، أن الغرب مفهوم سعيه الحثيث لهدنة تخرج إسرائيل من فخ نصبته لنفسها في غزة فزاد من عزلتها السياسية وصور قادتها كمجرمي حرب أمام الرأي العام العالمي، أما العرب فيجب عليهم – بحسب الكاتب – أن يركزوا حديثهم على المساعدات الإنسانية ونحوها، لا المبادرات السياسية، لأن التوقيع على هدنة تمحو آثار إجرام إسرائيل وآلاف الضحايا، لهو أشد من القتل !! الربيع العربي ننتقل للربيع العربي، فنرى هواجس المثقفين المغاربة ، وهم وإن كانوا يؤيدونها في أهدافها ومراميها لكنها يرون أن الفشل كان حليف أغلبها لأنها افتقدت للقيادة الواعية والرؤية غير العشوائية التي أدت لعودة الثورة المضادة المتمثلة في رجال الأنظمة الفاسدة التي خلعتها الشعوب، أو صعود رموز الإسلام السياسي، الذين لا يراهم المثقفون كانوا وقودا حقيقيا للثورات وإنما انتفعوا من ثمارها، وفي المحصلة فقد أصبحت هناك كتلة كبيرة تجثم على صدر دول الربيع ووثيقة الصلة بالقوى الكبرى خاصة أمريكا وتخدم مصالحها في المنطقة لضمان بقائها .. في الشأن السياسي المحلي، بادر عدد من المثقفين بإعلان غضبهم من حكومة "بنكيران" المنتمية لحزب العدالة والتنمية الإسلامي، خاصة بعد ترددها في استخدام صلاحياتها الدستورية، وفشلها بمحاربة الفساد، برغم عدم إعلان المفسدين توبتهم وعدم وقوعهم تحت طائلة السلطة، فيصبح العفو الحكومي أشبه بالمهادنة ، ومن بين الانتقادات الارتفاع غير المسبوق بالأسعار ما هدد الطبقتين الفقيرة والمتوسطة، وعدم وفاء الحكومة بتعهداتها في تشغيل العاطلين. وعلى خلفية خطاب العرش الأخير للملك، نلمح تأكيدات ثقافية بأهمية التفاعل مع التحولاتالسياسية العميقة التي مست العالم العربي، وتفاؤل بتعهدات الملك برفع الحراك الديمقراطيعبر دمقرطة السلطة، والتوزيع العادل للثروة وإحداث الفصلالضروري بين السلطة والثروة. عزلة المثقف .. وصعود التطرف على الصعيد الثقافي ، شغلت هواجس عدة المثقف المغربي ويأتي على رأسها تدني أوضاع اتحاد الكتاب، واهتمامه بالمركز وليس بالهامش. ومن الملاحظ أن الأدب والثقافة والنقد المغربي في صعود مستمر، رغم تجاهل المشرق لهذه الحقيقة كثيرا . والأدب المغربي يحظى بأرفع الجوائز العربية والعالمية . وقد تأثر كثيرا بتيارات الحداثة ، لكن المثقفين لم يكفوا يوما عن الإنشغال بكيفية تطوير ذلك الإبداع والفكر وجعله مادة حياة يتناولها كل مواطن مغربي . ولعل الانتقادات الأبرز على طبيعة الأدب المعاصر في المغرب كما عبر بعض النقاد أنه لا يضع هدف الإصلاح الداخلي واضحا، فيهرب للعالم الخارجي أو ينساق لتفصيلات الأحداث اليومية واللحظية. وتعد اللغة والهوية بشكل عام من الهواجس الثقافية بالمغرب بشكل مزمن ، فلا تزال حالة الجدل بين من يرون المغرب دولة عربية أمازيغية، ويصر البعض على الإفريقية الأمازيغية، أما الدستور فهو يعترف بالأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب العربية ، وإن كانت اللغة العربية الفصحى تستخدم بالمحافل الرسمية وبعض الأنشطة الثقافية والإعلامية فحسب، ولكنها غير شائعة بالشارع المغربي. أما التطرف الديني فيعد الهاجس الأهم الذي يواجهه المثقفون المغاربة ، وما يشمله من تهديدات إرهابية من جماعات دينية متشددة، وأهمها "داعش" أو تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، المنبثق عن تنظيم القاعدة، حيث جندت عددا من الشباب المغربي لصفوفها الشيطانية وورطته في أبشع العمليات التي تمت في العراق وسوريا وغيرها . بعض الكتاب المغاربة ألمحوا لعنصر آخر ، وهو العزلة بين المثقف والجمهور، وهي عزلة متحققة في العالم العربي كله، لكنها تبدو بدرجة كبيرة في المغرب، حيث طبقة نخبوية من المثقفين يميلون للثقافة الفرانكفونية ويتعاملون بازدراء مع الثقافة العربية والإسلامية بالخصوص، وجيل جديد بعضه يميل للأصالة واللغة العربية والتراث وبعضه يميل تماما للحضارة الفرنسية كلية، فحدثت فجوة كبيرة بين الأجيال . وهذه المقاطعة الشعورية بين المثقف وبين قيم المجتمع تجعله منزويا عنه، وربما دفعت بعدد من الشباب للاندماج بتيارات الإسلام السياسي كحاضنة بديلة . ربما لهذا السبب تكثفت دعاوى على مدار العامين الماضيين لقراءة أكثر انفتاحا للدين وتراثه، وإعمال الاجتهاد فيه، بحيث تقل الفجوة بين المثقف والجمهور، مع نشر ذلك الوعي ومناقشته على أوسع نطاق ، وتفرقة المقدس عن البشري فيه. بالطبع سادت مخاوف أخرى منذ وصول حكومة حزب "العدالة والتنمية" ذات المرجعية الإسلامية، فتساءل بعض المثقفين : هل تحد الحكومة من نشر الإبداع أو تدريس الفنون والفلسفة ؟ خاصة مع اتجاه الحكومة لجعل تلك المواد اختيارية بالمناهج التعليمية الأساسية. ويظل الإعلام بين أكثر مخاوف المثقفين ، فالمطالب تتجدد عبر الأنشطة المختلفة والمقالات ، بأن يظل إعلام المغرب محايدا عن الملك والحكومة ، وأن تحذو كل الفضائيات العربية والصحف والحطات هذا الحذو، لكن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن فخرجت مذيعة بفضائية أون تي في تهين الشعب المغربي، وهي واقعة أدت لإقالتها ، ثم خرج مسلسل رمضاني يصف المغاربة بالسحر والشعوذة، وهو ما أغضب المغاربة، رغم نفي السيناريست محمد الحناوي تعمده ذلك. حقوق الإنسان بالتأكيد يظل ملف "حقوق الإنسان" هو القاسم المشترك بين هواجس المثقفين العرب والمغاربة في قلبهم بالتأكيد، وقد اتسم حكم الملك الحسن الثاني ما بين 1956 و 1999، والمعروف ب "سنواتالرصاص"، بالقمع والمعارضة السياسية، وبالاختفاء القسري لمئات الأفراد،والاعتقال التعسفي لألاف غيرهم، وبالاستخدام المنهجي للتعذيب وغيره من ضر وبسوء المعاملة. ويقول الكاتب محمد الزاهد بمقال منشور بصحيفة مغربية : مع أن حالة حقوق الانسان قد تحسنت إلى حد كبير منذ توليالملك محمد السادس الحكم، إلا أن منظمة العفو الدولية ما برحت تتلقى تقاريرعن وقوع التعذيب رغم تجريم القانون لكل صنوف سوء المعاملة والقسوة واللاإنسانية وتصديق المغرب على الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب وإنشاء مجلس وطني لحقوق الإنسان .". لكن الكاتب يلفت لاتجاه الحكومات المتعاقبة للعدالة "التصالحية" وليست "الاتهامية" ما يترجم إفلات مرتكبي انتهاكات حقوق الانسان من العقاب. الديمقراطية .. المطلب الأهم يعتبر علال الفاسي من المفكرين الأوائل في تناول هذا المطلب بالتحليل، وبحسب كراسة بحثية مغربية صادرة عن مؤسسة "مؤمنون بلا حدود" فإن الفاسي قدم كتابا هاما باسم "الديمقراطية وكفاح الشعب المغربي من أجلها" يؤكد أن المغرب كان دائما حتى قبل الحماية يضع قضية نظام ملكي دستوري ديمقراطي نصب أعينه، ولكن تهافت الاستعمار على الشمال الإفريقي منذ نهاية حرب السبعين واختلال التوازن بين الدول الغربية، عاق تحقيق أي هدف إصلاحي مهم وقاد الدولة والشعب إلى الاهتمام قبل كل شيء بحماية الوطن وحدوده " فركز المغاربة على المقاومة بدل الإصلاح، وإن كانت مقاومة الاستعمار إصلاح بحد ذاتها. والديمقراطية هي أن تعطي السيادة للشعب، في إحدى معانيها، إذ ورد في تعليق على ميثاق البيعة ليناير 1908 مع السلطان مولاي عبدالحفيظ أن هذه البيعة عقد "بين الملك والشعب يخرج بنظام الحكم المطلق إلى نظام ملكية دستورية، فليس من حق السلطان منذ الآن أن يبرم أية معاهدات سلمية أو تجارية إلا بالرجوع للشعب ومصادقته" وقد حقق المغرب بدستور 2011 نقلة هامة على طريق الممارسة الديمقراطية، وكما يقول عبدالكريم غلاب فالديمقراطية لا تتحقق إلا بشرط وعي الشعب بها. أما محمد عابد الجابري، فرأى أن توعية الشعب أهم من إعطائه حق الاختيار، لأن الجائع والأعمى لا يختاران سوى ما يسد رمقهما .