اعتبر خبير سوداني أن إعلان المفوضية القومية للانتخابات في السودان رسميا عن موعد الانتخابات العامة (الرئاسية والبرلمانية) هو "هروب إلى الأمام"، من جانب الحزب المؤتمر الوطني الحاكم بديلا عن المواجهة السياسية مع المعارضة، ونسفا لدعوة الرئيس عمر البشير للحوار. واستبعد آخر إجراء هذه الانتخابات في الوعد الذي حددته المفوضية، معتبرا أن يمثل نوعا من الضغط و"الابتزاز السياسي" من جانب السلطة الحاكمة على المعارضة تهدف لتراجع المعارضة عن شروطها الدخول في حوار مع الحزب الحاكم. وأعلنت المفوضية القومية للانتخابات، أمس الأربعاء، أن الثاني من أبريل/نيسان المقبل سيكون موعدا للاقتراع في الانتخابات التي ستجرى على ثلاث مستويات هي رئاسة الجمهورية وولاة الولايات وعددها 18 ولاية، بالإضافة إلى البرلمان. ويرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم، حاج حمد محمد خير، أن الإعلان رسميا عن موعد الانتخابات العامة دون الاكتراث بشروط المعارضة سينسف عملية الحوار التي دعا لها الرئيس عمر البشير في يناير/كانون الثاني الماضي. وأضاف في حديث لوكالة الأناضول أن "إجراء الإنتخابات سينسف دعوة الحوار لأنها تتجاهل شروط أحزاب المعارضة التي قبلت الحوار". واعتبر أن هذا الإعلان عم موعد الانتخابات دون الرجوع إلى احزاب المعارضة من شأنه أن يدخل البلاد في حالة احتقان سياسي حاد ربما يفضي إلى انتفاضة شعبية يعزز فرصها السخط الشعبي المتنامي من تدهور الوضع الإقتصادي. والأسبوع الماضي حذرت أحزاب المعارضة التي قبلت دعوة البشير بالانسحاب من الحوار بعيد إعلان المفوضية أنها ستنشر الجدول الزمني للانتخابات عقب عطلة عيد الفطر، ورأت أن مناقشة موعد الانتخابات وقانونها والآلية التي ستشرف عليها يجب أن يتم التوافق عليه في جلسات الحوار. وأبرز الأحزاب التي قبلت دعوة الحوارهي حزب المؤتمر الشعبي الذي يتزعمه الإسلامي حسن الترابي وحزب الإصلاح الآن المنشق عن الحزب الحاكم بقيادة غازي صلاح الدين بجانب عدد من أحزاب المعارضة الصغيرة أغلبها منشق عن الأحزاب الرئيسية بالبلاد. وانسحب حزب الأمة أكبر الأحزاب المعارضة من عملية الحوار في مايو/آيار الماضي احتجاجا على اعتقال زعيمه الصادق المهدي لنحو شهر قبل الإفراج عنه وهو ما مثل ضربة قاضية للحوار للمكانة الكبيرة التي يتمتع بها في المشهد السياسي السوداني. ومنح انسحاب حزب المهدي مصداقية لبقية أحزاب المعارضة التي رفضت دعوة البشير ورهنت قبولها بحزمة من الشروط أبرزها إلغاء القوانيين المقيدة للحريات وتشكيل حكومة انتقالية تضم جميع القوى السياسية تشرف على صياغة دستور دائم وإجراء انتخابات حرة ونزيهة، فضلا عن تكوين آلية مستقلة لإدارة الحوار . وأبرز هذه الأحزاب هي الحزب الشيوعي وحزب البعث العربي وحزب المؤتمر السوداني الذي تحتجز السلطات رئيسه إبراهيم الشيخ منذ الثامن من يونيو/حزيران الماضي، وثلاثتها أحزاب تتمتع بثقل نوعي في أوساط المثقفين والمهنيين والشباب والطلاب. واشترط المهدي لعودته للحوار ذات الشروط التي تضعها الأحزاب الثلاث ولتي تتبناها أيضا الحركات المسلحة وعددها 4 تحارب الحكومة في 8 ولايات من أصل 18 ولاية سودانية وتعمل ضمن تحالف باسم الجبهة الثورية. وفي يوليو/تموز الماضي عين البشير رئيسا وأعضاء جددا لمفوضية الانتخابات بعد أسابيع من تعديل أجراه البرلمان، الذي يهيمن عليه الحزب الحاكم، على قانون الانتخابات وصفه معارضون بأنه "يفتح الباب أمام تزوير الانتخابات". ووصل الرئيس البشير (71 عاما) للسلطة عبر انقلاب عسكري مدعوما من الإسلاميين في 1989 واكتسح الانتخابات التي أجريت في 2010 وقاطعتها أحزاب المعارضة بحجة تلاعب الحزب الحاكم في سجل الناخبين. واستبعد عميد كلية العلوم السياسية بجامعة الزعيم الأزهري في الخرطوم، آدم محمد أحمد إجراء الانتخابات بحجة أن الأمر "صعب ومعقد بالنسبة للحزب الحاكم" . وقال أحمد، في حديثه لوكالة الأناضول، أن "الغرض من نشر جدول الانتخابات ابتزاز أحزاب المعارضة للتخلي عن شروطها وقبول دعوة الحوار والتوصل معها لمحاصصة تضمن للحزب الحاكم النصيب الأكبر من السلطة". وأضاف "الحزب الحاكم دعا المعارضة للحوار لأنه يبحث عن شرعية وهو يدرك أنه لا يمكنه الحصول عليها عبر الانتخابات". وشرح الخبير السياسي رؤيته قائلا "الحزب الحاكم يدرك أن المجتمع الدولي لن يسمح له بتزوير الانتخابات مجددا كما حدث في انتخابات 2010 ويدرك أكثر أن الشعب لن يقبل باستمرار حكومته لخمس سنوات إضافية"، ولم يتسن الحصول على تعقيب فوري من السلطات السودانية على هذا الاتهام. ويعتقد مراقبون أن المجتمع الدولي "غض الطرف" عن عمليات تزوير واسعة قالت المعارضة إنها اعترت الانتخابات الماضية التي قاطعتها حتى لا يعرقل الحزب الحاكم إجراء استفتاء لتقرير مصير جنوب السودان أجري فعليا في 2011 ومهد لانفصال الجنوب. والاستفتاء الذي صوت فيه الجنوبيون بأكثر من 98 % لصالح الانفصال منصوص عليه في اتفاقية نيفاشا للسلام التي أبرمت في 2005 برعاية أمريكية أفريقية مع متمردي الحركة الشعبية التي كانت تحظى بمساندة الغرب. وتابع الخبير والمحلل السياسي آدم أحمد بالقول "الحزب الحاكم كان يعتمد على شرعية نيفاشا والآن لا سبيل أمامه غير شرعية الحوار لأن إجراء الانتخابات يعني مزيد من الإحتقان السياسي وصولا لانتفاضة شعبية بسبب فشله في إدارة البلاد سياسيا وإقتصاديا وأمنيا ". ويشهد السودان منذ 2011 تدهورا اقتصاديا بسبب انفصال الجنوب الذي استحوذ على 75 % من حقول النفط كانت تمثل أكثر من 50 % من الميزانية العامة. وما يفاقم الوضع الإقتصادي الكلفة العسكرية الباهظة حيث يحارب الجيش في 8 ولايات من أصل 18 ولاية سودانية، ويقدرها خبراء بنحو 65% من الميزانية بينما لا تكشف الحكومة عن أرقامها بحجة سريتها.