تداول أكثر من 76 ألف طن بضائع عامة بميناء دمياط    المتحدث باسم حماس: مصرون على تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق رغم تعنت الاحتلال بقوائم الأسرى    ترامب يبحث مع زيلينسكي إمكانية تزويد أوكرانيا بصواريخ توماهوك    الضفة.. جيش الاحتلال الإسرائيلي يعتقل طفلا فلسطينيا ومستوطنون يعتدون على مزارعين    وزير الشباب يطمئن على الحالة الصحية ل حسين لبيب ومرتضى منصور    النرويج ضد إسرائيل بتصفيات المونديال.. تعرف على ترتيب المجموعة    وزير الشباب والرياضة يتابع الاستعدادات الخاصة بإجراء الجمعية العمومية للنادى الأهلى    مصرع عامل نخيل إثر سقوط نخلة عليه بقرية صفط الغربية في بني سويف    في عيد ميلاده.. عمرو دياب بين نقد الأمس واحتفال اليوم    بالأبيض والأسود.. ظهور مفاجئ للفنانة رحمة أحمد.. شاهد    وزير الصحة يبحث مع شركة دراجر العالمية تعزيز التعاون لتطوير منظومة الصحة في مصر    صوروه في وضع مخل.. التحقيقات تكشف كواليس الاعتداء على عامل بقاعة أفراح في الطالبية    شريف فتحي يبحث تعزيز التعاون السياحي مع قيادات البرلمان والحكومة الألمانية    مياه الغربية: تطوير مستمر لخدمة العملاء وصيانة العدادات لتقليل العجز وتحسين الأداء    وزارة الري: إدارة تشغيل المنظومة المائية تجري بكفاءة عالية لضمان استدامة الموارد    9 مرشحين بينهم 5 مستقلين في الترشح لمجلس النواب بالبحر الأحمر ومرشح عن حلايب وشلاتين    المايسترو محمد الموجى يكشف ل«الشروق» كواليس الدورة 33 لمهرجان الموسيقى العربية    القسوة عنوانهم.. 5 أبراج لا تعرف الرحمة وتخطط للتنمر على الآخرين    رئيس جامعة الأزهر يوضح الفرق بين العهد والوعد في حديث سيد الاستغفار    محافظ الأقصر يقوم بجولة مسائية لتفقد عدد من المواقع بمدينة الأقصر    رئيس وزراء العراق يؤكد حرص الحكومة على دعم الأمن والاستقرار    رسميًا.. موعد تطبيق التوقيت الشتوي 2025 وتغيير الساعة في مصر    رئيس جامعة قناة السويس يشارك في وضع إكليل من الزهور على النصب التذكاري لشهداء الوطن    وفقًا لتصنيف التايمز 2026.. إدراج جامعة الأزهر ضمن أفضل 1000 جامعة عالميًا    لامين يامال يغيب عن مواجهة جيرونا استعدادا للكلاسيكو أمام ريال مدريد    «نيتهم وحشة».. طارق العريان يرد على منتقدي فيلم السلم والثعبان 2    QNB يحقق صافى أرباح 22.2 مليار جنيه بمعدل نمو 10% بنهاية سبتمبر 2025    عالم أزهري يوضح أحكام صلاة الكسوف والخسوف وأدب الخلاف الفقهي    عالم أزهري يوضح حكم تمني العيش البسيط من أجل محبة الله ورسوله    هل متابعة الأبراج وحظك اليوم حرام أم مجرد تسلية؟.. أمين الفتوى يجيب "فيديو"    وزير خارجية الصين يدعو إلى تعزيز التعاون الثنائي مع سويسرا    مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الصحية: لا تفشٍ لفيروس كورونا مرة أخرى    نزلات البرد.. أمراض أكثر انتشارًا في الخريف وطرق الوقاية    التوقيت الشتوي.. كيف تستعد قبل أسبوع من تطبيقه لتجنب الأرق والإجهاد؟    بتهمة خطف طفل وهتك عرضه,, السجن المؤبد لعامل بقنا    قيل بيعها في السوق السوداء.. ضبط مواد بترولية داخل محل بقالة في قنا    إيهاب فهمي: "اتنين قهوة" يُعرض في ديسمبر | خاص    الداخلية تكشف حقيقة سرقة شقة بالدقي    غدًا.. محاكمة 60 معلمًا بمدرسة صلاح الدين الإعدادية في قليوب بتهم فساد    حابس الشروف: اتفاق شرم الشيخ يعكس انتصار الدبلوماسية العربية    «الري»: التعاون مع الصين فى 10 مجالات لإدارة المياه (تفاصيل)    القنوات الناقلة لمباراة الإمارات وعُمان مباشر اليوم في ملحق آسيا لتصفيات كأس العالم    الجو هيقلب.. بيان عاجل من الأرصاد الجوية يحذر من طقس الأيام المقبلة    الداخلية تكشف تفاصيل ضبط سائق يسير عكس الاتجاه بالتجمع الخامس ويعرض حياة المواطنين للخطر    تفاصيل لقاء السيسي بالمدير العام لليونسكو (صور)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 11-10-2025 في محافظة الأقصر    العرفاوي: لا ندافع فقط في غزل المحلة.. ونلعب كل مباراة من أجل الفوز    زراعة المنوفية: ضبط 20 طن أسمدة داخل مخزنين بدون ترخيص فى تلا    «المشاط» تبحث مع المفوض الأوروبى للبيئة جهود تنفيذ آلية تعديل حدود الكربون    الرباعة سارة سمير بعد التتويج بثلاث فضيات ببطولة العالم: دايمًا فخورة إني بمثل مصر    مطالبة بإلزام الاحتلال تعويض عمال فلسطين.. «العمل العربية»: إعادة إعمار غزّة أولويةٌ ملحّة (تفاصيل)    انتخابات النواب: رقمنة كاملة لبيانات المرشحين وبث مباشر لمتابعة تلقى الأوراق    نائبة وزيرة التضامن تلتقي مدير مشروع تكافؤ الفرص والتنمية الاجتماعية EOSD بالوكالة الألمانية للتعاون الدولي    الرعاية الصحية: تعزيز منظومة الأمان الدوائي ركيزة أساسية للارتقاء بالجودة    منها «القتل والخطف وحيازة مخدرات».. بدء جلسة محاكمة 15 متهما في قضايا جنائية بالمنيا    أكسيوس عن مسؤول أميركي: نتنياهو لن يحضر القمة التي سيعقدها ترامب بمصر    أسعار اللحوم اليوم السبت في شمال سيناء    «رغم زمالكاويتي».. الغندور يتغنى بمدرب الأهلي الجديد بعد الإطاحة بالنحاس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حرب أهلية عربية على خلفية حرب غزّة
نشر في محيط يوم 24 - 07 - 2014

في 1991 أصبح رسمياً أن حكومات العرب لم تعد في صدد محاربة اسرائيل، وفي 2001 عندما بدأت «عملية السلام» تتلاشى، كرّس السلام «خياراً استراتيجياً»، وفي 2002 أقرّت قمة بيروت اقتراحاً سعودياً وتبنّته ك «مبادرة عربية للسلام» قبل ساعات قليلة من اجتياح اسرائيلي للضفة الغربية بغية إنهاء الانتفاضة الفلسطينية الثانية. وعلى رغم هذا الموقف العربي الواضح، برهنت اسرائيل أنها لا تستطيع العيش من دون حرب، وتمسّكت بها ك «خيار استراتيجي» لا تزال تمارسه، ولم يعد لديها أي توجّه آخر لإنهاء القضية الفلسطينية بالقوة. ولم تتأخر الولايات المتحدة يوماً في مساندتها، حتى أصبح منسياً الى حدٍّ بعيد أن اميركا كانت «عرّابة عملية السلام»، واذا كان جورج دبليو بوش مارس هذا الدور شكلياً، فإن باراك اوباما لم يعد يكلّف نفسه أي عناء في هذا المجال.
في 2000 انسحبت اسرائيل من جنوب لبنان. لم تعد لها مصلحة في احتلال صار مكلفاً. وفي 2005 انسحبت من غزّة، كذلك لأن الاحتلال لم يعد مجدياً. في الحالين حرصت على صنع بؤرتين تتيحان لها تفعيل خيار الحرب، وقابلتها ايران باستجابة وتناغم. في جنوب لبنان لم تكمل ترسيم الحدود، فأبقت ل «حزب الله» أسباباً لمواصلة الصراع. وفي غزّة حصلت اسرائيل على ما توخّته من الطريقة التي اختارتها للانسحاب، من دون التنسيق مع السلطة الفلسطينية، لأنها لم ترد لهذه السلطة أو لشرطتها وأجهزتها أن توجد في غزّة، ولا على المعابر، وعلى رغم أنها تكره «حماس» وقتلت زعيمها الروحي والكثير من قادتها البارزين، إلا أنها منحتها الفرصة التي اقتنصتها الحركة لمباشرة صعودها وتكريسه في انتخابات 2006، العام الذي عادت فيه اسرائيل الى جنوب لبنان في حرب تسببت بدمار كبير ولم تخرج منها منتصرة، لكنها حققت هدنة لا تزال صامدة، وقد ساهم تطوّران في تمديد صمودها: الأزمة الداخلية اللبنانية من جهة، فأزمة سورية من جهة اخرى وانشغال «حزب الله» في القتال الى جانب نظامها حليف ايران.
هذه الحرب في تموز (يوليو) 2006 أحدثت عشية اندلاعها انقساماً عربياً - عربياً حول مبرراتها وجدواها، وكانت مقدّمات الانقسام بدأت لحظة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري واتهام سورية بتدبيره وتفاقمت بعد الانسحاب السوري من لبنان. وكما أدّت ردود الفعل المتباينة خلال الحرب الى شرخ سياسي، فقد تحوّل ما بعد الحرب الى أزمة عميقة قسمت المجتمع عمودياً وحسمها «حزب الله» عسكرياً قبل تكريس هذا الحسم سياسياً في العاصمة القطرية الدوحة، وشكّلت هذه الأزمة واقعياً خطوة كبيرة نحو مصادرة لبنان في محور «الممانعة» الايراني – السوري الذي ضم أيضاً قطر والفصائل الفلسطينية. أما المحور الآخر الذي عُرف ب «الاعتدال» فضمّ مصر والسعودية في شكل أساسي. وكانت حرب غزّة الأولى (2008) بمثابة حربين متوازيتين، واحدة مع اسرائيل، وثانية بين المحورين، مع ما رافقهما من شحن اعلامي متبادل. ولم تفلح مبادرة مصالحة من العاهل السعودي تجاه الرئيس السوري في تبديد التشنج والانقسام.
كان لكلٍ من المحورين منطقه ومفهومه لمسائل الحرب والسلام. ف «الاعتدال» وضع القضية الفلسطينية في كنف مفاوضات ترعاها الولايات المتحدة، لكن هذه خضعت تدريجاً للمنطق الاسرائيلي فأحبطت أصدقاءها في دول هذا المحور وحكوماته، وهذه لم تتمكّن من بناء استراتيجية جديدة حتى بعدما تيقنت من أن المفاوضات ضلّت طريقها. في المقابل، سعى محور «الممانعة»، من خلال حربين مدمّرتين، الى إحراج المعتدلين بإثبات أن خيار المقاومة المسلحة لا يزال ممكناً، وأن خيار الحرب وارد من دون تورّط مباشر للحكومات، بل بالوكالة من خلال «حماس» و «حزب الله»، وفي البؤرتين اللتين اختارتهما اسرائيل لتكونا مسرحين لإدامة خيار الحرب.
لا شك في أن حال المحورَين تبدّلت منذ انتفاضات 2011، بسبب انشغال مصر بأوضاعها الداخلية من جهة، وكذلك تضاؤل القيمة الاستراتيجية للنظام السوري. لكن أسباب الانقسام تعمّقت لتضاف اليها صراعات حول تيار الاسلام السياسي زادت الجانب العربي قلقاً وضعفاً، وأخرى متصلة بالاستغلال الايراني للاضطرابات العربية. في خضم هذه اندلع شبه حرب أهلية عربية - عربية بموازاة الحرب الاسرائيلية الثالثة على غزّة، حتى أنها انعكست على الحراك الديبلوماسي لبلورة اتفاق على وقف اطلاق النار. وعلى رغم أن المحورين لم يكونا في صدارة المشهد، إلا أن هذه الحرب كانت فرصة لتصفية حسابات في أكثر من اتجاه: مصر - «حماس» (حليفة جماعة «الاخوان المسلمين»)، ومصر - قطر - تركيا (الداعمتين ل «الاخوان» و «حماس»)، وكذلك السلطة الفلسطينية - «حماس»، وانعكست فيها أيضاً خلافات الادارة الاميركية مع حكومة نتانياهو ومع مصر عبدالفتاح السيسي. ولا شك في أن اسرائيل اندفعت الى هذه الحرب وفي حساباتها أنها تخوضها ضد ايران (المصدر المفترض لصواريخ غزّة). وقد أدّت التجاذبات ومحاولة كلٍ من هذه الأطراف تسجيل نقاط الى فشل محاولة وقف النار (في 15/07) وفقاً ل «المبادرة المصرية» التي أعلنت بعد موافقة اسرائيل والسلطة الفلسطينية عليها ومن دون التفاوض بشأنها مع «حماس» التي رفضتها. بل أدّت التجاذبات خصوصاً الى «تغطية» العدوان البري الاسرائيلي وبلوغ الخسائر البشرية والمادية أضعاف ما كانت عليه قبله.
كان مفهوماً منذ البداية أن الدور المصري أساسي لأي «هدنة»، وعلى رغم أنه أُدير باحتراف ديبلوماسي، فقد كان مفهوماً أيضاً أنه تجاهل مطالب فصائل غزّة. لم تبدُ الاعتبارات الانسانية ذات أولوية عند حكومة متطرفي اسرائيل المتعطشة للدماء، ولا عند فلسطينيي «حماس» و «الجهاد» الذين يريدون إنجازاً يغيّر المعادلة ويعرفون أنهم لا يستطيعون الوصول اليه إلا بالتضحيات، ولا حتى عند الولايات المتحدة التي كلما ازدادت انكفاءً ازداد حليفها الاسرائيلي تغوّلاً وتوحّشاً. لكن الأطراف جميعاً عادت فأشارت الى الوضع الانساني عندما قدّرت أن اللحظة حانت لوقف المقتلة. وفي انتظار تلك اللحظة سقط الآلاف من الغزيين بين قتيل وجريح، وعادت المجتمعات العربية تنفّس ألمها بالترادح بمصطلحات التخوين والتأثيم.
ليس معروفاً ما الذي يعنيه الاسرائيليون والاميركيون عندما يقولون إن جهداً يبذل لتجنّب المدنيين، فيما تبيّن أن سبع عائلات قتل أفرادها وهم في منازلهم، وأن شباناً يقتلون وهم يلعبون كرة القدم في عراء الشاطئ. أليس هذا القتل متعمّداً؟ وبعدما تهكّم جون كيري على العملية «البالغة الدقة»، ليس معروفاً كذلك ما الذي يعنيه اوباما ونتانياهو حين يقولان إن بعض «أهداف» العملية البرّية قد تحقق. اذ لا يبدو أن صقور حكومة اسرائيل تكتفي بهذا «البعض»، ولو أُريد ترجمة رغباتها عملياً لوجب اختزال الهدف بكلمة واحدة: الإبادة... الأكيد أن اسرائيل لا تحقق أي هدف «استراتيجي» من هذه الغزوات، وكل ما تأمل به أن يكون للخسائر البشرية وقع ردعي على شعب غزّة. لكن، عندما تندر الخيارات، حتى هذا «الردع» لا يفعل فعله.
كيفما جاءت «الهدنة» الجديدة لا بد من سؤال صانعيها هل وضعوا الأسس لعدم تكرار المقتلة، وكيف سيحصلون على غزّة «مسالمة» اذا بقيت محاصرة ومخنوقة، وكيف سيحبطون الاستغلال الايراني ل «حماس» من دون أي أفق للحل التفاوضي؟ لكن الأهم هل هم قادرون، ولا سيما الاميركيين، على لجم تطرّف اسرائيل التي أفسدت التفاوض وترفض المصالحة الفلسطينية وتشترط حماية أمنها ولا تحترم أمن الآخرين ولا تقيم اعتباراً للسلطة الفلسطينية ولا ل «حماس»؟ وأخيراً هل يعتزم العرب مواصلة هذا النمط الفاشل من الادارة لقضية كلما همّشوها وحاولوا دفنها عادت بقوة لإرباكهم؟
نقلا عن " الحياة " اللندنية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.