يبدو أن الركن الثالث من أركان الإسلام، وهو الزكاة، له ميزة خاصة في لبنان بخلاف الكثير من الدول العربية والإسلامية، حيث تجمع هذه الفريضة المسلم الملتزم دينيا مع غير الملتزم إضافة لبعض المسيحيين الذين يحرصون في مكان ما على مشاركة مواطنيهم المسلمين بهذه "العادة". في شهر رمضان هذا العام وبالرغم من الأوضاع الإقتصادية الصعبة التي يمر بها لبنان، يدأب المسلمون الملتزمون وغير الملتزمين بالشعائر الدينية على تأدية فريضة زكاة أموالهم ودفعها للفقراء والمحتاجين ولبعض الجمعيات والمؤسسات الرسمية التي تتولى بدورها توزيعها على مستحقيها. ويتمسك الكثير من المسلمين غير الملتزمين دينيا بفريضة الزكاة، في حين أنهم لا يؤدون الفرائض الأخرى مثل الصوم والصلاة. وهم يحرصون على أن يزكوا عن أموالهم خلال شهر رمضان ك"فريضة دينية"، لكن أيضا ك"عادة متوارثة" عن أهلهم. وهذا هو حال عبلة البستاني، المسلمة اللبنانية التي تقول عن نفسها أنها غير ملتزمة دينيا "تقاعسا وخطأ"، إلا أنها تحرص ب"قوة" على دفع زكاة اموالها للمحتاجين في شهر رمضان وفق القواعد الشرعية الإسلامية. وأوضحت البستاني في حديث هاتفي مع "الأناضول" أنها "تهتم بالزكاة دون غيرها من صلاة وصيام، وهذا بالطبع أمر خاطئ، إلا أنني أشعر بفرح كبير وسرور عارم حين أدفع الزكاة لمن يحتاجها". وقالت أن الزكاة "عادة توارثناها عن آبائنا وأجدادنا لا يمكنني أن أتخلى عنها"، معتبرة أنها "تدخل في باب مساعدة المحتاجين وإعانتهم على مصاعب الحياة". وأضافت أنها حين تقوم بإفادة الآخرين عبر دفع الصدقات والزكاة "أشعر بأنني أفعل ما يفيد المجتمع كله، ولست أنا المستفيدة الوحيدة على الصعيد الشخصي". ولا تختلف البستاني المسلمة عن أنطوانيت فغالي، وهي ربة منزل مسيحية، فكلاهما تهدفان الى مساعدة المحتاجين عبر هذه "الفريضة الدينية-الاجتماعية" ويشعران ان عمل الخير في شهررمضان له نكهة خاصة في بلد يضم أكثر من 18 طائفة إسلامية ومسيحية. فغالي تثابر على دفع صدقات كثيرة خلال شهر رمضان للجمعية الخيرية الإسلامية والمسيحية "من أجل نشر ثقافة التكافل الاجتماعي وتعزيزها أكثر وأكثر". وفي حديث ل"الأناضول" بعيدا عن عدسة الكاميرا، بينت أن دفع الأموال والصدقات خلال شهر رمضان "ليس بالضرورة أن يكون من باب الزكاة"، معتبرة أن "تضامن أبناء المجتمع في ما بينهم سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين هو الغاية الأسمى لأي تبرع أو مساعدة أقدمها". ومثل فغالي هناك العديد من المسيحيين الذين يعتبرون أن هكذا مشاركة تزيد من وحدة المجتمع اللبناني وتقرب بين المسلمين والمسيحيين، وهي بمثابة تكافل اجتماعي لمساعدة المحتاجين أكثر من كونها طقس ديني. الشيخ زهير كبي، المدير العام ل"صندوق الزكاة" التابع لدار الفتوى في لبنان، أكد أن كثيرا من المسلمين غير الملتزمين دينيا، وبعض المسيحيين بالرغم من قلة عددهم، "يقدمون أموال زكاتهم وتبرعاتهم لصالح الصندوق". وقال كبي في مقابلة مع "الأناضول" أن تقديمات غير المسلمين لصندوق الزكاة "نادرة.. إلا من بعض الشركات والمصارف التي تقدم مساعدات جيدة جدا خلال شهر رمضان المبارك". ولفت الى وجود الكثير من المسلمين "غير الملتزمين دينيا" يقدمون مساعدات للصندوق على سبيل أنها زكاة أموالهم أو صدقات أو تبرعات، معتبرا أنه "يجب إحياء الزكاة في قلوب المسلمين على أساس أنها فريضة وليست مجرد تبرع". وأشار كبي الى أنه كل من يدفع زكاة ماله وتقديم المساعدات من الأغنياء "يحصن نفسه من ثورة الفقراء والمحتاجين". وقال أن واقع هذا العام لناحية تقديم أموال الزكاة يختلف عما كان عليه العام الماضي "بسبب الوضع الاقتصادي والنزوح السوري الذي أثر كثيرا على العمل الخيري في لبنان". وقال "نحن نجد اليوم تباطؤا من قبل المزكين في دفع أموال زكاتهم للصندوق... وهذا ما يؤثر بلا شك بشكل سلبي على مداخيل صندوق الزكاة". وأضاف أن من الاسباب التي تؤثر سلبا على صندوق الزكاة هذا العام "الوضع الذي تعيشه دار الفتوى ووجود مجلسين شرعيّيْن وقرب موعد انتخاب مفت جديد للبنان". يُذكر أن خلافا على دار الفتوى ومع المفتى الشيح محمد قباني ادى الى انقسام حاد داخل الدار والى مجلسيين اسلاميين شرعيين بدل واحد، احدهما مدد لنفسه عام 2012 من دون العودة إلى المفتي الذي أوعز لانتخاب مجلس ثان قبل 10 أشهر، في ظل مقاطعة واسعة من بعض القوى السياسية والدينية. وتتحضر دار الفتوى في 31 آب/أغسطس المقبل لانتخاب مفت جديد للبلاد قبل انتهاء ولاية المفتي الحالي في 15 أيلول/سبتمبر المقبل، وسط تخوف من ان استمرار الخلاف قد يؤدي الى ان يكون للبنان مفتيين اثنيين بحيث يمدد انصار المفتي الحالي له وينتخب اخصامه مفتي جديد. ولفت كبي الى أن هذا الواقع أثر سلبا على عطاءات صندوق الزكاة للمحتاجين والفقراء، مشيرا الى أن الصندوق بدأ منذ سنتين بتقليص مساعداته المالية للمستحقين، بعد أن حيث تناقصت قيمة المساعدات من 13 مليار ليرة لبنانية (حوالي 12 مليون و380 ألف دولار أمريكي) الى 9 مليارات ليرة لبنانية (حوالي 8 مليون و571 ألف دولار أمريكي(. وتوقع أن تكون مداخيل الصندوق من اموال الزكاة "أقل مما كانت عليه العام الماضي". ويتوجه الكثير من المزكين الى الجمعيات الخيرية أيضا لتقديم بعض من زكاتهم وكل أنواع المعونات والمساعدات للصائمين، مثل المشاركة في إقامة موائد الإفطار الجماعية وتوزيع وجبات الإفطارعلى العائلات في منازلها وتوزيع الأموال النقدية والمواد الغذائية. مركز "جمعية سيدرز" الخيرية في بيروت، الذي يتلقى اموال الزكاة والتبرعات و"كفارة رمضان" من الخيريين الكثر، يتحول الى "خلية نحل" خلال هذا الشهر. فالعمل متواصل لتامين موائد الافطار الجماعية والملابس والمساعدات الغذائية، لاكبر عدد ممكن من المحتاجين، وما اكثرهم هذه الايام بسبب الاوضاع الاقتصادية المتردية وكثافة اللجوء السوري. واعتبرت سهيلة إدريس، العضو في الجمعية، أن التكافل الاجتماعي يظهر ب"أبهى صوره" في شهر رمضان وخاصة في لبنان، مشيرة الى أن المتبرعين للجمعية هم من المسلمين والمسيحيين. وقالت إدريس ل"الأناضول" أن الكثير من المسيحيين اللبنانيين يقدمون أموالا ومساعدات عينية "كبيرة جدا" لصالح توزيعها على الفقراء والمحتاجين واستخدامها في إقامة موائد الإفطار الجماعية، لافتة الى أن "سيدرز" تقيم هذا العام إفطارين جماعيين يوميا في بيروت لأكثر من 750 صائم "بتمويل من المسلمين والمسيحيين". وأوضحت أن كل مستلزمات الإفطارين من صحون وأكواب وملاعق وشوك بلاستيكية يقدمها تاجر لبناني مسيحي دون أي مقابل مادي، "وهذه هي طبيعة المجتمع اللبناني.. العيش بين المسلم والمسيحي دون أي تفرقة". وأشارت إدريس الى أن عددا من الشبان المسيحيين أيضا يساند الشبان المسلمين يوميا في التحضير للإفطار الجماعي، منهم مهندس الديكور دوري أبي خليل. أبي خليل، شاب لبناني مسيحي، ساهم هذا العام بتصميم الخيمتين الرمضانيتين الخاصتين بإفطار "سيدرز" وهو يعمل بشكل يومي في تأمين طعام الإفطار للصائم. أبي خليل قال ل"الأناضول" أن عمله هذا يندرج تحت قاعدة أن "الدين معاملة بين البشر"، معتبرا أن صورة تكافل المسلم مع المسيحي أو المسيحي مع المسلم "هي صورة لبنان الحقيقة، بالرغم مما نشهده اليوم من تطرف هنا وهناك.. (والذي) لا يعبر عن حقيقة الأديان التي لا تدعو إلا للحب والسلام". وأضاف "أنا أساعد الناس يوميا لأن هذه قناعتي وهذه هي رغبتي في أن يكون المسلمون والمسيحيون في هذا البلد يدا واحدة وأن يكون الاحترام المتبادل بينهم هو سيد الموقف"، مؤكدا أنه "طالما أن المسلم جار للمسيحي أو بالعكس في لبنان فلن يستطيع أحد أن يفرقنا