أجندة عاجلة لتحقيق توافق عربي مرسي عطا الله بوسعي أن أقول ودون أدنى مبالغة إن الكلمة التي ألقاها الرئيس محمد حسني مبارك في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر السنوي الخامس للحزب الوطني مطلع هذا الأسبوع تمثل رؤية متكاملة لاستراتيجية العمل الوطني في المرحلة المقبلة .. وربما يعزز من أهمية هذه الرؤية أن المؤتمر يجيء كما ورد في كلمة الرئيس وسط أزمة طاحنة يجتازها الاقتصاد العالمي بعد أن طالت تداعياتها الدول المتقدمة والدول النامية على حد سواء ! وأستأذن في أن أسمح لنفسي بممارسة حق الاجتهاد في هذه الجزئية المهمة من كلمة الرئيس مبارك مستندا إلى مطالبته للجميع بعدم التعامل مع هذه الأزمة بمنطق التهوين أو التهويل مع التسليم كما قال الرئيس بأن هذه الأزمة المالية العالمية تطرح مثالا لتحديات جديدة تفرض علينا من الخارج في نظام عالمي مفتوح وعولمة لا تعترف بالحواجز والحدود وتحمل إلينا ولغيرنا على اتساع العالم مخاطر تقتضي سرعة تحركنا لاحتواء تداعياتها. وهنا ينبغي أن أسجل لمصر سرعة تحركها باتجاه الدائرة العربية من خلال تكليف رئاسي لعدد من الوزراء المختصين للتشاور مع الأشقاء العرب حول السبل الكفيلة لتجنيب الشعوب العربية معظم مخاطر هذه الأزمة الطاحنة وهو ما يعكس استشعارا مصريا مبكرا لتحركات دولية صوب منطقة الخليج ظهرت بشائرها عقب التحرك المصري بزيارة رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون للرياض واقتراحه للمملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى بأن تسهم في الصندوق الدولي المقترح لدعم الدول التي ستتأثر بالأزمة المالية الراهنة. ولست أظن أننا كنا كأمة عربية بحاجة إلى قراءة التاريخ واستيعاب دروسه بمثل ما نحتاجه الآن في مواجهة أزمة مالية لم يسبق حدوثها وهو ما يستوجب كنقطة بداية أن نراجع بعناية حقيقة أوراق وعناصر القوة التي تملكها أمتنا العربية وأحددها على النحو التالي: 1- إن العالم العربي يمثل من الناحية الجغرافية إقليما واحدا يمتد من الخليج العربي شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا، وهذا الإقليم المتجانس حباه الله بمواقع دفاعية طبيعية، حيث جبال زاكروش والخليج العربي في الشرق ومياه وصخور المحيط الأطلسي في الغرب، وحيث لاتوجد أي فواصل أو حواجز طبيعية على طول وعرض الإقليم. 2- إن هذه المساحة الضخمة للعالم العربي لاتوفر فقط ميزة العمق الاستراتيجي للأمة وإنما توفر أمنا اقتصاديا استنادا إلى الثروات المدفونة سواء تلك التي تم اكتشافها مثل البترول والفوسفات والفحم والمنجنيز والحديد أو تلك التي لم يتم اكتشافها بعد ! 3- إن الاختلالات القائمة في التركيبة الاقتصادية والاجتماعية والسكانية يمكن علاجها وبما لايمس مصلحة أحد لأنه من غير المعقول أن يكون مركز الثقل الاقتصادي في العالم العربي متركزا في الجزء الآسيوي الذي يمثل 23% فقط من مساحة العالم العربي بينما الجزء الأكبر من العالم العربي على الخريطة الإفريقية الذي يشكل 77% من مساحة هذا الإقليم المتجانس يعاني من تهميش اقتصادي واجتماعي فاضح. وليس من شك في أن عناصر القوة التي تملكها أمتنا العربية ليست مستثمرة الاستثمار الأمثل بسبب استمرار العجز عن المواجهة الصادقة والصريحة لنقاط الضعف التي هي في معظمها من صنع أيدينا. وإذا جاز لي أن أتحدث بصراحة فإنني أقول دون تردد إن التحدي الرئيسي الذي تواجهه كل الدول العربية دون استثناء أنها دول مستوردة لاحتياجاتها الغذائية الأساسية بسبب الزيادة المستمرة في عدد السكان من ناحية ولضآلة مساحة الرقعة الزراعية المستغلة لأسباب عديدة أهمها محدودية موارد المياه التي تجعل من غالبية الدول العربية دولا تندرج تحت مسمى دول العجز المائي من ناحية اخرى. ومعنى ذلك أن أي حديث عن سد الفجوة الغذائية للعالم العربي ينبغي أن يجرى على محورين متوازيين أولهما العمل على توسيع مساحات الرقعة الزراعية المستغلة، وثانيهما توفير مصادر جديدة للمياه اللازمة لتلبية هذه التوسعات الزراعية. وإلى جانب تحدي العجز عن توفير الغذاء للبطون العربية الجائعة يوجد التحدي الأخطر المتمثل في استمرار العجز عن توفير الغذاء الصحيح للعقول العربية، وانعكاسات ذلك على روح الأمل وتفشي روح اليأس والإحباط. ثم يبقى بعد ذلك التحدي الأهم والأخطر والمتمثل في سريان روح الأنانية وغياب الأجندة الضرورية التي تحدد فلسفة العمل العربي المشترك، وتحدد أيضا آلياته وتوقيتاته، وذلك بسبب استمرار العجز عن تحقيق حلم تنقية الأجواء. وهنا لابد لي أن أقول صراحة إن الأولوية في أجندة العمل العربي المشترك يجب أن تعطى لهدف ينبغي ألا يسبقه أي هدف في المرحلة الراهنة وأعني به اختصار الزمن اللازم لتنقية الأجواء وتحقيق المصالحة العربية الشاملة. أريد أن أقول بوضوح إننا بحاجة إلى منهج عمل جديد ومحدد في مضامينه وتوقيتاته لضمان جدية السعي لتحقيق المصالحة وتنقية الأجواء استنادا إلى مبادئ محددة وواضحة ترتكز على توافق عربي عام .. وأهم هذه المبادئ حسب اعتقادي ما يلي : 1- إن الخلاف السياسي بين الأشقاء ليس عيبا ولا نقيصة، وإنما قد يكون ظاهرة صحية بشرط عدم السماح لأي خلاف مهما تبلغ حدته أن يتحول إلى حالة عداء وخصام ومواجهة. 2- إنه من مصلحة العمل العربي المشترك أن تتنوع الآراء وأن تتعدد الاجتهادات، ولكن ذلك ينبغي له أن يتم في إطار التزام صارم بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لبعضنا البعض تحت أي مسمى أو باسم أي ذريعة. 3- أن يتوافر لدى الجميع إدراك عميق بأن التضامن العربي هو الحصن الرئيسي الذي ينبغي عدم السماح بانهياره، لأن مثل هذا الانهيار لو حدث لاقدر الله سوف تنعكس مخاطره المدمرة على الجميع دون استثناء. 4- إن الانطلاق نحو بناء تضامن وتكامل عربي حقيقي، ينبغي أن يرتكز على آليات ووسائل محسوسة وملموسة تعكس جدية الرغبة في بناء تعاون حقيقي وصادق في مختلف المجالات لأنه ليس يكفي أن يقال إن التضامن العربي مسألة حتمية اعتمادا على وحدة الفكر والمصير وإنما لابد من تأكيد وحدة المصلحة أيضا. 5- أن يكون هناك اتفاق عام على أن نقطة البداية لتجاوز أي خلاف عابر أو سحابة صيف طارئة بين قُطْر عربي وآخر نتيجة خطأ قد يقع هنا أو هناك، يجب أن تنطلق من توافر حسن النية والقدرة على التماس الأعذار وامتلاك فضيلة الصفح والتسامح. ولأنني أعرف أن مهمة إنجاز المصالحة وتنقية الأجواء ليست بالمهمة السهلة في ضوء تراكمات الماضي وهواجس الحاضر فإن التحرك على هذا الطريق ينبغي أن ينطلق من القدرة على التفرقة بين ضرورات مراجعة التجربة وبين حتمية الاستمساك بالثوابت والركائز الأساسية التي يقوم عليها بنيان النظام العربي. ومن هنا تأتي أهمية الاقرار بضرورة نشوء توافق عربي حول حتمية مراجعة تجربة العمل العربي المشترك بكل الصدق والأمانة تحت مظلة من يقين راسخ بأن التجربة قابلة دائما للمراجعة والتصحيح في ضوء احتمالات الصواب والخطأ خلال الممارسة، أما الثوابت والركائز، فإنها ينبغي أن تظل بمثابة عقيدة راسخة لاتخضع للجدل، ولاتدخل تحت بند المزايدات. أريد أن أقول بوضوح : إن أخطر مايمكن أن يهدد مسيرة العمل العربي المشترك، ويحد من قدرته على الارتفاع لمستوى التحديات الراهنة ليس مرتهنا بمطامع أو مخططات الآخرين، وإنما الخوف كل الخوف أن ينبع الخطر والتهديد من بين ظهرانينا على ألسنة من يدعون الحكمة بأثر رجعي ويريدون أن يهزوا ثقة الأمة في ثوابتها، لأن السماح لهذا التيار المتخفي في عباءة الحكمة بأن يخترق العقل العربي سوف يعني استسلاما لايليق لكل دعاوى اليأس والإحباط التي تستهدف دفن الحلم القومي إلى الأبد. بوضوح شديد أقول إننا أمام لحظة تاريخية فاصلة تحتاج إلى تحكيم العقل بعيدا عن عقد الماضي وهواجس الحاضر مثلما تحتاج أيضا إلى الإدراك بأننا جميعا في قارب واحد، وأنه إذا غرق أحد القوارب، فإن الجميع سوف يكونون عرضة للغرق بتأثير العاصفة الراهنة، أو أي عواصف أخرى محتملة لن تتأخر كثيرا كاستحقاقات محتملة للأزمة المالية العالمية الراهنة ! لعلي أكون أكثر وضوحا وأقول : إن مانراه بأعيننا وما ترصده وتحلله عقولنا بشأن مايجري في المشهدين الإقليمي والدولي يؤكد أننا أصبحنا في مواجهة تحديات ضخمة بعضها يتعلق بإمكانات البقاء والحفاظ على الوجود والكينونة والاستقلال والسيادة، وبعضها الآخر لانملك ترف التأخر عن فهمه والتعامل معه بدءا من ضرورات اللحاق بالعصر ومواكبة التقدم العلمي والتكنولوجي الرهيب، ووصولا إلى بحث أفضل السبل الملائمة لمجاراة التكتلات الاقتصادية العملاقة التي ستزداد أهميتها وضروراتها بعد عاصفة انهيار القوة الاقتصادية الأميركية العملاقة. عن صحيفة الوطن القطرية 8/11/2008