الأمة العربية والدور المصري.. حقائق ومغالطات! مرسي عطا الله يخطئ من يظن أن الديمقراطية توفر الحق في الافتراء باسم حرية التعبير أو ترديد روايات لا أساس لها من الصحة، لأن الديمقراطية هي الحقيقة، وليست الأكاذيب، وهي الاستقرار وليست الفوضى.. وليس أخطر على الديمقراطية في أي وطن من أن يجري توظيفها لتسميم الضمائر وإفساد العقول وزرع بذور الشك في النفوس وهز إيمان الناس بقوتهم وقدرتهم. والحقيقة أن بعض ما يكتب ويقال هذه الأيام أبعد ما يكون عن الديمقراطية، فلم يقل أحد إن الديمقراطية هي المدخل لتجريد الشعب من انجازاته التي أصبحت حقيقة ثابتة من حقائق العصر مع التسليم بأنه ليس هناك انجازات تخلو من سلبيات! لقد تجاوز البعض كل حدود النقد المباح، ولم تعد المسألة مجرد نقد لنظام الحكم وإنما هي تصب بقصد أو بغير قصد في خانة دفع الناس إلى أزمة عدم تصديق لما عاشوه، وبالتالي إفراز إحساس بالنقص والعجز واليأس والإحباط.. فليس أسوأ ولا أخطر من أن يتصور الناس أنهم كانوا يعيشون كذبة كبري! إن بعض ما يكتب ويقال هذه الأيام شيء لا مثيل له من قبل عندنا أو عند غيرنا لأن أغلب ما يكتب ويقال يستهدف ضرب كل شيء ايجابي وإيجاد أجواء من الحيرة والبلبلة لدى المواطن الذي لا يدري ما الذي يصدقه والذي لا يصدقه، نتيجة هذه الفجوة العميقة والمخيفة من عدم الثقة ومن الشك في كل شيء وفي كل عصر! إن بعض الذين يعطون الناس الآن دروسا في الوطنية والديمقراطية لا يشهد لهم سجلهم بأنهم كانوا ديمقراطيين في مؤسساتهم وهم في مواقع المسؤولية.. وبعض الذين يدقون على وتر الفساد وضرورة ضربه وملاحقته توجد علامات استفهام كثيرة حول نزاهتهم وشفافيتهم! إن من يقرأ العديد من الصحف ويتابع بعض ما يقال على شاشات بعض الفضائيات المتخصصة في التهجم على مصر يحار في فهم ما يقرأه وما يشاهده، حيث تبدو المسألة وكأنها عمليات رجم بالحجارة وهذه أمور تضر بأكثر مما تفيد لأنها تؤدي إلى فقدان المجتمع لتوازنه، وبالتالي افقاده القدرة على الرؤية السليمة. إن أحدا لا يمكن أن يجادل في حق الشعب في استجلاء الحقيقة بالطرق الشرعية ذات الأسلوب الهادئ وعبر الحوار الموضوعي وليس من خلال حملات مكثفة تحمل في طياتها كل مفردات التطاول والتشكيك وتفتح الباب أمام تأويلات وتفسيرات ضبابية غائمة! أريد أن أقول بصراحة إن الوطن بحاجه إلى من يحملون له المشاعل، لا من يريدون ضرب وإطفاء المشاعل ثم يدفعون بنا تحت جنح الظلام إلى طريق مجهول تتوه فيه أقدامنا وربما تغوص في أوحاله، وكان الأولى بهم أن يشاركوا في المهمة الضرورية لرسم خريطة طريق تدعم أجواء الحوار الموضوعي ولا تسمح بتحول الخلاف في الرأي إلى صدام، لأن استمرار الحوار مهما تباعدت المواقف يضمن الابقاء على درجة معقولة من الثقة المتبادلة التي هي ركيزة أساسية من ركائز الوحدة الوطنية في العمل السياسي. إن البعض يتحدث مثلا عما يسمونه بتراجع الدور المصري مع أن واقع الحال وهو شاهد لايكذب لا يشير إلى شيء مما يتحدثون عنه اللهم إذا كان المقصود هو ممارسة الدور في عالم جديد بنفس أدوات ومفاهيم الماضي ودون تقدير لأن الدنيا تغيرت وتغيرت معها كل الحسابات وكل المعادلات التي تجعل من محاولة استنساخ الدور القديم دفعا إلى المجهول بكل مخاطره! وعلى سبيل المثال فإن من يتابع سلسلة الاتصالات واللقاءات العربية التي أجراها الرئيس مبارك في الفترة الأخيرة، يدرك على الفور أن مصر معنية بالسعي لبلورة موقف عربي مشترك من أجل توفير القدرة على التعامل الصحيح مع تحديات اللحظة الراهنة التي تعكس وجود حزمة من المصاعب والمشكلات التي لا تحتمل أي تأجيل! ومع أن هذا ليس بالأمر الجديد على مصر التي اعتادت القيام بمثل هذه المهام في إطار التزامها بدورها ومسؤولياتها القومية، لكن ينبغي أن يوضع في الاعتبار أن مستجدات ومتغيرات المرحلة على المستويين الإقليمي والعربي لم يسبق لها مثيل في حدتها وخطورتها! وإذا كان التاريخ يشهد في الماضي بدورين أساسيين لمصر في العالم العربي، هما : دور التحديث ودور التوحيد، فإن الحاضر يشهد لها اليوم بدورين أساسيين هما : حماية العقد العربي من الانفراط.. وصد واحتواء المخاطر التي دهمت العالم ودهمت الأمة العربية على وجه الخصوص بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001. وهذا الذي تقوم به مصر يعكس مدى عمق إيمانها بمصلحتها وبالمصالح العليا لأمتها التي تتغذى وتتقوى بحقائق الإحساس بالهوية والانتماء وحسن التوظيف الصحيح لحقائق التاريخ والجغرافيا.. وقد كان للرئيس مبارك فضل إعادة البوصلة المصرية لمسارها الصحيح برغم الظروف والأجواء الصعبة التي واكبت تسلمه المسؤولية عام 1981 بينما كانت علاقات مصر العربية مقطوعة وممزقة لكنه أدرك حتمية الارتفاع فوق أي صغائر وفوق أي مزايدات، وطرح بوضوح خطوط فكره السياسي المرتبط بحقائق التاريخ والجغرافيا! وربما يكون ضروريا أن نتذكر أنه عقب قمة بغداد المشئومة عام 1979 التي قررت تجميد عضوية مصر في الجامعة العربية تعالت في مصر أصوات عديدة تطالب مصر بنزع رداء العروبة والالتفات إلى الداخل، ولكن بعد مجيء الرئيس مبارك إلى الحكم صارح الجميع بأنه لا يمكن لمصر أن تنهض داخليا بعيدا عن تطورها السياسي والاجتماعي والاقتصادي من ناحية، وأيضا فإنه لا يمكن لها أن تحمي نهضتها الداخلية خارج موازين القوى التي تصنعها حقائق التاريخ والجغرافيا وأهمها حقيقة الانتماء العربي لمصر من ناحية أخرى! ولا شك في أن ما فعله الرئيس مبارك في هذا الاتجاه، لم يكن بعيدا عن مشاعر الغالبية العظمى من شعب مصر التي كانت تتوق إلى إمكان ترجمة هذا الانتماء القومي، والانتقال به من درجة الأحاسيس والمشاعر الفكرية والتاريخية والثقافية والنفسية إلى مرتبة الإرادة السياسية المستندة إلى قاعدة اقتصادية تحمي هذه الإرادة. وربما من أرضية هذا الفهم الصحيح لضرورة ترجمة مفردات الانتماء والتوحد القومي إلى إرادة سياسية تستند إلى قاعدة اقتصادية تحمي العقد العربي من الانفراط وتبقي الشعوب العربية في دوائر الأمل والرجاء كان هذا الحيز الواسع للشأن العربي في كراسة الدبلوماسية المصرية، خصوصا على مستوى القمة والدعوة المتكررة لإصلاح البيت العربي من الداخل عن طريق تعديل ميثاق الجامعة العربية، وتأكيد أهمية الإسراع بإنجاز حلم السوق الاقتصادية العربية المشتركة. ولعلي أستدرك منعا لأي التباس وأقول إنني لا أقصد أن أبالغ في ضخامة وأهمية الدور المصري، لأن هذه حقيقة لم تعد تخفى على أحد، ولكنني أود فقط أن أنعش الذاكرة لدى بعض من تدهشني أقوالهم غير الدقيقة عن تراجع الدور المصري، وبما يوحي بأن مصر هي السبب في حالة العجز العربي الراهن! أريد أن أقول بصراحة إن مصر هي المحور الذي تدور من حوله حركة العمل العربي المشترك فلماذا لا يقول الناقدون عن غير حق إن مصر لم يتراجع دورها، وإنما الآخرون هم الذين توقفوا بإرادتهم أو رغما عنهم عن الحركة حول المحور الذي مازال ثابتا في مكانه متمسكا بثوابته واعيا لدوره! وأظن أن الوقائع والأفعال والتطورات والتحديات التي تتراكم في الساحة العربية الآن تشهد على صحة الرؤية المصرية التي كانت تلح على طلب السلام في ظل أوضاع القوة العربية بعد نصر أكتوبر المجيد بدلا من الانتظار غير المبرر الذي أضاع أغلب أوراق الضغط التفاوضية، خصوصا بالنسبة للطرف الفلسطيني الذي خسر كثيرا بما طرأ من تغيرات جذرية في موازين القوى العربية والإقليمية والدولية. ولست هنا في معرض العتاب لأحد، أو إلقاء اللوم على أحد عندما أقول إن بعض ما نشكو منه الآن من انحسار عربي لحساب المد الديني، الذي لم يعد مدا إسلاميا فقط يمثل شهادة لصحة الرؤية المصرية التي طالما حذرت ونبهت مبكرا من مخاطر الانجرار لسياسة المحاور في العالم العربي بعد دوران عملية السلام عام 1979 حيث جاءت النتيجة مخيبة لآمال الأمة التي جلست تضرب كفا بكف بعد أحداث الحرب الأهلية في لبنان، ومأساة الحرب العراقية الإيرانية، وجريمة الغزو العراقي للكويت.. وهكذا تبخرت الأحلام الوطنية والأحلام القومية ونشأ الحلم الديني كمنقذ من أوضاع الإحباط والفشل لتتوافر البيئة الحاضنة لأفكار التطرف وجماعات الإرهاب. وأقول للتاريخ وليس لمصر فقط إنه لولا صمود مصر بعد هزيمة يونيو 1967 وقدرتها على رد الاعتبار وتحقيق النصر عام 1973 لما كان قد بقى من المشروع القومي شيء سوى بضعة سطور في كراسة التاريخ! هكذا ينبغي أن يتم إنصاف مصر ليس فقط من جانب أشقائها العرب، وإنما نقطة البداية من بين أهلها وذويها الذين أعمتهم حسابات ذاتية محضة فراحوا يهيلون التراب على أعظم وأمجد أدوارها، وهو دور الحفاظ على العقد العربي من الانفراط والذي يحسب لمرحلة حكم الرئيس مبارك. وعلى من يتشكك في صحة حرف واحد مما كتبت، أن يعود إلى القصاصات والملفات التي تسجل وضع مصر العربي قبل مجيء الرئيس مبارك وبعد مجيئه! --- لقد أصبح الدور المصري محددا وواضحا ومرتكزا إلى ثوابت أساسية أهمها : (1) إن مصر تبني علاقاتها الدولية ارتكازا على فلسفة التوازن التي لا تسمح باستدراجها نحو الخصام والتناحر مع أحد وإنما تسعى وبكل الموضوعية إلى تعزيز منهج الحوار والتعاون مع الجميع، مهما بلغت درجة التباين في وجهات النظر خصوصا مع الأشقاء والأصدقاء. (2) إن استقلالية القرار المصري خط أحمر وحقيقة لايملك أحد قدرة التشكيك فيها، وكل ما تتخذه مصر من سياسات وقرارات وخطوات تنبع من ارادة وطنية خالصة ورؤية قومية واضحة، والدليل على ذلك موقفها التاريخي من مأساة الشعب الفلسطيني في غزة وإقدامها على فتح المعابر دون انتظار إذن من أحد! ولعلي أشير هنا إلى نقطة أساسية كان ينبغي على الجميع أن يستوعبوا معناها وأن يدركوا مغزاها، وأعني ذلك عفة اللسان ورقي الخطاب السياسي والإعلامي والذي أصبح سمة أساسية وبندا واضحا من بنود منهج الحكم في عصر مبارك في التعامل مع الأزمات والقضايا، خصوصا أزمات وقضايا الداخل، فأي مراقب منصف ومحايد لابد وأن يشهد بأنه مهما بلغ الشطط والانفعال بأي فرد أو جماعة فإن الرد عليه ينطلق من ايمان لا يتزعزع بأننا جميعا أبناء وطن واحد مهما اختلفت المواقع في الحكم أو المعارضة. بل انني أستطيع أن أقول ما هو أكثر من ذلك وأن أنعش ذاكرة البعض بأن مبارك هو الذي حرص دائما على وجود الرأي والرأي الآخر واحترام الرأي المعارض مهما شط أو احتد، فالتعارض في الرأي يمثل بالنسبة لمبارك ظاهرة صحيحة في إطار الفهم الصحيح لمعنى الديمقراطية الحقيقية التي تصنع الحياة وتعزز الاستقرار وليس ديمقراطية الفوضى والأهواء التي ترتكز إلى تغييب متعمد للحقائق وخلط معيب للأوراق وتمثل مدخلا غير مأمون لتقويض البناء وتخريب ما أنجزه الشعب على مر السنين. ثم أقول في النهاية إن الخطر كل الخطر أن يؤدي العمى عن الرؤية الصحيحة إلى الانزلاق بوعي أو دون وعي في لعبة الغزل الرخيص مع بعض القوى الكارهة في الداخل خصوصا تلك التي يشهد عليها سجلها بأنها عرضت نفسها مرارا وزايدت على أمنها مرات ومرات وأدعت لنفسها الحق في أن ترفع رايات مضللة باسم انقاذ مصر.. مع أن الانقاذ الحقيقي لمصر يكمن في سرعة الخروج من هذه العباءة المزيفة! وليس انصافا أن يزعم البعض أن مصر قد تراجع دورها وأن يصل التجني على الحقيقة إلى حد الزعم بأن استقلالية القرار باتت محل شك! وكم أتمنى على الذين يغالطون الحقيقة أن يعتبروا هذه السطور بمثابة رسالة مفتوحة، وليتهم يدركون أهمية الاحتياج للاتفاق كنقطة بداية على مسألة بديهية خلاصتها أن أول مفتاح لفهم أي موقف سياسي هو مفتاح المعرفه الكاملة لطبيعة المرحلة وطبيعة الظروف التي ربما تساعدهم على الرؤية الصحيحة لجوهر الأشياء وبالتالي عدم التوقف طويلا أمام الشكليات! وأظن أنه من العيب.. بل ومن العار أن يقال إن مصر تعاملت مع أزمة قطاع غزة في اطار البحث عن بقايا دور عربي ضاع منها وتأمل في استرداد جزء يعيد لها هيبتها الخارجية ويرمم تصدعات داخلية.. لأن الكل يرى بوضوح أن هيبة مصر محفوظة ومصانة وأن دورها العربي لم يغب لحظة واحدة لأنه قدر لانملك منه فكاكا، أما أقاويل التصدعات الداخلية فإنها مجرد أوهام في نفوس مريضة لا تستحق عناء الرد عليها! --- ثم لا أجد في ختام هذه السطور شيئا يعزز ما أقول به سوى مقولة تاريخيه للمؤرخ المصري العظيم جمال حمدان : إن ريادة مصر للعرب قدر لا تملك الفكاك منه، وإن هذه الريادة لاتعني طبقية اقليمية داخل العروبة وإنما تعني أولوية بين أكفاء ثم إنها ليست تشريفا أو تخليدا ولكنها تكليف وتقليد... تكليف من الجغرافيا وتقليد من التاريخ. وفي اعتقادي أن جمال حمدان كان يريد أن يقول لمن يظهرون بين الحين ليتحدثوا عن فرعونية مصر أو لأولئك الذين ينسبون أرض الكنانة لأفقها الشمالي في البحر المتوسط وأوروبا أو لمن لا يعرفون قدر مصر ويطالبونها بالانكفاء على نفسها إن ما تقولون به ظاهره الرحمة وباطنه كل العذاب، لأن قيمة وأهمية مصر في موقعها وتاريخها وجذور انتمائها ودوائر اهتمامها وفي المقدمة من كل ذلك البعد العربي الذي يجمع بين الموقع والتاريخ والعقيدة والانتماء! وإذا كان الموقع الجغرافي يشكل العامل الرئيسي في توجهات وسياسات أي وطن فإن الموقع الجغرافي لمصر يمنحها وزنا عربيا مهما ومؤثرا لأن مصر هي همزة الوصل بين آسيا العربية وإفريقيا العربية، فضلا عن أن مصر تعد من الدول العربية القليلة التي ليس لها حدود مع غير العرب، وبالتالي فإن مجالها الحيوي مجال عربي بالكامل. ونتيجة لهذا الوضع الجغرافي الفريد لمصر فقد كان تعاملها وتفاعلها الأوسع على طول التاريخ مع العرب والعروبة، كما أن مصر لم تعرف المؤثرات الأجنبية القوية التي تعرضت لها أطراف العالم العربي شرقا وغربا وشمالا وجنوبا في شكل حملات التعجيم في منطقة الخليج أو دعوات التتريك في سوريا ولبنان! بل إنه يمكن القول باطمئنان إن مصر ربما تكون هي الدولة العربية الوحيدة التي نجحت في امتصاص واستيعاب عناصر وعينات من جميع الشعوب العربية دون أن تتأثر تركيبتها الديموغرافية، فقد اندمج وذاب في صفوفها شوام وخليجيون وليبيون وسودانيون ومغاربة من تونس والمغرب والجزائر عندما حطوا برحالهم في مصر واستوطنوها إلى الأبد! والحقيقة ان مصر التي أشار الراحل العظيم جمال حمدان إلى ريادتها قبل عشرات السنين هي التي يقول التاريخ عنها منذ مئات السنين إنها كانت دائما تتحمل المسؤولية الرئيسية في الدفاع عن قضايا أمتها العربية بدءا من التصدي للتتار والصليبيين ومرورا بسنوات الاستعمار الأوروبي ووصولا إلى دورها المستمر حتى اليوم دفاعا عن حق الشعب الفلسطيني في مواجهة الغزوة الاستعمارية الاستيطانية الصهيونية الشرسة! والتاريخ أيضا يشهد بسجلاته وصفحاته بأن مصر كانت دائما بمثابة الملجأ والملاذ وخط الدفاع الأخير عن الوجود والهوية والتراث العربي، وقد برز ذلك بوضوح في أصعب الأزمات وأحلك اللحظات بدءا من احتضانها الدافئ لآلاف العلماء والصناع والحرفيين العراقيين الذين فروا من طوفان الغزو المغولي قبل عدة قرون ووصولا إلى المشهد الراهن الذي تحتضن فيه مصر آلاف اللاجئين الذين فروا من العراق قبل عدة سنوات إثر سقوط بغداد أمام جحافل الغزو الأميركي... وفي ذات المشهد الراهن رأت الدنيا كلها وليست الأمة العربية وحدها كيف فتحت مصر حدودها لفك الحصار الظالم عن الشعب الفلسطيني في غزة برغم مايحمله ذلك القرار التاريخي من مخاطر ومحاذير جرى التعامل معها بأولويات إنسانية وقومية في المقام الأول. وعندما أطالع اليوم وأتابع اهتمام مصر ورئيسها ببذل أقصى الجهد من أجل توفير الدعم والحماية للشعب الفلسطيني والعمل بكل الطرق والوسائل الممكنة لتجنيب لبنان مخاطر فتنة داخلية محتملة.. أشعر بأن مصر مازالت على الطريق الصحيح وأن من فضل الله عليها أن يتولى زمام أمورها من يعرف قدرها ويحسن ببراعة استخدام مفاتيح مصالحها المرتبطة ارتباطا وثيقا بأمن واستقرار أمتها العربية. ولست أتجاوز الحقيقة إذا قلت إن مصر سوف تظل قوية طالما احتفظت في أيديها بأوراق قوتها بعيدا عن دعوات الانكفاء والانعزالية أو شعارات إيثار السلامة والدعوة إلى الأنانية الذاتية. والتاريخ يشهد بأن مصر لم تكن يوما دارا مغلقة وانما كانت على الدوام منتدى مفتوحا للثقافة والفن والفكر والأدب والعلم والسياسة الذي يخدم هدف إبقاء راية العروبة مرفوعة خفاقة. فمصلحة العرب مع مصر ومصلحة مصر مع العرب.. وعلى الجهلاء الذين لم يقرأوا التاريخ جيدا أن يتوقفوا عن اللغو! عن صحيفة الوطن القطرية 3/2/2008