بصراحة تخلو من أي ادعاء أعتقد أن أخطر ما يهدد الأمة العربية في المرحلة الراهنة هو أن يحدث خلط بين الواجب الحتمي في المراجعة الضرورية لكل آليات ووسائل التعامل مع التحديات التي تلوح في الأفق. وبين الحق والالتزام بعدم السماح بأي نوع من التراجع عن الثوابت والركائز الأساسية التي يقوم عليها بنيان هذه الأمة! وهنا قد يكون ضروريا ومفيدا تأكيد أن حق السيادة لكل بلد عربي أمر لا ينبغي أن يخضع للمناقشة, ولكن محاولة تفعيل هذا الحق بآليات وسياسات تتعارض مع ثوابت وركائز الأمة محظور يجب عدم الوقوع فيه. لعلي أكون أكثر وضوحا وأقول: إنه مع التسليم بحق كل نظام عربي في أن يتخذ ما يراه ملائما لمصالحه من سياسات, ولكن مثل هذا الحق ينبغي ألا يكون حقا مطلقا إزاء القضايا القومية وضرورات احترام الكرامة الإنسانية للمواطنين.
وقبل أن يتهمني أحد بأنني مازلت أعيش رومانسية الحلم العربي في زمن تغيرت موازينه وتغيرت معادلاته فإنني أقول: إنني أتحدث من أرضية الثقة بأننا أمة واحدة ذات مصالح متطابقة ويجمع بين شعوبها مصير مشترك ومن ثم لا ينبغي أن يبقي حالنا علي ما هو عليه من تشتت وتمزق وعجز فاضح عن لم الشمل وتوحيد الصف من أجل توفير القدرة علي مواجهة ما يلوح في أفق المنطقة من مخاطر مفزعة!
وفي اعتقادي أن المواجهات السياسية والاستراتيجية لا تختلف كثيرا في الإعداد والتنفيذ عن المواجهات الرياضية, لأن هدف أي طرف أن يحقق الفوز في النهاية بجمع أكبر عدد من النقاط, وكما أن أهم مقومات صنع النصر في الرياضة هو المعرفة الكاملة بقواعد اللعبة ومعرفة نقاط الضعف عند الخصوم فإن الشيء نفسه ينطبق علي المواجهات السياسية. ولأننا نعرف جيدا أن قواعد اللعبة السياسية في العالم قد تغيرت فإن من المفترض أن نتجه وبأقصي سرعة نحو مهمة إعادة النظر في كل أساليب عملنا لكي تتوافق مع قواعد اللعبة الجديدة وما حملته من متغيرات. والذي أعنيه بتغيير أساليب العمل لا يعني بأي حال من الأحوال تغييرا في المواقف الأساسية والمبدئية التي تشكل قاعدة المصالح المشتركة للأمة وإنما التغيير يجب أن ينصب علي الوسائل فقط وبما يمكننا من مقاومة محاولة تهميش الدور العربي في اللعبة الأممية.
وأتمني أن يكون ما كتبته علي مدي الأيام الثلاثة الماضية مع سطور اليوم بمثابة رسالة إلي قمة بغداد الوشيكة والمرتقبة. خير الكلام: كن كبيرا مع الصغار.. وكن حليما عند الشدائد! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله