لجنة الحريات بنقابة الصحفيين تعلن تضامنها مع الزملاء بصحيفة "فيتو" بشأن بيان وزارة النقل    جامعة المنوفية الأهلية تتألق بأنشطة صيفية متنوعة لتعزيز مهارات طلابها    رئيس اتحاد العمال يشارك بورشة عمل حول "الحق في المشاركة في الشأن العام"    «إرادة جيل» يشكل لجنة لاستقبال طلبات الترشح لانتخابات مجلس النواب    ارتفاع التبادل التجاري بين مصر والسعودية ل5.9 مليار دولار خلال 6 أشهر    تخفيضات تصل إلى 50%.. موعد انطلاق معارض أهلًا مدارس 2025- 2026    "يغيب 3 أسابيع".. الإسماعيلي يعلن تفاصيل إصابة محمد نصر    محمد الشناوي غاضب بسبب التصرف الأخير.. مهيب يكشف تفاصيل حديثه مع حارس الأهلي في عزاء والده    "أتفهم الانتقاد".. لويس إنريكي يرفض التعليق على أزمة دوناروما    الأعلى للإعلام يمنع مصطفى يونس من الظهور الإعلامي ل 3 أشهر بعد شكوى الأهلي    بعد تنفيذ حكم الإعدام.. شقيق «سفاح الإسماعيلية»: «الإدمان ضيعه ومقدرناش على مصاريف علاجه»    تكثيف الحملات التموينية المفاجئة على الأسواق والمخابز بأسوان    القصة الكاملة لتحويل بدرية طلبة للتحقيق: بدأت بتجاوزات وانتهت بمجلس التأديب    لو كنت من مواليد برج العقرب استعد لأهم أيام حظك.. تستمر 3 أسابيع    أحمد سعد يتألق في مهرجان الشواطئ بالمغرب.. والجمهور يحتفل بعيد ميلاده (صور)    أحدث ظهور لنادية الجندي بإطلالة صيفية جريئة على البحر (صور)    نائب وزير الصحة يتفقد مصابي حادث طريق «الإسكندرية - مطروح» بمستشفى الضبعة المركزي    خالد الجندى ب"لعلهم يفقهون": الإسلام لا يقتصر على الأركان الخمسة فقط    ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة إلى 62.192 شهيدا و157.114 مصابا    وكيل "تعليم الإسماعيلية" يتابع امتحان الشهادة الثانوية العامة الدور الثانى    الحكم بإعدام المتهمين بقتل تاجر مواشى لسرقته بالبحيرة    جامعة الطفل تشارك في المعسكر الصيفي التاسع للمراهقين بالصين    سعر الدينار الكويتى اليوم الخميس21 أغسطس 2025 بختام التعاملات    جولة لرئيس شركة الأقصر لمتابعة العمل بمحطة المياه الغربية.. صور    رئيس الوزراء يحضر مأدبة عشاء رسمية لرؤساء الوفود المشاركة فى قمة "تيكاد 9"    معاون وزير السياحة يكشف تفاصيل استخراج الآثار من قلب بحر الإسكندرية.. فيديو    فتح: مخططات نتنياهو للاجتياح الشامل لغزة تهدد بارتكاب مجازر كارثية    وزير الرياضة يلتقى بطل الكيك بوكس محمد راتب بعد اختياره تمثيل منتخب مصر    رئيس قطاع المعاهد الأزهرية يتفقد "المشروع الصيفى للقرآن الكريم" بأسوان    الجيش الروسي يحرر بلدة ألكسندر شولتينو في جمهورية دونيتسك الشعبية    وكيل صحة الإسماعيلية تفاجئ وحدة طب أسرة الشهيد خيرى وتحيل المقصرين للتحقيق    رئيس مركز القدس للدراسات: الحديث عن احتلال غزة جزء من مشروع "إسرائيل الكبرى"    وزير الثقافة يعلن محاور وأهداف المؤتمر الوطني «الإبداع في زمن الذكاء الاصطناعي»    البورصة المصرية تخسر 4.6 مليار جنيه في ختام تعاملات الخميس    هبوط جماعي لمؤشرات البورصة في نهاية تعاملات الخميس    الزمالك يناشد رئيس الجمهورية بعد سحب ملكية أرض أكتوبر    مستخدمًا سلاح أبيض.. زوج ينهي حياة زوجته ويصيب ابنتهما في الدقهلية    «الأرصاد» تحذر من حالة الطقس يومي السبت والأحد.. هل تعود الموجة الحارة؟    كيفية صلاة التوبة وأفضل الأدعية بعدها    تقرير: تطور مفاجئ في مفاوضات تجديد عقد فينيسيوس جونيور مع ريال مدريد    بينها إسقاط الجنسية المصرية عن مواطنين.. رئيس الوزراء يصدر 4 قرارات جديدة اليوم    في جولة مفاجئة.. عميد طب قصر العيني يطمئن على المرضى ويوجه بدعم الفرق الطبية    نائب وزير الصحة يشارك في ختام فعاليات المؤتمر العلمي الشامل لزراعة الأسنان بمستشفى العلمين    الكشف الطبي على 2770 طالبا بجامعة قناة السويس    مديريات التعليم تنظم ندوات توعية لأولياء الأمور والطلاب حول البكالوريا    دار الإفتاء: سب الصحابة حرام ومن كبائر الذنوب وأفحش المحرمات    بداية عهد جديد للتنقل الذكي والمستدام چي پي أوتو تطلق رسميًا علامة "ديبال" في مصر    بريطانيا تطور منشأة تدريب جديدة للجيش اللبناني    رفضه لجائزة ملتقى الرواية 2003 أظهر انقسامًا حادًا بين المثقفين والكتَّاب |السنوات الأولى فى حياة الأورفيلى المحتج    مدبولي: نتطلع لجذب صناعات السيارات وتوطين تكنولوجيا تحلية مياه البحر    الداخلية: تحرير 126 مخالفة للمحال المخالفة لقرار الغلق لترشيد استهلاك الكهرباء    هل يوجد زكاة على القرض من البنك؟.. أمين الفتوى يجيب    برلماني يطالب بتطبيق الحد الأدنى للأجور على معلمي الحصة فوق 45 عامًا    أسعار البيض اليوم الخميس بالأسواق (موقع رسمي)    مواعيد مباريات اليوم الخميس 21 أغسطس والقنوات الناقلة    نتنياهو يرفض مقترح الهدنة ويصر على احتلال غزة بالكامل    أخبار مصر: اعترافات مثيرة ل"ابنة مبارك المزعومة"، معاقبة بدرية طلبة، ضبط بلوجر شهيرة بحوزتها مخدرات ودولارات، إعدام سفاح الإسماعيلية    توسيع الترسانة النووية.. رهان جديد ل زعيم كوريا الشمالية ردًا على مناورات واشنطن وسيول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الليبرالية بين التوحش والتوازن / د‏.‏ علي الدين هلال
نشر في محيط يوم 21 - 06 - 2008


الليبرالية بين التوحش والتوازن
د‏.‏ علي الدين هلال
تعتبر قضية حدود العلاقة بين إطلاق الحريات الاقتصادية من ناحية ومدي تدخل الدولة لتنظيم الحياة الاقتصادية من ناحية أخري‏,‏ من الموضوعات المثيرة للجدل الفكري والخلاف السياسي في الدول التي تمر بمرحلة الانتقال الي الاقتصاد الحر‏,‏ فإطلاق الحريات الاقتصادية يوجد المناخ المناسب للاستثمار والمبادرات الفردية ولكنه يقود بالضرورة الي تفاوتات كبيرة بين الطبقات في الدخول والثروات‏,‏ أما تدخل الدولة فهو ضروري لتحقيق التوازن الاجتماعي وتطبيق القواعد التي تضمن توزيعا عادلا لعائد النمو‏,‏ ولكن هذا التدخل قد يؤدي الي تعويق التراكم الرأسمالي المطلوب لاستمرار هذا النمو اذا اتسم هذا التدخل بعدم الكفاءة أو عدم النزاهة‏,‏ وهذه القضية هي جوهر عديد من المناقشات الصاخبة التي تحدث في مصر وكان آخرها حول موضوع الضريبة العقارية‏.‏
ويدور الجدل تحديدا حول العلاقة بين الحرية المتوحشة والتوازن الاجتماعي في الفكر الليبرالي‏,‏ فغلاة المدافعين عن الليبرالية يؤكدون أن الحرية هي القيمة العليا والرئيسية في المجتمع البشري‏,‏ وان اطلاق الحريات في سائر المجالات يمثل أحد ملامح المشهد العالمي الراهن وحقائقه‏,‏ وفي مواجهة ذلك‏,‏ برز رأي آخر عبر عنه المفكر الاقتصادي المصري د‏.‏ رمزي زكي في كتاب له بعنوان الليبرالية المتوحشة وجوهره أن التحرر الاقتصادي يؤدي الي تعميق الفجوة بين قمة الهرم الاجتماعي وقاعدته‏,‏ بحيث يصبح مجمل النشاط الاقتصادي موجها لخدمة أولئك الذين يمتلكون قوة شرائية ذات شأن‏,‏ وفي الحقيقة‏,‏ فإن هذا الخلاف ظهر عبر تطور الأفكار الليبرالية في القرون الثلاثة الأخيرة‏.‏
ومن المهم أن نتذكر أنه لا توجد نظرية متكاملة عن الليبرالية قام بصياغتها مفكر أو فيلسوف بعينه‏,‏ ولكن تعبير الليبرالية يشير الي مجموعة متراكمة من الأفكار التي بلورها مجموعة من المفكرين في انجلترا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة في الفترة ما بين القرنين السابع عشر والعشرين‏,‏ وتنهض الفكرة الليبرالية علي مفهوم الحرية وأكد المفكرون الليبراليون الحقوق والحريات المدنية مثل حريات الملكية والفكر والتعبير والاجتماع‏,‏ ودافعوا عن تلك الحريات باعتبارها جزءا من الحقوق الطبيعية للبشر ووصف الفيلسوف الانجليزي الشهير جون لوك حق الملكية بأنه من الحقوق اللصيقةب إنسانية الإنسان‏.‏
ومن الناحية التاريخية تطورت هذه الأفكار في ارتباط وثيق مع تطور النظام الرأسمالي ونمو الطبقة البرجوازية ونشوء الدولة الوطنية الحديثة‏,‏ وفي هذه الفترة‏,‏ تم التركيز علي اطلاق الطاقات الفردية وهو ما أوجزه آدم سميث في تعبيره الشهير دعه يعمل دعه يمر‏,‏ وكان من المفترض أن اطلاق الحريات سوف يؤدي الي تعظيم المنافع الفردية واتاحة أكبر قدر من حرية الاختيار‏,‏ وان ذلك سوف يحقق المساواة بين البشر لأن جميع الأفراد لهم حق التمتع بكل الحريات‏,‏ وهو الأمر الذي يؤدي الي تحقيق الاستقرار الاجتماعي والسياسي‏.‏
ولكن الممارسة كشفت عن جوانب قصور جسيمة في هذا البناء الفكري‏,‏ فعلي سبيل المثال‏,‏ فإن كفالة الحريات لكل الأفراد لم تعن بالضرورة قدراتهم المتساوية علي التمتع بها‏,‏ فكل حرية من تلك الحريات تتضمن من ناحية جانب الحق الذي كفله القانون والدستور‏,‏ وجانب القدرة التي تحددها الظروف الاجتماعية والاقتصادية‏,‏ وفي كل مجتمع‏,‏ كم هناك من حريات نص عليها القانون ولكن لم يتمتع بها فعلا إلا تلك المجموعة المحدودة التي امتلكت القدرات اللازمة لذلك‏,‏ فعندما تنشر الصحف اعلانات عن فتح الباب للتقدم لحجز فيلات أو شاليهات في هذا المنتجع أو ذاك‏,‏ وعندما تعلن احدي الشركات السياحية عن تنظيمها لرحلات للسفر للخارج‏,‏ من الناحية النظرية لكل مصري الحق في الشراء أو المشاركة‏,‏ ولكن ممارسة هذا الحق عمليا تحدده القدرة الاقتصادية لكل فرد‏.‏
كذلك تعرض مفهوم حرية الاختيار لسهام النقد علي يد عدد من المفكرين كان منهم هربرت ماركوز الذي كتب عن تضييق العالم السياسي وتقييد حدود الاختيار وذلك بفعل التقدم الهائل في مجال الاعلام والاعلانات التجارية ودورها في التأثير علي أذواق البشر ونمط احتياجاتهم واختياراتهم وترتب علي ذلك شيوع أنماط استهلاكية متقاربة في مجال الزي والطعام عبر ارجاء المعمورة وهو ما يشير الي قوة هذه الآلة الإعلامية الرهيبة وتقدم فنون الاقناع والتسويق‏,‏ وصحيح ان الانسان يظل حرا في الاختيار‏,‏ ولكنه يختار في اطار حددته له سلفا أجهزة الاعلام التي أثرت علي وعيه وعلي تصوره لاحتياجاته ولأولوياته‏.‏
ومثل هذه النقلة التي حدثت في الفكر الغربي نجد نظيرا لها في مصر‏,‏ ففي بداية القرن العشرين أكد استاذ الجيل أحمد لطفي السيد‏(1872‏ 1963)‏ مفهوم الحرية في كل أشكالها وصورها‏,‏ وضرورة احترام الملكية الخاصة وحرية علاقات السوق وعدم تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية‏,‏ وبرر ذلك بأن هذه الحقوق هي حقوق طبيعية للبشر ترتبط بالطبيعة الانسانية وليس من حق الدولة التدخل فيها‏.‏
ومع نهاية القرن العشرين تبلور في مصر تيار فكري عريض له روافد متنوعة من عديد من الاتجاهات السياسية‏,‏ يؤكد أن سياسات التحرر الاقتصادي لا ينبغي أن تهمل المصالح العامة للمجتمع لحساب المصالح الخاصة لبعض الأفراد‏,‏ وان الفكر الليبرالي وهو يحمي حرية النشاط الاقتصادي وحقوق الأفراد‏,‏ فإنه يهتم وبنفس الدرجة بحماية الصالح الاجتماعي وتوفير مظلة واقية للضعيف والفقير‏,‏ وأن تحقيق ذلك هو احدي الوظائف الرئيسية للدولة‏,‏ فالدولة هي الأداة التي تحقق التوازن بين حقوق الأفراد ومصالح المجتمع‏,‏ وهي أداة المجتمع والأفراد معا لضبط ايقاع العلاقات بين المصالح المختلفة‏.‏
لقد أفصح تطور الفكر الليبرالي والممارسة الرأسمالية في الدول الغربية عن تطورات مهمة أفرزت أفكار الديمقراطية الاجتماعية واقتصاد السوق والرأسمالية الشعبية والطريق الثالث وجوهرها جميعا أهمية وضرورة التوفيق بين الدولة والسلطة السياسية من ناحية‏,‏ وبين الاعتراف بشرعية المصالح الخاصة‏,‏ واطلاق طاقاتها‏,‏ وتوفير الشروط الموضوعية لتحقيقها من ناحية أخري‏,‏ وبحيث تتبلور العلاقة بين الدولة والمصالح الخاصة في اطار مجموعة من القيم الأخلاقية التي تضع حدود المقبول وغير المقبول اجتماعيا وقانونيا‏,‏ وبذلك تعمل السياسة والاقتصاد والأخلاق معا‏,‏ وبالشكل الذي يحقق التوازن في الأدوار بين الفرد والمجتمع والدولة‏,‏ وبحيث تكون العدالة التوزيعية أحد مكونات المفهوم المتطور لليبرالية كما أكد جون راولز استاذ الفلسفة بجامعة هارفارد في كتابه الضخم عن العدالة‏.‏
والدول التي تتحول الي اقتصاد السوق تشهد العديد من الخلاف والنقاش حول هذه الموضوعات ومصر ليست استثناء من ذلك‏,‏ وفي بعض المجالات الاقتصادية تم اطلاق الحريات دون أن يرافقها الاطار التشريعي والتنظيمي المناسب وترتب علي ذلك أن صاحب نمو هذه المجالات ممارسات تحتاج الي وقفة ومراجعة‏,‏ من ذلك مثلا مجال بيع وتخصيص اراضي الدولة والنظم والقواعد المنظمة لذلك‏,‏ ومجال التنمية العقارية بشكل عام وما صاحبه من ارتفاعات غير مبررة للأسعار يتحملها في النهاية المواطنون‏,‏ ونفس الشيء ينطبق علي مجالات حماية المستهلك وضمان المنافسة ومنع الاحتكار‏.‏
عن صحيفة الاهرام المصرية
21/6/2008


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.