د. علي الدين هلال يعتبر توفير الغذاء هو إحدي المهام الرئيسية لأية دولة ويترتب علي ذلك أن قضية الغذاء تمثل أحد المكونات الرئيسية للأمن القومي. ولهذا السبب تقوم أغلب الدول الأوروبية وأمريكا بدعم الزراعة والمزارعين فيها, وكنتيجة للارتفاع الكبير في أسعار الحبوب والذي من المتوقع استمراره لعدة سنوات مقبلة فإن قضية الأمن الغذائي تعيد طرح نفسها بقوة علي كل الدول النامية وتدعوها إلي إعادة النظر في استراتيجياتها التنموية عموما والزراعية بشكل خاص. علي أنه من الضروري عند المناقشة الموضوعية لهذه القضية أن يتم التمييز بوضوح بين الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي في الغذاء وألا يدفعنا إلحاح وصعوبة اللحظة الراهنة إلي تبني بدائل لا تحقق الاستخدام الأفضل للموارد المتاحة. فالاكتفاء الذاتي يقصد به سعي الدولة إلي انتاج كل ما تحتاجه من حبوب ومواد غذائية أساسية وهو هدف لا يمكن لكل الدول تحقيقه بسبب عدم توافر الأرض أو المياه أو لأسباب تتعلق بالميزة التنافسية للزراعة فيها. أما مفهوم الأمن الغذائي الذي ظهر في بداية السبعينيات وارتبط بانعقاد مؤتمر الغذاء العالمي عام1974 فإنه يشير حسب تعريف منظمة الأغذية والزراعة( الفاو) إلي قدرة الدولة علي ضمان حصول كل الأفراد في المجتمع وفي كل الظروف علي كفايتها من الغذاء الذي يجمع بين الجودة والسلامة وتوفير إمدادات غذائية بشكل مستقر تكون متاحة ماديا واقتصاديا للجميع. وتبني البنك الدولي تعريفا مماثلا وهو إمكانية حصول كل الناس في جميع الأوقات علي الغذاء الكافي لنشاطهم وصحتهم. وهكذا فإن الأمن الغذائي كهدف تسعي الدول إلي تحقيقه لا يعني الانكفاء علي الذات أو السعي لانتاج كل ما تحتاجه ولكن يعني قدرة الدولة علي انتاج أكبر قدر من الغذاء بطريقة اقتصادية تراعي الميزة النسبية للزراعة فيها وأن تكون قادرة علي توفير العملات الصعبة اللازمة لاستيراد الشق الذي لا يمكن انتاجه محليا. ومن استقراء خبرات الدول الأخري فان الاستراتيجية الزراعية الناجحة ينبغي أن تراعي مايلي: * استقرار السياسات الزراعية وعدم تغييرها بتغير الأشخاص حتي يحدث استقرار مماثل في سلوك الفلاحين وتوقعاتهم. * استخدام الأسعار كحافز للتأثير علي اختيارات الفلاحين وتشجيعهم علي زراعة محاصيل معينة. * العمل علي زيادة الانتاج من ناحية وترشيد الاستهلاك وتقليل الفاقد من ناحية أخري. * دراسة الجدوي الاقتصادية من زراعة محاصيل معينة بناء علي معيار انتاجية المياه ومدي ما تستهلكه تلك المحاصيل من الماء. فلقد تعودنا لمدة طويلة أن نتحدث عن انتاجية الأرض دون الالتفات بشكل كاف إلي تكلفة استخدام المياه والعائد المتوقع منها. وبالنظر إلي التقارير التي تشير إلي تنامي ندرة المياه في المنطقة العربية ومصر علي ضوء التغيرات المناخية المتوقعة وزيادة عدد السكان فان معيار إنتاجية المياه ينبغي أن يحظي بأهمية أكبر في تقديراتنا. * مقارنة جدوي التوسع في زراعة محصول ما بجدوي تعظيم العائد الاقتصادي المترتب علي زراعة محاصيل تصديرية أخري أكثر سعرا تتمتع مصر فيها بميزة تنافسية. * إعطاء أهمية أكبر لموضوع التكامل الزراعي العربي خصوصا الزراعة في السودان. كما يرتبط بذلك الثلاثة ملايين فدان في الصحراء الغربية والمهجورة بسبب الألغام الموجودة فيها من أيام الحرب العالمية الثانية مع أن هذه المنطقة كانت مصدرا مهما للغلال في أوقات سابقة. إن الهدف هو توفير الغذاء الصحي الآمن والمستقر للمواطنين بدون التضحية بالأهداف الاقتصادية الأخري وكذا بدون تعريض الأمن القومي للدولة لأي تهديدات أو أخطار. عن صحيفة الاهرام المصرية 26/4/2008