هل تشهد مصر تصاعدا للصراع الطبقي؟ حسين عطوي تشهد مصر اشتدادا في حدة الصراع الطبقي على خلفية ازدياد معدلات الفقر وانخفاض مستويات المعيشة، بفعل تدني الأجور وارتفاع معدل التضخم، ويعبر عن هذا الصراع في تصاعد موجة الاضرابات والاعتصامات والتظاهرات الشعبية والعمالية الاحتجاجية والمطلبية التي تطال العديد من القطاعات والمؤسسات العامة والخاصة، وكان أبرزها اضراب عمال الغزل والنسيج في المحلة الكبرى للمطالبة بزيادة الأجور. فحسب تقرير الأممالمتحدة فإن عدد المصريين الذين يعيشون في فقر مدقع اصبح 20% على الرغم من النمو الاقتصادي السريع نسبيا خلال هذا العقد. وأوضح منسق الأممالمتحدة في مصر جيمس راولي: «ان معدل الفقر المدقع في الفترة من 2000 الى 2005 زاد الى 6,19 في المائة من 6,16 في المائة من عدد السكان»، وان «واحدا من كل خمسة مصريين لا يتمكن من تلبية احتياجاته الأساسية». وتفيد وثيقة للأمم المتحدة بأن نسبة من يعيشون بأقل من دولار في اليوم تبلغ 2,20 في المائة حاليا. وترافقت هذه الأرقام مع تسجيل المعدل السنوي لمؤشر اسعار الاستهلاك ارتفاعا الى 6,12 في المائة في فبراير الماضي بعدما كان 4,12 في المائة نهاية عام 2006 و1,3 في المائة نهاية عام 2005، اما مؤشر اسعار الجملة فارتفع بمعدل 5,16 في المائة. والمفارقة ان هذه الأرقام تعبر عن تدهور مستوى المعيشة لحياة الشعب المصري، التي تدفعه الى التحرك الاحتجاجي، وتترافق مع الحديث عن زيادة في نمو الناتج المحلي بمعدل سنوي بلغ السنة الماضية 9,6 في المائة و2,7 في المائة في الفصل الأول من هذه السنة، بعد ما كان المعدل في التسعينيات يقدر ب 4,4 في المائة. والمفارقة ايضا ان حصة الزراعة والصناعة من هذا النمو كانت تمثل نصف الناتج المحلي المصري، في حين سجلت عائدات السياحة دخلا مهما بلغ 2,7 مليار دولار أميركي، ونمو التجارة 30 في المائة، لكن الميزان التجاري سجل عجزا لكون فاتورة الاستيراد لاتزال اكبر من فاتورة الصادرات عوضه الفائض في ايرادات السياحة وعائدات قناة السويس وتحويلات المغتربين من الخارج. ومع ذلك فإن برنامج الأممالمتحدة الانمائي عبر عن القلق من استمرار ارتفاع معدل الولادات واتساع قاعدة الفقر وانتشار الأمية والبطالة المرتفعة (15,2 مليون عاطل العمل عام 2004) لافتا الى التفاوت الاقتصادي والاجتماعي بين الاقاليم الرئيسية الثلاثة الوجه البحري والوجه القبلي والمحافظات الحضرية بينما ذكرت جريدة العربي المصرية أن اعداد العاطلين عن العمل بلغت 6 ملايين عاطل بما يعادل 25 في المائة من قوة العمل 21 أغسطس 2005 مشيرة الى اغلاق حوالي 1000 مصنع بالمدن الصناعية الجديدة خلال النصف الثاني من عام 2006. ويترافق ذلك مع ارتفاع معدل الدين الخارجي والداخلي الذي بلغ ارقاما فلكية في عام 2004 حيث وصل الى عتبة 599 مليار جنيه حوالي 8,10 مليار دولار أي ما نسبته 119 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي. ان هذه الازمة والارقام المذكورة آنفا تظهر المدى الذي بلغه التفاوت الاجتماعي حيث باتت هناك اقلية غنية تملك كل شيء معبر عنها ببروز اصحاب المليارات الجديد في مقابل اغلبية من الشعب تعيش بين حدي الفقر والفقر المدقع مما ادى الى انتشار احزمة البؤس حول العاصمة المصرية التي باتت مطوقة بها لا تتوفر فيها ابسط احتياجات الحياة من مياه وكهرباء وصرف صحي ونظافة وسط حرمان وسوء تغذية مما ادى الى انتشار الامراض حيث ذكر برنامج الاممالمتحدة للانماء والبيئة بشأن الاوضاع الصحية للشعب المصري ان 5 ملايين مصري اصيبوا بفيروس التهاب الكبد الوبائي (750 الف حالة اصابة سنويا) و4 ملايين مصاب بمرض السكري و14 في المائة من المواطنين يعانون من حساسية الصدر وما يقرب من 15 مليون مصاب بالانيميا فيما سجل اكثر من 100 الف اصابة بالسرطان بينهم نسبة ملحوظة من الاطفال بينما هناك اكثر من 25 في المائة مصابون بفقر الدم. انفجار الأزمة الاجتماعية كان من الطبيعي ان يؤدي هذا التفاوت الاجتماعي الحاد وانتشار الفقر والامراض والحرمان والبؤس الى انفجار الازمة التي بلغت مستوى نوعيا وعبر عن ذلك في تفجر موجة الاحتجاجات في مختلف المناطق والقطاعات العامة والخاصة كدليل على شمولية الازمة وحجم القطاعات الشعبية المتضررة منها حيث سجل تقرير مركز الارض لحقوق الانسان في مصر مئات الاضرابات والاعتصامات والتظاهرات في محافظات القاهرة والشرقية والاسكندرية والاسماعيلية والسويس وسوهاج والبحيرة والغربية والجيزة وبني سويف والمنيا وبورسعيد والقليوبية والدقهلية والفيوم ودمياط واسوان والوادي الجديد وجنوب سيناء وكفر الشيخ والبحر الاحمر وسيناء وذكر مركز الارض في دراسة تحت عنوان «الاحتجاج في مواجهة التوحش ان 283 حالة احتجاج قد حصلت في المؤسسات الحكومية والخاصة حيث اشار الى 117 حالة تجمهر و85 حالة اعتصام و66 حالة اضراب عن العمل و15 حالة تظاهر اضافة الى عشرات من الاضرابات والاعتصامات والتظاهرات قام بها الاكاديميون والقضاة والمهندسون والفلاحون والطلاب والصحفيون والمطالبون ببديل عن مساكنهم المهدمة والمتضررون من انهيار مؤسسات الدولة ونتائجها الكارثية والمحتجون على القمع والتجاوزات الامنية. استنتاجات ان ما تقدم يشير الى ان مصر قد دخلت مرحلة نوعية من الصراع الطبقي الحاد على خلفية الازمة الاجتماعية التي بلغت عتبة نوعية متزامنة مع أزمة وطنية نابعة من الحاق مصر بالتبعية للخارج وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد واستمرار السياسات المتواطئة مع الولاياتالمتحدة واسرائيل. فمنذ انتفاضة عام 1977 على خلفية ارتفاع اسعار المواد والسلع الاساسية شهدت مصر حالة من الهدوء النسبي على الصعيد الاجتماعي وكان مرد ذلك عاملان: الاول: المكتسبات الكبيرة التي كانت محققة في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر. والثاني: حملة الوعود التي اطلقها السادات في ذلك الحين لتحقيق الرخاء الاجتماعي والازدهار الاقتصادي بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد وانتهاء حالة الحرب بين مصر واسرائيل. غير ان هذين العاملين قد تبخرا اليوم ولم يبق منهما شيء يجعل المصريين يمنون انفسهم به فالمكتسبات الاجتماعية من رعاية صحية وتقديمات اجتماعية وتعليم وفرص عمل متوافرة جرى تصفيتها على مدى ما يقارب الثلاثة عقود من الزمن والاراضي الزراعية التي وزعت على الفلاحين بموجب قانون الاصلاح الزراعي في عهد عبدالناصر تم سلبها منهم مجددا واعادتها الى الملاكين القدامى اما القطاع العام الذي شيد وتطور على نحو كبير في ظل النظام الناصري فقد جرى التفريط به عبر بيعه بأسعار بخسة في اطار صفقات عقدت لصالح بعض الرأسماليين والشركات الاجنبية. هذا يعني ان الازمة باتت شاملة كل المستويات الاجتماعية والوطنية وهي وصلت الى مرحلة متقدمة مما يشير الى افلاس سياسات النظام وعدم قدرته على تلطيف الازمة او الحد منها فيما يؤشر حجم واتساع الاضرابات والتظاهرات الى سقوط هيبة السلطة وجرأة الحركة العمالية والشعبية على التحرك وتحدي القمع والاستبداد. ومثل هذه الازمة التي تأتي مترافقة مع فشل وتعثر الاحتلال الأميركي للعراق ومحاولات الإدارة الاميركية فرض مشروع «الشرق الاوسط الجديد» للسيطرة على المنطقة واخضاعها واعادتها الى عهود الاستعمار المباشر تشكل بيئة جديدة لنهوض الحركة الشعبية والعمالية والوطنية على غرار المرحلة التي سبقت ثورة 23 يوليو عام 1952 التي قامت من أجل تحرير مصر من السيطرة الاستعمارية والتبعية للغرب ومحاربة الفساد والرد على التواطؤ مع الاستعمار البريطاني في تمكين استيلاء الصهاينة على ارض فلسطين وتشريد شعبها. فاليوم تتكثف كل هذه العوامل الى جانب الازمة الاجتماعية الحادة وهو ما يفسر هذا الحراك السياسي والاجتماعي الذي تشهده مصر. عن صحيفة الوطن القطرية 10/1/2008