الدعم النقدي.. مشكلاته وقضاياه عبدالفتاح الجبالي جاءت دعوة الرئيس مبارك لحوار مجتمعي حول سياسات الدعم لتؤكد حقيقة أساسية مفادها أن هذا الموضوع من الأهمية بمكان بحيث لا يجب أن يترك لفريق معين دون آخر, بل يجب ألا يتوافق المجتمع ككل حول الاطر العامة والاجراءات المناسبة له, وذلك نظرا لطبيعة هذه السياسة وخطورتها وتأثيراتها الشديدة علي كافة شرائح المجتمع. وعلي الرغم من الزيادات الكبيرة التي تظهر في مصروفات الدعم خلال السنوات الأخيرة حيث ارتفع من4,9 مليار جنيه عام2001/2000 إلي54,2 مليار عام2006/2005 و53,9 مليار عام2007/2006. إلا أن هذه الأرقام لا توضح الصورة بجلاء, نظرا لأنها تتضمن الدعم الموجه للمنتجات البترولية الذي بدأ يظهر في الموازنة منذ عام2006/2005 وكذلك ظهر الدعم الموجه للكهرباء بدءا من موازنة عام2008/2007. وهنا تجدر الإشارة إلي أن هناك ثلاثة أنواع من الدعم فهناك أولا الدعم المباشر ونقصد به تحديدا الأموال التي تخرج مباشرة من الخزانة العامة إلي بعض الجهات لتمويل حصول المواطن علي السلع بالأسعار المناسبة, ويوزع هذا الدعم علي السلع التموينية الأساسية كالخبز والسكر والزيت وكان قد وصل إلي11.2 مليار جنيه في موازنة2005/2004 ثم هبط إلي9,7 مليار عام2006/2005 والي9,4 مليار عام2007/2006 وأيضا دعم القروض الميسرة للإسكان الشعبي والذي هبط من700 مليون إلي358 مليونا ثم ارتفع إلي708 ملايين خلال الفترة ذاتها, ودعم المزارعين الذي ارتفع من113 مليونا إلي343 مليونا ثم هبط إلي246 مليونا, والبان الأطفال والأدوية ونقل الركاب والتصدير.. الخ. أما النوع الثاني من انواع الدعم فهو الدعم غير المباشر ونقصد به الفرق بين تكلفة إنتاج السلعة وسعر بيعها بالأسواق المحلية وأبرز الأمثله علي هذا النوع هو دعم للمنتجات البترولية مثل البوتاجاز والسولار والبنزين.. الخ, وكذلك دعم الشرائح الأولي من الكهرباء والمياه وغيرهما. ورغم أن الموازنة العامة للدولة قد باتت تظهر دعم المنتجات البترولية والكهرباء بصورة مباشرة, إلا أن المجالات الأخري لا تظهر بصورة صريحة في الموازنة ولكنها تظهر في انعكاساتها بالسلب علي نتائج أعمال الهيئات الاقتصادية وهو ما يقلل من عوائد هذه الجهات ومواردها المحولة للخزانة ويؤدي إلي إرهاق الموازنة العامة وبالتالي زيادة العجز بها. أما عن النوع الثالث للدعم وهو الدعم الضمني أي الفرق بين سعر بيع السلعة بالأسواق المحلية وسعر بيعها في السوق العالمية فهي مسألة محل جدل شديد بين الاقتصاديين ونري أنه لا يمكن الأخذ به نظرا لاختلاف ظروف الإنتاج بين الدول وأيضا لاختلاف التكاليف, ناهيك أصلا عن عدم وجود سعر عالمي واحد للسلع يمكن الرجوع اليه, لكل هذه الأسباب فإننا لا نأخذ بعين الاعتبار هذا المفهوم عند الحديث عن الدعم في مصر. ومع تسليمنا الكامل بأهمية الدعم, من الناحية الاقتصادية والاجتماعية, إلا أن الأمر يتطلب سياسة متكاملة للإصلاح تأخذ بعين الاعتبار الأوضاع والمتغيرات المحلية فمما لاشك فيه ان التغييرات الهيكلية التي يتم تطبيقها منذ فترة تتطلب بالضرورة إجراءات مساندة للفئات الهامشية ومحدودي الدخل وذلك انطلاقا من كون السياسة الاقتصادية يجب ان تظل في خدمة الأفراد والمجتمع. فرفع معدلات النمو وحدها ليست كافية لانتشال الفقراء ومحدودي الدخل, اذ يجب أن يكون نموا مواليا للفقراء وموسعا لقدرتهم وفرصهم وخيارات حياتهم أي ضرورة العمل علي إزالة أسباب الفقر وليس فقط التخفيف من آثاره, وذلك في إطار يهدف إلي توفير السلع الأساسية والضرورية للمواطنين, خاصة محدودي الدخل بأسعار في متناول أيديهم. وبمعني آخر فان أفضل السبل للتعامل مع هذه المشكلة يتطلب التحرك علي محورين أحدهما طويل الأمد يركز علي إخراج الفقراء من دائرة الفقر عن طريق إكسابهم المهارات والقدرات اللازمة للحصول علي الكسب الجيد والخروج من دائرة الفقر وهو ما يتطلب اتباع استراتيجية تنموية تركز علي النمو الجيد والمتواصل. وهي مسألة يجب أن تتم في إطار رؤية تنموية متكاملة ومن منظور شامل وواسع يأخذ بعين الاعتبار علاج الاختلالات الهيكيلة في الاقتصاد القومي ويدفع عجلة التنمية إلي الأمام ؟ وبالتالي ينبغي أن توجه سياسات الإصلاح المالي إلي تحقيق هدف النمو الاقتصادي علي الأجل الطويل. وذلك عن طريق رفع كفاءة الاستخدام للموارد المتاحة وتنميتها. وهو ما يتطلب بالضرورة تحول النقاش من حجم العجز إلي مكونات الإنفاق العام والهيكل الضريبي.. الخ. وبمعني آخر فان التركيز علي خصائص السياسة المالية لا موقفها هو الأجدي والأنفع من المنظور التنموي. أما علي الأجل القصير فلابد من الاستمرار في سياسة الدعم والذي لا يزال يشكل ضرورة ملحة بالنسبة لمستويات الدخول في مصر وبالتالي ينبغي العمل علي استمراره كمبدأ, ولكن التساؤل الأساسي هنا هو كيف يمكن تعظيم العائد من الإنفاق علي هذا الدعم. وبالتالي أضحي من الضروري العمل علي إعادة النظر في السياسة الحالية. فعلي سبيل المثال هل من المطلوب الاستمرار في سياسة دعم الصادرات علي الوضع الحالي وزيادة المبالغ الموجهة إليه دون عائد يذكر أم من الأجدي توجيه هذه الأموال إلي بنود أخري في الدعم وأيضا دعم فروق الفائدة الميسرة هل يحقق أغراضه أم لا؟ وهنا يطرح التساؤل حول أنسب السبل لكي تؤدي سياسة الدعم النتائج المرجوة منها فالبعض يري ان الدعم العيني هو الأفضل لأنه يوفر الحد الأدني من الأمن الغذائي للفقراء, إذ تشير الدراسات إلي أن75% من الفقراء يحصلون علي الدعم السلعي من خلال البطاقات التموينية, ويوفر السلع المدعومة للمواطنين عبر آلية محددة تتحكم في الأسعار, وهنا نلحظ أن الدعم الموجه لإنتاج الخبز البلدي هو أكثر أنواع الدعم فعالية وساعد علي إخراج نحو730 ألف فرد من دائرة الفقر المدقع, كما أشار إلي ذلك البنك الدولي في تقريره عن الفقر عام2006. ولكن مازالت مشكلة هذا النظام تكمن في وصول الدعم إلي غير مستحقيه وهو ما ينتج عنه سوء استخدام هذه السلع وزيادة معدلات استهلاكها وازدواجية الأسعار بالمجتمع ناهيك عن الفساد المرتبط بها والأهم من ذلك انه لا يتيح للأفراد الحرية في اختيار السلع المستهلكة. لكل هذه الأسباب يفضل البعض الدعم النقدي باعتباره يضمن وصول الدعم إلي مستحقيه واختفاء السوق السوداء للسلع وترشيد الاستهلاك مع ضمان عمل الأسواق بصورة سليمة. ولكن مشكلة هذا النظام تكمن في كيفية تحديد الفئات المستحقة للدعم, والأهم كيفية الوصول إليهم, هذا فضلا عن تحديد المبلغ المستحق لكل أسرة ومشكلة المتابعة المستمرة لهذه الأسر. ناهيك عن الآثار الأخري المتوقعة لهذا النظام مثل التضخم المتوقع نتيجة لذهاب الأموال إلي أفراد يرتفع لديهم الميل للاستهلاك مما يؤدي إلي المزيد من الارتفاعات في الأسعار وزيادة مبالغ الدعم وليس العكس. كما ان هذا النظام لا يصلح إطلاقا في الخدمات العامة مثل النقل والمياه والكهرباء والطرق وغيرها. لكل ما سبق فإننا نري أن أفضل طريقة لحل هذه المعضلة هي تبني سياسة متكاملة للإصلاح يمكنها أن تأخذ المنهجين السابقين في الاعتبار بمعني أن يتم تطبيق الدعم النقدي علي ما يصلح له والاعتماد علي الدعم السلعي في القطاعات الأخري, وكلها أمور تتطلب اتخاذ الإجراءات الكفيلة بترشيد الدعم والتأكد من وصول الدعم إلي مستحقيه وتحسين وتجويد نوعية السلع الخاضعة للدعم الكلي أو الجزئي لما في ذلك من تأثير مباشر علي ميزانية الأسرة, وكذا الموازنة العامة للدولة. مع العمل علي تصويب أدوات الدعم بحيث تشمل عددا أكبر من العائلات ومجموعات من السلع أكثر ملاءمة للأنماط الاستهلاكية الحالية. وإعادة صياغة أساليب توزيع الدعم لمستحقيه بما يضمن تقليل الفاقد والحد من سوء استخدام الدعم. واستكمال الإطار التشريعي للتجارة الداخلية بما يحقق انضباط السوق. عن صحيفة الاهرام المصرية 3/12/2007