منتصر جابر لما نسمع ونقرأ ما جري في مؤتمر الحزب الحاكم.. نري بوضوح تلك المسافة الواسعة التي تفصل بين هذا الحزب والشعب، وهي مساحة شاسعة.. الحزب ورجاله يقفون علي طرف، والشعب علي الطرف الآخر.. رجال الحزب يصرخون أنهم أصلحوا كل شيء.. بينما الشعب علي الطرف الآخر لا يسمع شيئاً مما يقولون!! فهل المشكلة في الحزب الحاكم أم في الشعب؟ .. وهذا ما كان يجب بحثه في مؤتمر الحزب الوطني، بدلا من استهلاك الوقت وهدر الأموال في كلام من نوعية ان الحزب بذل جهوداً لمواجهة مشكلات وهموم المواطن البسيط، وإن الاقتصاد انتقل من حالة الركود والبطء، الذي كان قائما عليها منذ خمس سنوات، إلي مرحلة نمو اقتصادي بنسبة 7.1%، وأنه تم إيجاد مليون وربع المليون فرصة عمل خلال العامين الماضيين.. بينما الشعب، وتحديدا المواطن البسيط، لا يسمع شيئاً مما يقولون لانه غارق في ضجيج مشاكله وهمومه.. المرتبات لا تكفي تكاليف المعيشة، وأسعار كل شيء في ارتفاع مستمر وقيمة الجنيه في انخفاض ايضا مستمر والشباب لا يجد فرص عمل، والأسر مازالت تنفق علي أبنائها وقد تجاوزت اعمارهم الثلاثين عاما فكيف يسمعون أو يصدقون كلاما عن مليون وربع المليون فرصة عمل هذه.. فأما المتحدث عاقل أو المستمع مجنون؟! الشعب لا يعرف معني ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي الي 1.7% أن لم يكن هذا الرقم مترجما في مرتبات تكفي الاحتياجات الضرورية علي الأقل وفي ارتفاع قيمة الجنيه وفي أسعار في متناول يده ومعقولة وليست أسعارا مرتفعة بصورة جنونية.. هذا ألف باء الاقتصاد النامي، ولكن إذا ارتفعت نسبة البطالة ومعها ارتفعت الأسعار وبالتالي زادت معدلات التضخم، لان الناس، وهو ما لا يعرفه رجال الحزب الوطني، تكشف بسهولة ألاعيب الأرقام ولا تصدقها، لأن الناس أياديها وأرجلها في النار وليس في الماء البارد مثل رجال الحزب الوطني. فلابد من ترجمة هذه الأرقام في الواقع ويشعر بها المواطن في حياته اليومية عندما يشتري ملابس أولاده وطعامهم وشرابهم، وفي مستوي الخدمات العامة من شوارع ومواصلات ومياه وكهرباء وصرف صحي.. حتي القمامة ويجدها متراكمة في الشوارع ساعتها لن يري سوي الضلمة في حياته ولن يسمع أو يصدق أحدا يقول له إنك تعيش في الجنة.. فهل في الجنة قمامة أو بطالة أو أسعار مرتفعة أو حتي ميكروباصات..؟! ولهذا اعتقد ان مشكلة الحزب الوطني انه مازال يعتمد علي لغة خطاب سياسي ناصري فارغة وكاذبة وتوهم الناس ببناء أوبرا لهم في القري وتماثيل رخام علي الترعة، بينما البلهارسيا تنهش في أجسادهم. فإذا قال السيد جمال مبارك، وهو الأمين العام المساعد، وأمين السياسات بالحزب الوطني، إن المواطن البسيط واحتياجاته في قمة أولويات الحزب. لابد ان يترجم هذا الكلام في الشارع وليس في قاعات الحزب، فلا يوجد عامل في مصر الآن لا يعاني التهديد بحرمانه من الحوافز أو خصم الإضافي أو الفصل، ولا يوجد فلاح واحد لا يعاني الأمرين من نقص السماد ومشاكل الري وقروض بنك التنمية الزراعي ولا من الغبن الذي يقع عليه لما يورد القمح أو القطن بالأسعار التي تحددها الحكومة وليس السوق في حين تشتري من السماسرة والتجار في الخارج بضعف ما تشتريه من الفلاح أي انها تدعم الفلاح الأجنبي وتأتي علي الفلاح المصري باعتباره مننا وعلينا وواخد علي الجوع!!.. كما لا يوجد موظف واحد في البلد لا يكابد من مرتبه الهزيل ويضطر ان يأخذ بنفسه ثمن الخدمة التي يقدمها للجمهور طالما ان الحكومة لا تدفع له.. ووجهة نظره لها منطق، بينما كلام الحزب الوطني في المؤتمر بلا منطق، عبارة عن مقدمات بلا نتائج، مثل مركز أبحاث يجري تجارب علي مرضي وينفق أموالاً طائلة دون أن يصل الي نتائج أو نظريات أو دواء شفا، والمرضي يتزايدون والمرض يستفحل ويتحول الي وباء، بينما علماء الحزب الحاكم مازلوا يتكلمون في مؤتمراته، فماذا بعد ذلك، وأين الدواء.. أرجوكم أعطوا للناس الدواء سواء كان أقراصاً أو شراباً أو حقناً أو حتي لبوس!!.. المهم البدء في العلاج، فالمريض لن يشفي بالتشخيص فقط ولا من كثرة التحاليل.. الناس تحتاج العلاج ومكثفا لان الأمراض مزمنة ومؤلمة والمرضي- اقصد المواطنين - أصبحوا لا يملكون من أمرهم شيئاً ووصلوا إلي حالة اليأس وفي بعض الأحيان الي الانتحار.. وإلا ماذا نسمي ما يقولون إنه هجرة غير شرعية بينما هي حقيقة هروب جماعي للشباب الي الخارج حتي ولو كان الثمن هو الموت.. لأنه أكرم من الحياة. عن صحيفة الوفد المصرية 12/11/2007