تستعد تونس التي باتت على مشارف تنظيم انتخابات حاسمة العام الجاري للتقدم بطلب المساعدة من ألمانيا بهدف تأمين حدودها في ظل الاضطرابات الأمنية التي تعصف بالمنطقة وفي ظل الحرب التي تقودها ضد الجماعات الإرهابية المتسللة عبر الجبال. وفي حوار مع وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) بتونس حدد رئيس الوزراء مهدي جمعة الأولويات التي سيطرحها خلال زيارته الرسمية إلى ألمانيا بدءا من يوم غد الأربعاء وحتى يوم الخميس. وقال جمعة :"تونس ستطلب من ألمانيا المساعدة في تأمين الحدود اعتمادا على خبرتها في هذا المجال وفي العمل الاستخباراتي". وأضاف جمعة :"سبق أن بدأنا العمل في هذا الاتجاه. وسيكون هذا من بين الملفات التي سنناقشها في ألمانيا". وتكافح تونس التي ترتبط بحدود مشتركة مع ليبيا شرقا والجزائر غربا للتصدي إلى تسلل الإرهابيين وعمليات تسريب السلاح والتهريب عبر المناطق الجبلية الغربية وعبر الصحراء جنوبا على وجه الخصوص. ونجحت تونس إلى حد ما في كبح جماح الخلايا الإرهابية على امتداد الأشهر الأخيرة لكنها تعرضت على نحو مفاجئ مع نهاية شهر أيار/ مايو إلى ضربة قوية عبر الهجوم المباغت على مقر سكن وزير الداخلية لطفي بن جدو في القصرين غرب البلاد على مقربة من جبل الشعانبي، وهو البؤرة الرئيسية للإرهاب بتونس. وأثار الحادث انتقادات لاذعة عبر المنابر الإعلامية حول مدى قدرة الدولة على خوض حرب معقدة وطويلة لاستئصال شأفة الإرهاب، لكن مع ذلك تسعى الحكومة التونسية إلى التهوين من المخاطر المتوقعة في ظل الاستحقاقات التي تنتظرها. وقال جمعة :"المؤسسة الأمنية تواجه ظاهرة جديدة لم تكن مهيأة لها، لكننا بصدد تطوير أدائنا وقد قمنا بإطلاق قطب يعالج قضايا الإرهاب". وأضاف :"العناصر الإرهابية لم تنجح في مواجه فرق مكافحة الإرهاب. وأغلب الهجمات والتهديدات ظلت لصيقة بمرتفعات الشعانبي. ومنزل بن جدو كان على مرمى حجر من المرتفعات". وتابع جمعة :"نجحنا في تحقيق مكاسب في هذه الحرب. نحن بصدد القيام بعمليات استباقية وتفكيك خلايا إرهابية ومخططات وحجز أسلحة، لكن مع ذلك ستبقى التهديدات موجودة على كامل المنطقة وهي ليست مقتصرة على تونس أو حتى جنوب حوض المتوسط بل هي تمس شمال المتوسط كذلك". لكن على الرغم من تلك النجاحات لا تزال تونس على فوهة مدفع حتى الآن، حيث تواجه البلاد خطرا أمنيا مضاعفا ليس فقط بسبب الفوضى الأمنية والصراع المسلح في الدولة الجارة ليبيا ولكن أيضا مع التهديدات التي سترافق عودة المئات من الجهاديين التونسيين الذين شاركوا في القتال في سورية وتدرب الكثير منهم في معسكرات المتشددين بليبيا. ويتوقع أن تكون هذه الملفات الأمنية أحد أبرز المحاور التي ستطرح على طاولة النقاش خلال زيارة جمعة ولقائه مع كبار المسئولين الألمان. وقال المهدي جمعة :"كل التهديدات والأعمال الإرهابية التي وقعت لها جذور في ليبيا. والتهديد الآن يمس جميع دول المنطقة". وأوضح :"نحن نتعاطى مع الملف السوري بالتعاون مع الدول الأوروبية أساسا". وبينما لم يتبق سوى بضعة أشهر لعمل الحكومة الحالية بحسب ما تنص عليه خارطة الطريق للحوار الوطني فإن الأولية المطلقة المعلنة للفريق الحكومي لمهدي جمعة تتمثل في إدارة انتخابات ديمقراطية ونزيهة تتوج بنجاح المرحلة الانتقالية الممتدة منذ أكثر من ثلاث سنوات وتوفير الأجواء الملائمة لذلك. ومن المرجح أن يعلن المجلس الوطني التأسيسي في غضون الأسبوع الجاري عن المواعيد الانتخابية بشكل نهائي بعد أن توافقت الأحزاب السياسية في وقت سابق حول كل الترتيبات المتعلقة الانتخابات. وأكد جمعة أن الحكومة باتت جاهزة لإدارة انتخابات شفافة في موعدها المقرر قبل نهاية العام الجاري، مشيرا إلى أن البلاد تتجه نحو الاستقرار مقابل تراجع التجاذبات السياسية والتوترات. وأوضح :"دخلنا منذ أربعة أشهر في تنقية المناخات. طبيعي أن تكون للأحزاب انتظارات مختلفة لكننا نتقدم إلى الأمام وقد بدأنا بمراجعة التعيينات في الإدارة وتحييد المساجد وحل رابطات حماية الثورة". لكن جمعة اعترف كذلك في حديثه مع (د.ب.أ) بوجود ضغوط سياسية تمارس ضد الحكومة، لم يحدد مصدرها بشكل صريح، وهي ضغوط تضاف إلى تطلعات التونسيين عموما، في إشارة إلى التحديات الاقتصادية والاجتماعية الهائلة التي تواجهها الدولة. ويكمن التحدي الأول في النقص الحاد الذي تواجهه خزينة الدولة في السيولة بينما تتطلع الجهات الفقيرة إلى تفعيل البرامج التنموية المتأخرة وخلق مواطن شغل في القطاع الخاص ما دفع الحكومة إلى اتخاذ إجراءات بهدف إنقاذ المالية العامة. وقال جمعة :"تونس لن تدخل في مرحلة التقشف ولكن بدأنا في الترشيد. سنركز خاصة على الترشيد ومراجعة الدعم تدريجيا في قطاع الطاقة". كما أكد أن خطط مراجعة الدعم للمواد الأساسية سيتم الانطلاق في تنفيذها مع نهاية الشهر الجاري لكنه أكد أنها ستقتصر على المواد القابلة للتمييز بين الفئات المستهدفة حتى لا يقع الضرر على الفئات الضعيفة. وكان المهدي جمعة أعلن في أيار/مايو بمناسبة مرور مئة يوم على تنصيب حكومته عن إجراءات عاجلة لإنعاش المالية العامة عبر خفض الإنفاق العمومي وإيقاف الزيادات في الأجور ومراجعة الدعم والبدء بإصلاح ضريبي وإيقاف الانتداب في الوظيفة العمومية. وقال جمعة ل(د.ب.أ) إنه سيبحث خلال زيارته إلى ألمانيا إنعاش القطاع السياحي عبر استقطاب المزيد من السياح الألمان الذين يشكلون أبرز سوق تقليدية لتونس في أوروبا بعد السوق الفرنسية. واعترف رئيس الحكومة المؤقتة بصعوبة تحقيق الأهداف المحددة للقطاع بجلب سبعة ملايين سائح العام الجاري بسبب الأحداث الأمنية في المنطقة لكنه أوضح أن السياحة التونسية حققت حتى الآن مردودا جيدا من الناحية المالية. كما لفت إلى أنه من غير المتوقع أن تطال التأثيرات السوق المغاربية التي تؤمن تقريبا نصف عدد السياح القادمين إلى تونس، حيث من المتوقع حسب رئيس الحكومة أن يفد نحو تونس مليون سائح من القطر الجزائري وحده الموسم الجاري. وتعمل حكومة الكفاءات في الوقت الحالي على تعزيز شبكة علاقاتها الدولية لدفع الاستثمار الخارجي وترميم علاقاتها الدبلوماسية مع دول مهمة في المنطقة في الوقت نفسه.