كثيرة هي الدعاوى التي تطالب باعدام المتحرش في السجن او حتى ميدان عام اما مبلغ الشطط فظهر في الدعوات التي تطالب ب"اخصاء المتحرش" او حتى تقنين الدعارة.!! وان كانت مثل هذه الحلول غير ممكنة وغير قابلة للتطبيق الا انها تعكس مدى الرفض الشعبي لهذا العمل المشين الذي يجب ان يلقى ما يستحقه من اهتمام والا يكون الاهتمام به لحظي انفعالي يختفي بعد ايام كما تعودنا في كل هباتنا الفكرية. لا اضيف جديدا اذا قلت ان التحرش موجود في بلدنا منذ سنوات أي انه ليس ظاهرة جديدة ولا وليد اللحظة فكثيرا ما تحرش ابن الهانم بالشغالة او الخادمة وكثيرا ما تحرش زوج الهانم بابنة البواب او زوجته وكثيرا ما تحرش المدير بسكرتيرته وكثيرا ما تحرش المدرس بتلميذته .. الا انه في نظري هناك عاملين ساهما في بروز التحرش على السطح. العامل الاول هو ما تلى ثورة يناير من انفلات امني وانفراط عقد المجتمع وتراجع هيبة الدولة ما شجع هؤلاء المتحرشين على ممارسة فجورهم دون ما وازع من ضمير أو أخلاق. اما العامل الثاني فهو زيادة الشجاعة والجرأة لدى البنات والسيدات للتذمر من هذا الامر وامتلاكهم الجرأة على ان يحكين ما حدث لهن وهذا مرتبط بدوره بظهور عدد من الحركات الاجتماعية التي شجعت على فتح الموضوع وطرحه على مائدة الحوار بعد ان كان الكلام يدور همساً ويخفو رويدا رويدا خوفا من الفضيحة او نظرة المجتمع السلبية. اذا بحثنا عن الاسباب الكامنة وراء التحرش نجدها متعددة ومتفاوته ولا علاقة لها من قريب او من بعيد بالفقر والغنى او الحالة الاجتماعية للمتحرش وللضحية. اول هذه الاسباب من وجهة نظري هو غياب التربية الاسرية السليمة وغياب التنشئة الاخلاقية الحقيقية ، فالغالب الأعم من الأباء والأمهات لم يبذل يوما جهدا في تعليم ابنه ان التحرش عيب او حرام ولم يكلف احدا خاطره في ان يسأل ابنه هل انت بتعاكس بنات في الشارع أم لأ؟ وكل أب وأم يرى ان اولاده ملائكة وانه نجح في تربيتهم احسن تربية وان كان هذا كذلك فمن المسئول عما نراه في الشوارع يوميا من انفلات اخلاقي؟! وقد ساعد على ذلك غياب أي دور أخلاقي للمدرسة والمسجد والكنيسة بل ان الطالب في المدرسة يكتسب سلوكيات سيئة ولا يكتشف الاباء والامهات ان اولادهم صاروا اكثر قلة أدب يوما بعد يوم. السبب الثاني هو ما يقدمه الاعلام من محتوى اقل ما يوصف بانه اسفاف والمقصود بالاعلام هنا تحديدا هو السينما والفضائيات والانترنت فالمحتوى الاباحي في هذه الوسائل الثلاث اشبه بطوفان لا يستطيع احدا ان يقف في وجهه او يتصدى له لانه سيواجه اتهامات بالتخلف والرجعية ومعاداة الحرية .. صحيح ان الحجب ليس الحل لكن الى جانب هذا الكم من العري والسفور يجب ان يكون هناك دور موازً للأسرة والمسجد والمدرسة والكنيسة للتحذير من خطورة هذا المحتوى على النشء. اما القول بان السينما او الفن عموما يعكس ما يدور في المجتمع فهو امر مردود عليه بان الاعلام والفن مطلوب منهما الارتقاء بذوق المجتمع ومعالجة ما به من عوار وتشوه . السبب الثالث كما اراه مرتبط ببعض السلوكيات الخاطئة التي ملأت الشارع المصري ولم تلق ردود فعل رافضة او مستهجنة نظرا لغياب النخوة سواء من قبل من يقوم بها او من يشاهدها .. من منا لم يشاهد شاب وفتاه في سيارة ملاكي واقفة في مكان مظلم وهم في وضع غير لائق ؟ مَن منا لم يشاهد شاب وفتاه يمارسان الحب في الشارع او على الكورنيش او على كوبري الجامعة او سور حديقة الحيوان او اي مكان ؟؟ من منا لم يشاهد ما يدور في اركان الحدائق العامة والمتنزهات من سلوكيات بين العشاق والمحبين ؟؟ كل هذه المشاهد تعطي مبررا للمتحرش لانه يرى ان المجتمع يقبل بسلوكيات منحرفة وان اي انثى يراها في الشارع لا تمانع في ان يفعل بها حبيبها ما اراد وقتما اراد وفي اي مكان وهنا يتجرأ ويمد يده عليها اما باقي المواطنين فيكتفون بالمشاهدة ومصمصة الشفايف وكأن كل واحد منا ينسى ان له ام أو اخت او زوجة أو ابنه يمكن ان تكون ضحية لواحد من هؤلاء المنحرفين. السبب الرابع مرتبط بالحالة الاجتماعية والاقتصادية للدولة وما تشهده من ارتفاع في الاسعار ومغالاة في المهور الامر الذي ضاعف من مشكلة العنوسة وزاد العراقيل في وجه الشباب والشابات الباحثين عن العفة والزواج . صحيح ان هناك متزوجون يتحرشون ولم يمنعهم زواجهم من هذا السلوك المرضي الا ان النسبة الكبرى من المتحرشين تنحصر في اشخاص مستواهم التعليمي والاقتصادي منخفض بشكل كبير . اما الوضع الاقتصادي فهو مسئول ايضا لأن كثير من الفتيات الللاتي يتعرضن للتحرش في العمل من جانب مديرهم او زملائهم كثيرا ما يحجمون عن الكلام خشية فقدان وظيفتهم ويقبلون بالأمر الواقع من منطق " ايه اللي رماك ع المر " وهذا اخطر ما في الامر حيث يعتقد المتحرش ان الضحية لا تمانع فيما يقوم به فيتمادى في جريمته.