عاقبها شقيقها بقص خصلة من شعرها لأنها نظرت من النافذة! حرمها والدها من التعليم خوفاً عليها..وأول كتاب قرأته كان لسلامة موسى تعرفت على زوجة تاجر مخدرات لتهرب عبرها الرسائل إلى زوجها المعتقل انفصلت عن زوجها وبعد ثلاث سنوات تجدد الحب بينهما وعادا من جديد أقامت فصولاً لمحو الأمية في السيدة زينب..واعتقلت مع رضيعها 14 يوماً "هي والمستحيل" للعسال أعادت هالة فهمي للأدب بعد 14 عاماً "رفضتُ أن أخط خطاًُ واحدا على الورق ما لم يكن نابعا من أعماقي، ومعبرا عن حقيقة المرأة وقدرتها على العطاء، لذلك استحلفت قلمي بأن يتوقف ولا يسطر حرفا واحدا مستضعفا أو مقهورا، إن شعر أني قد جبنت عن قول الحقيقة، ثم طلبت منه أن يساعدني على أن أخرج إلى الوجود. عددا من النساء أعايشهن وأتقرب منهن متكلمة بألسنتهن.. بذلك نتعرى تماما أمام أنفسنا ونجلو صدأ السنين ونصرخ في وجه الظروف والأوضاع التي حرمتنا من تفجير طاقاتنا البشرية". هكذا كانت تردد الكاتبة الكبيرة الراحلة فتحية العسال، التي توقف "محيط" عند أشهر محطات حياتها، ورسم لها صورة في عيون أصدقائها ومحبيها. وصفها الشاعر والناقد شعبان يوسف بأنها "وردة الحركة الوطنية والطليعية"، منذ بداية الخمسينيات، فهي ابنة حي شعبي، التقت بالحركة اليسارية على وجه الخصوص مبكراً، وتزوجت عبدالله الطوخي القاص والروائي، وقبض عليه عام 1954، وكانت تعتبر "دينامو" وحلقة الوصل بين داخل السجن وخارجه، لم تكمل تعليمها، لكنها استطاعت تعلم القراءة والكتابة بنفسها، وهي شقيقة الكاتبة نجيبة العسال التي أبدعت في الستينات. واعتبر يوسف فتحية العسال، كاتبة مكافحة مثال للعصامية، والدأب الشديد لتعليم نفسها، لتصبح من أكبر كتاب السينما والتليفزيون. دخلت المعتقل وكانت بروحها تشعر من معها من النساء، بأنهن يناضلن في درب آخر، وروى ل"محيط" تجربتها في اعتصام المثقفين داخل وزارة الثقافة بالزمالك عام 2012، قائلاً أنه في ظل سنها ووعكتها الصحية كانت تذهب للاعتصام مبكراً يومياً، لتستقبل كل الوفود وكان دورها غير عادي في الاعتصام، كما أنها لم تتخلف يوماً عن مسيرة رغم ظروفها الصحية، فكانت تصحب بهاء طاهر معها في سيارتها وتمشي معنا في المسيرة بالسيارة، حتى تظل مشاركة ومتواجدة، وحتى الفعاليات التي كانت تقام أمام الوزارة، كانت تشارك بها بحماس وأمل، كانت حريصة على ألا تتخلف يوماً عن الاعتصام، وتشارك به وهي مستندة على أكتاف محبيها. وأكد شعبان أن فتحية "رحلت واقفة كالأشجار"، واصفها بأنها الإشراق الأكبر للحركة الوطنية، ولها ديون عددية عند المثقفين، فالجميع يدن لها بالعرفان. اعتبرتها الكاتبة والمترجمة سهير المصادفة أم لجيلين، ووصفتها بأنها كاتبة عصامية جمعت بين الأدب والنضال، وهو أمر نادر في المشهد الأدبي على حد قولها. وقد كانت الراحلة كما تقول المصادفة مخلصة لقضية المرأة ودافعت عنها بشراسة، لذلك ترى المصادفة أن كل امرأة مصرية حزينة اليوم على رحيل فتحية العسال، التي تركت إرثاً من المسلسلات تتجاوز تخلف المجتمع المصري وتعالج سلبياته، وأقول لها: "وداعًا فتحية العسال.. كم أحببتك وكم أنا مدينة لك"!. كذلك، أعربت الكاتبة والأديبة هالة فهمي رئيس شعبة القصة والرواية باتحاد الكتاب، عن حزنها الشديد لرحيل الكاتبة فتحية العسال، مؤكدة أن الراحلة كانت سببا مباشرا في عودتها للحياة الأدبية بعد انقطاع دام 14 سنة. وواصلت "فهمى" أن مسلسل "هي والمستحيل" للكاتبة الراحلة فتحية العسال، أعطاني دفعة لمواصلة الأدب والكتابة، وأعطاني طاقة كبيرة، لذلك أنا مدينة لها بذلك، مشيرة إلى أن الراحلة كانت كاتبة مناضلة صاحبة تاريخ ليس مزيفًا لكن يشهد به الجميع منذ الستينيات فهي علّمت نفسها بنفسها، وتحملت الكثير مع زوجها المناضل عبدالله الطوخي، وتفوقت في مجالات كثيرة، فكانت هي نفسها مستحيل!. ووصفت فهمي العسال بأنها كاتبة نشيطة ومحترمة ولها مواقف مشرفة، وأعتبر رحيلها هو زفاف آخر على عبدالله الطوخي، فقد كانت الراحلة تشتاقه باستمرار وتتحدث عنه في كل المحافل، فقد كانت نعم الزوجة المخلصة. وأعلنت فهمي، عن إقامة حفل تأبين للكاتبة الراحلة الأحد القادم 22 يونيو المقبل، قائلة: "من المفارقات أن الراحلة هي من طلبت مني إقامة حفل تأبين لها، رغم أنها لم تكن مريضة حينها، ففي إحدى المكالمات بيننا قالت لي الراحلة "ها تعملي لي حفل تأبين يا هالة في اتحاد الكتاب"، وبالفعل سأقيم لها هذا التأبين كما طلبته مني. نضال وكفاح "لم أنل أي شهادة أكاديمية ولا حتى شهادة ابتدائية، ولم يساهم أحد في تعليمي، إنما كل ذلك كان نتيجة ردة فعل على وضعي، أخرجني والدي من المدرسة وأنا بعمر عشر سنين لأنه خاف عليّ باعتباري بنت (مفتحة حبتين)، فقررت أن أعوض كل شيء حرمت منه، وابتدأت أعلم نفسي، وأول شيء فعلته محاولة كتابة اسمي، فيما بعد رأى أبي إصراري وعنادي على العلم فبدأ يساعدني في بعض الكتب الدراسية، عند اتقاني القراءة والكتابة، أصبح والدي يعطيني الصحيفة لأقرأ له اخبار (هتلر) كون نظارته مكسورة". تقول: أول كتاب قرأته كان "عقلي وعقلك" لسلامة موسى، وهذ الكتاب هو الذي وجهني لما أنا فيه، ثم أتى جبران خليل جبران وابتدأت الحكاية. لم تكن تلك الكلمات غريبة على فتحية العسال التي كانت نشطة حتى آخر أيام حياتها، فقد كانت عضوة نشيطة ومهمة في عدة مؤسسات وجمعيات تهتم في الدفاع عن المرأة وحقوق الإنسان، فقد كانت أمينة اتحاد النساء التقدمي- عضو حزب التجمع، لها عدة إصدارات في المسرح والقصة والرواية نذكر منها "هل أنا حرة أم أدعي الحرية"، مسرحية "سجن النساء"، مسرحية "بلا أقنعة"، مسرحية "البين بين"، كتبت للتلفزيون عديد من الأعمال منها "حسن الذوق"، مسلسل بدر البدور اللذين أخرجهما احمد الحريري، وكتبت "هي والمستحيل"، "لحظة صدق"، "حصاد العمر"، "لحظة اختيار"، "العودة إلى الحياة"، "حصاد الحب"، وأخيرا إصدارها لسيرتها الذاتية من جزأين تحت عنوان "حضن العمر" عن هيئة الكتاب. وكانت الراحلة ترى سيرتها الذاتية، أحد أشكال التطهر النفسي عبر إلقاء التجارب على الورق وعبر التأكيد لذواتنا أننا لا نخجل منها، فيتحول العبء النفسي إلى تجربة حياتية شكلت الرؤية وصاغت الأحداث. حضن العمر "اللحظة الأجمل في حياة الإنسان هي التي يقفُ فيها أمام حقيقته عارياً، فيقبلها ويحبُ ما يشعر". حياة فتحية العسال كما نتعرف عليها من سيرتها ليست حياة عادية، فهي حياة حافلة مزدحمة على المستويين: الخاص والعام، حياة عاصرت فيها المظاهرات المصرية ضد الاستعمار الانجليزي وأكملت مسيرتها بالتعلم الذاتي حتى أصبحت من أبرز الكاتبات. يتناول الجزء الأول من سيرتها الفترة من 1933 "تاريخ ميلاد الكاتبة" وحتى عام 1953 "عندما اعتقل زوجها عبد الله الطوخي". تحكي الكاتبة عن تكوينها النفسي، فقد مورس عليها مختلف أشكال القهر تارة باسم التقاليد وتارة باسم الشرع وتارة باسم المفروض. فبرغم أن العسال كانت تنتمي إلى عائلة متوسطة إلا إنها حرمت من التعليم في المرحلة الابتدائية ووضعت تحت رقابة شديدة من قبل أخيها حسني، الذي قام بقص خصلة من شعرها ذات يوم عقابا لها على الوقوف أمام النافذة، كما أنها لم تفلت من قبضة يده عندما شاهدها ذات يوم تسير في احدى المظاهرات المناهضة للاستعمار الإنجليزي. لكن العسال لم تستسلم، وأصرت على تعليم نفسها، وبدأت في كتابة القصص، لينتهي الجزء الأول من سيرتها باعتقال زوجها عبد الله الطوخي عام 1953 بوصفه منتمي إلى الحزب الشيوعي. يدور الجزء الثاني من سيرة العسال عن حياتها أثناء اعتقال زوجها، فكأنها تواجه العالم لأول مرة بمفردها (1953 1955)، تتخلل هذه الفترة أيضا تداعيات لحظة الانفصال (1982)، كما يحكي عن بداية انخراط الكاتبة في النضال الجماهيري، إذ أصبحت مسئولة عن لجنة العائلات التي تتابع أخبار ذويها المعتقلين، ومن ثم انخرطت في الحياة الحزبية السرية حيث كان زكي مراد هو مسئولها الحزبي وبعد اعتقاله حل صلاح حافظ محله، وساهمت سعاد زهير في عملية تثقيفها سياسيا. وشاركت العسال في المظاهرات التي تنادي بإلغاء الأحكام العرفية، وتوجهت إلى محمد نجيب الرئيس آنذاك لتطالب بتعميم المعاملة (أ) على المعتقلين وفي النهاية ألقي بها في تخشيبة قسم المطرية أربعة عشر يوما بمفردها مع طفلها الرضيع إيهاب. وبرغم اعتقال الطوخي لم تتمكن العسال من رؤيته وتبادل الرسائل معه إلا عبر "المعلمة جمالات كنكن" التي كان زوجها المعلم "كنكن" مسجونا على ذمة قضية مخدرات!، ساعدت المعلمة جمالات العسال خارج السجن وساعد المعلم "كنكن" الطوخي داخل السجن عبر تسهيل تبادل الرسائل. وعن سبب انفصالها عن زوجها تقول: كنت دائماً أعلن أن سبب الطلاق هو خلافنا على معاهدة كامب ديفيد. لكن عندما تأملت التجربة وجدت أنني كنت ارفض سيطرة عبد الله علي كامرأة، خرجت من عباءة وصايته علي وامتلاكه لي بطلب الطلاق. بعد خروجه من السجن وبعد مرور عدة سنوات على انخراطي في العمل النضالي كان يسألني "فين فتحية بتاعة زمان؟"، لم يعترف أنني مستقلة. كيف يمكنني أن أمارس الحرية مع رجل غير متحرر من شبح الملكية والموروث. ولكن ما حدث بعد ذلك كما تقول هي، كان أشبه بفيلم سينمائي مصري, إذ التقيا بعد 3 سنين بالصدفة, وخلال ساعتين من الحديث اكتشفا أن الحب لا يزال يجمع بينهما, وتزوجا مرة ثانية في نفس المساء!. عشق المسرح "المسرح أبو الفنون هذه حقيقة لا يختلف عليها اثنان. لذلك كتبت إهداء له.. عشقي الأول والأخير. لقد آمنت بأن أهم ما يميز الكاتب المسرحي هو امتلاء روحه برسالة إنسانية سامية ينشرها بين الناس من أجل الارتقاء بحياتهم وتحريرهم من كل عوامل القهر والاستغلال وانتهاك الكرامات". هكذا تؤكد الكاتبة الراحلة فتحية العسال التي آمنت برسالتها ودافعت عنها، لتظل مناضلة قوية حتى آخر أيام حياتها. كانت ترى أن المسرح هو الضوء الذي ينير للإنسان الطريق. ويؤمن التواصل مع المشاهد. التواصل الذي يولد الدفء بيننا سواء كنا أمام النص المسرحي أو أمام خشبة المسرح. كانت تؤمن بالمرأة ودورها، وتقول: أن المرأة التي تعرف الحمل طوال تسعة أشهر، قادرة أن تبني مسرحية محكمة ومتماسكة، شرط أن تكون حقا كاتبة مسرحية!. ولدت الكاتبة فتحية العسال في 20 فبراير 1933، وهي عضو مجلس إدارة اتحاد الكتاب ورئيس جمعية الكاتبات المصريات وأمين عام اتحاد النساء التقدمي، قامت بكتابة 57 مسلسلاً ، كما كتبت عشر مسرحيات ، بدأت الكتابة الأدبية في عام 1957 واهتمت بالقضايا الإجتماعية وقضايا المرأة بشكل خاص، تم اعتقالها ثلاث مرات بسبب كتاباتها عن قضايا المرأة. وتقول عن أسلوبها: "أريد أن تدخل كتاباتي القلب قبل العقل,لأن الذي يدخل القلب يدخل العقل"، وترد على من يتهمها بأنها تكتب بأسلوب نسائي يغلب عليه العواطف، تقول: "نعم أنا امرأة ولا أخجل من ذلك.. والمرأة تكتب برومانسيه فائقة مطلقة, وهذا أمر طبيعي بحسب تكوين شخصيتنا ونفسيتنا، لكن من المهم كذلك أن تتطرق المرأة لقضايا الساعة المهمة وهذا ما أفعله أنا". افتتحت العسال فصولا لمحو الأمية في حي السيدة زينب، ولاحظت في تلك الفترة تحول السيدات عن الدروس للاستماع إلي إذاعة المسلسل الاجتماعي اليومي في إذاعة القاهرة, فجاءتها فكرة أن تكتب مسلسلات إذاعية تخاطب من خلالها النساء فكتبت في ذلك الوقت مسلسلات، و حصل مسلسلها "لحظة صدق" علي جائزة أفضل مسلسل عام1975, كما تم تكريمها في مهرجان المخرجة المسرحية لعام2009 وكرمها أيضا المركز الوطني للعيون في صيدا. كانت الكاتبة الراحلة فتحية العسال هي أول أديبة عربية يتم عرض عمل أدبي لها علي خشبة المسرح، وهي مسرحية "المرجيحة"، وقد قدمت للمسرح بعدها عديد من المسرحيات الناجحة؛ مثل "لام ألف همزه لا" و"البين بين" ومسرحية "بلا أقنعة" التي تم اعتقالها بسببها لأنها تتحدث عن رفضها لاتفاقية كامب دافيد, ومسرحية "سجن النساء" التي كتبتها بين جدران السجن.