عكست المباحثات التي أجراها أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح مع كبار المسئولين الإيرانيين خلال زيارته إلى طهران مطلع الشهر الجاري، نجاحا "في شقها الأول المتعلق بتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين، بعد توقيع ست اتفاقيات، وشملت قضايا الأمن والنقل الجوي والتعاون الجمركي والرياضي والسياحي والبيئة". وأكدت المباحثات على ضرورة زيادة حجم التبادل التجاري البالغ حاليا "نحو 150 مليون دولار سنويا"، بعدما وصفه وزير التجارة والصناعة الكويتي عبد المحسن مدعج المدعج بأنه "لا يرقى إلى طموح البلدين". وحسبما ذكرت وكالة "الأناضول" أن الزيارة عكست في الوقت نفسه فشلا، أو على الأقل فهي لم تنجح في شقها الثاني المتعلق بالعلاقات الثنائية بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي، خصوصا" وأن أمير الكويت ذهب إلى طهران وهو رئيس للقمتين الخليجية والعربية، وأكدت النتائج "حالة عدم الثقة " بين الإيرانيين والخليجيين، والقائمة منذ أكثر من عشر سنوات. وكشف وزير الخارجية الكويتي الشيخ صباح الخالد الصباح خلال ترؤسه الدورة العادية ال 131 لمجلس وزراء خارجية دول مجلس التعاون التي عقدت في الثاني من يونيو/ حزيران 2014 بالرياض، عن أن 18 مليون إيراني يتطلعون لتغيير نهج بلادهم في التعاطي مع جيرانهم الخليجيين ، مشددا" على أهمية معالجة القضايا التي تبعث القلق على صعيد العلاقات الثنائية بين دول المجلس وإيران، ومؤكدا "على أن دول الخليج "تتطلع إلى ترجمة التوجهات الإيرانية إلى واقع إيجابي في علاقتها بدول المجلس، تمهيدا "إلى إزالة أسباب التوتر بين دول هذه المنطقة الحيوية من العالم". وفي الوقت الذي أعلن فيه الرئيس الإيراني حسن روحاني أن بلاده "مستعدة لتوسيع علاقتها مع كل دول الجوار وخصوصا "دول مجلس التعاون الخليجي"، كانت هذه الدول تبدي قلقها من التدخلات المنسوبة إلى طهران في سورياوالعراق والبحرين واليمن، ولكن تبقى الإشارة إلى أهمية التحذير الملفت في ختام زيارة أمير الكويت إلى طهران والصادر عن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي، من أن دول المنطقة "ستدفع ثمنا" باهظا " لدعمها الجهاديين الذين يقاتلون النظام السوري. انعدام الثقة لقد دعا روحاني خلال استقباله أمير الكويت، دول المنطقة إلى أن "تبذل جهودها لإرساء السلام والاستقرار "مشددا" على وجوب "محاربة الإرهاب"، ومؤكدا "على استعداد إيران لتنمية العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي من أجل تسوية القضايا والمشكلات في المنطقة، كما لفت بدوره أمير الكويت إلى "ضرورة تعاون دول المنطقة لتسوية القضايا والمشكلات القائمة بينها". الواقع، أثبتت مسيرة العلاقات على مر السنين، بأنه لا مصلحة لأحد في منطقة الخليج من وجود صراع بين العرب والإيرانيين، لأن مصالحهم مشتركة ومتكاملة، ولا مصلحة لأحد بان تبقى الخلافات قائمة بين دول مجلس التعاون وإيران، ولكن هذه الخلافات لا يمكن حلها بالخطابات والتصريحات والرغبة في تحسين العلاقات، لان الوقائع أثبتت أن الأسباب الرئيسية وراء عدم استقرار هذه العلاقات، وتوسع سوء الفهم والمشكلات، تعود إلى "انعدام الثقة" المزمن بين الطرفين، مع الأخذ بالاعتبار أن التجربة الخليجية الإيرانية في التفاهمات المرحلية لم تؤد إلى "بناء ثقة" تسمح بالبناء عليها لمستقبل أفضل للجميع. ويرى الخليجيون أن في إيران خطابان، الأول تعتمده الدولة وهو يدعو إلى الانفتاح والتعاون والرغبة في إيجاد الحلول وتوطيد العلاقات وتخفيض الاستقرار، والثاني تعتمده إيران الثورة، وهو يناقض خطاب الدولة ويعمل بمعزل عنها، لأن هدفه النهائي هيمنة إيران على محيطها وعلى أمتها الإسلامية، وتصدير الثورة لتشمل كل المسلمين في العالم، ومن هنا يعود سبب "انعدام الثقة" نتيجة تدخل إيران في شئون دول المنطقة مهددة وحدة نسيجها الاجتماعي على أسس طائفية. أما بالنسبة للإيرانيين فان " انعدام الثقة " لديهم يعود إلى أن دول الخليج تابعة للشيطان الغربي الذي يعادي ثورتهم الإسلامية ويريد القضاء عليها، وهي تريد إيران ضعيفة، وتشجع الغرب على التدخل في شؤونها وفرض العقوبات عليها، ومنعها من تحقيق طموحاتها العلمية والتقنية والاقتصادية، فضلا "عن أن هذه الدول تضطهد الشيعة لديها، في حين من واجب إيران حمايتهم. تطبيع العلاقات لقد شهدت العلاقات الخليجية الإيرانية في عهد الرئيس محمد خاتمي تقاربا "باتجاه التطبيع في أشكال وصور مختلفة غير مسبوقة، وانعكس هذا التطور في مجموعة من التفاعلات الخليجية التي بدأت تأخذ شكل العلاقات الطبيعية بين ضفتي الخليج، وتوجت بالاتفاقية الأمنية عام 2001 بين السعودية وإيران لتمثل بداية لمرحلة جديدة ومتميزة في العلاقات العربية الخليجية الإيرانية بعامة، والعلاقات السعودية – الإيرانية بخاصة ، وكان هدف إيران من هذا التقارب تدعيم مكانتها ونفوذها في المنطقة، لكسر حالة الجمود التي اتسمت بها سياستها الخارجية بعد الثورة، أما السعودية فقد كانت ترى في إيران شريكا أساسيا في المنطقة للمحافظة على أمنها، في حالة تسوية الخلافات بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي، ومنذ ذلك الوقت كان للعوامل الخارجية دور كبير في عمليتي التقارب والتنافر بين الفريقين، وكان تأثير الولاياتالمتحدة أكثر وضوحا، وهو يختلف باختلاف التطورات الإقليمية والدولية التي كانت إما داعمة لعملية التنافر أو داعمة لعملية التقارب، وذلك وفقا للمصالح الأمريكية المتنافرة مع المصالح الإيرانية. ومرت العلاقات السعودية الأمريكية، وكذلك العلاقات الإيرانيةالأمريكية بحالة من عدم الاستقرار بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول نتيجة للحرب الأمريكية على الإرهاب ، مما دفع أكبر دولتين في منطقة الخليج العربي إلى التقارب فيما بينهما (إيران والسعودية)، ولا سيما بخصوص الحملات الإعلامية الغربية ضد الإسلام والمسلمين ، حيث كان الموقف الرسمي لكلا البلدين متطابقا . وهذا ما عبر عنه آنذاك البرلمان الإيراني السعودي ببيان لهما اصدره جاء فيه: يدين البلدان الحملة الإعلامية الآثمة ضد القيم والمبادئ السامية للإسلام، واعتبراها مؤامرة لتشويه الإسلام ولإضعاف الدول العربية والإسلامية . وذلك بعد زيارة مهدي خروبي رئيس البرلمان الإيراني آنذاك للسعودية ، وكان لكل من السعودية وإيران خلال تلك الحقبة مصالح وأهداف من هذا التقارب ، فالسعودية كانت تعد الحليف الأقوى لواشنطن التي كانت تفرض حصارا على النظام الإيراني. فكان أي تقارب يحدث بين الرياضوطهران يعد بمثابة رسالة واضحة إلى واشنطن تفيد بأن سياسة الاحتواء المزدوج التي تمارسها ضد العراقوإيران قد فشلت فشلا" ذريعا" في شقها الموجه ضد طهران . وإيران شريك مهم في الخليج في المحافظة على امن المنطقة . وأوضحت السعودية عدة مرات أن عملية التقارب السعودي الإيراني يصب في مصلحة باقي الدول الخليجية بما فيها دولة الإمارات المتنازعة مع ايران. ومسألة الجزر الثلاث أضحت في ذلك الوقت إحدى النقاط التي تدعم التقارب السعودي الايراني، ولم تعد نقطة حرج بالنسبة للسعودية كما كانت في السابق. أسباب التوتر ودفعت عدة عوامل بالعلاقات الخليجية الإيرانية نحو مزيد من التنافر والتوتر ، منها : أولا: النزاع الإيرانيالإماراتي حول الجزر الثلاث وهي : ابو موسى ، طمب الكبرى ، وطمب الصغرى ، وترفض إيران أي مناقشة في موضوع هذه الجزر . ثانيا : الخلاف الطائفي بين المذهب السني الذي تعتنقه غالبية شعوب دول الخليج العربية والمذهب الشيعي الذي تتبناه ايران . ثالثا" : تأكيد ايران لبعض السياسات النفطية المناوئة للسعودية . رابعا" : الوجود الأمريكي العسكري في منطقة الخليج منذ عام 1991 ، وازدياده بعد الاحتلال الأمريكي للعراق . وفاقم الوضع العراقي وتطوراته وتداخل السياسات الأمريكية للمنطقة مع السياسات الإيرانية من تعقيد عملية التقارب الخليجي الإيراني، بخاصة بعد قيام ايران بتعزيز وجودها وهيمنتها على العراق من خلال التنظيمات والأحزاب السياسية الطائفية المرتبطة بها. خامسا" : التخوف الخليجي من البرنامج النووي الايراني ، خصوصا" السعودية وان انعكاساته لن تقتصر على امن منطقة الخليج فحسب ، بل على امن الشرق الاوسط والعالم بشكل عام ، وقد أعربت دول المنطقة عن قلقها العميق من خطورة هذا البرنامج. سادسا" : اندلاع ثورة الشعب السوري ضد نظام بشار الأسد ، وتدخل إيران بشكل كبير وبمختلف الوسائل بالدعم الاقتصادي والمالي والعسكري بما فيه إرسال مقاتلين من الحرس الثوري وحزب الله اللبناني ، لتكريس بقاء هذا النظام ، في الوقت الذي تدعم فيه السعودية ودول الخليج حقوق الشعب السوري وثورته. المصالح التجارية ورغم حالة التباعد والتنافر التي تشهدها العلاقات الخليجية الإيرانية ، فقد لوحظ استمرار المصالح الاقتصادية بينهما ، وخصوصا" حركة التبادل التجاري ، مع الإشارة إلى تأثرها بالعقوبات الاقتصادية والمالية التي فرضتها واشنطن على إيران ، وذلك على الرغم أيضا" مع استمرار الخلاف الذي يصل أحيانا" إلى حالة التوتر بين الإماراتوإيران بسبب احتلال الأخيرة للجزر الثلاث. ويعيش في الإمارات نحو 400 ألف إيراني بينهم نسبة كبيرة من التجار ورجال الأعمال ، وتوجد 8 آلاف شركة إيرانية تعمل في الإمارات بشكل رئيسي في قطاع المواد الغذائية والمواد الخام والحديد والفولاذ والالكترونيات والإطارات، والمعدات المنزلية وغيرها من المواد ، وفقا" لتصريح سابق لمجلس الأعمال الإيراني في دبي. ورغم تراجع التبادل التجاري بين الإماراتوإيران من 47.7 مليار درهم (13 مليار دولار) في عام 2009، إلى نحو 25 مليار درهم (6.8 مليارات دولار)عام 2012، بعد ضغوط أمريكية متواصلة وفرض مجلس الأمن الدولي جولة رابعة من العقوبات على إيران بسبب اتهامات بأنها تسعى لامتلاك سلاح نووي، إلا أن الإمارات ما تزال ابرز الشركاء التجاريين لإيران ويوجد رغبة متنامية من الجانبين لتطوير العلاقات الاقتصادية بينهما. ورغم محدودية العلاقات الاقتصادية بين السعودية وإيران، إلا انها تراجعت بشكل كبير من 1618 مليون ريال سعودي(431 مليون دولار) في 2009 إلى 823 مليون ريال (219 مليون دولار) في 2012 بحسب مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات السعودية، ويستبعد خبراء اقتصاديون ان يطرأ أي تحسن على هذه العلاقات، عن طريق التصريحات والتمنيات، في حال استمرت السياسة الإيرانية في مسيرتها المهددة لمصالح دول الخليج، ولم تتوقف عن تدخلها في سوريا والبحرين والعراق واليمن. وإذا كانت إيران تتطلع إلى إنشاء منطقة تجارة حرة وتراها فرصة حقيقية لها لتحقيق تكامل اقتصادي مع دول مجلس التعاون الخليجي، هل يمكن تحقيق هذا الحلم مع دعوة المرشد الأعلى إلى اعتماد " اقتصاد مقاوم " ؟ .. بدأت الحكومة الإيرانية تطبيق تعليمات المرشد بان تضع "الاقتصاد المقاوم" في جدول أعمالها بوصفها " وثيقة ملزمة ". وحدد خامنئي " الخطوط العريضة للاقتصاد المقاوم " لافتا" إلى أنه "يؤدي إلى هزيمة العدو وانسحابه من الحرب الاقتصادية المفروضة على الشعب الإيراني" . ورأى أن "الاقتصاد المقاوم سيكون قادرا"، في ضوء الأزمات العالمية المتزايدة، على تجسيد نموذج معطاء لنظام الاقتصاد الإسلامي، ويمهد ... لتحقيق الملحمة الاقتصادية " ، وهو يرى ان إيران قادرة ، اذ انتهجت " الاقتصاد المقاوم ، بما تمتلكه من ثروات وموارد وبنى تحتية وكوادر بشرية ملتزمة وفاعله، على التغلب ليس فقط على المشكلات الاقتصادية وهزم العدو الذي يفرض حربا" اقتصادية ضروسا" على الشعب الإيراني العظيم ، بل تحقيق اقتصاد مبني على العلم والتكنولوجيا والعدالة، وتقديم نموذج ملهم لنظام الاقتصاد الإسلامي". لا شك في أن تقييم عملية التقارب الإيراني الخليجي حاليا "ليس سهلا" في ظل المتغيرات المتتابعة التي تكتنف الساحة السياسية في المنطقة والمؤثرات الدولية المتزايدة ، خصوصا" وان مستقبل هذا التقارب يبقى رهن التحركات الإيرانية والسعودية باعتبارهما قطبي الخليج الأكثر تفهما" وإدراكا" لأهميته، وإلا يكون على حساب أي دولة من دول الخليج ، مع التأكيد على موقع وأهمية ودور المملكة العربية السعودية ، ليس كونها أهم واكبر دولة خليجية ، بل كونها مرجعية أساسية في مسيرة الوطن العربي ككل. لا سيما لجهة تحالفها مع معظم الدول العربية وفي مقدمتها مصر ، ودورها المتقدم في حل الأزمة السورية ووقف نزيف دم السوريين. وتبقى الإشارة إلى أن السيناريو لمستقبل العلاقات الخليجية الإيرانية ، يمكن ان يرتكز على التشاور المستمر بين الطرفين في القضايا المشتركة مع إضفاء الطابع المؤسسي على هذه التفاعلات عن طريق إنشاء لجان مشتركة تجتمع بصورة دورية، وتوسيع مجال التعاون في الأمن مثل مكافحة المخدرات والإرهاب والجريمة المنظمة، ووضع ترتيبات خاصة في مجال التعاون العسكري بخصوص ضمان حرية الملاحة في الخليج والحفاظ على الأمن والاستقرار في هذه المنطقة ، والاتفاق على حل جميع المشكلات العالقة بما فيها جزر الإمارات والبرنامج النووي الإيراني الذي يجب ان يحقق أهدافا" سلميه.