في عام 1993 وقعت منظمة التحرير الفلسطينية على اتفاق سلام مع إسرائيل، وإعلان المبادئ المعروف ب"أوسلو"، وعلى إثره تأسست السلطة الوطنية ومؤسساتها. ونص البرتوكول رقم "8" من اتفاقية أسلو على حق السلطة في إنشاء شرطة قوية تضمن النظام والأمن في الضفة الغربية وقطاع غزة. وبدأت السلطة في عام 1994 بإنشاء الأجهزة الأمنية والشرطية بكافة فروعها في الضفة الغربية وقطاع غزة. وشمل التأسيس عدة أجهزة كالأمن الوطني والشرطة الفلسطينية والأمن الرئاسي والأمن الوقائي، والذي كان من أكثر الأجهزة الأمنية حضورا وقوة. وأسست السلطة جهازا للأمن الداخلي يتبع وزير الداخلية، غير أنه وبعد إعلان نتائج الانتخابات التشريعية بيوم واحد في نهاية يناير/كانون الثاني 2006 (والتي فازت فيها حركة حماس بحصولها على 76 مقعدا من أصل مقاعد المجلس التشريعي البالغة 132)، تم نقل مسؤولية الجهاز من وزير الداخلية إلى الرئاسة. ومن أهم أجهزة السلطة الأمنية " الأمن الوقائي"، الذي يوصف بأنه أكثر الأجهزة الأمنية تنظيما، وانقسم إلى جهازين الأول في غزة والثاني في الضفة. ومن هذا الجهاز خرجت الكثير من الفرق التي تم إطلاق العديد من الأسماء عليها كفرقة الموت التي أعلن رسميا عن حلها في نوفمبر/تشرين الثاني 2005. وكان محمد دحلان القيادي البارز في حركة فتح (مفصول منها حاليا بقرار من اللجنة المركزية لحركة فتح)، أول رئيس لجهاز الأمن الوقائي في غزة. وكثيرا ما اتهمت حركة حماس جهاز الأمن الوقائي بتعذيب عناصرها، وعناصر الفصائل الفلسطينية، إلى حد الموت وهو ما كانت تنفيه السلطة وأجهزتها الأمنية. وفي عهد الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي تولى الرئاسة في عام 2005، تم توحيد جهاز الأمن الوقائي في الضفة وغزة. وظلّت الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة تعمل في غزة والضفة بكافة فروعها إلى أن حدث ما وصفه مراقبون ب"الزلزال السياسي"، المتمثل في فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية في عام 2006. وكلّف عباس، القيادي البارز في حركة حماس، إسماعيل هنية، بتشكيل الحكومة الجديدة بناء على ترشيحه من "حركة حماس". ورفضت الجنة التنفيذية لحركة فتح وبقية الفصائل المشاركة في الحكومة التي شكلتها حركة حماس، برئاسة هنية، بدعوى"عدم الاتفاق على البرنامج السياسي". وقوبلت الحكومة التي شكلتها حركة "حماس" بحصار إسرائيلي مشدد عرقل عملها، كما قوبلت برفض دولي وأوروبي لعدم اعترافها بإسرائيل، وقبول الاتفاقيات السابقة بين السلطة الوطنية وإسرائيل. واتهمت حركة "حماس" حركة "فتح"، بالعمل على إطاحة حكومتها، بتعمد إحداث قلاقل داخلية، واتهامها لعباس بسحب الكثير من صلاحياتها، ورفض الأجهزة الأمنية التابعة السلطة التعاطي مع الحكومة الجديدة. وشهد عام 2006 اشتباكات متفرقة بين أنصار حركتي فتح وحماس، لم تنجح الكثير من "الوساطات" الفصائلية في وقفها. ونظرا لرفض الأجهزة الأمنية التعاطي مع الحكومة الجديدة، شكل وزير الداخلية آنذاك سعيد صيام (اغتالته إسرائيل في الحرب التي شنتها على قطاع غزة 2008)، قوة مساندة أطلق عليها اسم ب"القوة التنفيذية". وفي يوم 17-5-2006 انتشرت "القوة التنفيذية"، التي أنشأها صيام، في شوارع مدن قطاع غزة. وعقب ذلك، أصدر عباس قرارا بعدم شرعية تلك القوة، غير أن بيان من هيئة رئاسة الجهاز التشريعي صدر بأنّ المادة 69 الفقرة 7 من القانون الأساسي الفلسطيني نصت على أن الأمن الداخلي من اختصاص مجلس الوزراء، كما نصت المادة رقم 3 من قانون الأمن رقم 8 عام 2005 على صلاحية وزير الداخلية لتشكيل أو استحداث أي قوة يراها مناسبة لمساندة الأجهزة الأمنية في حفظ النظام وفرض الأمن، كما أن المادة 69 من القانون الأساسي يمنح الوزير صلاحية تشكيل مثل هذه القوة. وشنتّ حركة فتح حملة واسعة ضد هذه القوة وصلت لحد الاصطدام معها. وشهدت بداية عام 2007 اشتباكات مسلحة دامية بين كتائب القسام، الجناح المسلح لحركة حماس، والأجهزة الأمنية الفلسطينية، ومقاتلين من حركة فتح، انتهت بسيطرة حركة حماس على قطاع غزة في 14 يونيو/حزيران 2007، وسيطرتها على كافة الأجهزة الأمنية وأسلحتها. وشكّل هذا الحدث، علامة بارزة في التاريخ الفلسطيني الحديث، حيث انقسمت أراضي الحكم الذاتي الفلسطيني (السلطة الفلسطينية) إلى جزئين، الأول في الضفة الغربية، تديره حركة فتح، والثاني في قطاع غزة، تديره حركة حماس. وأعلن عباس إقالة حكومة هنية، وكلف سلام فياض بتشكيل حكومة جديدة، وأقال العديد من رؤساء الأجهزة الأمنية في قطاع غزة، وقام بما وصفه بتغييرات لإصلاح أجهزة الأمن الفلسطينية. ومنذ عام 2007، انقسمت الأجهزة الأمنية الفلسطينية إلى أجهزة تابعة لحركة فتح في الضفة الغربية، وأجهزة أمنية تابعة لحركة حماس في غزة. ومنذ عام 2007 تطورت الأجهزة الأمنية في قطاع غزة، وانضم العديد من عناصر فصائل "المقاومة" إلى القوة التنفيذية، التي توسعت وتم تحويل مسماها من القوة التنفيذية إلى جهاز الشرطة بالإضافة إلى استحداث أجهزة أمنية جديدة مثل جهاز الأمن الداخلي. وعقب قرابة 7 سنوات من الانقسام، وقعت الحركتان في 23 أبريل/ نيسان الماضي، على اتفاق، يقضي بإنهاء الانقسام الفلسطيني وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني بشكل متزامن. ويؤكد موسى أبو مرزوق، عضو المكتب السياسي لحركة "حماس"، أنّ لجنة أمنية فلسطينية عربية برئاسة مصر سيوكل إليها مهمة إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية وتوحيدها في الضفة الغربية وقطاع غزة بعد تشكيل حكومة التوافق الوطني. وأكد أن الأسلحة التي تركتها عناصر الأجهزة الأمنية في القطاع بعد أحداث الانقسام في يونيو/ حزيران 2007، ستبقى للأجهزة الأمنية ولن تذهب ملكيتها إلى حركة "حماس". ويرى "هاني المصري" المحلل السياسي، ومدير مركز مسارات لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية في رام الله (غير حكومي)، أنّ حكومة الوحدة تواجه تحديا كبيرا، يتمثل في "الملف الأمني"، وطبيعة الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية وقطاع غزة. وتوقع المصري في حديث لوكالة الأناضول أن تبقى الأجهزة الأمنية في الضفة وغزة كما هي دون تغيير، إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية. وأضاف:" يبدو أن الملف الأمني وهو السؤال الأصعب لن تتم الإجابة عليه في الوقت الحالي، كما أن استمرار الأجهزة الأمنيّة بوضعها الحالي وصفة للفشل، وانهيار اتفاق المصالحة، فالأجهزة الأمنية ستبقى خاضعة لسيطرة فصيل محدد، والمطلوب هذا الملف على طاولة الحوار الوطني، والشروع في تشكيل اللجنة الأمنيّة العليا لتقوم بمهامها الوطنية". ولم تقدم الحركتان أي إجابات واضحة لوسائل الإعلام، حول عمل الأجهزة الأمنية، وطبيعتها، لكن مصدر فلسطيني، مطلع، مقرب من حركة حماس، قال لوكالة الأناضول إن "حركتي فتح وحماس، اتفقتا على بقاء الأجهزة الأمنية في الضفة وغزة، كما هي". وأضاف المصدر الذي رفض الكشف عن هويته، أن "الحركتين اتفقتا على أن تبقى الأجهزة الأمنية في قطاع غزة، والتي تديرها حركة حماس، كما هي في هذه المرحلة". وتابع أنّ التعديل الوحيد في عمل الأجهزة الأمنية، في غزة، سيكون في عمل قوات "أمن الرئاسة" التابعة لعباس، في معبر رفح البري، حيث ستشرف عليه. وتشكل الرواتب والأجور لأعضاء الأجهزة الأمنية في السلطة الفلسطينية، والبالغ عددهم قرابة 65 ألف عنصر في الضفة الغربية وقطاع غزة، قرابة 75٪ من مجمل نفقات السلطة وفق بيانات لوزارة المالية في حكومة رام الله السابقة. وتتكفل السلطة الفلسطينية، في دفع رواتب نحو 160 ألف موظف في قطاع غزة والضفة الغربية بقيمة 140 مليون دولار وفق بيانات لوزارة المالية في حكومة رام الله السابقة. فيما كانت حكومة غزة السابقة تدفع، رواتب موظفيها والبالغ عددهم 42 ألف موظف (من بينهم 17 ألف موظف عسكري) بفاتورة شهرية تبلغ حوالي 37 مليون دولار شهريا وفق بيانات لوزارة المالية المقالة.