في حين يؤكد عاطف بوغطاس، محافظ القصرين (غرب تونس)، الذي يتبع جبل الشعانبي محافظته إداريا، أن الجبل سيفتح أمام العموم خلال الأيام القليلة القادمة، قال الناطق باسم وزارة الدفاع العميد توفيق الرحموني، لوسائل الإعلام إن توقيت فتح الجبل أمام الصحفيين والعموم لا يزال غير محدد. وأضاف الرحموني أنّه "رغم الهدوء المسجّل في الجبل فإن الجبل لا يزال منطقة عسكرية مغلقة"، وقد قطع هذا الهدوء انفجار لغم الجمعة الماضي مما أدى إلى مقتل عسكري وإصابة 5 آخرين. الأناضول ترصد في هذا تقرير "فلاش باك" (استرجاع للذكريات)، الرحلة التي عاشها جبل الشعانبي، حتى وصل إلى الهدوء النسبي الذي يعيشه اليوم، وتطورات الأحداث منذ ديسمبر/كانون الأول 2012. - هدوء ربيع 2014 : عاد الهدوء الى جبل الشعانبي في الأيام الأخيرة بعد عام من انفجار الألغام وأكثر من عام ونصف العام على انطلاق عمليات تتبع الإرهابيين في الجبل والجبال المجاورة له، وهو عام ونصف شهد سقوط ضحايا من المؤسسة الأمنية والعسكرية، وانفجار لألغام بكامل أنحاء الجبل. عودة الهدوء إلى جبل الشعانبي جسدها نشاط نظّمته محافظة القصرين، بزيارة فعاليات المجتمع المدني للبوابة الرئيسية للحديقة الوطنية للشعانبي، بعد أن أعادت السلطات التونسية فتح منطقة محمية جبل الشعانبي في 16 مايو/آيار الجاري أمام الجمهور عقب سيطرة الجيش على المنطقة التي كانت ملاذاً رئيسياً للجماعات الإرهابية، وهي المنطقة المدرجة لدى منظمة اليونسكو كمحمية للحيوانات البرية والغطاء النباتي. الهدوء الذي عرفته منطقة العمليات العسكريّة بالشعانبي رغم انفجار لغم في وجه ضابط بالجيش أثناء تفكيكه الأربعاء 14مايو/آيار الجاري جاء بعد زيارة الرئيس التونسي المنصف المرزوقي إلى منطقة العمليات العسكرية بجبل الشعانبي في السادس من نفس الشهر، ليطلع على ما أسماه الجيش التونسي "عملية استعادة جبل الشعانبي". خلال هذه الزيارة دعا المرزوقي من أسماهم "المغرّر بهم من الإرهابيين" إلي "الكف عن حربهم العبثيّة ضد بلادهم". خلال كلمته لم يعلن المرزوقي انتهاء العمليات العسكريّة ولا موعدا محدّدا لانتهائها، فيما قال الناطق باسم وزارة الدفاع، في تصريحات إعلامية، إن "العمليات العسكرية بجبل الشعانبي تتواصل طبقا للخطة العملياتية المقرّرة، وأنها تهدف إلى التصدي لكل محاولات الخروج، أو الدخول للعناصر الإرهابية داخل المنطقة العسكرية المغلقة". استعادة الجبل جاءت بعد عملية عسكرية واسعة لملاحقة الإرهابيين المتحصنين بالجبل شاركت فيها الوحدات العسكرية للجيش التونسي بجميع أصنافها (سلاح المدفعيّة / وسلاح الجو /وحدات الهندسة/ وحدات القوات الخاصة)، حيث توغل الجيش على محاور عديدة داخل الجبل وتم تدمير عدّة ألغام أو تفكيكها، إضافة إلى اكتشاف مخابئ لإرهابيين. هذه العمليات العسكرية مثلت تغييرا في استراتيجية الجيش التونسي في مواجهة الإرهاب خلال شهر أبريل/نيسان الماضي، بعد أن أصدر الرئيس التونسي قرارا في 11 أبريل/نيسان 2014 يقضي باعتبار جبل الشعانبي وجبال أخري قريبة مناطق عسكرية مغلقة. قرار المرزوقي وصفه مراقبون بالهام، وإن جاء متأخرا، فيما قالت مصادر عسكرية إن دواعي القرار يعود إلى تنامي نشاط الشبكات الإجرامية في تجارة الأسلحة والذخيرة والمخدرات وتهريب المواد الخطيرة وهو قرار، بحسب ذات المصادر، يدخل في إطار محاربة الإرهاب بعد استئناف التفجيرات في الفترة الأخيرة. انفجار الألغام المزروعة في مناطق واسعة من الجبل تزامن مع صدور القرار إذ انفجر لغمان في نفس اليوم (11أبريل/نيسان) وفي مناطق مختلفة مما أدى إلى إعطاب سيارة عسكرية وجرح سائق مدني وذلك بعد يومين من انفجار لغم آخر بالجهة الشمالية للجبل أسفر عن تدمير ناقلة جند. ورغم غياب الخسائر البشرية فإن عودة التفجيرات بهذا الشكل طرح أكثر من سؤال وقتها عن مدى نجاعة الخطة العسكرية في الحرب على المجموعات المسلحة داخل جبل الشعانبي، خاصة أن عودة الانفجارات جاءت بعد فترة من الهدوء الطويلة نسبيا ميّزت شهر مارس/آذار 2014. وسبق شهر مارس/آذار انفجار لغم في 19 فبراير/شباط الماضي إثر مرور مجنزرة عسكرية، دون أن يخلف خسائر بشرية، وقالت مصادر عسكرية، في حينه، إن بقايا ألغام زرعتها المجموعات الإرهابية سابقا تنفجر من حين لآخر. طوال الأشهر السابقة لشهر فبراير/شباط 2014 واصلت وحدات الجيش التونسي قصفها لمواقع مفترضة لإرهابيين حتى تحول دوي القصف إلى خبز يومي للمناطق القريبة، بينما تكفلت الوحدات الأمنية في رواد (ضواحي العاصمة) بالقضاء على مجموعة متحصنة بمنزل في 4 فبراير/شباط 2014، تبيّن فيما بعد حسب وزارة الداخلية أن من بينهم متورطين في الأحداث الإرهابية بجبل الشعانبي. من جبل الشعانبي مسرح العمليات إلى ضواحي العاصمة، ولمدة أكثر من شهر، قالت مصادر أمنية وعسكرية إن الإرهابيين استفادوا من اضطرابات أمنية عرفتها محافظة القصرين وبعض المناطق التابعة في بداية شهر يناير/كانون الثاني من السنة الجارية. وأصدرت وزارة الداخلية بيانا قالت فيه إن جزائريا معروف باسم "لقمان أبوصخر" متورط في الأحداث الإرهابية قد تمكن من التسلل إلى القصرين، ولم تمر سوى أيام حتى أعلنت مصادر إعلامية عن تعيين أبو صخر واسمه "خالد الشايب"، أميرا "لأنصار الشريعة"، ومجموعة الشعانبي، بديلا للتونسي أبو عياض واسمه "سيف الله بن حسين". - 2013 النشاط الأكبر للمسلحين تسلل الإرهابيين خارج جبل الشعانبي أو إليه هو الذي يفسر انفجار الألغام من حين لأخر في مناطق تمّ تمشيطها سابقا، ففي 2 ديسمبر/كانون الثاني 2013 قتل ضابط بالجيش الوطني في انفجار لغم بمنطقة العمليات بالشعانبي، فيما انفجر أكثر من لغم بسفوح جبل الشعانبي (أيام 18/19/20 نوفمبر/تشرين الثاني 20113)، ولكن هذه المرة في قطيع أغنام وإحدى السيدات التي دخلت الجبل بحثا عن الحطب. الجيش التونسي الذي يرابط منذ أشهر على سفوح جبل الشعانبي والجبال المحاذية له يقوم بعمليات قصف متواصلة في محاولة لتضييق الخناق على المجموعات المتحصنة بالجبل بينما شهدت البلاد عمليات إرهابية بعيدا عن الجبل، ففي أكتوبر/تشرين الأول 2013 وقعت عملية قبلاط، شمالي البلاد، قتل فيها رجل من الحرس الوطني (التابع للشرطة)، وعملية سيدي علي بن عون بسيدي بوزيد، وسط البلاد، قتل فيها 6 من الحرس الوطني. العملية العسكرية التي بدأها الجيش التونسي، في يوليو/تموز2013 بجبل الشعانبي جاءت ردا على ما وصف وقتها بالعملية الإرهابية الأكثر دموية التي استهدفت الجيش التونسي في 29 من نفس الشهر، بعد تعرض دورية للجيش الى كمين نصبته مجموعة من الإرهابيين انتهت بمقتل 8 جنود والتنكيل بجثثهم والاستحواذ على لباسهم ومؤونتهم وتجهيزات عسكرية وأسلحة. رد الجيش كان بعملية عسكرية واسعة وبقصف جوي ومدفعي حول الجبل إلى كتلة من نار، ولم يستثن الجيش الجبال المجاورة، فيما قال الجيش إن ألغاما انفجرت بسبب القصف وتحدث وسائل إعلام محلية أن القضاء على المجموعات الإرهابية مسألة أيام وهو أمر بدا اليوم أنه كان تفاؤلا كبير جدا. وفي حين قالت وزارة الداخلية حينها إنها ألقت القبض على أكثر من 40 شخصا متورّطا في أحداث الشعانبي، استمرت العملية أشهر دون أن يتمكن الجيش من السيطرة البرية على جبل الشعانبي. عملية قتل الجنود في جبل الشعانبي، جاءت بعد فترة من الهدوء قال الجيش إنه تمكن من تطهير جبل الشعانبي من الألغام ففي شهر يونيو/حزيران من سنة 2013 تواصل انفجار الألغام بجبل الشعانبي مخلفا خسائر في صفوف عناصر الجيش الوطني وإصابات في صفوف المدنيين حيث انفجر لغم في 12 من نفس الشهر حوّل قطيعا من الأغنام إلى أشلاء و انفجر لغم في سيارة عسكرية يوم 6 يونيو/حزيران خلف قتيلان وجرح آخرين، أياما قبلها قتل ضابط برصاص زملائه على وجه الخطإ. الألغام المزروعة والتي بدأت في الانفجار منذ أكثر من شهر خلفت خلال شهر مايو/آيار أكثر من 18 جريحا ومصابا من أفراد قوات الجيش والحرس، سيقان مبتورة وأعين طمست فيما قالت النقابات الأمنية أن عمليات التمشيط داخل جبل الشعانبي هي عملية مطاردة للأشباح إذ تنفجر الألغام في مناطق تم تمشيطها سابقا الألغام التي مثلت مفاجأة نهاية شهر أبريل/نيسان 2012 حيث انفجر لغم في 29 من الشهر تسبب في بتر ساق عون حرس وإصابة آخر مما أفقده عينه جاءت بعد فترة طويلة من عمليات التمشيط التي بدأتها قوات الحرس الوطني منذ أشهر. - هل تنتهي معركة مستمرة منذ ديسمبر/كانون الأول 2012 وكانت عمليات تمشيط الشعانبي بدأت عندما قُتِل ضابط في الحرس الوطني يوم 10ديسمبر/كانون الثاني 2012 في مواجهة مع مجموعة بجبل درناية القريب من قرية بوشبكة الواقعة على الحدود الجزائرية، غربي البلاد، بعد اكتشاف وحدات الحرس معسكرا للتدريب، فيما قالت وزارة الداخلية إن المجموعة تنتمي لكتيبة عقبة بن نافع، التابعة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. الكتيبة التي ستكون المسؤولة لاحقا عن كل العمليات الإرهابية في الشعانبي، وفقا لمصادر أمنية وعسكرية. عام ونصف العام على بدء أحداث الشعانبي اهتز فيها الجبل بألغامه التي أصبح عدّها أمرا صعبا، ألغام زرعتها مجموعات لم تعلن أبدا عن نفسها وتبرّأ من زرعها كل المتهمين من أنصار الشريعة بتونس، وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، فيما خلفت هذه الأحداث عشرات الضحايا من الجيش والأمن بين قتلى ومصابين. وإن عاد الهدوء إلى الجبل فهو الهدوء – ربما - الذي يسبق العاصفة، ما لم تعلن المؤسسة العسكرية عن انتهاء العمليات، أم أن الستار سيسدل على زمن تحول فيه الجبل إلى وكر "للإرهابيين" ويعود له الرعاة والحطابون والمتنزهون لا يخشون اهتزاز الأرض تحت أقدامهم ولا يسمعون صوت الألغام ودوي المدافع الثقيلة.