تسعى ميليشيات الأنتي بالاكا المسيحية إلى إقحام رأسها في اللعبة السياسية الجديدة في إفريقيا الوسطى، في مسعى يبدو ظاهرا إالهدف منه إحلال السلام من جهة وباطنا التنصل من التتبعات الجنائية جراء ما اقترفته ضد السكان المسلمين من خلال "الحصانة" السياسية. وبين هذه الرغبة وتلك يختل المشهد السياسي في إفريقيا الوسطى. وشهدت آخر جلسة عامة لحركة الأنتي بالاكا، الخميس الماضي تعيين "سيباستيان وينيزوي" كمنسق عام جديد للأنتي بالاكا. الاجتماع كان أيضا مناسبة للأنتي بالاكا لبعث رسائل الدعم للحكومة الانتقالية وللدعوة إلى المصالحة، ما يعد تحولا جذريا في المواقف بالنظر إلى أعمال العنف و الانتهاكات التي اقترفتها الأنتي بالاكا ضد المسلمين طيلة عدة أشهر. ويحاول قادة اللأنتي بالاكا من العسكريين والسياسيين حاليا محو ذكرى المجازر الوحشية ومشاهد تسلح شبان مسيحيين بالمديات و بالأسلحة النارية متعهدين بإبادة المسلمين إلى آخر نفر منهم. مشاهد من قبيل شبان الميليشيا المسيحية وهم يجوبون شوارع العاصمة بانغي حاملين بكل فخر ذراعا أو فخذا اقتطعت للتو من جثة احد المسلمين المقتولين حديثا، تريد الأنتي بالاكا محوها بجرة قلم. رحلة البحث عن الاحترام هذه تأتي على خلفية الوقائع الجديدة على الأرض حيث فرضت مرحلة العمل السياسي مؤخرا نفسها على الجميع في إفريقيا الوسطى. وعلى الرغم من الانتقادات اللاذعة التي وجهت إليها بشأن عدم قدرتها على السيطرة على الأوضاع، فإن الحكومة الانتقالية بدأ يشتد عودها شيئاً فشيئاً بفضل دعم المجموعة الدولية لها، وخصوصا من منظمة الاممالمتحدة والإتحاد الإفريقي وفرنسا. في غمار ذلك، أخذت الرئيس الانتقالية "كاترين سامبا بانزا" بزمام الأمور عندما أعلنت يوم 6 مايو/أيار الماضي عزمها إجراء تعديل وزاري تصير الحكومة بموجبه أكثر تمثيلا بإشراك كافة جهات البلاد والقوى السياسية على الأرض. في الحين، تحقق الوعي لدى قادة حركة الأنتي بالاكا، بجميع تلك المتغيرات، فبادرت إلى فرض انضباط داخل صفوفها والقيام بإصلاحات هيكلية كتعيين مسؤولين من المفترض أنهم يفرضون الاحترام حتى يتمكنوا من أخذ مكان لهم على مائدة الحوار السياسي. دوناً عن ذلك، لن يكون على الأنتي بالاكا غير الانسحاب في هدوء من الباب الصغير في محاولة لتفادي التتبعات الجنائية ضدهم الآتية لا محالة بالنظر إلى استعداد بعض المؤسسات الوطنية والدولية لإصدارها بحقهم. ليس هناك خيارات أخرى، خصوصا منذ أن أعد مجلس أمن الأممالمتحدة في 9مايو/أيار الماضي قائمة بالعقوبات بشأن أهم قيادي الأنتي بالاكا، الرئيس السابق فرانسوا بوزيزي بالخصوص الذي أطيح به في مارس/آذار 2013 و "ليفي ياكيتي" أحد أبرز المسؤولين عن الانتدابات في صفوف الميليشيا. في الأثناء، يقبع "باتريس نغيسونا" الذي يقدم نفسه كمنسق عام للأنتي بالاكا تحت الرقابة القانونية للعدالة في إفريقيا الوسطى لضلوعه في قضية اختلاس أموال في فترة حكم الرئيس "بوزيزي". وخلال اجتماع الجلسة العامة الخميس الماضي، اعترف وزير الشباب والرياضة "ليوبول بارا" الذي ينظر إليه كممثل حالي للأنتي بالاكا في صلب الحكومة، بواقع موازين القوى على الأرض: "إذا ما حاول بوزيزي استرجاع الحكم، لن تتوانى السيليكا عن الوقوف في وجهه، حينذاك لن تقوى الأنتي بالاكا على رد الفعل (لاختلال موازين القوى)". في ذات السياق، قال "ريموند مانغا" المتحدث بإسم فصيل الأنتي بالاكا في منطقة "يالوكي" (جنوب غربي إفريقيا الوسطى) والموالي ل "نغيسونا" (لجنة تحرير شعب إفريقيا الوسطى أن:" الأنتي بالاكا وقع تشكيلها إثر انتفاضة شعبية ضد قمع السيليكا، وبمساعدة الجيش النظامي والرعاية الإلهية، تمكن المدنيون من التخلص من السيليكا، عند ذلك تمكن الشعب من التحرر ووقع الإطاحة بدجوتوديا والعودة إلى الشرعية الدستورية، الوقت حان الآن لصناعة مستقبل مغاير للحركة" بحسب رأيه. وأضاف: "الأنتي بالاكا، انتفضوا ليقولوا لا في وجه الغزو المسلم والأجنبي. الآن، حان الوقت للانكباب على التنمية، ينبغي علينا مساعدة السيدة الرئيسة والحكومة الانتقالية. عناصر أنتي بالاكا منطقة يالوكي يتحولون إلى مقاتلين وطنيين لأجل التنمية". وعادت مجموعة المدنيين التي كانت عززت صفوف الانتي بالاكا إلى نشاطها الاعتيادي: البحث عن الذهب أو ممارسة الأنشطة الزراعية. هي عودة إلى أوضاع طبيعية نسبية، تفسر توقف أعمال النهب على الطرقات التي تبدو اليوم خالية. في الآن ذاته، يطمح البعض الآخر إلى جني ثمار الصراع السياسي. وعن ذلك قال "وينزوي": "بعض ممن يعانون الخصاصة يقدمون أنفسهم كأنتي بالاكا على أمل الحصول على مزايا إعادة الإدماج الاجتماعي". فالقاعدة الشبابية الكبيرة تمثل منجما حقيقيا للسياسيين الذين يسعون إلى تحفيز أطماع هؤلاء الشبان بخصوص المزايا الاقتصادية في سبيل مطامحهم السياسية دون أن يأبهوا إلى مخاطر إصابة هؤلاء بخيبة أمل ومن ثم الانقلاب عليهم". وعلى الرغم من "الهالة" التي اكتسبها عبر ممارسته للعنف على نطاق واسع، يبقى تنظيم الأنتي بالاكا تنظيما هشا. ويعود ذلك بالساس إلى حيثيات تكوين هذه الحركة ذاتها الذي اتسم بعفوية القرووين المشكلين لصفوفه. كما يتسم التنظيم بانقسام بين فصيلين على أساس جهوي ، بين جناح "جنوب غربي" تتميز مواقفه بالاعتدال وجناح "شمالي" يعرف عنه قربه من "فرانسوا بوزيزي"، ينتمي إلى المجموعة العرقية ال "غبايا" ويبدو أكثر راديكالية. في الظرف الراهن الذي ياخذ فيه العمل السياسي الأسبقية على العمل العسكري، بدأ الانقسام بين مقاتلي الأمس وأصحاب الطموح الذين يسعون استخدام الأنتي بالاكا للمشاركة في السباق نحو الحكم، سائراً بثبات نحو إضعاف الحركة أكثر فأكثر. في المقابل تكمن قوة الأنتي بالاكا في الدعم الشعبي الذي تلقاه بحكم التفوق الديمغرافي للمسيحيين في إفريقيا الوسطى. فضلا عن ذلك، قامت الحركة بترسيخ فكرة أن عودة السلام مرتبطة بمغادرة السكان المسلمين الذين تتهمهم بارتباط مصالحهم بأطراف خارجية وبإشاعة الفوضى في البلاد. الانتي بالاكا حققوا في هذا المجال انتصارا، قد يؤثر على اللعبة السياسية في إفريقيا الوسطى بطريقة دائمة. ترجمة - مهدي بن رجب