وزير الصحة: العزوف عن مهنة الطب عالميا.. وهجرة الأطباء ليست في مصر فقط    محمود محيي الدين: الأوضاع غاية في التعاسة وزيادة تنافسية البلاد النامية هي الحل    ارتفاع جديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    الطيران المسيّر الإسرائيلي يستهدف دراجة نارية في قضاء صور جنوب لبنان    بايدن: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية    فرنسا: ندعم المحكمة الجنائية الدولية واستقلالها ومكافحة الإفلات من العقاب    «بلاش انت».. مدحت شلبي يسخر من موديست بسبب علي معلول    هل يرحل زيزو عن الزمالك بعد التتويج بالكونفدرالية؟ حسين لبيب يجيب    «بيتهان وهو بيبطل».. تعليق ناري من نجم الزمالك السابق على انتقادات الجماهير ل شيكابالا    منافسة أوبن أيه آي وجوجل في مجال الذكاء الاصطناعي    اعرف موعد نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 محافظة المنيا    أحمد حلمي يغازل منى زكي برومانسية طريفة.. ماذا فعل؟    «في حاجة مش صح».. يوسف الحسيني يعلق على تنبؤات ليلى عبداللطيف (فيديو)    وزير الصحة: القطاع الخاص قادر على إدارة المنشآت الصحية بشكل اكثر كفاءة    الأنبا إرميا يرد على «تكوين»: نرفض إنكار السنة المشرفة    دونجا: سعيد باللقب الأول لي مع الزمالك.. وأتمنى تتويج الأهلي بدوري الأبطال    وزيرة التعاون الدولي تُشارك في فعاليات المؤتمر الإقليمي للطاقة من أجل المرأة    مندوب مصر بالأمم المتحدة: العملية العسكرية في رفح الفلسطينية مرفوضة    سائق توك توك ينهي حياة صاحب شركة بسبب حادث تصادم في الهرم    واشنطن: نرفض مساواة المحكمة الجنائية الدولية بين إسرائيل وحماس    خط ملاحى جديد بين ميناء الإسكندرية وإيطاليا.. تفاصيل    مبدعات تحت القصف.. مهرجان إيزيس: إلقاء الضوء حول تأثير الحروب على النساء من خلال الفن    مصطفى أبوزيد: احتياطات مصر النقدية وصلت إلى أكثر 45 مليار دولار فى 2018    7 مسلسلات وفيلم حصيلة أعمال سمير غانم مع ابنتيه دنيا وايمي    الخميس آخر يوم فى الموجة شديدة الحرارة.. الأرصاد تبشر المواطنين    «سلومة» يعقد اجتماعًا مع مسئولي الملاعب لسرعة الانتهاء من أعمال الصيانة    اتحاد منتجي الدواجن: السوق محكمة والسعر يحدده العرض والطلب    التصريح بدفن جثمان طفل صدمته سيارة نقل بكرداسة    الاحتلال يعتقل الأسيرة المحررة "ياسمين تيسير" من قرية الجلمة شمال جنين    وكيل "صحة مطروح" يزور وحدة فوكة ويحيل المتغيبين للتحقيق    إصابة شخصين في حريق شب بمزرعة بالفيوم    «الداخلية»: ضبط متهم بإدارة كيان تعليمي وهمي بقصد النصب على المواطنين في الإسكندرية    ميدو: غيرت مستقبل حسام غالي من آرسنال ل توتنهام    وزير الرياضة يهنئ منتخب مصر بتأهله إلي دور الثمانية بالبطولة الأفريقية للساق الواحدة    طبيب الزمالك: إصابة أحمد حمدي بالرباط الصليبي؟ أمر وارد    الدوري الإيطالي.. حفل أهداف في تعادل بولونيا ويوفنتوس    "رياضة النواب" تطالب بحل إشكالية عدم إشهار22 نادي شعبي بالإسكندرية    بعد ارتفاعها ل800 جنيها.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي «عادي ومستعجل» الجديدة    موعد عيد الأضحى 2024 في مصر ورسائل قصيرة للتهنئة عند قدومه    دعاء في جوف الليل: اللهم ابسط علينا من بركتك ورحمتك وجميل رزقك    وزير الصحة: 5600 مولود يوميًا ونحو 4 مواليد كل دقيقة في مصر    بوتين: مجمع الوقود والطاقة الروسي يتطور ويلبي احتياجات البلاد رغم العقوبات    إيران تحدد موعد انتخاب خليفة «رئيسي»    إجازة كبيرة رسمية.. عدد أيام عطلة عيد الأضحى 2024 ووقفة عرفات لموظفين القطاع العام والخاص    كيف أثرت الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد العالمي؟.. مصطفى أبوزيد يجيب    أطعمة ومشروبات ينصح بتناولها خلال ارتفاع درجات الحرارة    على باب الوزير    متى تنتهي الموجة الحارة؟ الأرصاد الجوية تُجيب وتكشف حالة الطقس اليوم الثلاثاء    سعر الدولار والريال السعودي مقابل الجنيه والعملات العربية والأجنبية اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024    حظك اليوم برج الميزان الثلاثاء 21-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    بدون فرن.. طريقة تحضير كيكة الطاسة    تكريم نيللي كريم ومدحت العدل وطه دسوقي من الهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية    وزير العدل: رحيل فتحي سرور خسارة فادحة لمصر (فيديو وصور)    مدبولي: الجامعات التكنولوجية تربط الدراسة بالتدريب والتأهيل وفق متطلبات سوق العمل    تأكيداً لانفرادنا.. «الشئون الإسلامية» تقرر إعداد موسوعة مصرية للسنة    الإفتاء توضح حكم سرقة الأفكار والإبداع    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    وكيل وزارة بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذى الحجة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استحضار «السّياب» فى ذكراه الخمسين
نشر في محيط يوم 11 - 05 - 2014

تلبية لدعوة من معرض أبوظبى الدولى للكتاب، أتيحت لى المشاركة فى إحدى ندواته الرئيسية، عن الشاعر العراقى الكبير بدر شاكر السياب فى مناسبة ذكراه الخمسين التى تحين فى هذا العام، وبالتحديد فى الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر. قام بتنظيم الندوة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات بعد إعلان المكتب الدائم لاتحاد الكتاب العرب عام 2014 عامًا للسياب. وكان جميلاً ومؤثرًا أن ألتقى من خلال الندوة بابن السياب «غيلان» الذى درس فى أمريكا، وعاد منها مهندسًا يعمل فى شركة أرامكو بالسعودية.
كان اسم «غيلان» الذى تردد فى عدد من قصائد أبيه السياب، مدعاة لتساؤل قرائه عنه، حتى أدركوا أنه الاسم الحقيقى للشاعر « ذى الرمة» الذى عشق البادية وسجل مشاهدها وظواهرها وحيواناتها فى صور حية نادرة المثال بديعة التصوير، وارتبط اسمه بمحبوبته «مية». وقد ولد وعاش فى ختام القرن السابع وأوائل القرن الثامن الميلادي. ويبدو أن إعجاب السياب بهذا الشاعر القديم وشعره كان سببًا فى تسمية ابنه الأكبر به، وقد توفى السياب وابنه غيلان فى السابعة من عمره.
أعود إلى ندوة أبو ظبى عن السياب، وقد كانت حافلة بالذكريات البعيدة التى جمعتنى بالسياب حين جاء إلى الكويت فى ختام رحلة علاجه بعد أن طاف بلندن ودَرمْ وباريس وبيروت والبصرة، قبل أن تستضيفه الكويت فى مستشفاها الأميرى فى منتصف عام 1964 للعلاج مما أصيب به من شلل كامل. كنا ثلاثة ننتظره فى الموعد المحدد لوصوله إلى مطار الكويت: الشاعر الكويتى على السبتى والناقد الفلسطينى ناجى علوش وأنا. وحين صعدنا إلى سلم الطائرة كان جالسًا فى انتظار أن يحمله أحد. وحين حملته من رأسه - ويبدو أنى كنت مبالغًا فى الإمساك به - قال فى لهجة مرحة: حافظ على رأسى يا فاروق، إنه العضو الوحيد الحيّ فى جسدي. وفى المستشفى تحولت غرفة بدر صباحًا ومساء إلى صالون أدبي، بالرغم من أن حالته الصحية كانت فى تدهور وقروح جسمه - نتيجة لرقاده الدائم - تتزايد، وإحساس زواره أن مرضه العضال الذى أصيب به منذ عام 1960 سيقضى عليه فى النهاية، بعد أن طاف بمستشفى الجامعة الأمريكية فى بيروت، ثم فى إنجلترا، وكان دخول المستشفى الأميرى فى الكويت بتاريخ السادس من يوليو عام 1964، حيث قضى ما يقارب ستة أشهر، وانتكست حالته الصحية عدة مرات، حتى كانت وفاته فى الرابع والعشرين من ديسمبر عام 1964م.
كان صالون بدر فى مستشفى الكويت الأميرى يتوهَّج عندما يبدأ فى الكلام متحدثًا عن مكوناته الأولى فى كلية دار المعلمين حيث كان تعرّفه بالشاعرة العراقية الكبيرة نازك الملائكة، واتفاقهما على إصدار ديوان مشترك، لكنه لم يصدر. ونجح فى إصدار ديوانه الأول « أزهار ذابلة» فى القاهرة بواسطة بعض أصدقائه فى خريف عام 1947، ولم يوفَّق فى إصدار قصيدته المكونة من ألف بيت التى أرسلها إلى الشاعر على محمود طه لكتابة مقدمة لها، ويبدو أنها ضاعت عنده، وفقدها السياب إلى الأبد. كنت أقضى عامًا فى الكويت خبيرًا فى إذاعتها لتدريب مذيعيها، وتزويد القسم الأدبى فيها بعدد جديد من البرامج الثقافية. وكان شباب الكويت المتطلع إلى الالتحاق بالجامعة التى كانت فى طور الإنشاء، بكل ما لديهم من موهبة واستعداد فطرى وطموح كبير، هم دعامة ما تحقق فى إذاعة الكويت من تطوير وازدهار، وكان مجيء السياب إلى الكويت فى منتصف هذا العام الوحيد الذى عشته بعيدًا عن الوطن بمثابة منعطف كبير فى حياتى شعريًّا وأدبيًّا وفكريًّا، كما كان صالونه مناسبة لكى نسمع فى الصباح ما أبدعه فى الليل من شعر يمليه على ممرضته التى تكتبه بخطها غير الواضح وأخطائها الإملائية، لكى نعيد تصويبه وحفظه لديه. ولم تكن تمر ليلة على السياب وهو أسير غرفته فى المستشفي، يرى نفسه وحيدًا مسكونًا بالهواجس والأشباح وصور الجن، إلا وهو يواجه احتمال الموت ويتحداه بالمزيد من شعره، وحكاياته، وروايته لشعر شعراء الرومانسية الإنجليز الذين أعجب بهم وترجم العديد من قصائدهم، وأهداهم كثيرًا من مقطوعاته وفى مقدمتهم: وردزورث وكيتس و إديث سيتْويل وستيفن إسبندر وشيلي.
وتحدث «غيلان» عن مختزنات ذاكرته فى الطفولة عن أبيه الأب والإنسان، وكيف كان دائمًا مبتسمًا ومرحًا حتى عندما دخل مرضه مرحلة حرجة، ولم يكن يتبرَّم؛ بل ظل مليئًا بالحيوية. كما حكى عن قدرة أبيه على تأليف القصص، وكانت موهبته هذه تشمل ما حوله من الأماكن ومن حوله من الأشخاص، وحتى نوعيات الطعام. كما فسّر كتابة عدد من القصائد تدور حوله بالذات، بأنه كان الأقرب إلى قلب أبيه، وأنه رافقه فى رحلة علاجه عندما قصد بيروت. وقال إنه لم يبق من كل مقتنيات أبيه إلا قلم، وإن معظم الصحفيين ومُدّعى الكتابة الذين مرّوا ببيت السياب بعد وفاته نهبوا العديد من المخطوطات والمقتنيات التى لم يعيدوها، حتى التسجيلات الصوتية التى كانت بصوته فى إذاعة بيروت لم يعد لها وجود. وكان لحرب العراق تأثير كبير فى نهب كثير من أوراق السياب وضياعها.
يبقى أن الاحتفال بخمسينية السياب فى أبوظبى أو فى أى مكان آخر من عالمنا العربي، هو تأكيد لحضور السياب بوصفه فى طليعة رواد حركة الشعر الجديد أو الشعر الحر، وأن عروبة شعره ورصانتها قد أقامت جسرًا لسدّ الفجوة بين قصيدة الشعر العمودى - بكل شموخها وجلالها - وقصيدة الشعر الحر، التى نفخ فيها من روحه الشعرية، وتحدّى بها بنيان القصيدة العمودية، فجاءت قصيدته الجديدة حاملة لعمود الشعر الحر، الذى يتوقف أمامه قارئه حتى الآن بكل الإعجاب والدهشة والانبهار فى قصائده الباذخة مثل: أنشودة المطر، وغريب على الخليج، وملحمته عن بورسعيد، وأيوبياته فى المرحلة الأخيرة من رحلته الشعرية، ومن رؤيا فوكاي، وفى المغرب العربي، والمومس العمياء، ومرثية الآلهة وغيرها من روائعه. يقول فى مستهل «أنشودة المطر» التى أبدعها وهو فى الكويت عام 1954 مبعد عن وطنه العراق، يتطلع إليه عبر أمواج الخليج العربي، ويتابع جهاد الملاحين وصيادى اللؤلؤ والذين يشعرون أنه لم يمر عام على العراق إلا وفيه جوع:
عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السَّحرْ
أو شرفتانِ راح ينأى عنهما القمرْ
عيناكِ حين تبسمان تُورق الكروم
وترقصُ الأضواءُ كالأقمار فى نَهرْ
يرجُّه المجذاف وهْنًا ساعة السّحَرْ
كأنما تنبضُ فى غوريْهما النجومْ!
ولسوف تبقى القصيدة السيّابية، الغنية بعروبتها الأصيلة، البعيدة عن الهجنة والغرابة وشبهة الترجمة، وحسّها الوطنى والقومى والإنساني، علامة فارقة فى ديوان الشعر الحرّ أو الجديد كله، تحتلُّ منه موضع الصدارة والتفرُّد، وتحظى بالمكانة اللائقة بها، ريادة شجاعة، وإبداعًا دائم القدرة على التجدُّد والحياة.
نقلا عن " الاهرام" المصرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.