تبقى "بروفة" جلسات انتخاب رئيس لبناني جديد من قبل البرلمان عقيمة بانتظار "كلمة سر اقليمية" لم يسمعها أي من الفرقاء اللبنانيين بعد، ما يعني أن مصير الرئاسة اللبنانية سيبقى معلقاً على وقع "المواجهة" الإيرانية – السعودية في المنطقة، حيث يبقى العامل الإقليمي هو اللاعب "الأقوى" الذي سيجعل من جلسة اليوم الثانية للانتخابات الرئاسية من دون جدوى. وأكد مصدر مطلع في حزب "الكتائب"، المنضوية ضمن فريق "14 آذار" الداعم للثورة السورية، لوكالة "الاناضول"، أن "لا كلمة سر اقليمية حتى الآن"، مستبعدا انعقاد الجلسة التي دعا اليها رئيس البرلمان نبيه بري لانتخاب رئيس جديد في دورة ثانية بعد فشل النواب الأسبوع الماضي من تأمين الفوز لأي مرشح. وأوضح المصدر أن "العامل الاقليمي، ونقصد به السعودي-الايراني، يخوض مواجهات وتسويات على اكثر من جبهة ابتداء من الانتخابات العامة في العراق الى الانتخابات الرئاسية في سوريا وصولاً الى لبنان"، مشيراً بشكل ساخر الى أن الدولتين الاقليميتين الابرز "ليستا معنيتين بالتأكيد بالمهل الدستورية اللبنانية" التي تقضي بانتخاب خلف للرئيس الحالي ميشال سليمان قبل انتهاء ولايته في 25 أيار/مايو المقبل. ورأى أنه عند حصول "اي تسوية ايرانية – سعودية" على حساب زعيم التيار الوطني الحر وحليف حزب الله النائب ميشال عون، الذي يطرح نفسه كمرشح توافقي، فإن رئيس المجلس النيابي "يمكنه ان يؤمن نصاب الثلثين برضى حزب الله ومن دون حضور نواب الحزب". وشدد على أن الاتفاقات التي حصلت في وقت سابق بين زعيم تيار المستقبل سعد الحريري وممثل التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل "لم تشمل الملف الرئاسي"، لكن اعتقاد انصار عون بأن هذا التقارب يؤسس لان ينتخب تيار المستقبل عون رئيساً هو "رهن بكلمة سر سعوديةلم تتوفر بعد"، الا انه استدرك قائلا "برأيي، فإن الحريري يستحيل ان ينتخب عون حتى لو ارادت السعودية ذلك". وفشل النواب اللبنانيون خلال الدورة الاولى من التصويت الاربعاء الماضي في انتخاب خلف للرئيس سليمان، حيث حصل رئيس حزب "القوات اللبنانية"، وهو مرشح "قوى 14 آذار"، على 48 صوتاً، مقابل 16 صوتاً للنائب هنري حلو، وهو مرشح الزعيم الدرزي وليد جنبلاط والكتلة الوسطية، بينما اختارت "قوى 8 آذار" الداعمة لنظام الرئيس بشار الاسد التصويت بورقة بيضاء. من جهته، أكد النائب في قوى "14 آذار" مروان حمادة ل "الاناضول"، أن "العامل الاقليمي أقوى من الدولي" في الانتخابات الرئاسية اللبنانية، مشيراً إلى أن اللبنانيين "ليسوا من أولويات الولاياتالمتحدة بل إسرائيل، وكذلك المواجهة مع روسيا في القرم". ورأى حمادة أن "الدول الاقليمية تتحرك حالياً على وقع حلفائها اللبنانيين، والقوى اللبنانية تتذرع بالجو الاقليمي المعقّد نتيجة تشنّج سوري-ايراني قوي في مواجهة السعودية التي تعتبر ان هناك معركة ضدها في اليمن والبحرين والمنطقة الشرقية وقطر وكذلك عبر الديبلوماسية العمانية". وقال "نريد ونسعى لانتخابات لبنانية، لا انتخابات بالدم على الطريقة العراقية ولا انتخابات ابادة على الطريقة السورية"، معتبراً أن اي محاولة لتأخير الانتخابات الرئاسية اللبنانية لما بعد السورية من قبل النظام السوري هي "فكرة سخيفة تنم عن انانية آل الاسد الذين بعدما فقدوا القدرة على فرض مرشحيهم (في لبنان) يريدون اضعف الايمان وهو التأثير ولو من خلال التأجيل". واوضح حمادة أن التوافق الاقليمي، الذي ادى الى تشكيل حكومة جديدة برئاسة تمام سلام منتصف شهر شباط/فبراير الماضي بعد 11 شهرا على استقالة حكومة نجيب ميقاتي، "ليس بالضرورة ان ينسحب على انتخابات الرئاسة"، معتبراً أن هذا التوافق "اوجد الحكومة لتكون بوليصة تامين ضد الفراغ الرئاسي المتوقع". ولفت إلى أنه "مع هذه الحكومة تخف الحوافز الدافعة باتجاه اجراء انتخابات رئاسية". وفي هذا السياق، أشار ناصر ظافر، أمين السر العام في الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يرأسه جنبلاط، إلى أن "مهمتنا ان نبقي العامل الداخلي هو الاقوى والأكثر حضوراً"، معتبراً أن الجلسة الاولة لانتخاب رئيس الجمهورية الاربعاء الماضي أظهرت "حيوية داخلية في السياسة اللبنانية". لكن ظافر أقر في الوقت نفسه ل "الاناضول" بأنه من "باب الواقعية السياسية نقول ان العامل الخارجي حين يتعلق بالاستحقاق الرئاسي فهو لا يركز على شخص الرئيس بل يتمثل بالاصرار على اجراء الاستحقاق في مواعيده الدستورية". وشدد على أن الاتفاق الداخلي بين اللبنانيين "ليس مستحيلا لكنه صعب ويحتاج الى تواصل سياسي وتحالفات جديدة" بين الكتل النيابية. ولفت إلى أنه حين يتعلق الامر بالسياسة "فكل شيء ممكن حتى غير المتوقع"، موضحاً أنه على الرغم من أن فريقه يدعم ترشيح حلو للرئاسة، فإنه لو حصل "اتفاق كبير" على مرشح رئاسي توافقي فهذا "سيكون معطى سياسيا جديدا وسنتعامل معه بواقعية". وشدد ظافر على أن مهلة انتخاب رئيس جديد تنتهي في 25 ايار/مايو المقبل، وهذه هي الضمانة لتجنيب البلد الفراغ وتحصينه، محذراً من ان اي "رهان" للبعض على الفراغ من اجل تحسين فرصه الانتخابية هو رهان خاسر لان "ما من احد يضمن نهايات الفراغ الذي ان حصل سيكون ضد مصلحة الجميع". وفي هذا الاطار، رأى المصدر الكتائبي أنه بالنسبة ل "8 آذار" فالخيارات هي "اما عون او الفراغ ولن يقبلوا باي مرشح وسطي او مقبول حتى لو كان الرئيس (الاسبق) امين الجميل"، مشيراً إلى أن عون "يراهن على ان الفراغ لمصلحته وهذا تكرار من قبله للخطأ المميت الذي ارتكبه في العام 1988". وكان يشير الى عدم التزام عون بعد تعيينه رئيسا لحكومة انتقالية في ذاك العام بالدعوة لانتخاب خلف للجميل في حينه، الامر الذي عده خصومه تعمدا لابقاء البلاد في فراغ رئاسي حتى تنضج ظروف انتخاب عون نفسه. ولفت المصدر إلى أنه "من الممكن ان نشهد فراغاً رئاسياً حتى ايلول/سبتمبر 2014، ذلك أن الرئيس بري يعتبر ان مهلة انتخاب الرئيس ليست 25 ايار/مايو بل تمتد حتى ايلول/سبتمبر المقبل وهو الشهر الذي تنتهي فيه ولاية المجلس النيابي الحالي"، الذي لن يستطيع اصدار قانون للتمديد لنفسه لانه يكون عندها "هيئة ناخبة فقط". وعبر عن اعتقاده أنه في هذه الحالة "سيكون تدخل العامل الاقليمي والخارجي فاعلاً لمنع تعطّل الدولة بشكل تام". ورأى أن قائد الجيش الحالي جان قهوجي يبقى "المرشح الذي يشكل تقاطع بين السعودية وفرنسا واميركا وحزب الله ويمكن تسويقه على انه المرشح القوي"، علماً أن ذلك يتطلب تعديل المادة 49 من الدستور الذي لا يسمح بانتخاب قائد الجيش او اي من موظفي الفئة الاولى للرئاسة قبل سنتين من التقاعد او الاستقالة. ويتطلب نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية حضور ثلثي اعضاء البرلمان على الاقل اي 86 من اصل 128 نائباً. وبحسب الدستور، يجب على المرشح الحصول على أصوات ثلثي عدد النواب المطلوب للفوز من الدورة الأولى، وإلا تجري عمليات اقتراع جديدة يحتاج فيها المرشّح الى 65 صوتاً على الأقل ليفوز بالسباق الرئاسي، علما ان مجلس النواب يستطيع انتخاب أي مسيحي ماروني من دون أن يكون أعلن ترشيحه.