رحل اللواء أركان حرب عادل سليمان يسرى وهبى ، وهو بطل شرّف العسكرية المصرية، لم يستسلم يوم أن ظن العدو بعد عدوان 1967م أنه حقق هدفه وقضى على الروح المعنوية المصرية إلى الأبد ، فقد تولى قيادة الكتيبة السابعة مشاه بعد نكسة 1967 واستمر يدرب مقاتليها على المهام الصعبة، وتمركز بها في منطقة "رأس العش"، هذا الموقع المصري الوحيد في سيناء الذي لم يسقط، واستطاع المقاتل عادل يسرى القيام بدورية استطلاع نهارية وهو قائد كتيبة، برتبة مقدم علماً أن قائد الدورية أحياناً يكون برتبة ملازم أول أو نقيب، وقد قام بهذا العمل في وقت لا يتوقعه العدو، فقد كان يرى أن دراسة العدو من الأهمية بمكان، لأن تنفيذ الدوريات هو العمل المثالي المتكامل الذي يعلم الفرد جميع أنواع القتال ، من ضرب النار إلى استخدام الأرض إلى دراسة تكتيكات وأسلحة العدو وتمييزها. وكان أول الحاصلين على وسام نجمة سيناء من الطبقة الأولى، وهو بطل تأميم رأس العش، ومحرر جزيرة بيت الملاح فى قطاع ميدان الجيش الثانى، وهو أيضاً مدير البحوث بالقوات المسلحة، وصاحب رحلة الساق المعلقة من رأس العش إلى رأس الجسر، كما شارك فى مفاوضات الهدنة، وشارك فى حرب 56، وكان أحد ضباط الجيش الأول فى الإقليم الشمالى فى سوريا أثناء الوحدة، وعاصر الانفصال، وبعد نكسة 67 تمكنت قوة عسكرية مصرية من صد هجوم مضاد إسرائيلى أراد أن يستولى على آخر نقطة تحت سيطرة القوات المصرية على أرض سيناء هى منطقة رأس العش . فى حرب الاستنزاف: وقد شارك المقاتل عادل يسرى في حرب الاستنزاف وأبلى فيها بلاءً حسناً، وقد وصلت هذه الحرب إلى أن العدو هدد منطقة البحر الأحمر ومنطقة الصعيد ، فطلبت منه القيادة أن يقوم برحلة طويلة في بدايات العام 1970م تستمر عشرة أيام وقد أحضر معه مساعدات تدريب وقد ملأت خرائط الرحلة التفصيلية عربة نصف لوري، وبدأ مع الفجر رحلة استطلاع المناطق الجبلية العنيفة في البحر الأحمر خارج الطرق في بعض الأحيان ، وكان الوقت شهر رمضان والقيظ شديد ..والكل صائم فكانوا يبدءون السير في الفجر ويتوقفون قبيل الإفطار يلتهمون ما معهم من معلبات، ثم يستعرض معهم القائد في جلسة عائلية وضع التقرير التفصيلي لرحلة اليوم ..واحتمالات أعمال العدو ..ثم يضع معهم خطة عمل اليوم التالي ..كان يرفه عن الجنود بعمل حفل سمر لهم كل ليلة ، وبعد كل هذا كان يتأكد من خطة التأمين والحراسة قبل النوم سويعات استعداداً ليوم جديد . وقد قابل في أثناء الاستطلاع اثنين من البدو من قبيلة العبابدة معهما قربتيْن ماء يحملنها على الأقدام مسافة 40كم، وطلب منهم بعض الجنود ماء .. كانوا فى منتهى الكرم وقدموا المياه الثمينة للجنود بلا حدود وقد سر القائد لموقف هؤلاء البدو، فأمر بتعويضهم من الماء الذي يحمله وإعطائهم تعيينات وهدايا. وقد نوه عادل سليمان يسرى في مذكراته التي استقينا منها أحداث هذه الرحلة إلى أهمية إقليم البحر الأحمر حيث قال : (والحقيقة لقد شاهدت في منطقة البحر الأحمر مناظر خلابة و جميلة تحتاج إلى مخرج سينمائي وخبير في السياحة وعلماء الجيولوجيا والآثار) . وقد ترتب على هذه الرحلة لمواجهة احتمالات أعمال العدو، فتتحرك الفرقة التي ينتمي إليها بالكامل إلى منطقة البحر الأحمر، وكان نصيب لوائه التمركز على طريق قنا- سفاجا، وقفط - القصير في أقصى الجنوب ، وهذه المناطق لم يسبق لوحدة عسكرية أن تمركزت فيها . ويواصل عادل يسرى سرد مشواره في البحر الأحمر: "كان الهدف أن نعمل احتياطياً للقيادة في المنطقة لتأمينها وانتشرنا في المنطقة وجهزناً تجهيزاً هندسياً ممتازاً لمواجهة التفوق الجوى للعدو واستمر التدريب وتأهيل الأفراد للمهام القتالية الجديدة ...ولكننا لم ننس لحظة واحدة مهمتنا الأصلية وهى اقتحام قناةالسويس وتطهير سيناء .... ومن المشروعات التي أجريناها هناك والتي لا تنسى مشروع عنيف بالذخيرة الحية عن القتال في المضايق والمنطق الجبلية مشابه لأراضى في سيناء تم هذا في يوليو 1970م في درجة حرارة حوالى50 درجة مئوية وكان المشروع طويلاً عمقه حوالي 32كم، وكان البيان صورة ممتازة للكفاءة القتالية ." ومن المواقف الطريفة التي يتذكرها قائلاً : "في هذه المنطقة كانت العقارب والثعابين بأحجامها وأعدادها كبيرة تؤثر في نفوسنا، وقد حدث أن اصطدت أنا ومجموعة من الأفراد عدة ثعابين وجهزناها في ميس الضباط مثل : السمك، ودعوت الضباط إلى وليمة ثعابين فاخرة .. ، في البداية رفضوا الأكل ، وعندما أكلت أمامهم ..أكلوا معي وتقاسمنا عيشاً وملحاً وثعابين ، وضاعت هيبة الثعابين فهجروا المنطقة خوفاً من المفترسين الآدميين " . وهكذا استعرضنا مرحلة هامة من حياة البطل العميد أح عادل سليمان يسرى وهو يستطلع برجاله في منطقة البحر الأحمر العسكرية، على أرض مشابهة لمكان العمليات في سيناء استعداداً ليوم الُثار وقد جاء هذا اليوم في 6أكتوبر 1973م، وقاد اللواء الميكانيكي 112وحقق انتصارات باهرة وسمى بلواء النصر وكوفئ القائد على نضاله بأن منح أرفع وسام عسكري وهو نجمة سيناء من الطبقة الأولى . فى حرب أكتوبر "بطل الطالية" يقود لواء النصر: وفى حرب أكتوبر كان البطل يقود لواء النصر (اللواء 112مشاة ميكانيكي) التابع للفرقة 16 مشاة ، التي حققت معجزات بطولية خارقة أثناء حرب أكتوبر، وكان لهذا اللواء الفضل في صدّ الهجوم المضاد المتكرر للعدو ، حتى يصل إلى رؤوس كباري الفرقة ويعوق العبور ، فقد حطم دبابات العدو قبل أن تحقق أهدافها ، وظل عادل يسرى يقود رجاله من معركة إلى معركة ويرفع علم مصر فوق كل موقع يحتله، وفى إحدى هذه المعارك وكان قد توغل في العمق وقع انفجار بجانبه نتيجة قصف دبابة شاردة في منطقة كان قريباً منها، وفجأة لمح شيئاً ما يرتفع إلى أعلى، وعندما تبين هذا الشيء وجدها ساقه اليمنى ، وبهدوء غريب، وبأعصاب فولاذية أخذ حفنة من الرمال وكتم بها النزيف المتفجر من ساقه المبتورة، والتف الرجال حوله لحمله إلى سيارة الإسعاف، وهنا شهّر مسدسه في وجه هؤلاء قائلاً لهم : "أن كنتم تحبونني، واصلوا القتال ضد العدو"، ورفض أن يتحرك من مكانه حتى يضع خطة الهجوم التالي . ويصف يسرى هذه اللحظة فى كتابه «رحلة الساق المعلقة من رأس العش إلى لواء النصر» الصادر عن دار المعارف عام 1974 بقوله إنه رأى وميضاً من نور باهر جداً، وأطاحت القذيفة بساقه، فظل يكتم الجرح بالرمال ويواصل قيادة قواته لأكثر من 8 ساعات ، ويستعيد يسرى هذا الموقف العصيب الذى كاد يودى بحياته، فى لقاء تليفزيونى بروح مرحة، عندما قال: «الناس مقامات، طلقة صغيرة بتقتل راجل قوى، ودانة دبابة من مسافة متر ونصف المتر لم تنجح إلا فى بتر ساقى»، ويصل إلى اللحظة التى أطاحت فيها القذيفة بساقه: «بقوة منحنى الله إياها ورغم شدة الإصابة، ابتديت أوقف بالرمال نزيف الدم اللى كان فى رجلى إنما كان عندى هدوء شديد وكان عندى تمالك لنفسى، وأنا أذكر إن أنا كنت بهذا الصفاء الذهنى فى يوم من الأيام، أنا حين أصابتنى القذيفة لقيت نفسى طاير فى الهواء وبعدين واقع على الأرض، تبينت بعد كده إن رجلى طارت فابتديت أوقف النزيف، وأسرع الضباط والعساكر اللى كانوا قريبين منى وهم يصيحون سيادة القائد عادل، فقلت لهم محدش يستنى جنبى اللى بيحبنى ياخد بتارى، فانطلقوا، وفعلاً كانت أول إصابة بتاخد بتارى من الدبابة اللى ضربتنى، وخرج منها الضباط والجنود الإسرائيليون، وأنا معايا صورة للدبابة بعد أن صارت خردة". وكان العميد أ.ح عادل يسرى يمتاز بالتواضع وإنكار الذات، وظهر ذلك جلياً عندما زاره أحد المحررين العسكريين في المستشفى بعد أن تماثل للشفاء ، فقال له بتواضع شديد: "أنا لم أفعل شيئاً ..والذي حدث لي شيء عادى لا يستحق الكتابة عنه، ولا يستحق كل هذه الاهتمامات .. لقد أديت واجبي كجندي في صفوف القوات المسلحة، إذا أردت أن تكتب شيئاً عن أبطال أكتوبر، فأكتب عن: سعيد خطاب، أو اللغم البشرى، والبطل عبد العاطى صائد الدبابات، وعن محمد المصري جندي المظلات الذي نسف عشرات الدبابات الإسرائيلية وكانت ضمن اللواء 190مدرع الذي كان يقوده عساف ياجوري ... هؤلاء كانوا أبطالاً وبهم انتصرنا بنكران ذاتهم.