* هو نوع من القادة الأفذاذ في تاريخ العسكرية المصرية. ولذا فقد تحول اسم اللواء أركان حرب عادل يسري إلي رمز الصمود والتصدي. وتحولت بطولاته ومواقفه الوطنية إلي معني وفكرة دفاعا عن شرف الأمة. فالأفكار لاتموت. والتاريخ خير شاهد علي مسيرة أولئك القادة الأبطال الذين حققوا المجد لأوطانهم بأعمالهم وانجازاتهم التي اقتربت أو كادت من حواديت الأساطير. فقد خاض البطل المصري الجسور غمار حرب أكتوبر المجيدة وقد وضع نصب عينيه هدفاً واحداً لا بديل عنه ألا وهو النصر ورد الاعتبار. وخرج البطل من الحرب بساق واحدة. ليصبح وبامتداد أربعين سنة أحد أهم المصادر الحية التي سجلت بطولات وتضحيات الرجال.. شهادات مكتوبة وموثقة في كتابه القيم "رحلة الساق المعلقة من رأس العش إلي رأس الجسر".. وما أدراك ما رأس العش؟ تلك المنطقة العزيزة من شبه جزيرة سيناء التي ظلت صامدة في أعقاب حرب الأيام الستة المشئومة في يونيو عام 1967. عندما سقطت كل النقاط العسكرية في سيناء باستثناء منطقة رأس العش حيث تصدي الضابط المصري الجسور عادل يسري للهجوم الإسرائيلي المضاد ببسالة منقطعة النظير في أول التحام حقيقي مع جنود العدو بعد حرب المؤامرة ليؤكد للعالم كله ان إرادة المصريين لم تكسر. وان المقاتل المصري مازال يواصل القتال. الأمر الذي تحقق بالفعل من خلال حرب الاستنزاف التاريخية التي أذهلت قادة العدو الصهيوني ودفعتهم الي بناء القلاع الحصينة علي الشاطيء الشرقي للقناة للحيلولة دون عبور الجيش المصري إلي سيناء. ولكن إرادة الأبطال من أمثال عادل يسري رفضت الاستسلام وتجاوزت حاجز المستحيل. ** ومن رأس العش في يونيو 1967. إلي رأس الجسر في اكتوبر 1973 حقق الجيش المصري انجازاً اسطورياً بكل المقاييس عندما أعاد بناء نفسه وبني حائط الصواريخ وأنهك العدو خلال حرب الاستنزاف. وعندما حانت اللحظة الفارقة اندفع البطل عادل يسري مع ضباطه وجنوده البواسل إلي سيناء واستطاع مع رجاله تحقيق أعمق توغل في أراضي سيناء والاستيلاء علي جزيرة الملاح الواقعة في منتصف القطاع الشمالي من قناة السويس علي رأس اللواء 112 مشاة ميكانيكي الذي اجتاز العديد من الموانع الطبيعية وفي مقدمتها الرمال المتحركة بمنطقة "كسيد الخير" إلي جانب مطاردة طيران العدو ونيران مدافعه الكثيفة. ولذا أطلق العسكريون علي اللواء 112 اسم "لواء النصر" بقيادة العميد اركان حرب عادل سليمان. وفي اليوم الثالث للقتال حاولت مجموعة من دبابات العدو اختراق القوات الأمامية لقواته وغادر اللواء يسري عربة القيادة ليتابع الموقف بالعين المجردة في نفس اللحظة التي تم فيها تدمير العربة واخترقت فيها دانة دبابة الساق اليمني للواء عادل يسري وأطاحت بها في الهواء ولم يجزع البطل أو يهتز وتجاوز آلام الاصابة وراح يتعامل مع الموقف بروح الفرسان النبلاء. فإذا به يسد نافورة الدم المندفعة من ساقه المبتورة بالرمال ويظل بامتداد ثماني ساعات يشحذ الهمم ويحرض ضباطه وجنوده علي الثأر ورد الاعتبار. وبالفعل تحولت الدبابة التي أصابته الي خردة من الحديد أتت عليها النيران. وفي اليوم التالي صدرت صحيفة الأوبزرفر البريطانية تقول : "لقد انتزعت طبقة جديدة من الضباط المصريين احترام العالم.. هم مجموعة من الشباب المثقف جدا والمحترم الذي يتمتع بالثقة الكاملة في رجاله.. منهم المخططون العسكريون وهم غير معروفين. ولكنهم يعرفون جيداً ماذا يريدون ويقومون بمهامهم في تصميم". ** آخر الكلام : عاش اللواء أركان حرب عادل يسري سليمان 83 عاماً منذ خروجه للحياة بمدينة الاسكندرية يوم الثاني عشر من أكتوبر عام 1930. وحتي صعدت روحه الي بارئها يوم الرابع عشر من اكتوبر عام 2013 يوم وقفة عرفات وعشية عيد الأضحي المبارك. وما بين مولده ورحيله التحق بكلية طب القاهرة عام 1947 وفي أعقاب هزيمة الجيوش العربية في حرب فلسطين عام 1948 قرر التوقف عن دراسة الطب والالتحاق بالكلية الحربية التي تخرج فيها عام 1952 وشارك بعدها في جميع الحروب العربية الإسرائيلية ليكتب تاريخه العسكري بحروف من نور. وفي أعقاب حرب أكتوبر حصل علي وسام نجمة سيناء من الطبقة الأولي وعمل مساعداً لرئيس هيئة عمليات القوات المسلحة ثم مديراً لمركز البحوث ومستشاراً عسكريا في جامعة الدول العربية فرع المعلومات قبل أن يتولي رئاسة إحدي الشركات المهمة في القطاع العام بدرجة وكيل وزارة ويخوض حربا من نوع آخر مع الفساد. كم اتسمت إدارته بالكفاءة والنزاهة والاقتدار. قبل أن يتفرغ للعمل الخيري ويفتش عن أصحاب الهمم العالية يمد لهم يد العون ويزرع في نفوسهم الأمل من جديد. مؤكدا مراراً وتكراراً علي أن إرادة الرجال هي الفيصل في صياغة مستقبل الأوطان.