بعد انقضاء 14 شهرا على إعلان القوات الفرنسية بلدة "ليري" الصحراوية الصغيرة، شمالي مالي، منطقة "محررة" من الجماعات المسلحة، تبدو المدينة الواقعة على بعد 100 كيلومتر من "مبيرا" الموريتانية التي تأوي لاجئين ماليين، كمدينة أشباح. شوارع "ليري" الرملية قفراء، بيوتها مهجورة تجردت من أبوابها ونوافذها، ولم تعد تطأها أقدام إلا من له في في الشجاعة شأن كبير... "الحسن آجي حبيب" أحد سكان "ليري"، من الطوارق النادرين الذين لم يثنهم وضع البلدة بعد الأحداث التي هزت شمالي مالي في 2012 على العودة إلى البلدة، وجد في انتظاره فضلات الماعز والخرفان منتشرة على أرضية باحة منزله... "حبيب" العامل السابق في إدارة المياه والغابات كان متسربلا في عمامة زرقاء، اللون المميز لرجال الطوارق. وضع الرجل أغصان شجرة السنط في مدخل البيت أو ما تبقى منها ليحل محل الباب، "لتجنب دخول الأطفال أو الحيوانات حتى لا يعيثوا فيها فسادا" على حد قوله. "عائلتي مازالت في المخيم (في مبيرا)، ليس عندي خيار آخر. أين سأعيش؟ ليس لدي إمكانيات لإعادة بناء هذا المنزل ولا حتى لاقتناء قدر للطبخ" يقول "حبيب" في حيرة واضحة لمراسل الاناضول. في الانتظار يعيش "حبيب" عند رئيس البلدية، تماما كما الأمر بالنسبة ل "موديبو كوناتي"، ممثل اللجنة الوطنية المكلف بشؤون اللاجئين. في غضون 9 أشهر، سجل "كوناتي" على دفاتره عودة 2500 لاجئ من "مبيرا" إلى ليري :"يخبرني الناس أنهم يتحصلون على حصص غذائية في مبيرا بينما لن يحصلوا على شيء إذا ما عادوا إلى ليري" لذلك يفضل أغلبهم البقاء. رسميا، تسير الأوضاع بخطى ثابتة نحو الاستقرار وتحقيق المصالحة بين الجماعات المسلحة، شمالي مالي وبين السلطة المركزية، ومن النادر ان تجد احدا مازال يدعو إلى العنف على الرغم من أن بعض اللاجئين وخاصة الطوارق منهم يخشون من التعرض لعمليات انتقامية عند عودتهم. الخشية من الانتقام تعود جذورها إلى أحداث أغسطس/آب 2013 في "ليري" زمن الانتخابات الرئاسية عندما تعمد الأهالي، وبمشاركة النساء، ضرب أحد الطوارق المتهمين بالتعامل مع المجموعات المسلحة، حتى الموت". ويعلق "الحسيني مايغا" محافظ "تومبوكتو" على الأمر قائلاً: ". أهالي دائرة نيافونكي التي تتبعها ليري يحملون ضغينة ضد شباب الطوارق الذين كثيرا ما تواطؤوا مع المحتلين" من الجماعات المسلحة. وبحسب "ألبديا وانغارا"، ممثل "الجمعية المالية لحقوق الإنسان" في "تومبوكتو"، فإن اللاجئين يتعرضون لعملية تلاعب: "الأشخاص الذين لم يعودوا بعد إلى ليري، هم في الغالب ضالعون في أحداث وقعت هنا...ولذلك يحثون الناس على عدم العودة كي يتمكنوا من التفاوض بصفة أفضل على مسألة العفو عنهم". في ضواحي "ليري"، مخاطر الإرهاب تبدو أقل حدة مما عليه الحال في مناطق أخرى في مالي لكن انتشار السرقة يقض مضجع الاهالي خصوصا الرعاة الذين يمثلون أهدافا سهلة كون نشاطهم يفرض العزلة غالب الوقت, في هذه المناطق، يهرع السكان للتواري عن الأنظار مع سماع هدير أي عربة تقترب من المكان. على بعد نحو 7 كيلومترات من "ليري"، يعيش "جمال ولد سعيد نالي" في مخيم لمربي الماشية العرب. عاد إلى بيته بعدما قضى بعض الوقت في "مبيرا". هرب في المرة الأولى عند مجيء المتمردين ثم أعاد الكرّة عند قصف القوات الفرنسية للمكان. انتبذ "جمال" من الخيمة التي تجمع تحتها شباب وأطفال وعجوز واهن، بقعة ظل يكبر حجمها اطراداً مع نهاية اليوم وطفق يروي: "في مخيم اللاجئين لم يكن بوسعنا العمل ولم نكن نحصل على الكثير لذلك عدنا. مع رجوعنا وجدنا أغلب المواشي نافقة أو بعضها قد تاه. الحياة صعبة هنا لكنه المكان الوحيد الذي نعرف". ومنذ الأزمة التي هزت شمال مالي في مطلع 2012، هاجر نحو 220 ألف شخص هذه المنطقة نحو مخيمات اللاجئين في الجزائر و بوركينافاسو والنيجر و موريتانيا. حيث يقدر عدد لاجئي مالي هناك بأكثر من 70 ألف، أغلبهم من منطقة ليري. ووفقا لتوقعات المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة، سيبقى مع حلول ديسمبر/كانون الأول 2014 نحو 60 الف لاجئ في مخيم "مبيرا".