متشدد يعاقب الأستاذة الجامعية بالزواج عليها .. فتردها بخيانة خيالية! النقاد : رواية تعيد أدب الرسائل.. وتدق ناقوس الخطر من تدني النظرة للنساء مقتل أستاذة أدب إنجليزي بالمنصورة .. لغز رواية جديدة قدمها الكاتب الصحفي والأديب محمد القصبي تحت عنوان "ما لم تقله النساء" وهي الرواية التي دارت حولها مناقشة مساء أمس بنقابة الصحفيين وتطرقت لقضايا صراع التيارات العلمانية والسلفية المتشددة والذي يهدد جدران بعض الأسر في مصر، كما تطرقت لقمع المرأة وسط بيئة ذكورية وما ينجم عنه من نتائج لا أخلاقية تعيد الإنسان لبدائية غرائزية صرفة. ناقش الرواية كل من الدكتور مجدي العفيفي، رئيس تحرير جريدة "أخبار الأدب" ، الدكتور حسام عقل، أستاذ النقد الأدبي بجامعة عين شمس، والناقد أحمد أبو العلا ، إلى جانب مؤلف الرواية، وحشد من الإعلاميين، فيما أدارها الفنان أحمد عبدالنعيم صاحب الغلاف . والرواية الصادرة عن "مركز الحضارة العربية" بطلتها الدكتورة زينب الحناوي، تكتب رسالة لأستاذها الدكتور سامي الجبالي تبوح له فيها بحبها له، برغم كونها متزوجة، لكنها منيت بزوج سلفي متشدد "هشام الغزولي" ، وقد حال هذا التشدد بينهما يوما بعد يوم، حتى صار شرخا عظيما يفصلهما روحا وجسدا ، فهي شبه علمانية لكنها لا تفتقد الإيمان وهو يعيش بعالمه المغلق المحصور في مسجد قريته وأفكار جمعية دينية يديرها، وقد لجأت الزوجة لخيانته بخيالها خاصة بعد أن قرر الزوج أن يتزوج عليها ب"أرملة" يريد أن يعفها ويحميها من الفتنة! ينتهي الزواج بالطلاق وهروبها بطفلتها خوفا من أن يلحق بها أو أعضاء الجمعية التي يرأسها الأذى، لكن الصحف تنشر خبر مقتلها طعنا بسكين المطبخ في شقتها الصغيرة التي استأجرتها في المنصورة وقيدت القضية ضد مجهول، أما دفتر المذكرات التي كتبتها في صورة رسالة إلى أستاذها الدكتور سامي الجبالي فعلى ما يبدو أنها لم تصل إليه، بل عثر على الدفتر في شارع لاظوغلي يوم 6 مارس 2011 مع اقتحام المتظاهرين مقار مباحث أمن الدولة! الجنون امرأة اعتبر الكاتب الدكتور مجدي العفيفي أن الحرب القادمة ستكون حرب الأفكار ، وهو ما تعبر عنه الرواية بقوة، وقال أن القصبي – كاتب العمل - تمكن من التعبير عن الشخوص والمكان ، بعبقرية، بحيث بدت جوانب العبقرية والرداءة متلازمان، وهي سنة حياتنا، وقد أجاد باستخدام ضمير المتكلم على لسان الراوية الدكتورة ما أوحى بالاعتراف واستخدم مشاهد درامية تعود ل25 عاما مضت وربما أبعد . تعود الدكتورة زينب بالذاكرة لما سمعته عن يوم ولادتها، حين أرسل أبوها خصيصا في يوم شديد المطر، ليأتوا بالداية التي يأتي على يديها الذكور، بعد أن فاض به الكيل من ثلاث بطون حملت فتيات، بينما يجد شيخ القرية يواسيه بعد أن جاءت الخلفة الرابعة أنثى، ويقول له أن يصبر ، وأنه – أي الشيخ – تزوج من الثانية والثالثة وكانت قسمته خلفة بنات أيضا !! الرواية بها بعد بوليسي، فهي تنتهي بمقتل الأستاذة صاحبة الرسالة، ويمكنك أن تستشف من ذلك أن زوجها ربما قرأ تلك الاعترافات وذهب بها لأمن الدولة . والعمل كما يرى "العفيفي" يطرح قمة الجنون والخطأ الذي يمكن أن تذهب إليه سيدة حين تتزوج برجل جاهل، يحرم عليها كل ما أباحه الله ويحرمها من الحب، فقررت المرأة أن تمارس الخيانة داخل ذاتها! الرواية بها جرأة لفظية كبيرة تخدش الحياء ، كما يرى الناقد، وتطرق لغالي شكري حين كتب عن قضية الجنس في الرواية العربية؛ فلدينا يوسف ادريس واحسان عبدالقدوس كتبوا عن الجنس كمحرك حياتي، وعبدالقدوس كان النسيم يخدشه وكان أقرب للرومانسية ولا علاقة لطبعه بما يكتبه، لكن مشكلة القاريء العربي أنه يحدث تماهيا بين البطل والمؤلف. وبلهجة ساخرة، حذر الكاتب "العفيفي" مؤلف الرواية من "المطبعجية" الذين قد يغيرون من ملامح روايته فيما بعد كما فعلوا مع روايات إحسان عبدالقدوس "أنا حرة" و"الحرام" ليوسف ادريس. ! من جانبه يرى الناقد أحمد أبوالعلا أن الرواية تبتعد عن كتابات الجسد الحسية وتهرب لمساحات إنسانية واجتماعية، ويؤكد أن الغرض الأساسي من أدب الاعترافات هو التطهر والابتعاد عن منطقة الخطأ ، فالدكتورة زينب تواجه ثقافة مجتمعية متخلفة لا تعترف بمشاعرها الحقيقية حتى لأقرب المقربين فالمرأة قد لا تقيم علاقة جيدة مع رجلها خاصة لو كان مقموعا بثقافة متخلفة أكثر مما تتعرض له زينب . ويرى الناقد أن الرواية لم تقع بالتقريرية، فهناك النمذجة الصحفية بلغة الأدب . كشف المستور زينب تفضح خبيئة أسرة ومرحلة، هكذا عبر الناقد الأكاديمي د. حسام عقل الذي رأى أن رسالتها قبس من مشكاة لطيفة الزيات فدشنت كتابة المرأة بكتابها "حملة تفتيش" وقد استعدت دراسة كتبتها عن السيرة منذ عشر سنوات، ولفت نظري أن من أفضل ما كتب عن المرأة هي سيرة فدوى طوقان تقول "رحلة جبلية " تذكر الدكتور حسام عقل ذلك الصديق الكندي الذي يشتغل بالصحافة وقد شاهد "عقل" عنده رواية "أن تكون عباس العبد" لأحمد العايدي، وحين سأله عن سبب اهتمامه بالأدب المصري، قال له : لا يمكن أن تفهم شعبا دون أن تعود لمنجزه القصصي . وأبدى الناقد ملاحظة أن الروايات المصرية بعد 25 يناير تتجه للتاريخ والسير والتراجم، ومنها "الدلجموني أوراق ميت" التي عادت لثورة يوليو، و"ثلاث برتقالات مملوكية" لحجاج أدول، وهنا يثور التساؤل : هل يشعر المصريون أن الأرض تتحلل من تحتهم وأنه من الواجب أن يتثبتوا ضد زلزال التغيرات. كما عاب "عقل" على نقاد العالم العربي تباطؤهم في ملاحقة أدب السيرة وأدب الرسائل الذي تندرج تحته تلك الرواية؛ حيث نرى الدكتورة زينب الحناوي تتكلم عن المسكوت عنه في الثقافة العربية، وهو شكل من هتك الذات ، وهو ما يذكرنا ب"العيش على الحافة" لشكري عياد التي جلبت له تنغيصا كبيرا لما فيها من بوح . وربما يكون التنغيص على مؤلف أدب السيرة الذاتية يأتي من كون أجزاء كبيرة من العمل مستمدة من الواقع فيحاسب عليها . وأدب السيرة الذاتية كان معروفا عند العرب بأشعارهم ، فنقرأ مثلا لحفصة بنت الحاج من أديبات غرناطة كانت تشعر فتقول للحاكم عبدالمؤمن بن علي : أزورك أم تزور فإن قلبي إلى ما تشتهي أبداً يميل فثغري مورد عذب زلال وفرع ذؤابتي ظل ظليل وقد أملت أن تظما وتضحى إذا وافى إليك بي المقيل فعجل بالجواب فما جميل إباؤك عن بثينة يا جميل ويستدعي الناقد مقولة "اندرسن امبرت" الناقد الأرجنتيني يصف نزوع العالم لقراءة الروايات بقوله : "ارتفع حائط بابل ، فلا أحد يستمع لأحد، فقرر الكاتب أن يفضي إلى الأوراق" وهنا يرى حسام عقل أن الكاتب استطاع أن يحرز تقدما فنيا مذهلا قياسا بعمليه الأولين "هذيان على قبرها" و"توأم سيامي" كما أبدى سعادته برد الكاتب على الحرب الشعواء التي أراد البعض أن تنقض على أدبه ، وانتصاره بالكتابة وليس بالملاسنات . والكاتب يستعيد بعض الأحداث التاريخية كممارسات الحركة الصهيونية ، لكن روايته برأي حسام عقل تسقط أحيانا في التقريرية والمباشرة وهي من عيوب السيرة الذاتية ، ولكنها سمة الإبداع بعد الثورات حيث يمر الكتاب بمرحلة تتسم بالزخم الثوري بطبيعتها ويحبون نقل أفكارهم على الورق . ينتقد "عقل" أيضا مقاطع أثقلت بالمعلوماتية فأعطبت عجلة السرد عن العمل ، وذلك حين تحدث عن النظريات الجنسية عند سيجموند فرويد وغيرها، وهناك تناصات أثقلت النص كناجي والشابي التي تجمعت كالأعشاب فسدت مجرى النص، ولكنه كان يستعيد وهج الحكاية سريعا والرواية تحفر بمساحة الوعي الجمعي الذي ينتقص من المرأة لمجرد كونها أنثى، فنرى سب الميكانيكي بأنه بن امرأة ، والسجان حين يسيء للمسجون وسط نوبات التعذيب يطلب منه أن يقول عن نفسه "سميرة" . وزينب تقرر أن تعيش في شقة صغيرة، وهو ما يشبه الوضع الجنيني للمريض النفسي ، والتي يمكن أن يراها البعض بحثا عن الحرية . كما تفتح الرواية أبواب الانغلاق الديني عند المتشددين الذي يحرم الفنون، رغم أن الحسن البصري قال ان نعم الشيء الغناء يوصل به الرحم ويصبر به المكروب، كما أن "إحياء علوم الدين" للغزالي به فصل كامل للأغاني. نكتشف أن هشام كان عميلا لأمن الدولة ! والكاتب ينتقد شريحة من التيار السلفي التي ذهبت لفكر بن باز وبن عثيمين وهو فكر غير ملائم لطبيعتنا بمصر وبيئتنا الرواية – كما يؤكد عقل - تستعيد فن الإيبجراما الحكيم بجمل مشعة كأن يقول المؤلف "الصراخ طفح آلامنا لكنه على الأسرة فيوضات نشوتنا" وكان ذلك الفن هو آخر ما ودعنا به نجيب محفوظ في "أصداء السيرة الذاتية" ويتنبأ الناقد بأن يتسيد هذا الفن بتأثير فضاء الإنترنت وأدب المدونات . .. من الطرائف التي شملتها أجواء الندوة، أن تحدثت زوجة المؤلف، ونفت عنه ما وجهه أحد المتداخلين الصحفيين، من أن الرواية تعبر عن أفكاره وميوله، فقالت أنها تربطها به قصة حب لا تزال متوهجة حتى الآن، وأنه أب وزوج وصديق لها .. وهنا تداخل مجدي العفيفي بأن الكاتب لا يجب أن يحاسب عما يجول بقلب أو عقل أبطاله على الورق ..