"أحيانا.. أكون ضائعة بلا هوية.. أحس بأني بلا وجه.. جسد فقط يتحرك بملامح حادة تميزه.. أتخيل لو أنني نظرت إلى المرآة في تلك اللحظة.. سأرى مكان وجهي مساحة ممسوحة هناك رأس لكنه بلا ملامح.. رأس محمل بأفكار خارطة؛ لكنه لا يملك عينين ليري ويكتب.. لا يملك فمًا ليبوح ويملي ما يود كتاباته".. كانت هذه الكلمات من رواية "أغنية لمارغريت"، والصادرة مؤخرا للكاتبة الدكتورة لنا عبد الرحمن، عن الدار العربية للعلوم ب"بيروت". وتتناول الكاتبة من خلال الرواية الحياة الاجتماعية في لبنان أثناء الحرب.. مستخدمة أسلوبًا تجريبياً في السرد؛ حيث استدعت روح الكاتبة الفرنسية "مارغريت داروس"، والتي كانت تجمعها علاقة حب مع شخص يصغرها بسبعة وثلاثين عاما؛ حيث استخدمت الراوية تقنية الرسائل، والراوي العليم، لتطرح العديد من الاسئلة الخاصة بالعزلة والشيخوخة والحب. وأكدت لنا عبد الرحمن خلال حفل توقيع الرواية بدار آفاق للنشر والتوزيع بالقاهرة، وأعقبه نقاش وقراءة حول الرواية بحضور الناقد هشام أصلان، والمترجم مصطفى محمود - أن بطلة الرواية، "زينب"، كانت تشبه مارغريت؛ لذلك استخدمت أسلوب الرسائل لما فيها من حميمية وقدرة على البوح ، ترسلها زينب الى "يان أندريا" للتعرف إلى شكل العلاقة التي تجمع بين "يان" و"مارغريت"، كما استعانت براوٍ عليم كي يكشف تفاصيل أخرى لا تكشفها البطلة زينب في رسائلها. وأوضحت الكاتبة بأنها استخدمت أسلوب السرد المسترسل، وأصبح هناك ثلاثة خيوط سردية في الرواية؛ هم: "الراوي العليم" و" زينب بطلة الرواية" و"الرسائل التي ترسلها زينب الى يان اندريا"؛ حيث مزجت بينهم متخيلة شكل العلاقة التي جمعت "مارغريت" و"يان".. مضيفة بأن الروايه تقترب من الذات الإنسانية؛ حيث تعرض لثلاثة فروع؛ هي: اجواء الحرب في لبنان 2006 ، وما فعلته تلك الحرب من دمار نفسي ومادي، ورغبة البوح التي تتملك بطلة الرواية، والتي تبوح بها في الخطابات التي ترسلها الى "يان".. أما الفرع الثاني فيحكي عن مارغريت دوراس، ثم هناك الراوي العليم الذي يكشف ما لا تقوله الرسائل. وقالت لنا عبدالرحمن إنها لا تعني في هذه الرواية الحب بين الرجل والمرأة؛ انما تبحث فيما وراء ذلك؛ فهي تهتم بجوهر الحب؛ بعيدا عن فكرة الجسد والتقدم في العمر من خلال استخدام لغة شعرية مبسطة؛ لغة تتمكن عبرها من رسم ملامح فترة الحرب في لبنان بما تحمله من غربة وعزلة،ثم الحياة والحلم والخيال واليقظة والبدايات والنهايات والشك واليقين والحب والحرب. سيرة ذاتية وعن انجذاب القارئ وراء مارغريت، وترك بطلة الرواية تسبح في أمواج المتخيل المتلاطمة، نوهت المؤلفة بأن هناك تشابهًا بين زينب ومارغريت فلديها نفس حاجز العزلة والقسوة الاسرية والبحث عن الحب.. مؤكدة ان الرواية ليست سيرة ذاتية لمارغريت، بل إنها استخدمت هذه الرسائل لتتبع أثر معين في السرد الا وهو خيط العزلة والشيخوخة والحب. ورأى الناقد هشام أصلان أنه وفيما كانت زينب تكتب إلى يان، وتتساءل عن شكل علاقته بمارجريت، راحت لنا عبد الرحمن تتخيل شكل هذه العلاقة، وتنسج الحكايات بينهما، تستنتج لحظات ميلاد روايات "دوراس"، التي شكلت مع حبيبها الصغير "لوحة عبثية مجنونة، تكسر كل الأفكار الثابتة عن خطوات الحب، والسن، والزمن. في العلاقة مع يان كما في العلاقة مع جسدها.وسط كل هذا الضجيج ،تحوم في الأفق روح "مارغريت دوراس" حول البطلة "زينب"، وتطفو على السطح ذكريات أيام عاشتها مع مازن البطل الثاني.. علاقة رائقة، كان ينقصها فقط قليل من التحرر في كتابة مشاهد الحب، ولكن ثمة توجس يطوّق الموقف؛ ورومانسية الرؤية، خصوصا في حضور موسيقى صاحب بحيرة البجع "تشايكوفسكي". أما المترجم مصطفى محمود فتوقف عند التساؤلات الفلسفية التي تسيطر على النص، فيما يتعلق بالموت والنهايات التي تحكم الوجود البشري، والتي عبرت عنها الكاتبة بدقة سواء من خلال علاقة مارغريت دوراس بجسدها، نظرتها له، ولفكرة هرمه، حيث بدت فكرة العجز الإنساني تطوق النص مع شعور مستمر بالأسى تدعمه أجواء الحرب التي تضفر السرد منذ البداية إلى الصفحات الأخيرة، كما حضرت هذه العدمية في تكرار تساؤلات زينب عن الموت، ورغبتها المستمرة في التفتيش عن الغاية من حياتها، ومن وجودها الواقعي، لتمضي بشغف وحيدة تنبش في قصة حب تنتمي لزمن آخر، لكنها تبدو مفتونة بتفاصيلها الغامضة والمجهولة، وكما أن الحب هنا يوازي الإنقاذ من العدم. ومن الجدير بالإشارة، أن د. لنا عبدالرحمن كاتبة وصحافية لبنانية، تقيم بمصر، حصلت على ليسانس اللغة العربية في جامعة بيروت، كما حصلت على دبلوم ترجمة معتمدة من الجامعة الأمريكية، بالقاهرة؛ ثم درجة الماجستير في الدراسات الأدبية (قسم اللغة العربية)، ومؤخرًا نالت درجة الدكتوراة عن موضوع "السيرة الذاتية في الرواية النسائية اللبنانية". وصدر لها : شاطئ آخر (قراءات نقدية في الرواية العربية)، أوهام شرقية (قصص)، والموتى لا يكذبون (قصص)، وحدائق السراب (رواية)، وتلامس (رواية).. ومؤخرًا صدرت رواية "أغنية لمارغريت" .