هذه ليست المرة الأولى التي أتناول بها قضية التحرش الجنسي في مصر، كما أنها من الوارد ألا تكون المرة الأخيرة، مادام لم يوجد-حتى الآن- رادع مجتمعي وقانوني وسياسي للشخص المتحرش، فما حدث داخل أورقة الجامعة العريقة جامعة القاهرة من تحرش جماعي بفتاة، جعلني أرتقب وأفكر فيما يمكن أن يحدث ثانيةً، فهذا الحادث غير مسبوق إذ هي المرة الأولى التي يتم فيها الإبلاغ عن حادثة تحرش جنسي جماعي داخل مؤسسة تعليمية كبيرة. ومن المؤسف أن وقوع هذا الحادث المتدني تزامن مع الاحتفال بيوم المرأة المصرية 16 مارس، ولا أعلم حقيقةً لماذا نتفاجأ في كل مناسبة خاصة بالمرأة بظهور الحوادث الكبيرة للتحرش بصورة يندى لها الجبين ، ففي يوم المرأة المصرية بعام 2013،اعتدى شباب جماعة الإخوان المسلمين على مجموعة من المتظاهرين أمام مكتب الإرشاد في المقطم ومن بينهم الناشطة /ميرفت موسي التي تعرضت للصفع على مرأى ومسمع من عناصر الداخلية التي لم تحرك ساكناً، فضلاً عن التحرش بالمراسلة الأمريكية لارا لوجان وغيرها من المصريات والأجانب خلال تظاهرات اليوم العالمي للمرأة في 8 مارس 2011. وما صدمني في هذا الحادث التصريحات الأولية للدكتور/ جابر نصار-رئيس الجامعة- والتي حمّل فيها الفتاة المسؤلية كاملة حيال تعرضها لتحرش جماعي، وإن كان الدكتور/ جابر عاد واعتذر عن هذه التصريحات الصادمة، إلا أن هذا غير كافٍ فالمطلوب منه كرئيس جامعة عريقة مسئول عن حماية أبنائنا الطلبة والطالبات، أن يضع استراتيجات وخطوات سريعة للحد من هذه الظاهرة داخل الجامعات والتي في طريقها للتفشي داخل الجامعات المصرية ، وهذا لا يقتصر على الجامعات المصرية فحسب، بل على مختلف مؤسسات الدولة عامة كانت أو خاصة، فكثيراً ما تتعرض السيدات العاملات في أي مؤسسة للتحرش إلا أنها لا تبوح بذلك خوفاً على عملها. وهذا يجعلنا نتساءل كيف للمرأة أن تقوم بدورها الاجتماعي وتشارك بوظائفها في المجال العام والخاص، وهي تتعرض لمثل هذه الممارسات المتدنية ؟! فعدم وجود بيئة آمنة ومناخ مناسب للمرأة، يجعلها تحجم أو تتردد كثيراً بشأن المشاركة بفاعلية في الحياة العامة بمختلف نشاطاتها إقتصادية كانت أو سياسية أو ثقافية، ولنا أن نتصور ما بات يرتبه قرار الخروج من المنزل من أعباء تضاف إلى بقية ما تواجهه الفتاة من أعباء في حياتها. بالإضافة إلى أن خلال تعرض الفيتات والسيدات للتحرش الجنسي بمختلف ممارساته، نجد أن الكثيرين من أفراد المجتمع يلقون باللوم دائماً على الضحية، بسبب ملابسها الغير محتشمة ، ولكننا في الوقت نفسه نجد أن نسبة من السيدات المنتقبات يتعرضن للتحرش على الرغم من أنهن بالطبع لا يرتدين ملابس غير محتشمة ، كما أننا وبالعودة إلى فترة الستينات والسبعينات نجد أن السيدات كن غير محجبات وكن مرتديات للملابس القصيرة ومع ذلك كانت نسب التحرش والاغتصاب قليلة جداً مقارنة بالفترات الحالية، ومن ثم نجد أن ملابس الفتاة ليست السبب الحقيقي وراء للتحرش الجنسي. إذاً نحن بحاجة لتقصي الأسباب التي ينجم عنها التحرش الجنسي، فهل هو اشباع لرغبة ؟ أم مجرد امتهان للمرأة ولحرمة جسدها؟ أم هي مشكلة أمنية ؟ أم هو تعبير عن حالة رفض وغضب المتحرش للمجتمع ككل؟ فدراسة الأسباب هى الخطوة العلمية الأولى للحد من تفشي هذه الظاهرة في المجتمع ككل. بالإضافة إلى ضرورة تفعيل قوانين مناسبة لمواجهة التحرش ، وإلقاء عقوبات فورية على المتحرش وتكون بالحبس والغرامة معاً ، ولعل هذا ما نضالت من أجله العديد من منظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية وكان آخرها ما أرسله المجلس القومي للمرأة لرئاسة الجمهورية بشأن قانون جديد للتحرش، وكان من أبرز نصوصه كل من تحرش بأنثى عن طريق التتبع، أو الملاحقة سواء بالإشارة، أو بالقول، أو بالكتابة، أو بوسائط الاتصال الحديثة، أو بأيه وسيلة أخرى، بإتيان أفعال غير مرحب بها تحمل إيحاءات، أو تلميحات جنسية، أو إباحية فى مكان عام أو خاص، يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة، وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيهاً، ولا تزيد على عشرين ألف جنيه، أو إحداهما. وإذا عاد الجانى لارتكاب الجريمة من نفس النوع، خلال سنة من تاريخ الحكم عليه نهائياً فى الجريمة الأولى، تكون العقوبة الحبس من ثلاث إلى خمس سنوات وغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه، ولا تزيد على عشرين ألف جنيه، مع وضع المحكوم عليه تحت مراقبة الشرطة مدةً مساويةً لمدة العقوبة، وإنني أطالب مؤسسة الرئاسة بالإسراع في إقرار القانون وإتخاذ التدابير اللازمة لتفعيله حتى نحجم من الانتشار الفج لهذه الظاهرة. وفضلاً عن تفعيل القوانين ، يجب توافر دور حيوي للمراكز البحثية الاجتماعية والجنائية والسياسية في التحليل الجيد للمشكلة ومعرفة مدى انتشارها وأسبابها، ودور الشباب فى توثيق تلك الحوادث والعمل على العلاج النفسي للضحايا وتقديم الجاني للمحاكمة. بالإضافة إلى دور الإعلام والدراما في ضرورة مواجهة هذه الظاهرة من خلال المسلسلات والأفلام الدرامية التي تلقي الضوء على الظاهرة وتكون بها عبرة للمتحرش أنه إذا قام بمثل هذه الأعمال المتدنية سيلقى عليه أكبر أنواع العقوبات الفورية ، وفي النهاية مرض التحرش الجنسي لن يتم علاجه بين ليلة وضحاها، إنما نحن بحاجة إلى سنوات لنتعافى من هذا المرض تماماً. رئيس مجلس إدارة جمعية نهوض وتنمية المرأة الخبيرة الدولية في قضايا النوع والتنمية