يقام مساء اليوم عزاء الفنان التشكيلي الكبير محسن شعلان في مسجد "عمر مكرم" بميدان التحرير، والذي توفى يوم الأحد الماضي عن عمر يناهز 63 عاما. وقد جمعت "محيط" عدة شهادات عن الفنان جاء بها ما يلي: قال الفنان د. صلاح المليجي رئيس قطاع الفنون التشكيلية: "لاشك أن وفاة محسن شعلان كانت مفاجاة لنا جميعاً، وفي نفس الوقت نذكر الكثير من الفضائل التي قام بها، من بينها أنه سبب وجود فنانين كثيرين على الساحة التشكيلية مدينين له بنوع من الفضل والاعتراف بالجميل لأنه من قدمهم، من بيهم أيمن لطفي، ريهام السعدني، شيرين البارودي، مروة محي الدين، والموجودين حالياً بقوة على الساحة التشكيلية. قرأت له أول أمس مقال تم نشره مؤخراً كان يتحدث فيه عن سرقة لوحة "زهرة الخشخاش"، وأن كثير من المتاحف العالمية يتم فيها السرقات ولم يسجن بسببها رئيس قطاع ولا مدير متحف ولا أحد!، خاصة أنه تبين لهم أنه ليس من سرقها؛ لذلك اعتقد أن هذا الأمر أثر فيه نفسيا بشكل أو بآخر، وعندما نقول أنه ظلم، فهو بالفعل ظلم، هذه حقيقة وعانى معاناه شديدة، واعتقد أن هذا أثر في حياته وظل له علامة حتى نهايتها. أرى اختلاف في تجربته الأخيرة بعد السجن والظلم الذي وقع عليه، فكانت تجربته تحمل اسكتشات من السجن، ورؤية تحمل من الحلم والأمل على الرغم مما كانت تحمل من سواد، والتعبير عن كل الأمور ببساطة، وعن كل من حوله من مساجين مثل أحمد نظيف ومن سجنوا في هذه الفترة معه، وكل ما نتخيله عن السجن كان موجود في معرضه الأخير "القط الأسود.. تجربة سجن". واعتقد أن هذه التجربة كانت تعكس صراع بداخله؛ لأن احساسه بالظلم كان يتضح من خلال صورة القط الأسود أو الغراب الذي يصوره، وهذا كان يتضح في أعماله، ووجدود بصمة ما تحمل شجن وحزن موجودة، حتى قلت له أن الدراما في أعماله والعنف في الأداء والقوة في التعبير يعد ميزة في أعماله الأخيرة. أقول له: الله يرحمك يا محسن تركت ذكرى طيبة بداخل فنانين كثيرين، وفنك سيظل وتجربتك شاهدة أنك كنت حريص على العمل حتى آخر لحظة بحياتك. في يوم وفاته كان عائد صباحا من مرسمه!!. و"أد أيه" كنت متواصل مع الناس كلها على شبكة التواصل الاجتماعي، وكان يتحدث مع جميع الناس، كلما أقابل أي فنان يذكر لي أنه تحدث معه منذ فترة قريبة جدا، فكان هناك حالة من حب الناس له، وجميعهم لم يصدقوا وفاته، فعندما بلغت وزير الثقافة د. صابر عرب تأثر جدا، وتحدث مع ابنه. قبل وفاته كنت أقابله ونتحدث مع بعضنا البعض، وكنت أتمنى أن أقابله لأنه كان هناك موعد بيننا مع الفنان شوقي معروف وبعض الفنانين الأصدقاء لكن لم يحدث لنا نصيب. الله يرحمه ويحسن إليه، نطلب له المغفرة". وصرح د. المليجي أنه في الدورة القادمة "الخامسة والعشرون" لصالون الشباب، أي اليوبيل الفضي لصالون الشباب، سوف يكرم فيه عدد من الرموز الذين قاموا على الصالون وبذلوا فيه جهدا كبيرا من بينهم الفنان محسن شعلان. وسوف يقام له معرض تأبين يجمع عدد من أعماله من كل تجربة، وذلك في أقرب وقت ممكن، وليكن بعد اليوم الأربعين من وفاته. ومن جانبه قال الفنان د. خلف طايع في شهادته: "كان فنان نشيط، ولم يكن مريض، وأرى أنه في الحقيقة ظلم.. هو شخصية جميلة، ومن النوع الذي يريد أن يرضي الفنانين. اتذكر حينما أقمت معرض في أتيلية القاهرة وكان في اليوم الثاني من تعيينه رئيساً لقطاع الفنون التشكيلية، وكان رؤساء القطاع في ذلك الوقت لن يحضرون افتتاحات معارض الفنانين، فكلمته وسألته "أنت هاتيجي"، فأجاب "أزاي بتقول كدة!، طبعا هاجي"، وكان الافتتاح وقتها في الساعة الثامنة مساءاً وطلبت منه أن يأتي الساعة السابعة والنص قبل موعد الافتتاح بنصف ساعة، وجاء بالفعل في الموعد الذي اتفقنا عليه، وشربنا القهوة، وكتب عني كلام جميل، وكان سعيداً جداً بالمعرض، ولم يكن معرضي وحسب الذي يحضره، فهو ظل يهوى حضور الافتتاحات وخدمة الفنانين، أراد وقتها أن يبذل جهد في قطاع الفنون، وكان يظن أن الوزير لم يكن سعيد منه، لكنه كان يحاول أن يثبت للفنانين أنه الشخص الجيد والمناسب لهذا المكان، وأرى أنه بالنسبة لهذا المنصب لم يكن مطلوباً أكثر مما كان يحاول شعلان فعله وهو خدمة الفنانين، الدور الذي كان يؤديه بالفعل". وقال الفنان والناقد صلاح بيصار: " كان لشعلان بصمة كبيرة في قطاع الفنون التشكيلية؛ حيث كان يعمل بحماس شديد. في شخصيته "ابن البلد" وهذا كان أهم ما فيه؛ يعمل بقلبة وصدق وشهامة. موضوع سرقة لوحة "زهرة الخشخاش" اضير جداً بسببه، وكان همه الكبير الذي أثر عليه، وإن كان ذلك أثمر عن إبداعه مجموعة كبيرة من أعماله الفنية عرضها في معرضه الأخير "القط الأسود.. تجربة سجن"، واعتقد أن ما قدمه في هذا المعرض هو أفضل أعماله، وكأنه قول في النهاية وداعاً، فدوما ما تكون كلمات النهاية هي أجمل الكلمات؛ ولذلك كانت تلك الأعمال بالفعل من أجمل ما انتج، والقط الأسود كان موجوداً في المعتقل واستطاع التعبير من خلاله عن أزمته بنجاح. وأرى أن تجربته تضاف إلى فنون المعتقل كأعمال حسن فؤاد، وفنانين آخرين تم اعتقالهم، وهذا يتم وضعه مع مجموعة أعمال الفن الرفيع للمعتقلات، فهو ربط بين شخصيته ولوحة زهرة الخشخاش والفنان العالمي فان جوخ، وتلك اللوحة التي ربط فيها فيما بينهم كانت من أجمل لوحات معرضه. واتذكر أنه ابدع لوحة أخرى في أواخر التسعينيات عن حادثة له صور فيها مجموعة أشخاص يحققون معه ومنضدة كما لو كان يتنبأ بما سيحدث في لوحة "زهرة الخشخاش". أعلن في ندوة معرضه الاخير أنه بريء من القضية التي سجن بسببها وأوضح ان الموضوع كان أكبر من ذلك، ويمكن أن اعتقاله كان له جانب سلبي أثر جدً على مشاعره واحاسيسه كإنسان، إلا انه كان له جانب إيجابي حيث قام بعمل حالة فنية جميلة، حتى الخواطر التي كان يكتبها في صحيفة "التحرير" تمثل إضافة لهذا النوع من الإبداع "فن المعتقلات". علاقته به أنه كان يتصل بي عندما أنشر شيء إيجابي أو سلبي عن قطاع الفنون التشكيلية عندما كان يترأسه، وكان يقول لي "أنت تختلف معنا لكننا نسعد بذلك، فأنت تقوم بدور وأشهر أنك تبني معنا، وأنا عمري ما أضيق من النقد"، وهذا كان تعبير جميل اسمعه منه باستمرار، وكان ذلك يضعنا أمام مسئولية في النقد، وكان يستجيب كثيرا للنقد. هو شخص نادر كشخصية إنسانية، قدم في ندوة معرضه الأخير شهادات عن تجربته في الفن والمعتقل تمثل إضافة للتشكيل المصري لهذا الإبداع المرتبط بفن المعتقلات، عكس من خلاله إحساسه بهذه الحادثة والواقعة، لكنه حول المعتقل لشكل إيجابي، والقط الأسود الذي يراه كل يوم صنع منه قضيته بشكل فني رفيع بالنسبة لأعماله". وأضاف في شهادته والدموع تنجرف من عينيه: "رأيته في الحلم فجر يوم وفاته، ولم اصدق عندما سمعت الخبر، فأنا كنت أشعر به كثيراً، وعندما كنت أنظر لعينيه كنت أرى فيهما شعوره بالألم والعذاب. كانت تربطني به علاقة من المودة والحب، فهو شخص كان قلبه كبير، وكان كل ما يفعله، يفعله بقلبه اخطأ او أصاب، وكلنا بشر، فهو كان شديد المصرية، غيور على الفن، قام بعمل إضافات كثيرة لهذا المجال، أقام الكثير من المعارض الناجحة، وحاول نقل الفن لخارج الأقاليم، واستحدث فعاليات مثل "صالون جاليري". اتمنى أن نعطي له حقه كمسئول ثقافي وصاحب إدارة ثقافية خاصة بالفن التشكيل. وربنا يمنح أسرته الصبر". ومن الفنانين الشباب الذين عملوا مع الفنان محسن شعلان وكان يتبناهم، قال الفنان محمد طلعت: شعلان كان رجل جيد جداً، قام بعمل طفرة غير مسبوقة أنه استعان بشباب كثيرين وراهن عليهم كنت أنا منهم. وكان يحاول تطوير الأداء في المؤسسة، ولم يكن عنده أزمة في الحركة التشكيلية، وكان يحاول اتقان العمل، وتعاون مع الفنانين المعاصرين، ونزل بالفن للشارع من خلال المسابقات والأسوار التي تم رسمها في الشارع في مسابقات صالون الشباب، وكان يريد أن يكون الفن جزء من الجماهير، وكان عنده أمل في تطوير الفن في مصر، وكان مهتم بالجانب الإنساني والفني عند الناس، وكانت علاقته طيبه برؤساءه، وفتح مجالات كثيرة أمام الشباب الصغير ليكونوا قيادات كبير. علاقتي به قريبة جدا، فهي علاقة عمل، وبها جزء من الصداقة والمحبة والإنسانية، وكان يعتبرني مثل ابنه، ويشجعني ويدعمني على مستوى االعمل والأفكار. وقبل وفاته بثلاثة أيام كنت اتحدث معه، وكان ينوي مقابلتي يوم وفاته في جاليري "مصر" الذي قمت بتأسيسه. وكان أغلب وقته في آخر أيامه يقضيه في مرسمه، وكان ينتج أعمالاً جديدة، ويكتب مقال أسبوعي في التحرير، ويركز في فنه بشكل أكبر. أقول له عظمتك في إنسانيتك وقلبك وحب الناس ليك، غيرت مستقبل شباب كثير من الفنانين أو الأداريين وكنت سبب سعادتهم بوضعهم على الطريق الصحيح، ندعو لك جميعاً ونحتسبك على الله في الجنة، وسنتذكرك دائما فأنت حفرت اسمك في قلوبنا.. الله يرحمك كنت رجل طيب، وظلمت لكنك كنت قوي". أما الفنانة إيمان عزت فقالت في شهادتها: "جميع الفنانين تأثروا بوفاة محسن شعلان، ولم يكن مسبوق أن نرى الحزن الشديد على جميع الفنانين، ويمكن ذلك لشعورنا بأنه فنان توفي قهراً بالظلم الذي تعرض له بسبب سرقة لوحة زهرة الخشخاش، فهو مات في سن صغير بسبب تعرضه لسجنه وقهره، وماحدش وقف جنبه بالشكل الذي كان يفترض أن يكون أثناء فترة سجنه. تأثرت جداً بمجيئة معرضي الأخير؛ حيث انحنى وقال لي "هذا المعرض لابد أن انحني له"، وتحدث وقتها مع رئيس قطاع الفنون التشكيلية وقال له "لو عايز تحصد أي جوائز عالمية يكون من هذا المعرض". وارد جداً ضياع لوحة، لكن لماذا أخذ لاأستاذ محسن ككبش فداء؟!!، ولماذ لم يسجن سواه، وهذا ما جعلنا نحزن عليه ونتعاطف معه أن يتم سجن فنان بسبب سرقة لوحة!!. وقال أحمد شعلان نجل الفنان الراحل في شهادته عن والده ل"محيط": " فقدنا محسن شعلان طوال حياتنا.. على المستوى الفني هو فنان كبير معروف فنيا، وجميع الناس تعلم هذا حتى اليوم. في آخر أيامه كان متصالح مع نفسه لأبعد الحدود، ولم يتحدث عن أزمته في سرقة لوحة "زهرة الخشخاش"، وكان يرى أنه بالفعل ظلم، لكن التفاف الناس من حوله عوضه عن ذلك الظلم، وكان دائما يقول أن حب الناس له هو جائزته من الدنيا، وكان يشعر بذلك أن جزء كبير من حقه عاد له، فتلاميذه وزملاءه الفنانين وكل من عملوا معه وقفوا بجانبه بعد أزمته". كما اصدرت وزارة الثقافة بياناً تنعي فيه رحيل الفنان محسن شعلان جاء به ما يلي: "تلقت وزارة الثقافة ببالغ الحزن وعميق الأسي نبأ وفاة الفنان التشكيلي المبدع ابن مصر وشعبها البار المرحوم محسن شعلان، الذي كرس حياته في خدمة الفن ووهب له حياته، لقد كان محسن شعلان نموذجاً للفنان الموسوعي المثقف الذي ستبقى أعماله في ضمير أمته وسيبقي شعلان يسعي بيننا من خلال تلك الأعمال، وتلك مشيئة الله ولا راد لقضائه، وقد أثرى بجهوده المخلصة والواعية العمل الوظيفي من خلال شغلِه للعديد من الوظائف كان آخرها رئيسا لقطاع الفنون التشكيلية، حاول جاهداً رغم قلة الامكانيات ومحدودياتها أن يضع القطاع كأحد أهم المؤسسات الثقافية المصرية، رحم الله الفنان بما ترك لمحبية واصدقائه من مشاعل مضيئة في الحركة التشكيلية المصرية".