بقصص إيملي نصر الله .. الجمال يحول الصخور لفراشات! محيط – سميرة سليمان الغلاف تتكون المجموعة القصصية الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية "وصارت الصخور فراشات" للكاتبة اللبنانية إملي نصر الله من ثلاث قصص تتناول مفهوم الجمال في مضمونه العام حين يضع بصماته على كل الأشياء الموجودة حول الإنسان، لتؤكد قول الشاعر إيليا أبو ماضي "كن جميلا تر الوجود جميلا" بفضل هذا الجمال تتحول الصخور دوما إلى فراشات. غابة الزيتون هي أولى قصص المجموعة وتحكي عن الابن الذي سافر بعيدا عن بلدته وعائلته منذ عشرين عاما، ويعبر خطاباته يحدث أمه عن غرس الزيتون، تلك الأشجار التي زرعها في أرض كانت مقفرة قبل ذلك. تروي أمه عنه أنه أصغر أبنائها والأقرب إليها، فرغم عدم تفرقتها بينهم إلا أن هذا الأصغر كان يطلب الاقتراب من ثنايا روحها بينما يبقى أخوه متحفظا كتوما . وذات يوم أرسل الابن إلى أمه يستحثها أن تزوره وحين سافرت إليه وقبل أن يخبرها عن الصحة والأحوال العاطفية راح يحدثها عن غابة الزيتون، وتوجه بها دون أن يستأذنها صوب الطريق الصحراوي الذي يقود إلى المزرعة التي ما إن راتها حتى كانت شهقتها هي ردة فعلها الأولى، حيث ذكرتها المزرعة بأبيها الذي كان مولعا بغرس الأشجار المثمرة والزيتون، وظل يغرس مع كل "شتلة" اسما من أسماء الأحباء، وأخبرها ذات يوم أنه غرس باسمها "نصبة" زيتون وكرمة عنب قائلا لها: "لتبقى لك وعلى اسمك بعد رحيلي". وها هو ابنها يذكرها به قائلا: أشعر بجدي الذي عرفته طفولتي وحجبته عنا سنوات الفرقة يرافقني وعندما لا تحسن يدي تقليم غصن، تأخذ يداه الحمل عني وتتابعان العمل، وهذا ما يحدث فعلا لا في الخيال فهل تصدقين؟. أجابته الأم قائلة: من يعلم يا بني ما الذي يعيش فينا من الأحباء بعد أن يرحلوا، ومن يدري أين تكمن الحفائر التي غرسوها في كياننا الواعي او اللاواعي؟، إن صلة المحبة التي تشدك إليه أقوى من أن يقطع أواصرها موت أو بعاد. وأشارت لشجرة واقفة قريبا منهم ترتبط بالأرض عن طريق الجذور التي تصبح سببا في نموها وتقول لابنها: أليس ذلك شأن الإنسان؟ الذي إذا أزيلت تلك الجذور نهائيا انتزعت منه القوة ليحل محلها خواء رهيب وضعف ينذر بالتلاشي. خطوط الوهم الرائعة هي القصة الأخيرة في المجموعة، تروي فيها "ليلى" عن صديقتها "نجلاء" عشقها لرسم الخطوط التي كانت ترى في رسمها حرية حيث يمكن بها رسم "طريقا صاعدا إلى قمة الجبل، أو نهبط إلى البحر، ونتمشى على الشاطئ نتسلق شجرة أو نطير مثل العصافير ونلاحق الفراشات". هكذا أصبحت نجلاء قادرة على الشرود مع الخطوط أبعد من الآفاق المرسومة والحدود المرئية، لتغرق الهموم والعذابات وآلام الطفولة في امتداد الخطوط، استخدمتها كمطية للقفز فوق كل ما يؤذي، وصارت هوايتها مهربا جنبها كثير من أوجاع القلب. في الجامعة اختارت "نجلاء" الفن مادة اختصاصها الذي تفوقت فيه وأقامت معرضها الذي أعجب رواده وأثار كثير من تساؤلاتهم من أمثلة: ماذا تعني هذه الخطوط والأشكال؟ كيف يستطيع المرء أن يحول الأيام الرمادية إلى ربيع مشتعل بالزهر؟ الإنسان بما لديه من قدرة محدودة كيف يقوى على تحويل المآتم إلى أعراس؟. وكانت تجيبهم قائلة: "لا يستطيع المرء أن ينقذ سواه، أحيانا ينير له شمعة، يشير إلى الطريق، يرشده قليلا لكنه يظل عاجزا عن القيام بالرحلة، كل واحد منا مرتبط بمسيرته، بقدره،على كل إنسان أن يبحث عن طريقه، ثم يتعلم مداخل الطريق، ومخارجه ويسبر أغواره ويكتشف أسراره ومفاجآته". تصف "ليلى" صديقة البطلة حيرتها وعدم وجود هدف واضح لحياتها قائلة: لقد عدت من معرضك يا "نجلاء" لأنبش الماضي بذاكرتي وأرى حيرتي فقد تقطع الخط الأساسي في مكان ما من مسيرتنا، وكنت أشعر بالعجز عن تطويعه فأصبحت تائهة في دهاليز الظلمة والحيرة والقلق، رغم سيري إلا أنني انتظر عند كل محطة أن ينفتح أمامي باب ما يشرق في عيني نور غير منتظر ويقودني إلى الخلاص، مررت بدهاليز جوفية كثيرة ولا هدف لمسيرتي سوى البحث عن بصيص نور. كل ما اتوق إليه حاليا – تواصل "ليلى" - هو أن أمسك بطرف خط ثابت وأسير معه بين الجزر المحيطة بنا، جزر العزلة والوحشة والحزن حيث يقيم أناس أفرغت قلوبهم من أفراح المحبة وشهوة الحياة. إميلي نصر الله وصارت الصخور فراشات هي القصة التي يحمل الكتاب اسمها وتحكي عن امرأة تهوى الرسم، ورغم حبها للأطفال إلا أنها لم تنجب، ولذلك ترسم الدمى وألعاب الأطفال والدببة والقطط والكلاب الصغيرة والأرانب والعصافير من كل الألوان وترسم بائع الحلوى، ويمتلئ بيتها بالألوان وبكل ما يحب الأطفال من مناظر. وفي يوم كانت ترسم بحديقتها ووجدت طفلة بجانبها لا تتجاوز السابعة من العمر سمراء اللون لوزية العينين ترتدي ثوبا مهلهلا لم تنطق بكلمة، وباءت محاولات الفنانة بالفشل حين حاولت أن تتجاذب أطراف الحديث معها، لتبتعد الطفلة كأنها حلم. تقول بطلة القصة: حاولت في صباح اليوم التالي أن أتناسى أمر الطفلة وتناولت الفرشاة لأنهي اللمسات الأخيرة على لوحة بدأتها لمجموعة من الصخور الرمادية المنثورة في أرجاء الحديقة واكتشفت أن الصخور التي بدأت رسمها تحولت فوق القماش إلى أرانب وفراشات ملونة، وانتبهت لأجد الطفلة بجانبي حينذاك ناولتها اللوحة وأنا أررد: خذيها إنها لك رسمتها من أجلك، وقدمت إليها لوحة أخرى تسرح عليها فراشات الربيع وتتعانق فوقها تيجان الزهور البرية، قائلة علقيها فوق جدارغرفتك، احتضنت الصغيرة اللوحتين وابتعدت بهما. وتروي القصة كيف عادت الطفلة لترد على البطلة هداياها قائلة: أبي أرسلني لأعيدها إليك، فليس لي غرفة أو جدار لأعلقهما فوقه، وأخبرتها الطفلة أنها تعيش مع أبيها في الورشة فهو "عمّار" يبني بيتا ويبيت مع رفاقه العمال حتى تفرغ الورشة من هذا البناء، وحين قابلت بطلة القصة والد الطفلة روى لها أن ابنته "منى" تنام معه في حضنه منذ كانت في الثالثة من عمرها لأن والدتها فرت مع شاب أحبته بعد أن سئمت حياة الفقر والوحدة. واقترحت عليه الفنانة أن تحتضن ابنته التي بفضلها تحولت الصخور في حديقتها إلى فراشات، ووافقت الطفلة، لتعيش حلم وردي لمدة شهرين علقت فيهما اللوحات فوق جدارن غرفتها التي تحولت إلى حديقة طيور وحيوانات، وهكذا انتهى الحلم سريعا فقد اتمت الورشة بناء "الفيلا" وسوف تنتقل إلى بلد آخر، والفراشة الصغيرة "منى" فضلت الرحيل مع أبيها.!