محيط : ولد في الربيع ورحل في الربيع وبين الربيعين قصة عشق وشعر ورفض وثورة . قصة دمشقي اسمه نزار قباني أبحر في محيط الياسمين "وخبأ في حقيبته صباح بلاده الأخضر". ولد في آذار فأعلنت الأشجار فرحتها، واستيقظ العطر في الورد الدمشقي، وأبرقت سماء الشعر فرحاً فقد ولد الشاعر الذي سيعيد للأرض كرويتها وإلى اللغة عذريتها وإلى البحر معطفه، وقد كان. ورحل في نيسان فبكت القلوب قبل العيون حزناً وتفجعاً وأغلق الحب نوافذه فقد مات أميره، وسكت بيانو الشعر الرائع، وأعلنت القصيدة العربية حزنها على الرجل الذي حاول تأسيس مدينة فاضلة لا وجود فيها للمسدسات الكاتمة للحب. مات نزار قباني فمات الرجل الوحيد الذي حاول أن تتحول المراة من "شريحة لحم" إلى "معرض أزهار". لقد رحل الرجل الذي حاول أن يعلمنا أن نتكىء على كتف المرأة لكي لا نصاب بشلل الأطفال. مات الشاعر الذي كان وحده يتجول في بساتين المرأة وبساتين اللغة وبساتين الروح. رحل الشاعر الذي كان يحمل في يده حقيبة الأزرار السرية للغة والهوى والموسيقا. لقد رحل نزار قباني في الثلاثين من نيسان، قبل أن يرى الذل والهوان العربي على أصوله، قبل أن يشهد تفسخ وتشظي الحلم. مات الرجل العربي الوحيد الذي كان يمتهن الحب ولا شيء غير الحب بكل ما فيه من رفض وكبرياء وعنفوان. لقد مات النهر الذي كان يأبى أن يعود إلى الوراء. رحل نزار قباني بعد أن كتب دساتير الغرام ولكننا لم نحترم الدستور النزاري وانقلبنا عليه، وسحلنا الشعر في شوارع هواننا وتخلفنا وذلنا. أسقطنا الشعر من عليائه وتوجنا العهر والرذيلة محله.. لقد ذوى الحمام يا نزار الذي أطلقته في جمهورية الحب، وغطى الظلام شمس العشق. لقد اصبحت رجولتنا "مجرد اشاعة" والعروبة مسربلة بالسواد فليس في تاريخنا المعاصر أفراح، بل خيبات واسى ونواح من عراق بلقيس إلى شاطىء بحر الظلمات. لقد بكت الأمة –كل الامة– عندما رحل شاعرها وحاديها والذي يضربها على يديها إذا لم تكتب وظائفها وتأخذ العلامات الكاملة بالامتحان. طب خاطراً فقد رحلت قبل أن تشهد المؤامرة الكبرى على الشعر والفن والحب بل على الإنسانية كلها. في الثلاثين من نيسان عام 1998 مات نزار قباني، فدخلنا عصور الانحطاط من جديد. أصبحت سيوفنا خشباً وقصائدنا خشباً بل تخشبت الأرواح ونخرها السوس وتكاد أن تهوي.