«الوفد»: 200 عضو أبدوا رغبتهم الترشح في الانتخابات المقبلة.. وسندخل في تحالفات مع حزب الأغلبية    الألعاب الإلكترونية.. اقتصاديًا واجتماعيًا    رئيس الوزراء يستعرض مقترحات خفض معدلات الدَين كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي    رئيس مصنع أبو زعبل: الدولة تهتم بالإنتاج الحربى ونحقق أرباحا مع تطوير الصناعات    ترامب: قريبون من التوصل لحل مع إيران وحذرت نتنياهو من أي إجراء    سلطات الاحتلال الإسرائيلي تشرع في إجراءات ترحيل وسحب الجنسية من «عرب 48»    نسبة فوز 72%.. أرقام قياسية لجوارديولا مع مانشستر سيتي في 9 مواسم بالدوري الإنجليزي    الهلال السعودي يخطط لإنهاء تجربة ميتروفيتش    أموريم: أشعر بالذنب بعد كل خسارة لمانشستر يونايتد.. ولا توجد أخبار عن كونيا    «طعنة نافذة بالرقبة».. عامل ينهي حياة زوجته لخلافات بينهما في الشرقية    مدبولي يكشف تطورات مرشح مصر لمنصب مدير «اليونسكو»    أوجاع الحياة الخاصة للفنانين    حسن الرداد وإيمي سمير غانم يرزقان بمولودتها الثانية    دانا أبو شمسية: اتهامات حادة لنتنياهو بالفشل فى استعادة المحتجزين داخل الكنيست    عالم أزهري: الأيام العشر من ذي الحجة أفضل أيام الدنيا لاجتماع أمهات العبادة فيها    حكم صلاة العيد يوم الجمعة.. أحمد كريمة يوضح    نائب وزير الصحة يشيد بأداء عدد من المنشآت الصحية بقنا.. ويحدد مهلة لتلافي السلبيات    رئيس الوزراء: مشروعات البنية التحتية سبب إقبال المستثمرين على مصر    إغلاق 5 مراكز تعليمية غير مرخصة في الإسكندرية -صور    محافظ الغربية: الجامعة الأهلية خطوة استراتيجية نحو تعليم متطور    "جائزة الدانة للدراما 2025" تعلن قائمة الأعمال الدرامية والفنانين المرشحين للفوز بالجائزة في نسختها الثانية    رئيس وزراء كندا يؤكد سعي بلاده لإبرام اتفاق ثنائي جديد مع أمريكا لإلغاء الرسوم الجمركية    المتهم بقتل طفلته في البانيو للمحكمة: والنبي إدوني إعدام.. والمحكمة تصدر قرارها    دعاء الإفطار في اليوم الأول من ذي الحجة 2025    مسؤولة أممية: المدنيون بغزة يتعرضون للاستهداف المباشر    طارق عكاشة يعلن 25% من سكان العالم يعيشون فى أماكن بها حروب    مواقيت الصلاة بمحافظات الجمهورية غدًا.. وأفضل أدعية العشر الأوائل (رددها قبل المغرب)    الفيوم تحصد مراكز متقدمة في مسابقتي المبتكر الصغير والرائد المثالي    اتحاد الصناعات يبحث مع سفير بيلاروسيا التعاون بالصناعات الثقيلة والدوائية    عقوبة في الزمالك.. غيابات الأهلي.. تأجيل موقف السعيد.. واعتذار بسبب ميدو| نشرة الرياضة ½ اليوم    «زي النهارده» في 28 مايو 2010.. وفاة الأديب والسيناريست أسامة أنور عكاشة    حسن الرداد وإيمي سمير غانم يرزقان ب «فادية»    عطل مفاجئ في صفقة انتقال عمرو الجزار من غزل المحلة إلى الأهلى    الاصلاح والنهضة توصي بتأهيل المرأة سياسيًا وتفعيل دور الأحزاب    الجيش الإسرائيلي ينشر مشاهد لنصب مستوصف ميداني جنوب سوريا ل "دعم سكان المنطقة"    متى يبدأ صيام العشر الأوائل من ذي الحجة 1446؟    مدير «جنيف للدراسات»: تزاحم أوروبي أمريكي للاستثمار في سوريا    إيلون ماسك ينتقد مشروع قانون في أجندة ترامب التشريعية    طارق يحيي: لن ينصلح حال الزمالك إلا بالتعاقد مع لاعبين سوبر    13 شركة صينية تبحث الاستثمار فى مصر بمجالات السياحة ومعدات الزراعة والطاقة    مصرع شخص أسفل عجلات قطار في بني سويف    طريقة عمل الموزة الضاني في الفرن لغداء فاخر    حرام شرعًا وغير أخلاقي.. «الإفتاء» توضح حكم التصوير مع المتوفى أو المحتضر    د.محمد سامى عبدالصادق: حقوق السربون بجامعة القاهرة تقدم أجيالا من القانونيين المؤهلين لترسيخ قيم الإنصاف وسيادة القانون والدفاع عن الحق.    نائب وزير الصحة تعقد اجتماعًا لمتابعة مستجدات توصيات النسخة الثانية للمؤتمر العالمي للسكان    اسكواش - تتويج عسل ونوران جوهر بلقب بالم هيلز المفتوحة    سكاي: هدف برشلونة يخضع للكشف الطبي مع بايرن    5 أهداف مهمة لمبادرة الرواد الرقميون.. تعرف عليها    سليمة القوى العقلية .. أسباب رفض دعوى حجر على الدكتورة نوال الدجوي    الإعدام لمتهم والسجن المشدد 15 عامًا لآخر ب«خلية داعش قنا»    حملة أمنية تضبط 400 قطعة سلاح وذخيرة خلال 24 ساعة    «بيت الزكاة والصدقات» يصرف 500 جنيه إضافية لمستحقي الإعانة الشهرية غدًا الخميس    وزير التعليم: 98 ألف فصل جديد وتوسّع في التكنولوجيا التطبيقية    صحة أسيوط تفحص 53 ألف مواطن للكشف عن الرمد الحبيبي المؤدي للعمى (صور)    وزير الخارجية يتوجه إلى المغرب لبحث تطوير العلاقات    الحماية المدنية بالقليوبية تسيطر على حريق مخزن بلاستيك بالخانكة| صور    قرار من «العمل» بشأن التقديم على بعض الوظائف القيادية داخل الوزارة    ألم في المعدة.. حظ برج الدلو اليوم 28 مايو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يُحيى الغرام وهو رميم!
نشر في اليوم السابع يوم 20 - 09 - 2009

لا يملك قولٌ أدبى أن يفعل فينا ما يفعله شعر نزار! ومهما قيل عن رتوب شعريّته، ونكوص رؤيته، ونسقيّته، فلا يمكن لِكَنود أن ينكر أنّ شعر نزار فتّح آفاقاً للذات العربيّة أكثر ممّا فعلت حركات التحرّر السياسيّة كلّها، لأنّه كان متخلّصاً من فصام المثقّف العربىّ، إذ كان صادقاً مع ذاته، ونقل ذلك الإحساس بالصدق إلى متلقّيه فى كلّ مكان.
رافق شعره يفاعة أكثر من جيل، واستمرّ معه فى شبابه وكهولته، وليجرّب أحدنا استعادة بضع قصائد، أو استعادة ديوان لنزار قبّانى، وسترون كيف ستتقافز الرسائل الإلكترونيّة تبحث عن رفاق الأيّام الخوالى، وكيف ستعود الذاكرة لتحيى فينا غراماً ربّما بات رميماً.
لقد أيقظت رؤية نزار الشعريّة المتأتية من وعى بورجوازىّّ، ونفس توّاقة إلى المعرفة، وإلى المساءلة، وعدم الركون إلى النمطيّة والقوالب الفكريّة الجاهزة، أيقظت وعى الإنسان العربىّ، ووضعته فى مواجهة مع ذاته، ومع ظروفه ومع تاريخه، فى وقت علا فيه صوت الإديولوجيا، والتخوين، والنفى، واستلاب الوعى.
لاشكّ فى أنّ كلامى على نزار قبانى ليس بجديد، ولكنّنى اشتهيت أن أحتفل من دونما مناسبة ب(أبجديّة الياسمين) آخر دواوين نزار قبانى، والذى جمعته أسرته بعد موته، ونشرته فى نيسان 2008. يضمّ الديوان قصائده الأخيرة غير المنشورة، ومقطّعات كتب نزار بعضها على أوراق مستشفى (سان توماس) فى لندن، وعلى أكياس الأدوية التى كانت فى متناوله فى الغرفة رقم 12. هى قصائد مسوّدات، بعضها غير مكتمل، وبعضها الآخر لم يتمّ ضبط وزنه، لكنّها عبارات نزار، وشعريّة نزار، وروح نزار! بالطبع لسنا فى معرض مناقشة ديوانه أو شعريّته، فالرجل الذى كان يتنفّس شعراً، نفخ روحه شعراً، وهو يبحث عن العودة، عودة العربى إلى هويّة واضحة، متخلّصة من حالة التشظّي، وعودة الرجل إلى رحم امرأة يعشقها، وعودة المرأة إلى أنوثتها المقدّسة، وعودة الشاعر إلى الشعر، إذ يقول فى آخر كلام له:
"أرجعينى مرّة أخرى..
إلى عصر الحطب..
وإلى عصر المها..
وبساتين الرطب..
أرجعى لى الشعر- يا سيّدتى -
إنّه آخر ما أحمل من وشم العرب!
لعلّ كلاًّ منّا إذا ما راجع علاقته بشعر نزار، سيكتشف أنّه مشتبك معه بطريقة معقّدة، مشتبك مع ثقافته الجمعيّة والفرديّة فى آن معاً، فمن (الفالس) و(التانغو)، إلى (الإمامة والسياسة)، مروراً بأسطورة ليليت، إلى أن نعرف أخيراً كيف يمكن لشفتى الجرح أن تقبّلا السكين المسافرة فيهما!
طالما اختزنت الكلام على علاقتى الشخصيّة بشعر نزار إلى قادمات الأيّام، لكنّ ظرف الشعر العربى الآن لم يترك لى فرصة لكتمان بعض الأسرار..
كنت ربّما فى الصفّ الرابع الابتدائى عندما بدأت أغافل الجميع فأفضّ الرسائل التى تأتى من نزار إلى أبى أو عمّى، أفتح صندوق بريد العائلة رقم (25)، وأقرأ، ثمّ أسلّم الرسائل إليهما، مدعية أنّها وصلت مفتوحة، فيظنّ أهل البيت أنّ (الأمن) هو من فتحها، ذلك أنّها كانت عادة شائعة آنذاك! لم تكن تكفينى الدواوين حينها، فالدواوين للناس جميعاً، ومع ذلك فرسائل نزار إلى أصدقائه حميمة، وراقية، وصادقة، وعابثة أحياناً مثلما هو شعره، ولعلّه كان يتفرّغ لصناعتها مثلما كان يتفرّغ لصناعة الشعر، إذ يقول فى قصيدته من الديوان الأخير:
أتفرّغ للكتابة عنك..
كما يتفرّغ نبى لكتابة الوحى..
وكما تتفرّغ بيوت الشام لصناعة الياسمين..
وكما تتفرّغ نساء الشام..
لصناعة الأنوثة..
أتفرّغ لتصميم جسدك..
كما يتفرّغ معمارىّ
لتصميم مدينة مقدّسة..
وكما يتفرّغ البابليّون لبناء بابل
والمصريّون لبناء وادى الملوك..
أرفع صدرك عالياً فوق البحر..
كأنّه منارة الإسكندريّة..
حتّى لا تضيع المراكب..
وتضيع طيور النورس..
ما زلت أنتظر أن يطلعنى أبى على رسائل نزار الإسبانيّة، فهو لم يفعل إلى الآن! ومازلت أطرب لذكرى رسالة نزار إلى عبد السلام العجيلي، حول تعيينه له، سفيراً فى إسبانية، حينما كان العجيلى وزيراً للخارجيّة السوريّة، وتندّرهما على الذين غمزوا من قناة بأنّه سلّم حقيبة إسبانيا لنزار قبانى لأنّه صديقه، فكان العجيلى يقول: سلمتها له لأنّه شاعر!
ذهبت حقائب دبلوماسيّة كثيرة، وأتت أخرى، وستذهب أيضاً، لكنّ حقيبة إسبانيا هى وحدها الباقية:
فى مدخل الحمراء كان لقاؤنا ما أطيب اللّقيا بلا ميعاد!
عينان سوداوان فى حجريهما تتوالد الأبعاد من أبعاد..ِ
لعلّ الشعور بالشجن الذى تحمله مطالعة شعر نزار، يعود إلى أنّ هذا الشعر كان رفيق هوانا، وإخفاقاتنا وانتصاراتنا، ويعود أيضاً إلى الإحساس بالأزمة، إذ إنّنا بعد سقوط الأقنعة الثقافيّة، التى تكشّفت عن وجه واحد، أنّى قلّبناه، لا نجد بدائل! إنّ عجلة السياسة والاقتصاد التى ندور حولها أو تدور بنا، تنأى بنا عن ذلك الإحساس بالأزمة، لكنّنا فى أزمة ثقافيّة فعليّة، وكوننا فى أزمة ثقافيّة يعنى أننا فى أزمة وجود، تحملنا على أن نتساءل عن الوقت الذى ستتفرّغ فيه الأمّة لصناعة شخصيّات ثقافيّة ناضجة، شخصيّات بلا أقنعة، تفكّر، وتبدع، وتقول، وتفعل، وتطرح رؤيات سياسيّة فى آن معاً!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.