يعتبر " اليبوسيون " البناة الأوائل للقدس، وكانت في عهدهم تدعى: (يبوس) وهم من بطون العرب الأوائل، نشأوا في قلب الجزيرة العربية، وترعرعوا في أرجائها، ثم نزحوا عنها، مع نزوح القبائل الكنعانية، وإلى هذه القبائل ينتمون، إنهم أول من استوطن هذه الديار، وهم أول من وضع لبنة في القدس، وكان ذلك حوالي سنة 3000 قبل الميلاد. وكانت يبوس في ذلك العهد ذات أهمية كبيرة من الناحية التجارية والجغرافية، وكانت تعمها الخيرات الوفيرة. وعندما خرج بنو إسرائيل من مصر وأطلوا على أرض كنعان، رأوا فيها ما رأوا من خيرات وبركات، راحوا يغيرون عليها، بقصد امتلاكها، مدعين بأنها الأرض التي وعدهم الله بها، عندئذ أيقن الكنعانيون أن مصلحتهم تقضي عليهم نسيان الماضي، يوم كانوا في احتراب مع المصريين، فطلبوا العون منهم، لأن بني إسرائيل كان دأبهم، كلما احتلوا مدينة أن يعملوا فيها وبسكانها النار والسيف، وأما المصريون، فقد كانوا يكتفون بالجزية، فلا يتعرضون لسكان البلاد، وعاداتهم ومعتقداتهم. وبالفعل، لم يتوان المصريون في مد يد العون للكنعانيين،وقاتل المصريون والكنعانيون بني إسرائيل، إلى حين انشغل المصريون بمشاغل أخرى، فقاتل الكنعانيون بني إسرائيل وحدهم لفترة من الزمن، حتى تمكن الإسرائيليون من السيطرة على القدس عام 1049 قبل الميلاد، وخلال الفترة (1600 1049) قبل الميلاد، حدثت غزوتان كبيرتان على اليبوسيين، الأولى عام (1600) قبل الميلاد، والثانية عام (1200) قبل الميلاد، وكانت الثانية أشد وأقوى وعلى الرغم من تمكن الإسرائيليين من دخول يبوس عام (1049) قبل الميلاد بيد أنهم لم يستطيعوا طرد اليبوسيين من مدينتهم، وظلوا فيها رغم صعوبة الظروف.. وتعترف التوراة صراحة، بأن بني إسرائيل لم يستطيعوا ذلك. ورد بخصوص ذلك: " وبنوبنيامين لم يطردوا اليبوسين، سكان أورشليم، فسكن اليبوسيون مع بني بنيامين في أورشليم، إلى هذا اليوم ". ويذكر أن القدس مرّ عليها شعوب وأقوام في العهود الغابرة، منهم اليبوسيون، الفراعنة، الآشوريون والبابليون، الفرس، اليونان، الرومان، وبعد ذلك مرت مدينة القدس بمراحل أساسية: عهد الإسلام، وفترة الحروب الصليبية، تلاها العهد المملوكي، فالعهد العثماني، وبعد الحرب العالمية الأولى اقتسم الحلفاء سراً الوطن العربي فيما بينهم، وقاتل العرب إلى جانب الحلفاء ضد العثمانيين، ودخل الجنرال اللنبي بحملته إلى القدس عام 1917، وكان الجناح الأيمن لهذه الحملة مشكلاً من قوات الثورة العربية، معتقدين أن الحلفاء جاءوا لطرد العثمانيين من البلاد، وتسليمها لأصحابها، بيد أنه حصل ما لم يتوقعه العرب، فقد استعمرهم الإنكليز والفرنسيون والإيطاليون، وكان نصيب فلسطين للإنكليز، الذين مهدوا الطريق لدخول مزيد من اليهود إلى فلسطين واستيطانها، لجهة إقامة دولة إسرائيل، وكان لوعد وزير خارجية بريطانيا بلفور في عام 1917 بالغ الأثر في دعم هذا الاتجاه، وبذلك ساعدت بريطانيا الحركة الصهيونية على الصعيد المادي والمعنوي في إنشاء إسرائيل، فخلال فترة الانتداب البريطاني (1919 1948)، حصلت عدة موجات من الهجرة اليهودية إلى فلسطين إلى أن بلغ مجموع اليهود في فلسطين عشية إقامة إسرائيل (650) ألفاً، جزء منهم تركز في مدينة القدس، وقد قسمت مدينة القدس إلى قسمين القدسالجديدة: الغربية التي احتلتها العصابات الصهيونية في عام 1948، والقدس القديمة الشرقية التي احتلها الجيش الإسرائيلي في حزيران 1967.وإن كان عام 1948 وهو العام الذي أقيمت فيه إسرائيل على نحو(78) في المئة من مساحة فلسطين البالغة (27009) كيلومتر مربع، منعطفاً هاماً في التركيز على عملية استيطان القدس لجعلها عاصمة أبدية للدولة الصهيونية إلا أن المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في بازل السويسرية في عام 1897 وضع الأسس لإنشاء الدولة اليهودية المنشودة، وأكد على مركزية النشاط الاستيطاني في مدينة القدس في اطار التوجه الصهيوني. ** منشور بصحيفة "المستقبل" اللبناني 12 أغسطس 2009