نص عظة البابا تواضروس في خميس العهد بدير مارمينا العجائبي بالإسكندرية    خبر عاجل بشأن العمال ومفاجأة بشأن أسعار الذهب والدولار وحالة الطقس اليوم.. أخبار التوك شو    بعد تدشينه رسميا.. نقابة الفلاحين تعلن دعمها لإتحاد القبائل العربية    "ابدأ": نعمل في مبادرات متعددة.. وتنوع القطاعات الصناعية لدينا ميزة تنافسية    هنية: اتفقنا مع رئيس وزراء قطر على استكمال المباحثات حول الوضع في غزة    وزيرة البيئة تنعى رئيس «طاقة الشيوخ»: كان مشهودا له بالكفاءة والإخلاص    الأمم المتحدة: أكثر من 230 ألف شخص تضرروا من فيضانات بوروندي    منافس الأهلي.. صحيفة تونسية: جماهير الترجي تهاجم ياسين مرياح بعد التعادل مع الصفاقسي    "سددنا نصف مليار جنيه ديون".. الزمالك يعلن مقاضاة مجلس مرتضى منصور    «حصريات المصري».. اتفاق لجنة التخطيط بالأهلي وكولر.. صفقة الزمالك الجديد    بسبب كاب.. مقتل شاب على يد جزار ونجله في السلام    ‬رفضت الارتباط به فحاول قتلها.. ننشر صورة طالب الطب المتهم بطعن زميلته بجامعة الزقازيق    لحظة انهيار سقف مسجد بالسعودية بسبب الأمطار الغزيرة (فيديو)    سميرة سعيد تطرح أغنيتها الجديدة كداب.. فيديو    الضبيب: مؤتمر مجمع اللغة العربية عرسًا لغويًا فريدًا    أدباء ومختصون أكاديميون يدعون لتحويل شعر الأطفال إلى هدف تربوي في مهرجان الشارقة القرائي للطفل    "سور الأزبكية" في معرض أبوظبي الدولي للكتاب    ب9 عيادات متنقلة.. «صحة الإسكندرية» تطلق قافلة مجانية لعلاج 1540 مريضًا بقرية عبدالباسط عبدالصمد    مسؤول أممي إعادة إعمار غزة يستغرق وقتًا طويلًا حتى 2040    "مشنقة داخل الغرفة".. ربة منزل تنهي حياتها في 15 مايو    القناطر الخيرية تستعد لاستقبال المواطنين في شم النسيم    رسائل تهنئة شم النسيم 2024.. متي موعد عيد الربيع؟    الفندق المسكون يكشف عن أول ألغازه في «البيت بيتي 2»    أذكار بعد الصلاة.. 1500 حسنه في ميزان المسلم بعد كل فريضة    وزير الأوقاف ومحافظ جنوب سيناء: الخميس 25 يوليو انطلاق المرحلة الثانية لمسابقة النوابغ الدولية للقرآن    لا تهاون مع المخالفين.. تنفيذ 12 قرار إزالة في كفر الشيخ| صور    الداخلية تضبط 12 ألف قضية تسول في شهر    عاجل.. هيئة الرقابة المالية تقرر مد مدة تقديم القوائم المالية حتى نهاية مايو المقبل    تفاصيل منحة السفارة اليابانية MEXT لعام 2025 للطلاب في جامعة أسيوط    القوات المسلحة تنظم المؤتمر الدولي الثاني للطب الطبيعي والتأهيلي وعلاج الروماتيزم    كاف يحدد موعد مباراتي مصر أمام بوركينا فاسو وغينيا في تصفيات كأس العالم    تمديد استقبال تحويلات مبادرة "سيارات المصريين بالخارج".. المهندس خالد سعد يكشف التفاصيل    رئيس الوزراء يعقد اجتماعًا مع ممثلي أبرز 15 شركة كورية جنوبية تعمل في مصر    مهرجان الجونة السينمائي يفتح باب التسجيل للدورة السابعة    أردوغان يعلق على التظاهرات الطلابية بالجامعات الأمريكية لدعم غزة    أول رد من الكرملين على اتهام أمريكي باستخدام «أسلحة كيميائية» في أوكرانيا    انتبه.. 5 أشخاص لا يجوز إعطاؤهم من زكاة المال| تعرف عليهم    ميقاتي يحذر من تحول لبنان لبلد عبور من سوريا إلى أوروبا    فقدت ابنها بسبب لقاح أسترازينيكا.. أم ملكوم تروي تجربتها مع اللقاح    الرعاية الصحية تطلق حملة توعوية حول ضعف عضلة القلب فى 13 محافظة    جرثومة المعدة.. إليك أفضل الطرق الطبيعية والفعالة للعلاج    أب يذبح ابنته في أسيوط بعد تعاطيه المخدرات    شراكة استراتيجية بين "كونتكت وأوراكل" لتعزيز نجاح الأعمال وتقديم خدمات متميزة للعملاء    واشنطن تطالب روسيا والصين بعدم منح السيطرة للذكاء الاصطناعي على الأسلحة النووية    تزايد حالات السكتة الدماغية لدى الشباب.. هذه الأسباب    السكرتير العام المساعد لبني سويف يتابع بدء تفعيل مبادرة تخفيض أسعار اللحوم    «التنمية الحضرية»: تطوير رأس البر يتوافق مع التصميم العمراني للمدينة    دعم توطين التكنولوجيا العصرية وتمويل المبتكرين.. 7 مهام ل "صندوق مصر الرقمية"    هيئة الجودة: إصدار 40 مواصفة قياسية في إعادة استخدام وإدارة المياه    لمواليد 2 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    بنزيما يتلقى العلاج إلى ريال مدريد    إعلامي: الخطيب طلب من «بيبو» تغليظ عقوبة أفشة لإعادة الانضباط في الأهلي    التنظيم والإدارة يتيح الاستعلام عن نتيجة الامتحان الإلكتروني في مسابقة معلم مساعد فصل للمتقدمين من 12 محافظة    التضامن: انخفاض مشاهد التدخين في دراما رمضان إلى 2.4 %    تحديد أول الراحلين عن صفوف برشلونة    عميد أصول الدين: المؤمن لا يكون عاطلا عن العمل    مظهر شاهين: تقبيل حسام موافي يد "أبوالعنين" لا يتعارض مع الشرع    بروسيا دورتموند يقتنص فوزا صعبا أمام باريس سان جيرمان في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحصاد الثقافي (لبنان): الفلتان الامني والنهضة الثقافية سنة 2008
نشر في محيط يوم 24 - 12 - 2008

على خلاف السنتين السابقتين، كانت سنة 2008 الثقافية في لبنان سنة الانحدارات القسرية والصعود المفاجئ. يبدو هذا الوصف أكثر ملائمة للغة الأبراج منه إلى الثقافة. لكنَّ بلداً كلبنان يحتاج فعلاً إلى منجمّين لتتبع مسارات الحياة السياسية والثقافية فيه. ما بدا- مثلاً- أنه علامة على السنة في مطلعها أثناء اعتصام المعارضة في وسط بيروت وتثبت الأكثرية النيابية بمواقفها السياسية الرافضة لأي تعديل وزاري، تحوّل بعد أحداث 7 أيار/مايو إلى شيء آخر. انفجر الوضع الأمني بعملية عسكرية شنتها المعارضة (تحديداً حزب الله وحركة أمل والحزب السوري القومي الاجتماعي) ضد الموالاة (تحديداً تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي). عملية أسفرت عن مؤتمر الدوحة الذي انتهى بانتخاب رئيس للجمهورية وحكومة وحدة وطنية وتعديل في القانون الانتخابي الذي أعاد البلد إلى القضاء كدائرة انتخابية واحدة، وبالتالي أعاد البلد إلى الاصطفافات العائلية والطائفية بسبب تكوينات الأقضية في لبنان. وفقاً لهذا الاستعراض السياسي والأمني المبتسر، يمكننا تصور الوضع الثقافي على مدى سنة كاملة. ففي حين شهدت الأشهر الأولى من السنة، وتحديداً في شهر نيسان/ أبريل طفرة في الأنشطة الثقافية مع الذكرى الثالثة والثلاثين لاندلاع الحرب الأهلية، تعطل البلد مع مطلع أيار/ مايو بسبب الأحداث الأمنية المستجدة في الداخل، ليستعيد عافيته بعد الاتفاق السياسي الذي جرى عقب هذه الأحداث، قبل أن تُختتم السنة بعدد من الأنشطة الثقافية ولا سيما إصدارات الكتب بكثافة لم تشهدها السنوات الأخيرة الماضية.
إذا كانت السياسة، وما ينتج عنها من حروب ومعارك واضطراب أمني، سبباً في تعثر الثقافة في لبنان، فإن هذه السياسة نفسها قد تكون دافعاً للثقافة. من جهة هي حافز للمثقفين لتحريك أقلامهم مواقفَ وكتابة وإصدارَ كتب تعنى مباشرة بالنقاش السياسي. ليس هذا فحسب، فإن السياسة في لبنان تدر مالاً سياسياً يساهم في تنظيم المؤتمرات والندوات وإصدار الكتب والمنشورات. ولئلا يقتصر الكلام على هذه المباشرة، فإن موقع لبنان وحيوية السياسة فيه، جعلته طوال السنوات الثلاث الماضية محط أنظار العالم. هكذا نشطت الحكومات الغربية والمنظمات المدنية ووسائل الإعلام العربية والدولية في ضخ أموال إلى هذا البلد لأهداف تختلف بحسب الطرف المموِّل. لكنَّ هذه الأموال على اختلاف مصادرها وأهدافها، أطلقت ورشاً ثقافية متنوعة صانعة غلياناً انعكس حتى على غير المسيّسين. ثمة حركة ثقافية من الرواح والمجيء في لبنان لا تهدأ على خلفية ما تقدّم من أحداث أمنية وسياسية جعلت من هذا البلد الصغير محلَّ جذب مستمر.
والحال، فإن الثقافة في لبنان يمكن أن تكون هي الأخرى وجهاً للسياسة في شكل مباشر أو غير مباشر. في شكلها المباشر قد تكون ثقافة دعائية كتلك الأنشطة التي تصدر عن أحزاب معارضة أو موالية. في شكلها غير المباشر قد تكون أشنطة تصدر عن توجهات سياثقافية (إذا صحَّ هذا المصطلح على ثقله)، أي إنها أنشطة تنخرط في النقاش حول الهوية الموزّعة بين الشرق والغرب والعروبة والإسلام والمسيحية والأكثريات والأقليات. نحن دائماً أمام ثقافة تتحرك ابتداء من تركيبة البلد الطائفية والسياسية ومن تحالفات السياسيين فيه الداخلية والخارجية. بكلام عملي، لا يمكن فصل معرض المعارف الذي تنظمه جمعية المعارف الإسلامية في الضاحية الجنوبية عن السياسة، على الأقل بمعناها غير المباشر، أي إنه معرض يستجيب لتحولات ديموغرافية انتهت بغلبة شيعية في هذه المنطقة التي يسيطر عليها حزب الله. كما لا يمكن فصل أنشطة تقوم بها جمعية أمم التي يرأسها الناشر والكاتب لقمان سليم عن السياسة، لما تحتوي هذه الأنشطة من مادة سياسية. كذلك لا يمكن تجاهل مهرجانات كبرى في البلد أنشئت كنوع من الفيدرالية الثقافية المناطقية كمهرجانات بيت الدين التي تتولى رعايتها نورا جنبلاط زوجة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ومهرجانات صور التي تتولى رعايتها رندة بري زوجة رئيس المجلس النيابي ورئيس حركة أمل نبيه بري. والحال نفسها تنطبق على النائب والوزير محمد الصفدي الذي يرعى عدداً من الأنشطة بالتعاون مع مؤسسات أجنبية في مدينة طرابلس ومنطقة الشمال. وعليه، فإن ما تقوم به السلطة أو الدولة في العالم العربي عموماً، تتولاه سلطات سياسية عدة في لبنان من جنوبه إلى شماله ومن بحره إلى بقاعه. على أن وصفاً كهذا لا يلغي الجانب الأهم في الثقافة اللبنانية وهو الجانب الذي ينتجه القطاع الخاص، وهو جانب عبارة عن حصيلة فردية لعدد كبير من الأشخاص ليس لديهم علاقة بنتاج السلطات السياسية للثقافة. لا بل إن هؤلاء الأفراد يشكلون أساساً ثقافياً على تخوم السياسة. وهو رافد أكثر عمقاً وفاعلية من الأنشطة التي تحظى برعاية الساسة وتوجهاتهم والتي تظلُّ مرحلية وفولكلورية (استعراضية) في أحسن تقدير.
نافذة إلى العالم
تشكل المهرجانات في لبنان محطات أساسية في الحياة الثقافية، ولا سيما أن هذه المهرجانات تستقطب أسماء عالمية بارزة في الغناء والموسيقى والرقص والاستعراض. ولعلَّ أبرزها مهرجانات بعلبك التي أنشئت عام 1956. هذه السنة كان برنامج الأنشطة في بعلبك ممتلئاً بعدما كانت المهرجانات الدولية توقفت أو تعثرت في السنتين الماضيتين بسبب حرب تموز/ يوليو ثم الأحداث السياسية والأمنية التي تلتها. ولم يستمر سوى مهرجان جبيل في مواصلة برنامجه السنوي في الموعد المحدد رغم الظروف الصعبة. إذاً، برنامج هذه السنة في بعلبك كان حافلاً بالليالي الموسيقية الشرقية والغربية التي أحيتها فرق عالمية. المغنية الاستعراضية العالمية من أصل لبناني أستريد حداد، أحيت حفلة غنت فيها أغاني ساخرة لكنها تحمل رسالة سلام في الوقت نفسه. وتغني حداد منذ أكثر من 13 عاماً، في أمريكا الشمالية والجنوبية وفي أوروبا، مبتكرة أسلوب (Heavy Nopal)، وهو عبارة عن مزج بين المسرح والكباريه والموسيقى الشعبية والمكسيكية، وبين الروك والبوليرو وموسيقى رانشيرا، مستوحية فنها ومظهرها من لوحات الرسامة التشكيلية المكسيكية فريدا كاهلو. وأحيت المغنية الأرمنية هازميك بابلان حفلاً موسيقياً غنت خلاله مقطوعات من موزار، هاندل، دونيزتي، روسيني، فيردي، كاتاليني. أما المغنية وعازفة البيانو ومؤلفة الجاز البرازيلي تانيا ماريا فقدمت برفقة فرقتها الموسيقية الرباعية حفلاً غنت فيه مجموعة من أغانيها التي مزجت فيها بين الجاز والسامبا. بدورها قدمت المطربة وردة الجزائرية ليلة طرب رافقتها فيها أوركسترا خالد فؤاد. واختتمت مهرجانات بعلبك موسمها هذا مع عازف البيانو العالمي عبد الرحمن الباشا الذي قدم مقطوعات من بيتهوفن، باخ، شوبان، رافيل، والبينيز.
من جهتها واصلت مهرجانات بيت الدين الدولية إحياء هذا الحدث الثقافي، ولا سيما بعدما كان مؤتمر الدوحة أسفر عن اتفاق سياسي ساهم في عودة الحياة إلى اللبنانيين. وافتتحت المهرجانات فعالياتها مع عرض سينمائي من إنتاج المهرجان، تلته المغنية المغربية كريمة صقالي في تحية منها إلى الفنانة أسمهان. وتخلل الأمسية عرض لأفلام المطربة الراحلة التي شكلت أسطورة في حياتها وغنائها. ثم كانت حفلات لكل من الرباعي برانفود مارساليز في جاز عالمي، جيلبير جيل، راقص التانغو الأرجنتيني كارلوس جاردل، المطرب العراقي كاظم الساهر، المطربة اللبنانية ماجدة الرومي، واختتم المهرجان مع الفنان الشاب نسيب أحمدية الذي رافقه الفنان ماتيو. كما نظمت مهرجانات بيت الدين حفلة خاصة للفنان العالمي ذي الجذور اللبنانية ميكا في ساحة الشهداء في بيروت. أما مهرجانات جبيل فقد واصلت أيضاً بلا انقطاع فعالياتها لهذه السنة، مقدمة عملاً رحبانياً للسنة الثالثة على التوالي. عودة الفينيق هي المسرحية الغنائية الاستعراضية الدرامية التي كتبها منصور الرحباني وساعده فيها ابناه أسامة (موسيقى وإنتاجاً) ومروان (إخراجاً). نبش منصور الرحباني التاريخ، ليكتب قصة عن مملكة جبيل التي أثارت طمع الأمبراطوريتين الفرعونية والحثية، وأسست مقاومة شعبية بقيادة الثائر مجدو للانقلاب على الجميع. عمل تاريخي أسقطه- كالعادة- منصور الرحباني على الواقع. وهو عمل كان كتب منذ عام 2006 لكن حرب تموز/ يوليو دفعت عرضه إلى عام 2008. ويحكي العمل قصة قائد الثورة مجدو الذي أغرم بابنة الملك روكسانا. في النهاية سيؤدي هذا الحب إلى إحراق المدينة بكاملها، بدلاً من الاستسلام للغزاة. وكانت مفاجأة الرحباني لهذه السنة، إضافة إلى الأسماء المألوفة غسان صليبا وأنطوان كرباج، طالبة التمثيل والإخراج والغناء الشابة هبة طوجي. إلى عمل الرحابنة هذا، شهدت مدينة جبيل حفلات لكل من نجمة الروك العالمية باتي سميث وفرقتها الموسيقية، حفلة الليلة البيضاء التي أحياها نجوم من العالم أمثال لومي وسيباستيان تيلييه وغيرهما، المغنية البلجيكية داني كلاين وفرقة بارباتوك البرازيلية وأسطورتي الجاز شيشو فالديس وميشال لوغران.
في حين واصلت مهرجانات صور أنشطتها، مضيفة هذه السنة عرضاً لقوات اليونيفل في جنوب لبنان، افتتح مهرجان البستان السنوي دورته لهذا العام تحت عنوان أبعد من الحدود. وقد اعتبرت ميرنا بستاني (رئيسة المهرجان) أن العنوان لا يرمز إلى تخطي الحدود الجغرافية بين البلدان وحتى بين الأشخاص فحسب إنما يتعدى ذلك إلى تخطي الحدود الزمنية إذ يقدم موسيقى تعود إلى ثلاثة آلاف عام.
وكان لافتاً أن المهرجان خرج من إطار فندق البستان في بيت مري إلى أماكن أخرى في لبنان، تماشياً مع أسلوب الموسيقى ونوعها والهندسة الصوتية الملائمة لها ومدى قدرة المكان الذي يتم اختياره على استيعابها. كما كان الهدف من وراء ذلك تعريف الجمهور اللبناني والأجنبي إلى أماكن مجهولة رغم أنها رائعة الجمال. وعليه تم اختيار كنيسة القديس جاورجيوس في البترون وكنيسة مار سابا الأثرية القديمة في منطقة إده في البترون ومغارة جعيتا التي شهدت حفلاً موسيقياً للفنان اللبناني وسام بستاني. وشمل برنامج المهرجان حفلاً موسيقياً أحيته الأوركسترا السمفونية الوطنية في لبنان بقيادة المايسترو النمساوي كارل سولاك الذي قاد أوركسترا بلاسيدو دومينغو وبمشاركة السوبرانو الأمريكية الروسية البنغالية مونيكا. وقدمت الأوبرا الضخمة لريمسكي كورساكوف عروس القيصر، وقد سبق لهذه الفرقة أن قدمت في هذا المهرجان أوبرا كارمن. أما عازفة السكسوفون الأوسترالية إيمي ديكسون وعازف البيانو مارتان كوزان المشهور بتجديد المقطوعات الكلاسيكية مثل السوناتا الأولى لرخمانينوف فقدما معاً حفلاً مشتركاً. كما قدمت أورورا أوركسترا المؤلفة من خمسة عشر موسيقياً شاباً بقيادة نيكولاس كولون، حفلاً موسيقياً تضمن مقطوعات لبراهمز وفاغنر وغيرهما. وشمل البرنامج ترانيم مسيحية قديمة، قدّمها الفنان ليغور رزنيكوف الذي سبق أن غنى أمام الديلي لاما، هذا بالإضافة إلى حفلات لكل من عازف الكلارينيت لويس سكلافيس، وكورال براغ. هكذا يكون هذا المهرجان واصل هويته في تقديم أنشطة متخصصة بالموسيقى من مختلف أنحاء العالم.
مؤتمرات ومهرجانات عربية
نشاط آخر شهدته هذه السنة وهو المؤتمر الأول للرواية العربية بين المشرق والمغرب الذي عقد في قاعة نزار الزين في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجامعة اللبنانية بدعوة من رئاسة الجامعة ووزارة الثقافة ومؤسسة الحريري، وهيئة دعم المقاومة، وشارك فيه نحو خمسة وأربعين باحثاً وروائياً عربياً من المغرب والمشرق غالبيتهم من أساتذة الجامعات من بينهم ديزيريه سقال، أحمد أبو ملحم، نبيل الخطيب، هناء بعلبكي، علي فاعور، زهير شكر، مهى خير بك، محمد نجيب عمامي، بديعة الطاهري، نبيل سليمان، محمد المعزوز، أحمد سرحان، أحمد السماوي، حاتم التهامي، محمد الخبو، آمنة بلعلي، حسن لشكر، العميد هشام الأيوبي، عبدالعالي بو الطيب، عالية صالح، رياض عثمان، علوية صبح، ورشيد الضعيف. وشهد المؤتمر نقاش عناوين عدة من بينها الرواية المشرقية بعيون مغربية، العيون المغربية تلاحق مشارقة، عيون تنظر إلى المرأة، مشارقة يسبحون في فضاء المغرب العربي، بين المشرق والمغرب وغيرها. وناقش المؤتمرون أصواتاً روائية من المغرب العربي أمثال الطاهر وطار وإبراهيم الكوني وأحلام مستغانمي ومحمد ديب وبنسالم حميش ومحمود المسعدي. كما أعلن المؤتمرون اختيار الطاهر وطار الروائي الأول بين المشرق والمغرب. وخلصوا إلى توصيات تتعلق بإيجاد هيئة تأسيسية في بيروت وتحديد تونس لانعقاد الدورة الثانية من المؤتمر. مؤتمر الناشر العربي من المؤتمرات الثقافية البارزة التي عقدت هذه السنة في بيروت ضمن فعاليات معرض بيروت العربي والدولي. وقد نظم المؤتمر دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع وديوان الكتاب للثقافة والنشر، بالتنسيق مع النادي الثقافي العربي ووزارة الثقافة اللبنانية واتحاد الناشرين العرب، ونقابة اتحاد الناشرين في لبنان، وذلك تحت عنوان بيروت وعالمية الكتاب العربي. وشمل المؤتمر أربع جلسات هي: الكتاب العربي والعالمية، التجديد في الكتاب العربي لغة ومضموناً، التنوع الثقافي وعالمية الكتاب العربي والنشر بين الكتاب الورقي والكتاب الإلكتروني. وقد شارك فيه كتّاب وناشرون من مختلف الدول العربية من بينهم الدكتور أحمد الكبسي (اليمن)، نبيل صادر (لبنان)، يوسف عيدابي (السودان)، وزير الثقافة الأسبق الدكتور محمود السيد (سورية)، الدكتور عبدو الراجحي (مصر)، الدكتور عدنان العيدان (العراق)، وجيه فانوس (لبنان)، الدكتور مازن مصطفى (فلسطين)، أسامة محيو (لبنان)، الدكتور عادل خليفة (مصر)، الدكتور عدنان سالم (سورية). وخرج المؤتمر بتوصيات عدة قرأها الشيخ الشاعر فضل مخدر، وأبرزها: ضرورة التركيز في طباعة الكتب ونشرها على الجمع بين الأصالة والمعاصرة، مراعاة المعايير النفسية في إخراج الكتاب العربي من حيث الوسائل واللغة وعلامات الترقيم والفهارس والتعريف بالأعلام ووضح المصطلحات... إلخ، تعزيز الترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى. ومن اللغات الأخرى إلى العربية، دعوة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم إلى وضع خطة عمل قومية لتشجيع الناشئة على القراءة وتذليل المعوقات الحائلة دون الإقبال عليها، مناشدة جامعة الدول العربية تسهيل سيرورة الكتاب بين الدول الأعضاء فيها وتيسير انتقاله ومنح معارض الكتب في داخل الدول العربية وفي خارجها التسهيلات اللازمة، دعوة الدول العربية وعبر الجهات المختصة إلى افتتاح مراكز ثقافية أو تربوية لتعليم اللغة العربية لأبناء الجاليات العربية في بلاد المهجر، تعزيز النشر الإلكتروني للكتب على أن تقدم في مضامينها الجوانب الفكرية الإبداعية والإنسانية، دعوة الناشرين إلى عدم نشر الكتب غير المفيدة وتعيين قارىء لغوي متخصص لقراءة مخطوطات الكتب الآيلة للنشر، دعوة الناشرين إلى طبع كتب التراث طبعة شعبية ونشرها بين الناس بسعر الكلفة ضماناً للفائدة العلمية العامة وخدمة للتراث الأدبي العربي، دعوة الناشرين إلى إنشاء أقسام للترجمة حيثما ينبغي، الدعوة إلى تفعيل قوانين حق المؤلف في الملكية الفكرية.
مهرجان لبنان السنوي للشعر العربي واحد من الأنشطة التي شهدتها العاصمة، وذلك في قصر الأونيسكو، والذي نظمه للمرة الأولى ديوان الكتاب ودار الهادي بالتعاون مع وزارة الثقافة واتحاد الكتّاب اللبنانيين والحركة الثقافية في لبنان.
المهرجان الذي تنادى إليه 16 شاعرة وشاعراً عربياً، افتتحه رئيس مجلس النواب نبيه بري، بكلمة أطلق فيها جملة وعود ثقافية، مذكراً بأن المجلس النيابي كان وضع في أولوياته سنة 1993 إحداث وزارة للثقافة، إضافة إلى إقرار ثلاثة مشاريع ثقافية الشهر الجاري هي هيكلية وزارة الثقافة والمؤسسات العامة المرتبطة بها والممتلكات الثقافية، واعداً بإنجاز قانون تنظيم المهن الفنية. واعتبر بري في كلمته أن استقرار النظام الثقافي في لبنان، بعكس كل ما يقال بأن الأساس هو النظام السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الأمني، هو الأساس الراسخ لاستقرار النظام العام. أما وزير الثقافة تمام سلام فقد ركز في كلمته على الوضع السياسي للبلد والمصالحات الجارية هذه الأيام بين الفرقاء السياسيين. لكنَّ الشعر بمعناه الصرف حضر في كلمتي رئيس ديوان الكتاب الشيخ فضل مخدّر ورئيس اتحاد الكتاب اللبنانيين الشاعر غسان مطر، وكذلك في كلمة مقدّم الحفل الممثل جهاد الأطرش. تناوب على القراءات الشعرية في اليوم الأول كلٌّ من محمد علي شمس الدين (لبنان) الذي أهدى قصيدة للسيد حسن نصرالله، قبل أن ينتقل إلى قصائد حب في ليلى والخمر والنشوة، والمتوكل طه (فلسطين) وعبد القادر الحصني (سورية) ومحمد إبراهيم أبو سنة (مصر). وتوزعت أيام المهرجان على عدد من المدن والقرى اللبنانية بخلاف العادة إذ كانت المهرجانات تنحصر في العاصمة فقط. هكذا شهدت مدينة زحلة البقاعية أمسية شارك فيها خلود معلا (الإمارات) وعز الدين ميهوبي (الجزائر) وأدّى بن أدب (موريتانيا) وطارق ناصر الدين (لبنان). واحتفلت مدينة بنت جبيل أيضاً التي دمّرها القصف الإسرائيلي في عدوان تموز/ يوليو الماضي بضيوفها العرب في أمسية شعرية ضمت مدين الموسوي (العراق) وجاسم الصحيح (السعودية) وإيمان خالد (السودان) وغسان مطر (لبنان).
إلى هذا شمل المهرجان أنشطة أخرى من بينها ندوة بين شعر القضية وقضية الشعر: محمود درويش نموذجاً التي شارك فيها نوري الجراح (سورية) وحسن مدن (البحرين) بعدما تغيب عن الحضور يوسف أبو لوز (فلسطين). الندوة الأخرى التي أدرجتها إدارة المهرجان في البرنامج هي الشعر العربي في الألفية الثالثة والتي شارك فيها ديزيريه سقال (لبنان) وعمر عبد العزيز (اليمن) وتغيب عنها جابر عصفور (مصر). كما كرم المهرجان ثلاثة شعراء من العالم العربي هم العراقي مظفر النواب والسوري سليمان العيسى والمصري عبد الرحمن الأبنودي الذي اعتذر عن المجيء لأسباب صحية، وكذلك اعتذر للأسباب نفسها مظفر النواب.
من أجل السينما
على صعيد آخر، واصلت مهرجانات السينما الدورية دوراتها في بيروت، ومن بينها أيام بيروت السينمائية الذي تنظمه جمعية بيروت دي سي في سينما أمبير- صوفيل في الأشرفية. وافتتحت هذه الدورة بالفيلم اللبناني سمعان بالضيعة، في حين اختتم فعالياتِ المهرجان الفيلمُ اللبناني أيضاً بدي شوف للمخرجين جوانا حاجي طوما وخليل جريج، والذي مثلت فيه الممثلة الفرنسية كاترين دونوف إلى جانب الممثل والمخرج المسرحي اللبناني ربيع مروة. وفيه تقوم الممثلة الفرنسية بجولة على أماكن الدمار التي خلفها القصف الإسرائيلي في حرب تموز/ يوليو 2006، علماً أن الممثلة حضرت حفل الاختتام كدعم لهذا النشاط الذي يُقام بإمكانات متواضعة وجهد بشري متواصل.
اختار المهرجان الذي انطلق عام 2001، لهذه السنة- كما السنوات السابقة- تسليط الضوء على سينما المؤلف التي باتت عنواناً للعديد من الأفلام العربية في الفترة الأخيرة، في ظلِّ غياب شركات إنتاجية ضخمة تدعم مثل هذا النوع من الأفلام.
وكانت هذه الدورة وجهت تحية إلى المخرجة الراحلة رندة الشهال من خلال عرض عملين وثائقيين لها هما خطوة خطوة الذي أخرجته ما بين 1978 و1979 عن الحرب اللبنانية المنقسمة ما بين اليسار التقدمي واليمين الأمبريالي، وحروبنا الطائشة الذي أخرجته عام 1995، بعد سنة على بدء إعادة الإعمار في بيروت. وعرض برنامج المهرجان أكثر من خمسين عملاً توزعت ما بين الأفلام الروائية الطويلة والأفلام القصيرة والوثائقي والوثائقي الإبداعي ووثائقي الطالب وأعمال الفيديو، إضافة إلى استعادة أعمال عربية هامة من بينها فيلما الراحل يوسف شاهين القاهرة منورة بأهلها (1991) والعصفور (1973)، وشباب امرأة (1956) للمخرج الراحل صلاح أبو سيف، وأغنية على الممر (1972) لعلي عبد الخالق، وفيلم مازن والنملة للمخرج برهان علوية والذي كتب نصه الشاعر حسن عبدالله.
إلى ذلك، تضمن برنامج المهرجان عدداً من الأفلام التي تتفاوت من حيث النوع والجنسية والطرح والقيمة، أبرزها: جنينة الأسماك للمصري يسري نصرالله، أسرار الكسكس والمراوغة وغلطة فولتير للتونسي عبد اللطيف كشيش، عرس الذيب للتونسي جيلاني السعدي، خارج التغطية للسوري عبد اللطيف عبد الحميد، آذان للجزائري الفرنسي رابح عمر زايمش، عين شمس للمصري إبراهيم البطوط، ملح هذا البحر للفلسطينية آن ماري جاسر، يا له من عالم رائع للمغربي فوزي بن سعيدي، البيت الأصفر للفرنسي الجزائري عمر حكّار. ومن الأفلام القصيرة نذكر ولد، جدار، حمار للفلسطيني هاني أبو أسعد، كرامة للموريتاني عبد الرحمن سيساكو، مقهى الصيادين للمغربي الهادي أولد مهند، العز للتونسي لطفي عاشور، مونولوج للسوري جود سعيد، الطريق إلى الشمال للبناني كارلوس شاهين. ومن الأفلام التي صنفها المهرجان تحت عنوان الوثائقي الإبداعي: خمس دقائق عن بيتي للفلسطينية ناهد عواد، سلطة بلدي للمصرية ناديا كامل، رسالة إلى شقيقتي للجزائرية حبيبة جهنين، أماكننا الممنوعة للمغربية ليلى كيلاني، إعادة خلق للأردني محمود المسعد. كما يتم عرض أفلام أجنبية تتناول العرب مثل الأندلس للفرنسي من أصل سنغالي ألان غوميس وأهلاً أوروبا للفرنسي برونو أولميير، وغيرها من الأفلام التي تحمل جميعاً قضية مثيرة وعامة غالباً.
من جانب آخر كانت بيروت على موعد دوري مع مهرجان السينما الأوروبية الذي عقدت دورته الخامسة عشرة في صالة سينما أمبير. وقد افتتح المهرجان الفيلم الفرنسي قصة ميلادية للمخرج آرنو ديبليشن، الذي شارك في الدورة الأخيرة لمهرجان كان كاختيار رسمي للإدارة، والفيلم من تمثيل كاترين دونوف وجان بول روسيون وشيارا ماستروياني وملفيك بوبو وآخرين، وفيه يستعيدون أحداثاً من الماضي من خلال تكرار غير مقصود لهذه الأحداث، فيغرق الجميع في متاهة البحث عن منفذ للخلاص، وعندما يصيب مرض السرطان أحدهم قبل سنين بعيدة، فإن الآخرين لا يدركون أن المرض نفسه سيصيب شخصاً آخر أيضاً بعد سنين عديدة فيضيع الجميع وسط أسئلة حياتية ووجودية وإنسانية ملتسبة. واختارت إدارة المهرجان إضافة إلى قصة ميلادية جديد المخرج مارتن بروفوست وهو فيلم بعنوان سيرافين. كما عرض المهرجان أفلاماً من اليونان وهولندا وبريطانيا وإيطاليا وفرنسا ورومانيا أبرزها كاليفورنيا تحلم لكريستيان نيميسكو، كونترول لأنطون كوربين، الوحدة لجيمس روزاليس، إنه عالم حر... لكين لوتش، الشهود لأندره تيشينيه، دنيا وديزي لدانا نيشوشتان، وبريك لاين لسارا غافرون. واختتم المهرجان بالفيلم اللبنانيدخان بلا نار لسمير حبشي، إضافة إلى 18 فيلماً قصيراً لبنانياً لطلبة لبنانيين.
في مناسبة مرور ثلاثين عاماً على قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية نظمت المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية بالتعاون مع مركز بيروت الدولي للإنتاج وقناة المنار، المهرجان الثاني للسينما الإيرانية في بيروت الذي افتتح بفيلم السيد المسيح للمخرج الإيراني نادر طالب زادة، ما فتح باب النقاشات النقدية حول واقع هذه السينما التي وصلت إلى الجوائز العالمية برغم ضعف الإنتاج وتشدد الرقابة. وتضمن المهرجان الذي أقيم في الضاحية الجنوبية بعدما كان أقيم من قبل في العاصمة عرض عشرة أفلام تاريخية من بينها نهاية الطريق، صندوق الموسيقا، حافلة الليل، صبغة الله، الوحدة والساعة 25.
تنافس على عرض الكتاب
أربعة معارض للكتب أساسية تقام كل سنة في بيروت، المعرض الفرنسي إضافة إلى ثلاثة معارض لبنانية. المعرض الأول من حيث توقيت العرض هو معرض الحركة الثقافية إنطلياس الذي يقام سنوياً في دير مارالياس تحت عنوان المهرجان اللبناني للكتاب والذي أتم هذه السنة دورته ال 26 بمشاركة أكثر من ستين دارَ نشر عربية وأوروبية ومؤسسات ثقافية وجامعات. وكانت هذه السنة طغت الأوضاع السياسية على كلمات الافتتاح، ولا سيما كلمة الأمين العام للحركة الثقافية الدكتور عصام خليفة الذي قدّم كلمة اختلط فيها السياسي بالأخلاقي، التنموي بالديني، الثقافي بالاقتصادي، والمحلي بالعالمي.
وتضمن المعرض لهذه السنة سلسلة نشاطات تنوّعت ما بين التكريمات والندوات وتواقيع الكتب وبعض الأنشطة الأخرى المختلفة. إذ تم تكريم عدد من المثقفين بتسمية يوم من أيام المعرض باسم كلٍّ منهم وبإصدار كرّاس خاص تناول سيرتهم ونشاطاتهم المختلفة ونتاجاتهم الفكرية أو العلمية أو الأدبية أو الفنية تضمّن نماذج من خط أيديهم. ومن هؤلاء، المدير العام السابق لمنظمة الأغذية والزراعة في الأمم المتحدة، "الفاو" إدوار صوما، عالم الاجتماع الدكتور أحمد بيضون، أستاذ الفلسفة والمربي جوزف أبو رزق، الفنان جميل ملاعب، الرئيس السابق للمشروع الأخضر مالك بصبوص، طبيب العيون الشهير البروفسور وفيق سنو، الأب العلامة سمير خليل، الأم دانييلا حروق والدكتور هشام نشابة. كما حفل البرنامج بعدد من الندوات ذات العناوين المختلفة منها تحية الى الأب يوحنا قمير، مناقشة كتاب الأب أنطوان راجح رئيس الجامعة الأنطونية "الأوقاف المسيحية في مضامين الشرع"، مناقشة كتاب وجيه كوثراني "بين فقه الإصلاح الشيعي وولاية الفقيه الدولة والمواطن"، مناقشة كتاب كمال ديب "أمراء الحرب وتجار الهيكل- رجال السلطة والمال في لبنان"، و"يوم المرأة: تحية الى حسانة الداعوق وليندا مطر".
"معرض المعارف الثاني للكتاب العربي الدولي"، هو المعرض الذي تنظمه "جمعية المعارف الإسلامية الثقافية" في الضاحية الجنوبية والذي أقيم للسنة الثانية على التوالي. والمفاجئ أن السيد حسن نصر الله افتتح المعرض بنفسه، وقد دعيت الدور اللبنانيّة كلّها إلى المشاركة فيه، وأعفيت من أية رسوم أو اشتراكات، وشاركت فيه 207 دار نشر لبنانية و58 داراً عربية وأجنبية، عارضة 11 ألف كتاب. وتضمن البرنامج عدداً من الندوات والمحاضرات والأمسيات الشعرية وتواقيع الكتب. لكن مناخ "حزب الله" كان حاضراً بقوة في هذا المعرض من العناصر التي تتولّى التنظيم إلى الأناشيد التي تبثها مكبرات الصوت. مع ذلك حضرت كتب مناوئة للحزب مثل "دولة حزب الله" لوضاح شرارة و"بلاد الله الضيّقة" لفادي توفيق إلى عشرات الروايات الجريئة والكتب الجنسية، وصولاً إلى كتب سيد قطب.
كعادته كل سنة يشكل "معرض بيروت العربي الدولي للكتاب" حدثاً ثقافياً استثنائياً. وقد شهدت دورته الثانية والخمسين عدداً من الأنشطة أبرزها ندوة حول كتاب "زلزال لبنان" للكاتب فوزي زيدان تحدث فيها الكاتب الصحفي نهاد المشنوق والمحامي فؤاد شبقلو والدكتور سعود المولى. وجرت على هامش المعرض أمسية حضرها الكثير من عشاق الفن الرحباني حملت عنوان "تحية إلى الأخوين الرحباني"، شارك فيها الوزير جورج سكاف، الشاعر هنري زغيب، الفنانة مي نصر، والفنان إلياس الرحباني، في حين أحيت الشاعرة اليابانية كيكو كوما أمسية شعرية وموسيقية قرأت فيها من ديوانها الشعري "إعادة اكتشاف أساطير كوغوريو". أما كتاب "سيرة المسرح" لروجيه عساف فقد كان محل نقاش في ندوة جمعت بيار أبي صعب وعباس بيضون والمؤلف. وانفرد رياض الريس بتنظيم أمسية شعرية بعنوان "تحية للشاعر محمود درويش" شارك فيها جودت فخر الدين، حسن عبد الله، شوقي بزيع، طارق ناصر الدين، عصام العبد الله، نجاة ناصيف نعيمة، ونصري الصايغ، ورافقهم الفنان بشّار زرقان عزفاً. هذا إضافة إلى مناقشة كتب أخرى منها "لبنان التاريخ والجغرافيا والقوى السياسية" الذي شارك فيه إعلاميون وأكاديميون، وهو باكورة إنتاج "تيار المستقبل الثقافي"، رواية "سيد بغداد" للدكتور محمد طعان، "بين الدين والسياسة" لمشير عون، و"معنى أن تكون لبنانياً" للكاتبة منى فياض.
إلى الأنشطة التي تهتم بالمسرح والفنون المعاصرة التي أقامتها "جمعية دوار الشمس" في مسرح الطيونة و"جمعية أشكال ألوان" في أكثر من مكان في العاصمة وجمعية "زيكو هاوس" التي تعنى بعروض الشارع وجمعية "أمم" التي تتوزّع أنشطتها ما بين تجهير معارض وتنظيم ندوات و"مسرح المدينة" و"مسرح بابل"، أقيم في بيروت مهرجان الرقص المعاصر الذي يتم تنظيمه بالتزامن في أكثر من عاصمة عربية. كما عرضت نضال الأشقر في مسرح المدينة مسرحية "قدام باب السفارة الليل كان طويل" التي تشاركت في كتابتها مع الشاعر عيسى مخلوف. وكان لافتاً أيضاً عرض "خمسون" في مسرح دوار الشمس للفاضل الجعايبي وجليلة بكار، وهي المسرحية التي تحكي تاريخ تونس السياسي والاجتماعي من خلال نقد للسلطة واليسار والأصولية، ومسرحية "لكم تمنت نانسي لو أن كل ما حدث لم يكن سوى كذبة نيسان" لربيع مروة والتي تحكي الحرب الأهلية اللبنانية من خلال ميليشياتها. وكان حضور المفكر المصري نصر حامد أبو زيد إضافة إلى المدينة من خلال ندوة ألقاها عن "الفن وخطاب التحريم" ضمن "مهرجان الربيع" في مسرح دوار الشمس. ومن معارض الرسم البارزة كان معرض ريم الجندي "طريق المطار" الذي جسّدت فيه هواجسها السياسية تجاه الهجرة، ومعرض "تغيرات القيامة" لأيمن بعلبكي والذي رسم فيه حرب تموز، ومعرض جميل ملاعب بعنوان "استراحة" وفيه يؤكد الفنان هويته في رسم الطبيعة إضافة إلى رسمه الجسد الأنثوي. ومن الأفلام التي برزت هذه السنة إضافة إلى ما تم ذكره سابقاً "بعد الموت" لغسان سلهب، "عودة إلى الحاضر" لجوانا حاجي توما وخليل جريج، "مجرد رائحة" لماهر أبي سمرا، و"خلص" لبرهان علوية". من الأنشطة الشعرية البارزة هذه السنة حلول الشاعر الكردي الشهير شيركو بيك س ضيفاً على مسرح بابل. وقد أحيا الشاعر أمسية غاب عنها معظم الشعراء في لبنان، لكن ذلك لم يلغ خصوصية حضور الشاعر إلى بيروت واستقباله من قبل جمهور محب للشعر تنوّع ما بين لبناني وكردي وعراقي. وكان الحدث الدائم طوال السنة احتفالية جبران خليل جبران، وذلك بناء على إعلان وزارة الثقافة ولجنة جبران خليل جبران الوطنية إطلاق اسم "2008 سنة جبران". وقد شهدت معظم المناطق اللبنانية وعدد آخر من مدن وعواصم العالم أنشطة مختلفة في هذه المناسبة تنوّعت ما بين ندوات وأفلام وإصدارات ومعارض وإطلاق جائزة باسم الأديب اللبناني الأبرز.
سنة النشر
بخلاف السنوات السابقة، كانت سنة 2008 سنة نشر الكتب، ولا سيما الشعرية والروائية منها. ومن أبرز هذه الكتب الشعرية "الأعمال الشعرية" لوديع سعادة، "مقام الصوت" لعصام العبدالله، "فضاء حر" لأنطوان أبو زيد، "ترانزيت" لشربل داغر، "الموت يأخذ مقاساتنا" لعباس بيضون، "الذكريات ضفادع" لجهاد الزين، "حميميات" لهنري زغيب، "حياة معطلة" لعبده وازن، "كل الطرق تؤدي إلى صلاح سالم" لسوزان عليون، "إنجيل شخصي" لعقل العويط، "عودة المراكب" لفؤاد رفقة، "تحت القش" لنجاة الطويل، "فرح" لحسن عبدالله، "مشروع شهيد افتراضي" لعلي نصار، "أقتلْ رجلاً إرفع جمجمته عالياً" لفيديل سبيتي، "عند أول مرسى" للوركا سبيتي، "فلفل بلدي" لعصام عيّاد، و"كانت الحياة رخوة" لعلي زراقط. في الرواية والقصة نشر رشيد الضعيف "أوكي مع السلامة"، حسن داوود "مئة وثمانون غروباً"، ياسين رفاعية "أهداب"، حسان الزين "تلفزيون جميل"، سحر مندور "حب بيروتي"، منى مرعي "خارج نطاق الخدمة"، رحاب ضاهر "لا نقاب للشمس"، وبسمة الخطيب "شرفة بعيدة تنتظر". كما أصدر شوقي بزيع مجموعة مقالات منتقاة تحت عنوان "هجرة الكلمات" في حين أصدر اسكندر حبش "حكاية الحكايات"، و"نصري الصايغ "مقام الجنس وتصوف الحواس"، إضافة إلى كتب في السيرة والسياسة والاجتماع والفكر وغيرها: "ما قل ودل" للرئيس سليم الحص، "إدارة الإرهاب" للوزير غازي العريضي، "التوثيق الإعلامي" لهلال ناتوت، "حرب لبنان الثانية- قراءات إسرائيلية في هزيمة الكيان الأول" لأمين محمد حطيط، "شتات بيروت- مذكرات حرب 1975-1990" لجين سعيد مقدسي، "ماضٍ لا يمضي- الإمامان موسى الصدر وشمس الدين" للسيد هاني فحص، "مفهوم القيادة السياسية في فلسطين في عهد الانتداب البريطاني: قيادة الحاج أمين الحسيني" لسناء حمودي، "مأزق الديانات وأزمة العلمانية" لحسين نصرالله، "تاريخ لبنان الحديث" لفواز طرابلسي، "أسرار الصندوق الأسود" لغسان شربل، ، "بوابات الماء" لراجح خوري، "لاهوت الغلبة" لمحمود حيدر، "نظام النقد العالمي وأسعار الصرف" لبسام حجار، "الصراع والهوية" لزهير فياض، "الواقع الاجتماعي للاجئين الفلسطينيين في لبنان، التدامج والتمايز 1948- 2005" لمحمود العلي، "حقيقة العصر" للوزير السابق عصام نعمان، "صفاء الخاطر" للوزير بشارة مرهج"، "جس نبض" و"إقلاع وهبوط" للطبيب منير شمّاعة، "زلزال لبنان" لفوزي زيدان، "الفلسفة السياسية في العهد السقراطي" لريمون غوش، "سيرة المسرح" لروجيه عساف، "الموارنة في لبنان بين العروبة والإسلام" للشيخ خلدون عريمط، "عبد القادر القباني وجريدة ثمرات الفنون" لإيمان مناصفي، "قراءة سياسية لحزب الله" لفايز القزي وسوى ذلك من الكتب المتنوعة.
** منشور بصحيفة "القدس العربي" بتاريخ 24 ديسمبر 2008


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.