المزارع والتسوية جورج علم أفسدت وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس الود الذي نسجه اتفاق الدوحة بين القيادات اللبنانية بطرح موضوع سلاح حزب الله كأولوية. وكانت زيارتها المفاجئة الي بيروت مقتصرة علي تهنئة العماد ميشال سليمان بانتخابه رئيساً توافقياً للجمهورية، إلا أن النبرة التوافقية لم تكن هي المسيطرة علي اللقاء السياسي الذي جمعها مع قوي الموالاة في دارة النائب سعد الحريري حيث دار حديث تخلله الكثير من الشؤون والشجون والعتب علي الإدارة الأمريكية التي لم تكن وفيّة للوعود التي أغدقتها علي الرئيس فؤاد السنيورة وحكومته، وعلي قوي الرابع عشر من مارس لا علي صعيد سلاح حزب الله ومصيره ومستقبله بعد التوترات الأمنية التي شهدتها بيروت والعديد من المناطق اللبنانية انطلاقاً مما جري يوم السابع من مايو الماضي، ولا علي صعيد العلاقات اللبنانية - السورية، ولا فيما يتعلق بالسلاح الفلسطيني داخل وخارج المخيمات، ولا حتي علي صعيد المحكمة ذات الطابع الدولي التي لم ينتصب قوسها بعد؟.. ولعل السؤال - المفتاح كان حول المصير الذي انتهت إليه حكومة الرئيس السنيورة التي واجهت مشكلة حقيقية عندما اتخذت قرارا يتعلق بأمن مطار بيروت الدولي، وآخر يتعلق بشبكة الاتصالات المتطورة التي يمتلكها حزب الله، وقد أقدم مجلس الوزراء علي اتخاذ القرارين ممنياً النفس بدعم أمريكي فوري وعملي ومباشر مستنداً في ذلك بشكل أساسي الي الدعم الكلامي شبه اليومي والمستمر للرئيس جورج بوش وإدارته، وكانت النتيجة اجتياح بيروت، وإرغام الحكومة للعودة عن القرارين، والذهاب الي مؤتمر الحوار الوطني في الدوحة. وسمعت رايس كلاما واضحا مفاده ان هناك غالباً ومغلوباً في البلد، وأن المعارضة المدعومة من المحور السوري - الايراني قد حققت انتصارا علي الموالاة المدعومة من الولاياتالمتحدةالأمريكية والمجتمع الدولي، وأن قوي الثامن من مارس قد ضمنت الثلث الضامن أو المعطل في الحكومة الجديدة، وضمنت قانون الانتخابات علي أساس أن يشكل القضاء دائرة انتخابية وفق قانون ،1960 في حين أن الموالاة لم تكسب شيئاً بل علي العكس أصبحت رهينة السلاح الذي اجتاح بيروت، ووزع سموم الاقتتال المذهبي والطائفي علي مختلف المناطق خصوصاً في البقاع والجبل، الي حد أن لبنان قد أصبح نموذجاً قابلا للعرقنة بفضل السياسة الأمريكية والدعم الخلّب للحكومة اللبنانية. وطرحت معادلة في سياق البحث عن الحلول والمخارج تقضي بوجوب التأخير في تشكيل الحكومة الجديدة، واستمرار الحالية في مهمة تصريف الأعمال الي حين التفاهم علي مخرج لسلاح حزب الله يعيد للموالاة بعضاً من المعنويات وشعوراً بالنصر مكان الهزيمة، وأيضاً بعضاً من إعادة الاعتبار لدورها في التوازنات الداخلية علي مشارف الانتخابات النيابية المقبلة والتي أصبحت علي الأبواب، فكان الاقتراح القاضي بأن تمارس واشنطن ضغطاً علي اسرائيل للانسحاب من مزارع شبعا ووضعها في عهدة القوات الدولية العاملة في الجنوب اليونيفيل الي حين يصار الي ترسيم الحدود ما بين سوريا ولبنان. وتكثر الشكوك والتساؤلات حول صاحب هذا الاقتراح، من قائل بأن قوي الموالاة هي التي بادرت الي طرحه الي قائل بأن الرئيس السنيورة هو الذي تقدم بهذا الطلب ليضع الإدارة الأمريكية أمام الامتحان وليكتشف ما اذا كانت تدعمه عملياً أم ستستمر علي وتيرة الكلام المعسول القائم علي التحريض والعواطف الفارغة، وأيضاً ليضع حزب الله وسلاحه والمقاومة امام خيارات صعبة حتي اذا ما ضغطت الإدارة الأمريكية واستجابت اسرائيل وانسحبت من المزارع، يخرج الرئيس السنيورة من عزلته ودائرة صمته ويقول للمقاومة: لقد حررت الحكومة المزارع بالوسائل السلمية، وبالتالي لم نعد بحاجة الي مقاومة مسلحة، وتفضل يا حزب الله، ومارس دورك كحزب سياسي في البلاد وتخلي عن سلاحك، وضعه بتصرف الجيش اللبناني في إطار خطة دفاعية للزود عن لبنان عندما يتعرض كيانه للخطر؟!. ويقال إن رايس وعدت بإثارة هذا الموضوع مع الاسرائيليين وتشاورت مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون باحتمال وضع المزارع تحت رعاية القوات الدولية العاملة في الجنوب بعد انسحاب اسرائيل منها، إلا أن الحكومة الاسرائيلية كانت السباقة في أخذ المبادرة علي طريقتها، وبدلاً من أن تبادر الي الانسحاب الفوري، وجهت الدعوة الي الحكومة اللبنانية للانخراط فوراً بمفاوضات مباشرة حول كل القضايا الخلافية العالقة، وكرر أيهود أولمرت هذه الدعوة مرة أخري الي الرئيس السنيورة الذي رد عليها بالرفض، معتبراً أن لا شيء يمكن التفاوض بشأنه مع اسرائيل، وكل النقاط الخلافية قد عالجتها القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي ولم يبق أمام اسرائيل سوي تنفيذ هذه القرارات. ... وهكذا ينتقل لبنان من تحد الي آخر أعمق وأبعد، وأثار موضوع المزارع للوصول الي وضع سلاح حزب الله تحت إمرة الجيش اللبناني في إطار استراتيجية دفاعية يتم التفاهم علي بنودها، فإذ بالحكومة امام فخ أمريكي جديد يرمي الي استدراجها الي مفاوضات مباشرة مع اسرائيل تتناول ترسيم الحدود، والمياه، وحزب الله وسلاحه، والمخيمات الفلسطينية في لبنان وخطر التوطين، وصولاً الي اتفاق سلام واضح ومتكامل. وما يزيد من حال الارتباك أن سوريا التي ذهبت بعيداً في مفاوضات سلام مع الحكومة الاسرائيلية برعاية تركيا قد شجعت الحكومة اللبنانية علي الدخول ايضاً بمفاوضات مباشرة مع اسرائيل، ووضعت بذلك لبنان أمام مأزق كبير، فلا هو قادر أن يلبي لأن أي قرار من هذا النوع تتخذه الحكومة من شأنه أن يفجر حرباً أهلية، ولا هو قادر أن يستمر في الرفض خشية من أن يكون مجدداً ضحية أي تسوية قد يتم التوافق بشأنها بين سوريا واسرائيل بحيث يخضع لنفوذ سوري واسع، مقابل احتفاظ اسرائيل بنفوذ واسع في الجولان!. عن صحيفة الراية القطرية 25/6/2008