شروط حددها القانون لجمع البيانات ومعالجتها.. تفاصيل    القانون يحدد ضوابط لمحو الجزاءات التأديبية للموظف.. تعرف عليها    حذر من عودة مرتقبة .. إعلام السيسي يحمل "الإخوان" نتائج فشله بحملة ممنهجة!    إعلام فلسطيني: الاحتلال يشن غارات جوية على مدينة رفح جنوب قطاع غزة    شعبة السيارات تدعو لإعادة التفكير في تطبيق قرار إجبار نقل المعارض    واشنطن بوست: أوروبا تسعى جاهدة للبقاء على وفاق بينما تُقرر أمريكا وروسيا مصير أوكرانيا    تصاعد التوتر بين واشنطن وبيونغ يانغ وسط المناورات المشتركة    كاشفا المتسبب في الأزمة، هاني أبو ريدة يبرئ حسام حسن من إهانة مصطفى محمد    هل يُسحب لقب دوري الأبطال من بيراميدز بسبب رمضان صبحي.. خبير لوائح يوضح    قمة نارية بالرباط.. الأهلي يصطدم بالجيش الملكي اليوم في ربع نهائي دوري الأبطال    صُنّاع "ولنا في الخيال... حب؟" يكشفون كواليس الفيلم في عرض خاص بسينما التحرير    أشرف زكي: النقابة فقيرة ماليًا وغنية بالقيمة.. رسالتنا حل مشاكل الفنانين    في ختام الدورة 18 لملتقى الاقصر الدولي للتصوير| الأقصر.. «متحف مفتوح» يُلهم العالم    ستيف بركات يقدم جولة "Néoréalité" العالمية على مسرح دار الأوبرا المصرية    دار الإفتاء توضح حكم إخراج الزكاة للأقارب.. اعرف قالت إيه    رئيس التصنيع بالصيادلة: استهلاك مصر من بنج الأسنان يصل إلى 600 ألف عبوة سنويًا    معهد باستور الفرنسي يحذر من جائحة خطرة تهدد العالم أسوأ من كورونا    طولان: ثقتي كبيرة في اللاعبين خلال كأس العرب.. والجماهير سيكون لها دورا مع منتخبنا    هاني أبو ريدة: لا توجد علاقة بين جهاز حسام حسن وطولان.. ولن أعيد تجربة هؤلاء المدربون    سيناريست "كارثة طبيعية" يثير الوعي بمشكلة المسلسل في تعليق    جمعهما الحب والعلم.. زوجان يحصلان على الماجستير فى نفس اليوم ب«إعلام قنا»    الدوري الأوروبي - أستون فيلا يقتحم منطقة الصدارة.. والمغربي يقود روما للفوز    لحظة مقتل شابين فلسطينيين على يد جنود الاحتلال في الضفة رغم استسلامهما (فيديو)    رئيس شعبة الدواجن: سعر الكيلو في المزرعة بلغ 57 جنيهاً    مادورو: مناورات عسكرية شاملة في فنزويلا.. والتهديدات الموجهة لنا بلا أساس    رد المستشار الألماني على الخارجية الأمريكية بشأن الهجرة    بين الإبهار الصيني والمشهد الساخر الإيراني... إلى أين تتجه صناعة الروبوتات مؤخرًا؟    رام الله.. إسرائيل تفرج عن طفل أمريكي بعد 9 أشهر من اعتقاله    باختصار..أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. ذعر فى شوارع إسرائيل بعد بث شاشات محطات حافلات صوت أبو عبيدة.. بابا الفاتيكان يحذّر من حرب عالمية ثالثة.. وماكرون يفتح باب التجنيد الطوعى للشباب    السنغال تؤكد استقبال الرئيس المنتهية ولايته لغينيا بيساو بعد أيام من الاضطرابات    شعبة السيارات: نقل المعارض خارج الكتل السكنية يهدد الصناعة ويرفع الأسعار مجددًا    مرشح لرئاسة برشلونة يوضح موقفه من صفقة ضم هاري كيم    وصول هالة صدقى للمشاركة فى مهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابى    أسباب البرود العاطفي عند الزوجة وكيفية علاجه بحلول واقعية    أبوريدة: بيراميدز ليس له ذنب في غياب لاعبيه عن كأس العرب    فضائل يوم الجمعة.. أعمال بسيطة تفتح أبواب المغفرة والبركة    غلق كلي لشارع الأهرام 3 أشهر لإنشاء محطة مترو المطبعة ضمن الخط الرابع    متحدث مجلس الوزراء: مدارس التكنولوجيا التطبيقية تركز على القطاعات الاقتصادية ذات الأولوية    أخبار 24 ساعة.. رئيس الوزراء: لا انتشار لفيروس غامض والمتواجد حاليا تطور للأنفلونزا    أخبار كفر الشيخ اليوم.. ضبط 10 آلاف لتر سولار قبل بيعها في السوق السوداء    مديرة مدرسة تتهم والدة طالب بالاعتداء عليها فى مدينة 6 أكتوبر    وزارة الصحة توجه تحذير من حقننة البرد السحرية    جامعة أسيوط تعزز الدعم النفسي والاجتماعي للطلاب عبر اجتماع وحدة الأبحاث    الجدول النهائي لبقية مراحل انتخابات مجلس النواب 2025    قفلوا عليها.. سقوط طفلة من الطابق الثاني في مدرسه بالمحلة    هل الصلاة في مساجد تضم أضرحة جائزة أم لا؟ أمين الفتوى يجيب    خالد الجندي: الخشوع جوهر الصلاة وروحها ويُحذر من هذه الأمور(فيديو)    هيئة الرعاية الصحية تمنح الدكتور محمد نشأت جائزة التميز الإداري خلال ملتقاها السنوي    بالأسماء.. إصابة 7 طلاب فى حادث تصادم سيارتين بأسوان    مدبولي: نتابع يوميًا تداعيات زيادة منسوب المياه    مقتل سيدة بطلقات نارية في قنا    سوريا تعلن إطارا تنظيميا جديدا لإعادة تفعيل المراسلات المصرفية    اتخاذ الإجراءات القانونية ضد 4 عناصر جنائية لغسل 170 مليون جنيه من تجارة المخدرات    غلق 32 منشأة طبية خاصة وإنذار 28 أخرى خلال حملات مكثفة بالبحيرة    وزير البترول يعقد لقاءً موسعاً مع شركات التعدين الأسترالية    وزير الانتاج الحربي يتابع سير العمل بشركة حلوان للصناعات غير الحديدية    محافظ كفر الشيخ: مسار العائلة المقدسة يعكس عظمة التاريخ المصري وكنيسة العذراء تحتوي على مقتنيات نادرة    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 27نوفمبر 2025 فى المنيا.....اعرف مواعيد صلاتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العراق وسياسات الاحتلال الاقتصادية / غالب ابو مصلح
نشر في محيط يوم 25 - 06 - 2008


العراق وسياسات الاحتلال الاقتصادية
غالب ابو مصلح
يمكن تلخيص الشق الاقتصادي في مشروع الاتفاقية العراقية الاميركية بالنقاط التالية: دفع العراق للانتقال الى اقتصاد السوق، تقديم الاستشارات، ربما الالزامية، لبناء مؤسساته الاقتصادية وبناه التحتية من قبل الاميركيين، الاندماج في المؤسسات المالية والاقتصادية الاقليمية والدولية، تسهيل تدفق الاستثمارات الاجنبية، وخاصة الاميركية، اطفاء الديون، اعتبار العراق اولى بالرعاية من قبل الولايات المتحدة، ومساعدته للانضمام الى منظمة التجارة الدولية.
وإذا حذفنا الكلام المنمق وغلاف السكر الذي يغطي السم، نستطيع تلخيص مشروع الاتفاقية بشقيها الاقتصادي والاجتماعي، بإتمام الهيمنة الاقتصادية الاميركية الكاملة على الاقتصاد العراقي، وفرض ايديولوجية الليبرالية الجديدة عليه، وأسره في نطاق التخلف والتبعية مع جعله مستعمرة اميركية صرفة لمدة 99 عاما.
وتعبر الاتفاقية المنوي عقدها عن اهداف الاحتلال الاميركي للعراق، بعيدا عن أكاذيب السياسة وعجاج الديموقراطية والحرية التي يتشدق بها القادة الاميركيون، لإخفاء اهدافهم الامبريالية الحقيقية. لكن هؤلاء القادة لا يستطيعون دائما ضبط السنتهم وإخفاء نواياهم الحقيقية. مثلا، صرّح بوش ان استراتيجيته في افغانستان هي «خلق فوضى، خلق فراغ. فمن الفوضى والفراغ ستنبثق كل الاشياء الجيدة... نحن سنقوم بتصدير العنف والموت الى اركان العالم الاربعة دفاعا عن بلدنا العظيم». وقد طبق هذه السياسة بحذافيرها في العراق وأفغانستان.
يعتقد الكثيرون ان هدف الاحتلال كان وما يزال السيطرة على ثروة العراق النفطية ونهبها بواسطة الشركات الاميركية العملاقة، وإقرار قانون النفط الجديد الذي يصر عليه الاحتلال، والذي يعيد سيطرة الشركات الاميركية على نفط العراق. ويقدر البعض احتياطات العراق النفطية غير المؤكدة بأكبر من احتياطات السعودية المؤكدة.
فكما ان الانقلاب على مصدق اعاد السيطرة الاميركية على نفط ايران، فإن احتلال العراق هدف الى اعادة سيطرة اميركا على نفطه وألغى آثار تأميم شركة نفط العراق في 1/6/.1972 ولكن اهداف عصابة النفط في البيت الابيض، كما تسميهم مجلة «نيوزويك» لا تقتصر على سرقة النفط فقط، بل تتعدى ذلك الى الهيمنة الكاملة على العراق وإرجاعه الى العصر الحجري كما وعد بوش، اي الى أسره في نطاق التخلف والتبعية. والهدفان متشابكان.
فالابقاء على الاحتلال وآثاره، الابقاء على نهب خيرات العراق، يرتبط بتخلف العراق وتقسيمه، وبإثارة الفوضى والصراعات الداخلية الدائمة بين اثنياته وطوائفه ومذاهبه، كما يعني تغيير ثقافته الاسلامية العربية، ومحو ذاكرته التاريخية، والقضاء على ثروته البشرية العلمية والثقافية كما الفنية والادبية.
فقوات الاحتلال شنت وما زالت تشن حربا على الشعب العراقي، على كل الصعد والمستويات. فالكلام عن تنمية العراق في ظل الاحتلال، كما عن سيادته وديموقراطيته وحريته، هو مجرد كذب وأوهام.
منذ بداية الاحتلال، شرعت الابواب امام الشركات الاميركية لنهب العراق وخيراته. فقد اعطى الاحتلال في ايامه الاولى عقودا مجزية لشركات أميركية مثل KBR وبيكتل وهاليبرتون. فقد بلغت عقود هاليبيرتون في سنة 2003 ما مجموعه 1.7 مليار دولار. وبلغت عقود بكتل 350 مليون دولار.
وأعطي حق توزيع الوقود في العراق لشركة كيلوغ براون اند روت، كما تمت سرقة اموال العراق المجمدة لدى اميركا واموال فوائض «النفط مقابل الغذاء» البالغة اكثر من عشرين مليار دولار، عبر صرفها في اعمال بناء وهمية حتى نهاية سنة .2004 ويقول مدققو حسابات هيئة الامم المتحدة في سنة 2005 ان العراق هو البلد النفطي الوحيد في العالم الذي لا يستخدم فيه الاحتلال عدادات لقياس كميات النفط المستخرجة والمصدرة وتسجيلها، وانه ما يزال يضخ النفط من دون عدادات، ولا احد يدري ما هي كميات الانتاج».
كما عمل الاحتلال منذ ايامه الاولى على سحق الدولة في العراق وليس السلطة فقط. فقد دمر البنية التحتية والوزارات جميعا باستثناء وزارة النفط وحل الجيش وأباح سرقة المؤسسات العامة، وحرض على تدمير الآثار والمعالم التراثية. لم يكن ذلك مجرد سهو او خطأ، بل كان سياسة مقصودة تساعد على محو الذاكرة العراقية والتراث والتاريخ العراقي المجيد.
فقد تم تخريب مدينة بابل، إحدى عجائب الدنيا السبع، ولحقت بها اضرار جسيمة وتلوث على اثر اقامة القوات الاميركية والبولندية ثكنة عسكرية في موقعها الاثري. حفر الجنود خنادق فيها، «وتم انتزاع احجار من تسعة من الرؤوس التي تمثل تنيناً محفوراً على بوابة عشتار، بينما انهار جزء من سقف معبد نينما». وتم تفجير تمثال الخليفة العباسي ابو جعفر المنصور والعديد من غيره من معالم بغداد. وأزيلت تماثيل الضباط الذين شاركوا في انقلاب الكيلاني سنة 1941 على الاحتلال البريطاني.
كما ازيل في سنة 2003 تمثال الخليفة العباسي الثالث الواثق بالله. ويقول وزير الثقافة الاسبق مفيد الجزائري «ان ما فقده العراق من تماثيل وآثار لا يقدر بثمن، منها اعمال خالد الرحال وإسماعيل الترك وجواد سليم».
ولارجاع العراق الى العصر الحجري، كان لا بد من القضاء على قدراته البشرية المتفوقة، وتحطيم نظام التعليم فيه. فحتى بداية سنة 2006 تم اغتيال 182 استاذا جامعيا، وتعرض 85 من كبار الاكاديميين للخطف او لمحاولات اغتيال. وتم تهديد المئات منهم بالقتل.
وتم تحويل جامعة الانبار الى ثكنة عسكرية اميركية بعد ان قتل القناصة اربعة من اساتذتها. كل ذلك تم بغية افراغ العراق من الطاقات العلمية وتهجيرها الى اوروبا واميركا، كما فعلت اميركا بالعلماء الالمان بعد الحرب العالمية الثانية.
وتم تلويث العراق بالإشعاعات عن سابق تصور وتصميم. فقد نتج عن حرب الخليج الثانية عام 1991 تلوث اشعاعي يعادل سبع قنابل من وزن قنبلة هيروشيما. تسبب ذلك في ارتفاع حالات الاجهاض بمعدل ثلاثة اضعاف عما كانت عليه سنة .1989 وازدادت حالات الاصابة بالسرطان بنحو سبعة اضعاف. وفي آذار ,2003 استخدم الاحتلال كميات اكبر مما استخدم في حرب عام 1991 بأربعة الى ستة اضعاف. فاقم ذلك الاجهاض وامراض السرطان.
ويقول بوب نيكولز ان جميع الرصاصات الاميركية وقذائف الدبابات والصواريخ والقنابل الذكية وغير الذكية تحتوي على يورانيوم مستنفد. «رجالنا استعملوا اربعة ملايين رطل من هذه البضاعة تقريبا حسب البنتاغون وهيئة الامم المتحدة. وضع أربعة ملايين رطل من غبار اليورانيوم المشع على ارض العراق عمدا.
عندما تصطدم هذه القذائف بشيء او تنفجر، تتحول الى حبيبات غبار دقيقة جدا لا يمكن رؤيتها، يسمونها اوكسيد اليورانيوم، ولا يمكن إزالتها، وتستمر لاجيال وتقريبا الى الابد». فتسميم ارض العراق وقتل عشرات الملايين من العراقيين على المدى الطويل جريمة مقصودة قام بها الاحتلال ضد شعب العراق وليس ضد صدام حسين ونظامه.
ويكثر المحتلون الغزاة الكلام عن اعادة الاعمار في العراق، اعمار ما خربوه ودمروه عمدا، وعن سابق تصور وتصميم. لو ارادوا اعمار العراق لما دمروه اصلا. في سنة ,2005 يقول همام الشماع، رئيس قسم الاقتصاد والمال في جامعة بغداد ان «اعادة الاعمار لم تتحرك قيد انملة، حيث ان خراب الحرب لا يزال على حاله، ولم تحدث اية استثمارات محلية او اجنبية.
وان الاجراءات التي اتخذت، مثل الغاء الرسوم الجمركية ادت الى تدمير الكثير من الصناعات والنشاطات الاقتصادية والصناعية والزراعية، كما القطاع العام الذي اصيب بالشلل نتيجة الحرب والقلق من الخصخصة وغياب الدعم، ما جعله يتراجع في شكل ملحوظ خلال عامين» من الاحتلال.
ويقع اكثر من تسعة ملايين عراقي تحت خط الفقر المدقع، وتطال ازمة السكن اكثر من 7.5 ملايين عراقي. وتزداد الظروف المعيشية سوءا رغم ارتفاع انتاج النفط وأثمانه.
فهناك ارتفاع شديد في الاسعار لا يواكبها ارتفاع مماثل في المداخيل. ويقول ممثل الامم المتحدة الانمائي في العراق ستيفان مستورا، «ان الوضع يزداد سوءا، خصوصا في ما يتعلق بالاطفال... ربع اطفال العراق يعانون من امراض سوء التغذية.
عدم تحقيق اي تحسن في مستوى الرفاه الاقتصادي... ارتفاع معدل البطالة الى 50?» بجانب ارتفاع معدلات الأمية. فقد هاجر 1.5 مليون عراقي خلال سنة ,2006 وهناك 4 ملايين عراقي بلا غذاء كاف في تلك السنة.
فالسياسات الاقتصادية النيوليبرالية التي يطبقها الاحتلال وأتباعه اوصلت العراق الى هذا الوضع المزري الذي يزداد تدهورا. فالمصانع تقفل ابوابها، والرقعة الزراعية تتقلص كما الموارد المائية، والبنية التحتية تزداد تخلفا، ورؤوس الاموال المنهوبة يتسارع تسربها الى الخارج، كما كان الوضع في روسيا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وتسلط اجماع واشنطن على سياسات التحول فيها الى الرأسمالية. فما يقدمه مشروع الاتفاقية هو الوصفة المطبقة منذ اليوم الاول للاحتلال. فقد صدرت مجموعة من القوانين لإخضاع الاقتصاد الى آلية السوق الحرة.
سمح قانون الاستثمار الذي صدر في ايلول2003 للمستثمر الاجنبي الاستثمار في العراق وفقا للشروط التي يخضع لها المستثمر العراقي ودون تمييز. وأقرت قوانين حرية حركة رؤوس الاموال، وأعطيت المصارف العراقية التسعة عشر مهلة 18 شهرا لتأمين رأسمال لا يقل عن 5 ملايين دولار للمصرف، الامر الذي دفعها الى عقد شراكات مع المصارف الخارجية وخصوصا العربية منها، وبنسبة تملك تبلغ 49?. وتم إلغاء الرسوم الجمركية، وأصبح الحد الاعلى للجمارك على البضائع الخاضعة للرسوم 5? فقط. وتم اسقاط حليب الاطفال من البطاقة التموينية الموضوعة في العهد السابق.
ونتيجة حزمة السياسات النيوليبرالية هذه على الصعد الاقتصادية والمالية والنقدية، تم اضعاف قطاع الصناعة وإغلاق آلاف المصانع. وحتى منتصف 2005 توقف اكثر من 75? من مجموع المعامل الصغيرة البالغ عددها 32 الف معمل، بسبب انقطاع التيار الكهربائي او بسبب حاجتها الى آلات بديلة، وبسبب سياسات الإغراق الخارجية وانعدام الحماية لها بعد الحرب.
ففي دول اوروبا الغربية بقيت الحماية للاسواق المحلية بعد الحرب العالمية الثانية حتى سنة 1965 حتى تتمكن هذه الاقتصادات من استعادة قدراتها التنافسية، بجانب مشروع مارشال لتنميتها. فكشف الاقتصاد والسوق المحلية في العراق للمنافسة الحرة في ظل الاحتلال والدمار، بل تعريضها لسياسات الاغراق بسلع معانة هو تدمير متعمد للاقتصاد يقوم به الاحتلال الاميركي.
ويعمد الاحتلال الى تدمير القطاع العام ونهبه عبر سياسات الخصخصة. فقد كشف احد مساعدي بول بريمر، الحاكم الاميركي السابق للعراق، والمستشار في وزارة الصناعة العراقية، ان بيع القطاع العام في العراق له الاولوية.
«وينبغي ان تبدأ الخصخصة هذه بالمصانع والمؤسسات الاكثر ربحا، بما في ذلك بيعها للاجانب». ونشرت «النيويورك تايمز» ان بريمر قرر تفكيك اقتصاد الدولة في العراق، وبيع الشركات العامة وبعض الخدمات الحكومية لفتح الابواب امام الاستثمارات الاجنبية، اي امام النهب الخارجي والاميركي منه بشكل خاص، وذلك في سنة .2007
ويعمل الاحتلال على تفكيك النقابات وخاصة اتحاد نقابات النفط ونقابة عمال مرفأ ام قصر، اذ تم نقل ثمانية اعضاء من مجلس نقابة النفط المؤلف من 11 عضوا من مناطق حقول النفط في الجنوب حيث يسكنون الى احد اكثر أحياء بغداد إجراما ودموية، مما يشل النقابة من ناحية ويشكل حكما على هؤلاء بالإعدام تقريبا. والهدف من ذلك هو قمع معارضة النقابة لقانون النفط الجديد، ولإسقاط مبدأ المساومة الجماعية، وتعرية القوى العاملة من مؤسسات حمايتها.
ان تغيير قيادة دولة الاحتلال ووصول رئيس جمهورية من الحزب الديموقراطي، لن يغير كثيرا من واقع الاحتلال وسياساته. فالذي يحكم اميركا فعلا هو قوى الرأسمالية الاحتكارية المعولمة، وخاصة التجمع الصناعي العسكري النفطي الذي يحدد السياسات الامبريالية الاميركية وتوجهاتها لخدمة مصالح هذا التجمع في العالم.
فقد كان التحول من الفكر الكينزي الى الليبيرالية الجديدة، بفعل المأزق الذي وصل اليه النظام الرأسمالي العالمي في السبعينات، وأدى الى إسقاط اتفاقات بريتن وودز واعتماد نظام النقد العائم، اي اللانظام النقدي العالمي.
وانفجرت العولمة بقيادة الفكر الليبيرالي الجديد، الذي اعاد احياء الداروينية الاجتماعية، وأسقط الجيلين الثاني والثالث من حقوق الانسان، المرتبطين بحقوق القوى العاملة الاقتصادية والاجتماعية، وبالحقوق الوطنية للدول في السيادة وحق تقرير المصير.
ومهد ذلك الطريق الى تنامي العدوانية الامبريالية والتي تمثلت بعودة الاستعمار المباشر واحتلال بعض الدول العربية والاسلامية. كل ذلك كان بغية المساهمة في حل مأزق الامبريالية الجديدة البنيوي، عبر تدمير جزء من الرساميل الفائضة من ناحية وزيادة نهب ثروات الشعوب والسيطرة على مصادر النفط ذي الاهمية الاستراتيجية الفائقة في هذا العصر.
فقد شكلت هذه الليبرالية في عصر الرأسمالية الاكثر احتكارية وعولمة ثورة رؤوس الاموال على القوى العاملة، وأطلقت حرية دول المراكز الرأسمالية المتطورة في نهب دول العالم الثالث، ووسعت الهوة بين دول الشمال ودول الجنوب كما بين من يملكون ومن لا يملكون في معظم دول العالم، وأوقعت معظم دول العالم الثالث في شبكة المؤسسات الدولية المسيطر عليها اميركيا، وشبكة الشركات الضخمة المعولمة، المالية والصناعية والتجارية.
إن زج العراق الواقع تحت الاحتلال في شبكة المصالح الامبريالية الاميركية، ودفعه لتطبيق حزمة السياسات الليبرالية الجديدة هو تأبيد للاستعمار والتخلف والقهر للشعب العراقي.
ليس هناك خيار آخر للتملص من هذه الهيمنة وهذا النظام سوى المقاومة، نهج المقاومة وفكر المقاومة الشاملة على كل المستويات للاحتلال ومخططاته وعملائه في الداخل. وكل أمل في استعادة استقلال العراق وحريته عبر ما يسمى بالعملية السياسية هو مجرد وهم وخداع ليس اكثر.
والذي يمكن المقاومة من الانتصار هو وحدة فصائلها حول برنامج مرحلي للتحرر، وتحويل المقاومة الى ثورة وطنية ديموقراطية شاملة، الى حركة تحرير وطنية، يتغلب لدى فصائلها التناقض الاساسي مع الاحتلال على كل التناقضات الثانوية الاخرى، وتبني برنامج اقتصادي يستهدف النمو المستقل للعراق، كما العدالة الاجتماعية في نظام ديموقراطي وعراق موحد.
عن صحيفة السفير اللبنانية
25/6/2008


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.