ما وراء التهدئة احمد عمرابي ما هو المغزى الكبير لاتفاق التهدئة بين إسرائيل و«حماس» الذي بدأ تطبيقه يوم الخميس المنصرم؟ هل يمكن أن يعتبر انتصاراً للحركة؟
من قبيل الدعاية السياسية تقول قيادة حماس في كل الأحوال إنه انتصار، ولكن لننظر في ما ورد على لسان شخصية إسرائيلية رفيعة لنستبين مدى مصداقية ما تقول به حماس: قال حاييم رامون نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي فور إعلان اتفاق التهدئة إن وقف إطلاق النار من الجانب الإسرائيلي يعتبر إقراراً بالفشل لإسرائيل، وأضاف: في الشرق الأوسط صراع بين الدول «المعتدلة» والإسلام المتطرف، وحين ينتصر هذا الأخير فإننا في إسرائيل نتعرض لهزيمة.
هل بذلك يمكن أن يقال: «وشهد شاهد من أهلها»، نعم.. بكل تأكيد، فقد أثبت الشعب الفلسطيني في قطاع غزة أولاً أن الحصار الإسرائيلي الكامل والشرس ضد أهل القطاع على مدى 12 شهراً قد فشل في كسر الإرادة الشعبية وصمود الجماهير وراء حكومة هنية.
وثانياً أن نتيجة هذا الصمود هي موافقة إسرائيل أخيراً على رفع الحصار وفقاً لبنود اتفاق التهدئة، وإلى ذلك يمكن أن نضيف أن تواصل عمليات حماس بإطلاق صواريخ على نحو شبه يومي طوال فترة الحصار لم يكن عملاً «عبثياً» وفقاً لما ظل يدلي به مسؤولو السلطة الفلسطينية من حين لآخر من قبيل الاستخفاف والاستهزاء.
فقد كانت موافقة إسرائيل على وقف العمليات العسكرية ضد غزة هي الثمن الذي دفعته مقابل أن توقف حماس إطلاق الصواريخ على مدن وقرى في الجنوب الإسرائيلي. بكلمة واحدة أثبت اتفاق التهدئة أن إسرائيل لا تتعامل على نحو جدي وإيجابي إلا مع منظمات المقاومة «الإرهابية».
فاتفاق التهدئة سيعقبه تفاوض «بوساطة مصرية أيضاً» يرجح أن ينتهي إلى قرار إسرائيلي بإطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية كثمن لإطلاق صراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليت المحتجز لدى حكومة حماس، وقبل هذا وذاك وافقت إسرائيل على إطلاق معتقلين لبنانيين من كوادر «حزب الله» مقابل تسلمها رفات عدد من جنودها القتلى.
وتتواصل العملية التفاوضية غير المباشرة تمهيداً لصفقة تالية بين الجانبين. ومن التطورات ذات الدلالة أن كلا من إسرائيل ومجموعة «الاتحاد الأوروبي» أسقطت معارضتها لمشاركة حماس في اجتماع يعقد الأسبوع المقبل «تشارك فيه أيضاً مصر والسلطة الفلسطينية» لتقرير مصير معبر رفح، وإزاء مثل هذه التطورات فإن المرء لا يملك إلا أن يتساءل: لماذا لا تتعامل إسرائيل مع السلطة الفلسطينية بمثل هذا القدر من الاحترام الذي تبديه نحو حماس وحزب الله؟ يقول مثل عربي: «المرء حيث يضع نفسه»! عن صحيفة البيان الاماراتية 22/6/2008