كيف ضاع حلم الدولة الفلسطينية؟ خيرالله خيرالله في متاهات السياسات الداخلية الإسرائيلية والوضعين الأقليمي والدولي، ضاعت الدولة الفلسطينية المفترض أن تبصر النور قبل نهاية السنة 2008 حسب وعد الرئيس بوش الابن. صار وعد الرئيس الأميركي في شأن دولة فلسطينية «قابلة للحياة» جزءاً من الماضي. سيتبخّر الوعد مع نهاية الولاية الثانية والأخيرة للرئيس بوش الابن. لن يبقى من تركة الرجل سوى العراق وما ارتكبته إدارته في العراق واستخدامها العراق لتغيير خريطة الشرق الأوسط عن طريق إثارة النعرات المذهبية والطائفية وتغيير موازين القوى الإقليمية لمصلحة دولتين غير عربيتين في المنطقة هما إيران وإسرائيل. لماذا تقبل إسرائيل بتسوية في وقت يمر الشرق الأوسط في مرحلة انتقالية ستنتهي عاجلاً أم آجلاً في إعادة رسم خريطته ان من الناحية الجغرافية أو من الناحية السياسية. إسرائيل تشعر بكل بساطة أن الوقت يعمل لمصلحتها مادام الشرق الأوسط يتجه إلى مزيد من الشرذمة في وقت تسعى إلى أن تكون هي «الدولة اليهودية» المعترف بها من العالم بهذه الصفة وحدها. في الأيام الأخيرة، صار إيهود أولمرت خارج اللعبة السياسية في إسرائيل بغض النظر عما إذا كان سيحتفظ بموقع رئيس الوزراء أم أنه سيجد نفسه مضطراً إلى تقديم استقالته في غضون أسابيع بعد زيارة يقوم بها للولايات المتحدة. تلقى أولمرت ضربة قوية من ايهود باراك زعيم حزب «العمل» وزير الدفاع في حكومته. ترنح رئيس الوزراء الإسرائيلي بعدما طلب منه باراك الاستقالة... وتلقى ضربة قاضية من تسيبي ليفني، نائب رئيس الوزراء وزيرة الخارجية، التي دعت إلى اختيار بديل من أولمرت. وتكمن أهمية ما قامت به ليفني في أن الدعوة إلى رحيل أولمرت جاءت هذه المرة من حزب «كاديما» نفسه الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء ومن شخصية تتمتع بموقع متميز على الخريطة السياسية في البلد. من الآن، يمكن الحديث عن انتخابات مبكرة في إسرائيل وعن خلط أوراق داخل الأحزاب الإسرائيلية نفسها بما في ذلك داخل حزب «كاديما». من يخلف أولمرت في حزب «كاديما»؟ من سيربح في الانتخابات الإسرائيلية التي بات متوقعاً أن تجرى في ديسمبر المقبل أو مطلع العام 2009؟ الدلائل كلها تشير إلى أنه لم يعد في الإمكان استبعاد فوز تكتل «الليكود» في الانتخابات وعودة بنيامين نتنياهو اليميني المتحجر، الرافض لأي تسوية من أي نوع كان في حال لم تكن بموجب الشروط الإسرائيلية، إلى موقع رئيس الوزراء. بالطبع، لا يمكن استبعاد مفاجآت، خصوصاً أن ليفني تعتبر النجم الصاعد سياسياً في إسرائيل ليس بسبب كونها تنتمي إلى عائلة سياسية عريقة فحسب، بل لأنها خيار آرييل شارون الذي قربها وأطلقها سياسياً. وقد استعاد شارون في السنوات التي سبقت دخوله في غيبوبة طويلة اعتباره لدى الإسرائيليين رغم أنه لم يقدم على أي مبادرة يُشتمّ منها أنه خدم قضية السلام في المنطقة. على العكس من ذلك، مارس شارون إرهاب الدولة ولم يقدم على خطوة الانسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة، إلاّ من اجل التركيز على تكريس الاحتلال لجزء من الضفة الغربية بما في ذلك القدسالشرقية، العاصمة المفترضة للدولة الفلسطينية المستقلة. ليس مستبعداً أن تتمكن وزيرة الخارجية من قلب الطاولة من منطلق أنها خليفة شارون ووريثه الشرعي رغم أن الاستطلاعات كلها تشير إلى أن حزب نتنياهو سيتقدم على «كاديما» و«العمل» في أي انتخابات تجرى قريباً. ولكن من الآن إلى تاريخ إجراء الانتخابات، هناك أمور كثيرة يمكن أن تحصل. سيتوقف ذلك على من سيخلف أولمرت في إسرائيل وما إذا كان الحل القائم على قيام دولتين، هما فلسطين وإسرائيل على أرض فلسطين التاريخية، لا يزال حلاً قابلاً للحياة... ولا يزال هناك من يؤمن به في إسرائيل نفسها. من الناحية النظرية، يبدو كل شيء معلقاً في انتظار الانتخابات الإسرائيلية. لم تعد هناك فائدة تذكر من لقاءات تجرى بين رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية السيّد محمود عباس (أبو مازن) ورئيس الوزراء الإسرائيلي. لا يزال رئيس الوزراء الإسرائيلي مصراً على مثل هذه اللقاءات حفاظاً على ما بقي من صورته لا أكثر. لم يعد لدى أولمرت ما يقدمه للفلسطينيين اللهم إلا إذا قام الرئيس الأميركي بجهد استثنائي لفرض الدولة الفلسطينية من جانب واحد واضعاً المجتمع الدولي أمام أمر واقع على غرار ما فعل في كوسوفو. ثمة حاجة إلى معجزة كي تقوم الدولة الفلسطينية قبل انتهاء العام 2008 ، ولكن يبقى السؤال: هل لا يزال الزمن زمن معجزات، خصوصاً مع إدارة مثل إدارة بوش الابن لم تقدم يوماً على مبادرة يمكن أن يفهم منها أنها تخالف الرغبات الإسرائيلية؟ المؤسف مع إدارة، مثل الإدارة الأميركية الحالية، يبدو زمن المعجزات وكأنه قد ولى إلى غير رجعة. في ظل هذه المعطيات، بات أكيداً أن القيادة الفلسطينية لم تعد تراهن على بوش الابن الذي يتحدث عن القضية الفلسطينية فيما عينه على العراق وكيف ستتطور الأوضاع فيه خلال الأسابيع المقبلة. يمكن اعتبار وقف الرهان على بوش الابن عاملاً صحياً. لكن ذلك لا يعني أن المطلوب الاستسلام للواقعين الأميركي والإسرائيلي. يفترض في الفلسطينيين أن يسألوا أنفسهم كيف سيستعدون للمرحلة المقبلة، مرحلة التجاذبات الداخلية في إسرائيل واكتفاء الإدارة الأميركية بالكلام عن الدولة الفلسطينية وكأن الكلام ينشئ دولاً. الواضح أن الاجتماع الأخير الذي عقده المجلس الثوري ل «فتح» لا يبشر بالخير إذ لم يصدر عنه ما يشير حتى إلى قدرة الحركة على استعادة وحدتها. أما «حماس» فتبدو مصرة أكثر من أي وقت على التشبث بسيطرتها على قطاع غزة وحكمه بالحديد والنار والمتاجرة بعذابات الشعب الفلسطيني... رافضة تحمل مسؤوليتها، ولو جزئياً، عن الحصار الظالم الذي يتعرّض إليه القطاع. بالنسبة إلى «حماس» التي رفضت اتفاق صنعاء عملياً، يبدو تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني وتحويله إلى مجتمع متخلّف، أهم بكثير من التخلص من الاحتلال. إنها مدرسة الإخوان المسلمين التي لا يهمها سوى السلطة حتى لو كان الشعب الجائع الذي يدفع الثمن. إنها مدرسة لا يهمها سوى استخدام حصار غزة في عملية التهجم على هذا الطرف العربي أو ذاك خدمة لسياسة لا علاقة لها من قريب أو بعيد بطموحات الشعب الفلسطيني التائق إلى الحرية والتحرر من الاحتلال وإقامة دولته المستقلة. في ضوء المعطيات الإسرائيلية والفلسطينية والدولية، كل ما يمكن قوله إن الحل في فلسطين مؤجل لسنوات. حتى البيت الفلسطيني يبدو غير مهيأ لحل أو تسوية من أي نوع كان بعدما تبين أن وجود الكيانين في الضفة وغزة يتكرس يوماً بعد يوم ليصير الكيانان الهزيلان بديلاً من الدولة الفلسطينية المستقلة «القابلة للحياة». صارت الدولة حلماً لا أكثر، أقله في المدى المنظور! عن صحيفة الرأي العام الكويتية 3/6/2008