اختارت الحكومة الإسرائيلية توقيتا مناسبا جدا للاعلان عن بناء نحو الف وحدة استيطانية جديدة في الضقة الغربية، وذلك قبل سفر رئيسها المتهم في ذمته المالية ايهود اولمرت الى واشنطن للقاء الرئيس الأميركي جورج بوش وعشية لقائه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس قبل توجهه الى واشنطن. وجاء الاعلان عن التوسع الاستيطاني بعد ايام من تحذير الفلسطينيين في الضفة من هدم منازل وتجريف اراضي بمساحات واسعة من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي. وكانما تريد تل ابيب وواشنطن الامعان في تجريد الرئيس الفلسطيني من اي مصداقية تبقت له لدى شعبه، حين يرى ان خياره المفاوضاتي لا ياتي عليهم الا بالجوع والحصار والقتل والاعتقال وسلب اراضيهم وهدم بيوتهم. ليس فقط الرئيس الفلسطيني وسلطته، بل ان ما يجري داخل الكيان الصهيوني انما بقدر ما يتعلق بصراعات سياسية بين كتله يستهدف ايضا توصيل الرسائل للفلسطينيين والعرب. فزعيم حزب العمل ، الارهابي ايهود باراك ، يضغط لازاحة اولمرت واجراء انتخابات مبكرة تأتي بحزبه الى السلطة. وباراك وزير الدفاع الذي يهدد يوميا باعادة احتلال غزة (ولو استطاع لفعلها ، لكنها الخشية من الكلفة على الاحتلال وليس تقديرا لاي عهد او شراء خواطر لاحد من العرب او غيرهم). وتعيد وسائل الاعلام ، ومنها بعض العربية السائرة في ركب اللبرلة المفتعلة والصهينة المستترة، تذكيرنا بان باراك هو من اغتال القائد الشهيد خليل الوزير (ابو جهاد) في تونس قبل نحو عقدين من الزمان. والخيار الآخر المطروح هو ان تتولى وزيرة الخارجية الإسرائيلية، تسيبي ليفني، وهي من حزب اولمرت (كاديما) الحاكم رئاسة الحزب والحكومة. وكذلك بدات وسائل الاعلام العربية المروجة للانهزامية والاستسلام تنقل عن وسائل الاعلام الصهيونية والناطقة بالانجليزية في لندنوواشنطن كيف ان ليفني ارهابية مخضرمة تولت بنفسها ابان عملها في المخابرات اغتيال قيادات مقاومة فلسطينية في انحاء مختلفة من العالم. وكانما هناك تحضير نفسي ، تلعب فيه بعض وسائل الاعلام العربية دورا مفضوحا ، للعرب (ولا اقول الفلسطينيين ، فالشعب الفلسطيني يعرف كل هؤلاء الارهابيين وجرب التعامل معهم ولا يهابهم) كي يقبلوا بأي شئ يلقى لهم من فتات على موائد مفاوضات، اي مفاوضات. صحيح انه لا غرو في ان يقوم الاعلام بدوره من توصيل المعلومة وتوعية الجماهير ، لكن هناك فرق بين تلقف التسريبات وتهويلها وبين التدقيق فيها ونشرها في سياقها، وبعض وسائل الاعلام العربية التي اقصدها تقوم بالأولى وليس بالاخيرة. وليس اغرب مما نسمع الآن ممن يسمون صقور الاحتلال يفكرون في اعادة احتلال قطاع غزة وتسليمه لسلطة الرئيس عباس وكأنما يمعنون في الضغط على الرجل كي يبدو امام شعبه وكأنه المأمون الوحيد على صيانة الاحتلال والذي يمكن ان يتفق معه الصهاينة على ترتيبات تضمن لهم الاستمرار في خططهم الاستيطانية دون اي مقاومة تذكر من الفلسطينيين. والحقيقة ان كل ذلك لا يبدو مستغربا الا لمن يراهن على ما تسمى التسوية السياسية مع احتلال استيطاني عنصري كل رموزه من الارهابيين. وتعزز رهان هؤلاء، ضعفا او تمنيا، بتصورات واهمة ان الأميركيين بعدما حصلوا على كل الدعم العربي لتدمير افغانستان وغزو واحتلال العراق يمكن ان يهتموا قليلا بقضية فلسطين. ذلك رغم ان الرئيس الأميركي بوش تراجع في زيارته الاخيرة للمنطقة عن ما تصوره العرب المعتدلين من انه وعد بالتوصل لاتفاق يضمن اقامة دولة فلسطينية قبل نهاية عهده، ليكتفي بالحديث عن "تحديد شكل الدولة الفلسطينية" قبل نهاية العام. وهذا على ما يبدو هو شكل الدولة الفلسطينية الموعودة أميركيا، بغض النظر عن من في سدة الحكم في قيادة الاحتلال: مجرد كيان هزيل تابع لإسرائيل يحمي امنها ومصالحها المباشرة ويتولى قتل روح المقاومة والاستقلال بين ابناء الشعب الفلسطيني لصالح الوعود الخادعة بوهم الاستثمار والرخاء. والشكل على ما يبدو في الواقع ليس تحديدا لحدود الدولة واطرها المؤسسية بقدر ما هو تحديد لمكاسب الصهاينة من تكوينها بالشكل الذي يريدون وبالاشخاص الذين يرغبون فيهم، بحيث يساعد ذلك الكيان الموعود على مد النفوذ الإسرائيلي من بيروت الى تونس ومن جنوب السودان الى شمال العراق. ومن الخطأ تصور ان الاستراتيجية الأميركية في المنطقة يمكن ان تتعارض مع هذا التصور الإسرائيلي ، فالمصالح الأميركية في المنطقة مرتبطة اساسا بتوسيع نفوذ الاحتلال سواء الأميركي المباشر كما في العراق او عبر الوكالة الإسرائيلية كما في فلسطين والدول العربية الاخرى. والمشكلة الاساسية هنا هي للدول العربية التي لا تزال تراهن ضعفا في الاغلب على دور أميركي في تسوية في المنطقة. قد يكون الامر تكرارا مملا ان نشير الى ان اي مفاوضات لا تستند الى قوة ليست مفاوضات وانما سلسلة تنازلات، وان اي سلام يتفق عليه دون حرب هو مجرد خضوع مذل. ولمن يريدون التخلص من صداع المقاومة، نذكرهم فقط بانها رصيد لهم حتى في مفاوضاتهم وتسوياتهم الموعودة اكثر منها عبئا كما يقول لهم الأميركيون الصهاينة.