أزمة العمل العربي المشترك حسين غربية اصبح لبنان اليوم الشغل الشاغل في محيطة العربي لحل الازمة القائمة بين مواطنيه. ومنذ اكثر من سنتين والازمة اللبنانية تتفاقم بشكل كبير للوصول الى ما يشبه الحرب الاهلية. وبالرغم من كثرة المبادرات العربية الا ان جميعها باءت بالفشل لحين ذهاب القادة اللبنانيين الى قطر. واللافت ان الخلاف العربي لم يكن مستترا كالعادة بل ظهر الى العلن وبشكل كبير لدرجة اصبحت المحاور العربية واضحة وضوح الشمس. فليلة ذهاب الوفود اللبنانية الى قطر اطل احد وزراء الخارجية لدولة عربية كبرى ليعلن انحيازة الى فريق لبناني في مواجهة فريق لبناني اخر. وخرج اللبنانيون برعاية فردية من دولة قطر بدلا من الجامعة العربية لتحقيق تفاهم بين الاطراف اللبنانيين. والمفارقة ايضا ان بعد خمسة ايام من المباحثات اتفق الاطراف على وبقدرة قادر في ظرف سويعات بعد ان فقد اللبنانيون الامل بعد خمس ايام من المباحثات. فان دل هذا على شيء فانما يدل على مدى عمق الخلاف العربي العربي حيث كان من الواضح الاثر الاقليمي والدولي في الوصول الى هذا الاتفاق بدلا من ان يكون الحل عربيا صرفا. على الرغم من اهمية الموضوع اللبناني الا ان موضوع هذه المقالة ليس لبنان بقدر القاء الضوء على اسباب الضعف العربي في معالجة الخلافات العربية بواسطة الجامعة العربية. ان مصطلح التعاون العربي العربي اصبح احدى استعمالات الترف الفكري عند الكثيرين من المفكرين السياسيين العرب. وهذا التعاون الذي من المفترض ان يكون مجسدا بما يسمى الجامعة العربية، الا ان هذه الجامعة لم تستطع سوى ان تكون صورة عن الانظمة العربية المكونة لها. فمن ناحية هي اشبه بما كانت عليه الاممالمتحدة في زمن القطبية الثنائية من حيث النزاع بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الاميركية الذي ادى الى حرب باردة وتعليق الكثير من النزاعات الدولية في فضاء اللاحل. فلم يكن للامم المتحدة حينها الفاعلية الكبيرة للقيام بما عليها القيام به. فمنذ تاسيس الحلم العربي في الوحدة عبر انشاء الجامعة العربية، الا ان الصدمة كانت وما زالت مستمرة حتى يومنا هذا لعقم هذه المؤسسة التي لم تنجح في حل اي من النزاعات العربية العربية وانما فقط في تجميد هذه الازمات لتعود وتنفجر في اوقات اخرى. فما هو سبب ذلك؟ كما الاممالمتحدة تتكون الجامعة العربية من انظمة سياسية متعارضة ومتنافسة لكل منها اجندتها الخاصة. حيث انقسم اعضاء الجامعة الى ثلاثة اقسام: القسم الاول وهو ما عرف بالمحور المحافظ ويتكون من الدول ذات الانظمة الوراثية وعلى رأسه السعودية. اما المحور الثاني فكان يتكون من الدول ذات الانظمة الاشتراكية والمسماة التقدمية وعلى رأسه مصر اما المحور الثالث فلم يكن محورا بالمعنى الصحيح للكلمة بقدر ما كانت سياسة دوله مستقلة ومحايدة بين المحورين الاول والثاني ونعني هنا تونس وعمان. اما لبنان فكان وما زال حالة خاصة. ونعني بالحالة الخاصة انه منقسم الى فريقين وهما الفريق العروبي والفريق المناهض له. هذا التمايز بين المحورين المحافظ والتقدمي ادى وبشكل بديهي الى تمايز الاهداف بين دولهم وبالتالي الى تضارب مصالحهما. وليس ادل على ذلك الصراع الذي كان قائما بين رأسي المحورين الملك فيصل وعبد الناصر حيث كانت حرب اليمن احد اوجه الصراع بينهما. هذا لا يعني بأن مكونات كل محور كانت سياسته منسجمة فيما بينها، بل على العكس كان الخوف والحذر من السمات الاساسية للعلاقة بين دول كل محور. فالخلافات ضمن المحور المحافظ كانت على اشدها وخصوصا فيما يتعلق بالحدود. فالخلاف القطري السعودي، والاماراتي السعودي، والبحرين القطري الى ما هناك كانت على اشدها. وكذلك كانت الحالة نفسها بين دول المحور التقدمي ليست باحسن حال. فالخلاف السوري العراقي، والمصري العراقي، والسوري الليبي الى ما هنالك من خلافات. هذه الحال العربية تدعونا الى التساؤل عن مقومات قيام التجمع الاقليمي، هل هو وجود رقعة جغرافية واحدة ام ان يكون هناك التزام بالتجمع من قبل دولتين او اكثر ام وجود تفاعل حقيقي بين دول التجمع ام هو كل هذه الامور الثلاثة مجتمعة؟. فاذا وقفنا على هذه العوامل الثلاثة لقيام التجمعات الاقليمية نجد ان الجامعة العربية حققت العنصرين الاول والثاني، اما فيما يتعلق بالعامل الثالث وهو التفاعل بين اعضاء هذا التجمع، فاننا نقف حائرين والسبب هو ان العرب لديهم اغلب مقومات التفاعل ومع ذلك فان الخلاف والتصادم كان ولا يزال على اشده فيما بينهم. فهذه الدول تتكلم العربية ولديها التاريخ المشترك ولديها الدين الواحد ذو الاغلبية السنية بنسبة 80?، ومع ذلك لم تؤد هذه العوامل المشتركة الى التأسيس لتفاعل قوي بين اعضاء الجامعة العربية، فلماذا؟ هذا ما سنحاول الاجابة عليه ولكن من المفيد اولا ان نلقي بعض الضوء على تجمع اقليمي اخر يفتقد لما يتمتع به العالم العربي من مقومات الا انه اصبح من انجح التجمعات في العالم وهو الاتحاد الاوروبي. تميز تاريخ اوروبا بالصراع الدموي بين دوله كما انهم يتكلمون لغات مختلفة كثيرة وعلى الرغم من انهم مسيحيو الديانة الا انهم متفرقو المذاهب بين بروتستانت وكاثوليك وارثوذكس، ومع ذلك نجحت دول اوروبا في الوصول الى الاتحاد الاوروبي بالرغم من هذه الفوارق الاساسية، فما هو السبب؟ ان الاجابة على هذا السؤال ستؤدي بنا الى معرفة اسباب فشل العمل العربي. فمنذ عصر النهضة والثورة الصناعية في اوروبا وصولا الى مؤتمر وستفاليا الذي اقرت فيه الدول القومية باعتراف القوى الاوروبية آنذاك ببعضها البعض وبذلك كانت الدولة القومية هي ثمرة الثورة الصناعية وعصر النهضة اللذين اديا الى تحولات اجتماعية كبيرة على صعيد الانظمة السياسية حيث تقلصت صلاحيات الملك تدريجيا الى صالح الشعب. فتحولت الملكيات من ملكيات مطلقة الى ملكيات دستورية مقيدة. اذن فهذه التطورات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لم تكن منحة من السلطات الى شعوبها بل على العكس كان سبب هذه التحولات هو التفاعل الكبير الذي حصل على مستوى القاعدة الشعبية التي فرضت في نهاية الامر ارادتها على السلطة القائمة. ومنذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين انفرزت الدول الاوروبية الى دول ديموقراطية ودول غير ديموقراطية، الى ان اتضح هذا الفرز وبشكل اوضح بعد الحرب العالمية الثانية حيث انقسمت اوروبا الى قسمين وهما اوروبا الغربية واوروبا الشرقية حيث ان جميع دول اوروبا الغربية تبنت الليبرالية اي انها تبنت نفس الاسس السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وفي المقابل كان المعسكر الشرقي الذي تبنى الاشتراكية ذات الملامح الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الواحدة. ولكن الفارق بين الاثنين هو ان المعسكر الغربي تبنى الديموقراطية المبنية على ارادة الشعب مع صون المصلحة الفردية المحركة لهذا النظام. هذا في مقابل المعسكر الاخر الذي تبنى سياسة الحزب الواحد (الدكتاتورية) ولم يكن للشعب الحرية من اجل تحديد ما يريد بل كان الحزب هو الوصي على مصلحة شعبه. ان هذا الفارق الجوهري افرز المعسكرين الغربي والشرقي لاوروبا، حيث كان جدار برلين المثل الصارخ للتفرقة بين الاثنين. ان الديموقراطية التي تبنتها اوروبا الغربية جعلت شعوب دولها تتقارب بشكل كبير من حيث التفكير حيث كانت المبادرة الفردية هي اساس بدء نواة الاتحاد الاوروبي، وكان ذلك بداية في اتحاد شركات الفحم والحديد في اواسط الخمسينيات من القرن العشرين وتطورت بعدها الى السوق الاوروبية المشتركة لتصل بعدها الى الاتحاد الاوروبي. ان الوصول الى هذا الاتحاد استمر قرابة ال400 عام من التطور حيث كان الفرد والمواطن الحجر الاساس في هذا التطور. وتضخم هذا الاتحاد وبشكل كبير بعد سقوط الشيوعية وتحول انظمة دول اوروبا الشرقية السابقة من النظم الاشتراكية الى النظم الديموقراطية وبذلك ازيل الحاجز الذي كان يمنع تعاون دول اوروبا الشرقية مع الدول الغربية، وبذلك توج بناء الاتحاد الاوروبي على اسس اقتصادية واجتماعية وسياسية واحدة وعلى قاعدة الديموقراطية. اما بالعودة الى عالمنا العربي وجامعته العربية فاننا نجد ان هذه الجامعة تتكون من انظمة متعارضة ومختلفة الاهداف والتوجه. فهل يكفي ان نكون عربا او مسلمين او سنة او لدينا وحدة التاريخ لنتحد او لنتفاعل بشكل ايجابي؟ فان كانت هذه الاسباب هي الاسباب الاساسية فلماذا اذن لم يصل العرب ليس للوحدة بل للحد الادني من التفاعل البناء؟ بل على العكس نجد العرب مختلفين متناحرين؟ ان مستوى الفشل العربي لا يقتصر على الجامعة العربية فقط بل طال تجمعات عربية اخرى اقل حجما كمجلس التعاون الخليجي والاتحاد المغاربي. فعلى الرغم من التشابه الكبير للانظمة الخليجية التي تقوم على اسس وراثية ولديها البنية الاجتماعية والاقتصادية ذاتها والتي قوامها البترول والقبيلة. هذا بالاضافة الى كونهم عربا ومسلمين سنة. فان اقل ما يمكن وصف العلاقة بين هذه الدول هو العلاقة الحذرة التي لم تخلو من اشكالات كبيرة فيما بينهم. حتى ان بعض الخلافات الحدودية فيما بين بعض دولها لم تحل الا عن طريق المحكمة الدولية كمشكلة الجزر بين كل من قطر والبحرين. فلا الجامعة العربية ولا مجلس التعاون استطاعا ان يحلا المشكلة. فان دل هذا على شيء فانه يدل على عدم الثقة بهذه المؤسسات. قد يختلف البعض على هذا التحليل سواء فيما يتعلق بالجامعة العربية او بمجلس التعاون الخليجي ويقول بان رغبة الشعوب العربية هي رغبة جامحة للعمل المشترك او للوحدة، وان الوحدة السورية المصرية من 1958 1961 هي دليل على ذلك. ولكن في المقابل فان السؤال هو لماذا فشلت هذه الوحدة بعد ثلاث سنوات فقط. يتضح من خلال هذا السياق بان المجتمعات العربية منذ ان تأسست في بدايات القرن العشرين حسب اتفاقية سايكس بيكو مختلفة الاسس والاهداف. وقد عملت بعض الدول العربية على تأسيس الجامعة العربية في سنة 1945 واغلب الدول العربية كانت تدور في فلك القوى العظمى المنتدبة او كانت تحت الاستعمار. وسبقت الجامعة العربية في تأسيسها السوق الاوروبية المشتركة بحوالى العشر سنوات. ولكننا نجد ان الفشل هو السمة المتلازمة مع الجامعة العربية والنجاح هو السمة المتلازمة مع الحالة الاوروبية، فما هو السبب؟ ان المطلع على النظم السياسية في كلا المنطقتين يجد ان في المنطقة الاوروبية ان المواطن الاوروبي وبالتالي الشعوب الاوروبية كانت ومازالت محور هذا النجاح حيث انطلق التغيير صعودا من القاعدة الى القمة، ولم تكن الانظمة سوى اداة لتنفيذ رغبة المواطن. بمعنى اخر فان الديموقراطية الاوروبية سمحت لشعوبها ان يكون لها القرار الاساس والصلاحية في صنع القرار السياسي في بلدانها سواء عن طريق الانتخابات او الاستفتاءات التي تعمل السلطات السياسية على تنفيذها وترجمتها.
اما في الحالة العربية فلم تكن الحال نفسها اي لم يكن للشعوب دور في تقرير او التأثير في صنع القرار السياسي بل كانت دائما الامور متعلقة برغبة الحكام الشخصية حيث تم اسقاط قرار تأسيس الجامعة العربية من قبل الزعماء على شعوب العالم العربي. ولم يكن الشعب العربي مهيئا لمثل هكذا خطوة. فلطالما عاش العرب كجزء من منظومة سياسية كبيرة جمعت العرب مع غير العرب تحت لواء «الاسلام». فتحت اي لواء سينضم العرب بعد تأسيس الجامعة العربية؟ فمنذ تأسيس الجامعة العربية ولحين استقلال الدول العربية كافة كان الخلاف الكبير بين المعسكرين العربيين وهما المعسكر المحافظ والمعسكر التقدمي، وكان لكل منهما تحالفاتهما الدولية المتعارضة. ولم يكن هناك من سبيل لرأب الصدع بينهما حتى اليوم. ان الشعوب العربية لم تكن مهيأة على استيعاب مثل هكذا حدث وبالتالي سيطرت رغبات القادة العرب على ادارة دفة العمل السياسي ولم يكن للمواطن العربي اي فاعلية في التأثير على صنع القرار السياسي. وليس على الصعيد الفردي فحسب بل على صعيد النخب والاحزاب السياسية ايضا. فهل تغيرت الحال اليوم؟ هل اصبح للمواطن العربي دور في التأثير على صنع القرار السياسي؟ ام ما زالت الشؤون الحياتية رهن اشارة الرئيس الممسك بزمام الامور؟ هل استطعنا ان نصل الى دولة القانون في العالم العربي حيث يكون القانون فوق الحاكم والمحكوم؟ ان الشعور بالاسى هو الغالب على المواطن العربي الحر حيث يجد رغم كل الفساد المستشري في العالم العربي لم يتهم او يحاسب اي من القيميين على السلطة، بينما العدو الاسرائيلي لا ينفك يتهم ويحاسب قادته سواء بتهم التقصير في القيام بمهامهم او بتهم بالفساد. عن صحيفة السفير اللبنانية 31/5/2008