« سمّع » الدرس جهاد الخازن كنت أتوقع أن يكون خطاب الرئيس جورج بوش في شرم الشيخ سيئاً. وهو جاء كما توقعت أو أسوأ، فقد بدأ بالقول إنه يحترم تاريخ مصر العظيم ثم أكمل بإهانة مضيفيه وشعوب المنطقة كلها. وقرأ من شاشة أمامه ما كتب له. فقليلاً ما رفع عينيه عنها. وأرجو من القارئ القادر أن يقارن بين تسجيلي خطابه وخطاب الملك عبدالله الثاني قبله، فعاهل الأردن لم ينظر الى الشاشة الا نادراً في حين أن الرئيس الأميركي «سمّع» الدرس كما كنا نفعل صغاراً في المدرسة. بما أن جورج بوش الابن تحدث كثيراً عن الحرية والديموقراطية، وبما أنني سأفنذ بعض آرائه، فإنني أسجل من البداية أن الدول العربية كلها من دون ديموقراطية أو حقوق انسان أو حكم قانون مستقل أو حرية كلام أو حقوق المرأة. ثم أسجل أن انتقادي موجه فقط الى ادارة بوش، والإشارة الى أميركا مجرد مجاز، فالولاياتالمتحدة بلد ديموقراطي رائد في الحريات، والشعب الأميركي فوق أي نقد، إلا أن إدارة بوش خذلته وخذلتنا. جورج بوش تحدث عن أهمية الديموقراطية، كأن الموضوع محل جدال، واستشهد بتركيا وأفغانستان والعراق. أقول إن ليس لإدارة بوش أي دور في الديموقراطية التركية الموجودة، وأن افغانستان والعراق بعيدان من الديموقراطية فهذه لا تستحق اسمها إذا كان ثمنها مئات ألوف القتلى مع تدمير وإرهاب. العراق شهد انتخابات طائفية أفرزت برلماناً طائفياً، والقتل والتدمير مستمران، وأتمنى لرئيس الوزراء نوري المالكي النجاح، إلا أن هذا لن يتحقق بمساعدة الطرف المحتل الذي دمر البلد. أما افغانستان فهي ليست بلداً مستقلاً، ناهيك عن أن تكون ديموقراطية، والرئيس حميد كارزاي لا يتجول بحرية في أكثر من نصف كابول، وتحت حماية حرس أجنبي. إذا كانت افغانستان، أو كان العراق الحالي، نموذجاً للديموقراطية الموعودة، فإنني كمواطن عربي لا أريدها. بعد ذلك تحدث الرئيس بوش عن التجارة والإصلاح الاقتصادي وحرية المنافسة. ومرة أخرى، هذه القضايا ليست موضوع جدال حتى يحاضرنا الرئيس الأميركي فيها، ثم أنه هو تحديداً آخر من يحق له أن يحاضر في الاقتصاد، فقد تسلم اقتصاداً أميركياً مزدهراً وفائضاً في الموازنة بحوالى ترليون دولار، وسيترك البيت الأبيض والاقتصاد الأميركي في أزمة، وربما يواجه انهياراً لا مجرد انكماش، وقد جرّ اقتصاد العالم كله معه الى حافة الهاوية بسبب سياسات إدارة بوش الخرقاء المتطرفة. بوش قد يكون رئيس أميركا الا انه ملك البديهيات، فبعد الحديث عن الديموقراطية والحرية وأهمية التجارة انتقل ليحاضرنا عن أهمية التعليم. ولا أقول سوى انني كنت أتمنى لو تعلم جورج بوش الانكليزية، فهو يتكلمها كغريب عنها. ومن التعليم الى المرأة وحقوقها، واستشهاد بتقدم المرأة في الكويت والعراق وبنجاح سيدة في البحرين. حقيقة الأمر ان المرأة في الكويت كانت متقدمة دائماً، ولا فضل في ذلك لأميركا، وأن المرأة في العراق لم تضطهد يوماً كما اضطهدت، بعد الاحتلال الذي جاء بالقاعدة وكل الإرهابيين الآخرين الى بلد لم يعرفهم من قبل، وبدأوا محاولة جرّ المرأة العراقية الى عصور الظلام التي لم يخرجوا منها، ثم ما دخل جورج بوش بنجاح هدى الجناحي؟ هل ساعدها بشيء؟ طبعاً لا. الرئيس الأميركي أكمل ببديهية أخرى هي ضرورة الانتخابات، وحقوق المعارضين، حتى انه دافع عن الصحافيين. واقول إننا نعرف هذا، ولكن أذكّره بقتل القوات الأميركية صحافيين في العراق، كما فعلت القاعدة، وبحديثه مع توني بلير عن إمكان شن غارة جوية على «الجزيرة». كلام جورج بوش عن الفلسطينيين وحقوقهم جميل، إلا أنه كلام، والولاياتالمتحدة تؤيد الإرهاب الإسرائيلي ضدهم بالسلاح والمال والفيتو في مجلس الأمن الى درجة المشاركة فيه. وهو أشار الى «إرهابيي حزب الله» والى أن «ميليشيات حزب الله عدو لبنان»، وأنا لي ألف اعتراض على سياسة حزب الله داخل لبنان، إلا أنه يبقى حركة تحرر وطني في وجه الإرهاب الإسرائيلي، ومثله حماس والجهاد الإسلامي، وأرد الى الرئيس محاولته جمع أسماء القاعدة وحماس وحزب الله معاً، فهو جاء بالقاعدة الى العراق والإرهاب اسرائيلي بتأييد أميركي. أخيراً الرئيس بوش قال إن سورية وايران تستحقان قيادة أفضل. أقول ربما. غير أن الولاياتالمتحدة تستحق قيادة أفضل، لأن القيادة السيئة في سورية أو ايران يبقى أذاها محلياً أو اقليمياً غير أن أذى القيادة السيئة في أميركا، أي إدارته، يلف العالم، وهي تحاضرنا في الفضيلة. في مثل إدارته قيل «لك الويل لا تزني ولا تتصدقي». عن صحيفة الحياة 26/5/2008